"طلال بن أديبة" بين الألم والأمل

clip_image002_199cf.jpg

سيرة ذاتيّة موجّهة للأطفال، خطتها القاصّة أريج يونس من الأردن لرجل الإقتصاد الفلسطيني المعروف طلال توفيق أبو غزالة، بأحرف تشعّ طاقة إيجابيّة تنتشر في كل من يقرأها لتكون أنموذجا يحتذى به.

صدرت السيرة الذاتية بين دفتي كتاب يحمل عنوان "طلال بن أديبة" يقع في 37 من الصفحات المصورة التي تزخر بالقيم والمبادىء والسلوكيات الحسنة التي نسعى لغرسها في نفوس أطفالنا، فبين الألم والأمل طلّت علينا الكاتبة يونس بالعديد من الأحداث والتفاصيل التي جعلتنا نشعر بالفخر بهذا الرجل الفلسطيني العصاميّ، الذي كان عنوانا للجد والنشاط والذكاء وحمل العديد من المبادىءودافع عنها، وأثبت أنه قادر على تحقيق حلمه الذي كبر معه يوما بعد يوم، فحقق الحلم بإرادته ومثابرته وجده وتعبه، إذ آمن بقول الله تعالى: (إنّ الله لا يضيع أجر من أحسن عملا ) صدق الله العظيم.

جاء (طلول) -كما كانت تدعوه والدته- من عائلة فلسطينية ميسورة، عاشت في يافا قبل عام 1948 ، تمتلك كغيرها من العائلات اليافاوية بيارات مليئة بأشجار البرتقال. كان (طلول) الذي ولد عام 1938 يعيش حياة سعيدة هنيئة مع أسرته، يحمل بيده الصغيرة سند ملكيته لقطعة أرض كتبها والده باسمه وهو لا زال طفلا. وقد أطلق طلول على  الوثيقة اسم " خريطة الكنز"، فقد اعتبر الأرض كنزا، فلا يوجد أغلى من أرض الوطن. إلى أن جاء عام النكبة وتم تهجير الفلسطينيين من قبل العصابات الصهيونية، فغادرت عائلة  أبو غزالة يافا قسرا ولجأت إلى جنوب لبنان، على أمل العودة، فلا  زالت الأم أديبة  تحتفظ بمفتاح  باب منزل العائلة.. فعذاب الحنين إلى أرض البرتقال يدمي القلوب.

القيم الواردة في السيرة الذاتية جاءت بصورة جميلة دون إقحام، لم تثقل على القاريء. بل أتت في سياق مقنع غير دخيل، أذكر بعضها:

- اعتبر طلال أنه حصل على كنزين: الكنز الأول تمثل في وثيقة سند ملكيته لقطعة أرض في يافا كتبها والده له وهو ابن اربع سنوات، فلا يوجد أغلى من أرض الوطن. أما الكنز الثاني فهو حصوله على شهادته الجامعية التي فتحت له الآفاق ليدخل سوق العمل .

- علينا تكريس طاقاتنا لتحقيق أحلامنا بجدنا وتعبنا وإصرارنا وإرادتنا وليس فقط بالامنيات والأحلام. بالتحدي نتخطّى العقبات، ونغزل من قسوة الحياة مستقبلا زاهرا.

- دعوة إلى النشاط والصحوة المبكرة، حيث جاء القول على لسان الأب: ( الله يوزع الأرزاق على العباد في كل صباح).

- عندما تم تهجير العائلة من يافا، لفت نظري وصف الكاتبة للأسلوب الذي تعامل به الوالدان مع الطفل طلال ابن العشر سنوات، فرغم الخوف والتوتر والقلق الا أنهم تعاملا بذكاء وهدوء كي لا يدبان الرعب في نفس ابنهما.

- زرع الوالدان في طلال حب العلم فهو السلاح الأمثل الذي به يسترد عزته وكرامته.

- دعوة إلى تحمّل المسؤوليّة، فقد عمل وهو طالب في المدرسة ببيع المثلجات، وبعدها محاسبا في سوق الخضار.

- دعوة إلى الاعتداد بالنفس وعدم الخجل من الفقر وقلة ما باليد، فقد سخر منه أبناء صفه عندما جاء مبلولا من المطر، فلم يمتلك نقودا لكي يركب سيارة توصله إلى المدرسة كغيره من زملائه، فوصل مبلول الملابس، خاصة وأن أمه أخاطت له معطف صوف من بطانيات، لا يرضى أن يلبسه أي طالب لا يثق بنفسه وبأسرته.

