قراءة في ديوان توأم الرّوح
عن دار الجندي للنّشر والتّوزيع في القدس صدر قبل أيّام ديوان الشّعر الأوّل للشّاعر المقدسيّ د.عزّالدّين أبو ميزر تحت عنوان "توأم الرّوح"، ويقع الديوان الذي يحمل لوحة للفنان ناصر زلّوم في 110 صفحات من الحجم المتوسّط.
أن يصدر ديوان شعر للمقدسيّ الدّكتور عزّالدّين أبو ميزر بعد أن تجاوز الثّمانين عاما من عمره، لا يعني أنّ شاعرنا قد قرض الشّعر متأخّرا، فمنذ وعيت الحياة كنت أقرأ قصائد للدّكتور الشّاعر على صفحات جريدة القدس في سبعينات القرن العشرين، وعلقت تلك القصائد العموديّة في ذاكرتي تماما مثلما هو اسم الشّاعر الذي كنت أتمنّى لقاءه ومعرفته شخصيّا، مع أنّ عيادته لطبّ الأسنان في شارع صلاح الدّين في القدس كانت معروفة للجميع. وشاءت الصّدف أن يلتقي زميلنا في ندوة اليوم السابع الثّقافية المقدسيّة الأديب ابراهيم جوهر بالشّاعر أبو ميزر قبل أكثر من سنة، وأن يدعوه لحضور الندوة، فلبّى الدّعوة وواظب هو وزوجته الفاضلة على حضور جلسات النّدوة، التي تعقد مساء كلّ يوم خميس في المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ في القدس منذ سبعة وعشرين عاما، فتعرّفنا على شاعرنا عن قرب، ووجدنا فيه الشّاعر الموهوب، والمثقّف الذي يواظب على تثقيف نفسه، تماما كما يواظب على كتابة الشّعر.
وممّا لفت انتباهنا أنّ الطبيب الشّاعر قد قرض الشّعر للتّعبير عن أحاسيسه ومشاعره، مستغلا موهبته في القريض، لكنّه - كما يبدو- لم يرد احتراف الشّعر، فهو يكتب ما تفيض به روحه وأحاسيسه، دون أن يفكّر باصدار ديوان شعريّ واحد، فقد حصر جهده وعلمه وطموحه في مهنته كطبيب انسان التي احترفها منذ العام 1959، واكتفى من الشّعر بأن يكون هاويا، مع أنّ ما القصائد التي كتبها تكفي لاصدار ما يزيد على خمسة دواوين شعريّة.
وفي ندوتنا "ندوة اليوم السّابع" التي حظيت بانضمام الدّكتور الشّاعر أبو ميزر لها، ليكون إضافة نوعيّة لرّوادها، أراد شاعرنا أن يردّ الجميل بجميل مثله، فأصدر ديوانه الشّعريّ الأوّل ليتزامن صدوره مع احتفالات النّدوة بدخولها العام الثّامن والعشرين من عمرها، حيث انطلقت في آذار-مارس-1991 لتكون منبرا ثقافيّا لافتا في القدس الشّريف، ونأمل أن تتوالى إصداراته حتّى يصل شعره بين دفّات الكتب لقرّاء الشّعر وعاشقيه.
ومن يقرأ الدّيوان سيجد أن شاعرنا ذو موهبة شعريّة لافتة، فقصائده التي تتوزّع بين الشّعر العموديّ المقفّى، وبين الشّعر الحرّ، جميعها قصائد موزونه، فشاعرنا له موقف ورأي من "قصيدة النّثر" التي لم يكتبها، ولا يكاد يعترف بها مع أنّه لا يعترض على من يكتبونها.
ومع أنّ الشّعر لحظة شعور، فإنّ شاعرنا يجيد صياغة الجملة الشّعريّة التي تزيّنها الصّور الشّعرية التي تحاك بلغة فصيحة بليغة ظاهرة الجمال، لذا فهو يعبّر عن مشاعره بعفويّة تامّة، لا تقعّر في لغتها، فالقصائد تتحدّث عن القدس الشّريف التي تسكن روح ووجدان الشّاعر كما يسكنها، بحيث اعتبرها توأم روحه، ومن هنا جاء اسم الدّيوان "توأم الرّوح"، وشاعرنا الذي تثقله هموم القدس بشكل خاصّ، وهموم الوطن والشّعب بشكل عامّ حزين لما يجري في القدس وفي "أقصاها وقيامتها" التي تئنّ من ثقل بساطير جنود الاحتلال ومستوطنيه، لا ينسى دماء الشّهداء وأنين الأسرى في غياهب المعتقلات، تماما مثلما هو مثقل بهموم الوطن العربيّ الكبير الذي ترهقه الهزائم المتلاحقة.
وشاعرنا الباسم دوما، متفائل بحتميّة النّصر والخلاص، لا تخلو قصائده من المضامين الدّينيّة التي تشحن القارئ بالتّفاؤل، وأنّ أجمل الأيّان قادمة لا محالة.
وسوم: العدد 761