- دعوة إلى الجرأة والمبادرة للوصول للهدف، فقد كان طلال يحلم بأن يلتحق بمدرسة المقاصد الإسلامية الثانوية بعد أن تخرجه من مدرسته الابتدائية، ولكنه لم يمتلك المال، فلبس هنداما مرتبا. إذ أن الانطباع الأول دائما مهم لأي لقاء.  وذهب إلى مدير المدرسة يطلب منه أن يسجله في المدرسة مقابل أن يحصل على الترتيب الأول بصفه، وإن لم يلتزم بوعده سيسدد له القسط. فوافق المدير.

هذا الموقف يعلم الطفل الجرأة، الارادة، التحدي، المفاوضات والالتزام، وعلى رأس كل هذا يعلمه المبادرة، فلم يطلب من أحد أن يقوم بهذا الدور، اعتمد على نفسه، وعمل بالمثل القائل: لا يحك جلدك إلا ظفرك.

- حصل طلال على منحة دراسية في الجامعة الاميركية في بيروت بسبب  تفوقه وحصوله على المرتبة الأولى في امتحان الثانوية العامة في لبنان، نتيجة تعب وجد وتخطيط وإرادة، كلها رسائل للقارىء، فلم تأته المنحة بالصدفة ولا بالواسطة، إنما كان استحقاقا، مما زاد ثقته بنفسه أكثر وأكثر، فواصل بجده ومثابرته وحصل على الجوائز المختلفة التي تشهد له بأنه يستحق التكريم.

-  الرأفة والكرم كانتا صفتين في طلال ظهرتا من خلال اعطاء خالد حبة من البوظة دون مقابل عندما كان طلال يبيع المثلجات، فلم يمتلك خالد ثمن حبة البوظة، ولم يهن على طلال أن يرى جميع الاطفال يأكلون البوظة وخالد ينظر إليهم من بعيد. كبرت معه هذه الروح، فقد كان مؤمنا بأنه كلما أعطيت أكثر رعتك يد الله أكثر،  فأحبه كل من عرفه، وعندما ترك عمله في الشركة التي عمل فيها بالكويت، غامر بعض العمال باستقالتهم من الشركة، إذ وثقوا به، ووضعوا أيديهم في يده، وغامروا بالعمل معه في مشروع ما كان قد رأى النور بعد. وبحمده تعالى، وفقه الله وتوسعت مشاريعه وشركاته التي انتشرت في بلدان العالم تحمل اسمه.

- الخيرة فيما اختاره لنا الله، مقولة آمن بها طلال، فقد فضل أن يدرس اللغة الانجليزية في الجامعة، إلا أن باب التسجيل لهذا التخصص كان قد أغلق، فاضطر أن يدخل كلية التجارة، فلم يغضب طلال ، بل آمن بأن لا تكرهوا شيئا وهو خير لكم ، فتوكل على الله وكان كل الخير في التخصص الذي درسه.

- دعوات الوالدين كانت جليّة واضحة في السيرة الذاتية في كل مراحل عمره، وهي تعزيز للوالدين ورضاهم على الأبناء.فالتوفيق يأتي برضا الوالدين.

- عنوان السيرة " طلال بن أديبة" جاء داعما لدور الأم في حياة الطفل، وتكريما للمرأة ، الذي يشعر البعض بالحرج من لفظ اسمها، فيدعوها بأم كذا، أو يكتفي بأنها كريمة فلان، أو زوجة فلان.  وهي ثقة لطلال بن أديبة بالنفس، فهو يعتز بأمه وبدورها في حياته الذي دفعه نحو النجاح والتفوق والتميز.

لي ملاحظة وحيدة على السيرة الذاتية، فلم أتعرف على إخوة طلال، إذ ظننت في البداية أنه وحيد والديه، ولكن في إحدى الصفحات تم ذكر ( شقيقتنا الكبرى)، و(شقيقتي الصغرى). ترى كيف كانت  طبيعة العلاقة مع إخوته، وهل هو الطفل الذّكر الوحيد في الأسرة؟ فلا بد أن يكون للأشقاء دور في حياة الطفل. تم تغييبهم كليا في السيرة.

وفي الختام، أعتبر أن سيرة طلال بن أديبة موسوعة من القيم التي على كل طفل أن يقرأها، ليتعرف على الحياة، ويدخلها بخطى ثابتة، بعد أن يكون قد تعرف على أهم مفاتيحها التي توصله إلى أبواب تحقيق أحلامه.

وسوم: العدد 761