ديوان توأم الرّوح في اليوم السابع
القدس: 8-3-2018 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس ديوان الشّعر "توأم الرّوح للشّاعر المقدسيّ د.عزّالدّين أبو ميزر، ويقع الديوان الصادر عن دار الجندي للنشر والتوزيع ويحمل لوحة للفنان ناصر زلّوم في 110 صفحات من الحجم المتوسّط.
بدأ النّقاش ديمة جمعة السمان فقالت:
"توأم الروح " بطاقة دعوة لشراء زمن في القدس
سبعة وثلاثون قصيدة منتقاة، كل منها رأت النّور بعد ولادة لحظة مأزومة، انطلقت آهة من صدر الشّاعر عزّ الدّين أبو ميزر، كلّ منها ترسم بحروف من نار لوحة تحكي واقعها، جمعها الشاعر بين غلافين. حمل غلافها الأمامي صورة مدينة القدس ( توأم روح الشّاعر) داخل قلب شفاف باللون الأحمر، لون يرمز للحب، ولكنه أيضا يرمز للتّحدي، كما أنّه ينشّط غريزة الصّراع من أجل البقاء، يحتضنه ما تبقى من رأسي توأم غطى القلب جزءا كبيرا منهما، فبدا الرّأسان ككفّين يحتضنان القلب برعاية وعناية، بريشة الفنان ناصر زلّوم. أما الغلاف الأخير فقد حمل قصيدة بعنوان قنديل قدسيّ، مطلعها:
عيني على القدس لا تنفك ساهرة
ما دمت حيّا وفي العينين إبصار
أنا ابنها وسأبقى دائما أبدا
برًّا بها وسواها لست أختار
سبعة وثلاثون قصيدة تنقط عشقا للقدس، تنقط وجعا، فالكلمة أمضى أحيانا من حدّ السّيف، كلماته وصفت الصّمود والثّبات والنّضال لشعب مقاوم، اتّخذ الكرامة والإباء له عنوانا.
ديوان يحكي قصة شعب على مدار سبعين عاما مضت. فقد كان للنكبة نصيب، وللنكسة نصيب، تمنى الشأعر لو كلّ حزيران يُمحى من لوح الدّهر.
تحدّث عن زيارة السادات إلى القدس عام 1977 وأبعادها، وتحدث عن هبة الأقصى العظيم وصلاة الجكر. كان البعض يذهب ويصلي على مداخل أبواب المدينة (جكرا) فقط للتصدي للاحتلال الذي كان يسعى لنصب البوابات الالكترونية.
لم يغفل الشّاعر عن التّطرق للخيانة حين تصبح وجهة نظر.
تحدّث عن أطفال الحجارة، والانتفاضة التي ارتبطت باسمهم. أما التّناحر بين أبناء الشّعب الواحد فكان له نصيبا أيضا. وللتّواكل نصيب، فلن يصل للمجد أناس ناموا واتّكلوا، طريق العزة تربته بالعرق وبالدّم تختضل.
أما الأسرى وخوضهم معركة الكرامة، فقد خصّهم أبو ميزر بالنّصيب الأكبر من القصائد، وقد أبدع في قصيدة المنطق الحقّ، حيث بدا وكأنّه إجابة عن سؤال كان قد سئل. مطلع القصيدة:
ما كان صومكمو هزلا ولا ترفا*** ولم يكن أبدا في ذاته هدفا
بل انتصارا لحق غاب ناصره*** ولم يعد بمعاني الخير متّصفا
وقال الشّاعر أيضا:
عندما يصبح موت الحرّ*** في الأسر خيارا
لا من العيش هروبا*** أو من الصّبر فرارا
ولكنه بث فينا الأمل والتفاؤل، حين قال:
لكن يوما سيأتي قبل موعده*** وقد صحا النّاس والمستور قد كشفا
والعدل ما عاد فوق الأرض مغتربا***وصاحب الحقّ من جلاده انتصفا
وقد أكّد الشاعر بثقة في قصيدة أسماها سر، بأنه لن يستطيع أحد دفننا، وإن فعلوا فهم لا يدرون أنّنا كالبذور التي تنمو وتنتشر.
ظهر الأمل وبثّ الرّوح الإيجابية جليّا واضحا في الديوان، القصائد التي وردت في الديوان كانت عمودية أو حرة، تناولت الكثير من هموم الشعب الفلسطيني المقدسي بأسلوب السهل الممتنع.
الكلمة رشيقة، واللغة جميلة غير معقّدة. بعض القصائد تصلح أن تغنّى.
كما أنني أوصي بتضمين بعض القصائد داخل كتب المناهج الفلسطينية، لما فيها من تعزيز للهويّة الوطنيّة الفلسطينية، والانتماء للوطن، والدعوة بضرورة التمسك بالقدس عاصمة دولة فلسطين، وهذا ما يتماشى وتوجّه وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينيّة.
وقال جميل السلحوت:
أن يصدر ديوان شعر للمقدسيّ الدّكتور عزّالدّين أبو ميزر بعد أن تجاوز الثّمانين عاما من عمره، لا يعني أنّ شاعرنا قد قرض الشّعر متأخّرا، فمنذ وعيت الحياة كنت أقرأ قصائد للدّكتور الشّاعر على صفحات جريدة القدس في سبعينات القرن العشرين، وعلقت تلك القصائد العموديّة في ذاكرتي تماما مثلما هو اسم الشّاعر الذي كنت أتمنّى لقاءه ومعرفته شخصيّا، مع أنّ عيادته لطبّ الأسنان في شارع صلاح الدّين في القدس كانت معروفة للجميع. وشاءت الصّدف أن يلتقي زميلنا في ندوة اليوم السابع الثّقافية المقدسيّة الأديب ابراهيم جوهر بالشّاعر أبو ميزر قبل أكثر من سنة، وأن يدعوه لحضور الندوة، فلبّى الدّعوة وواظب هو وزوجته الفاضلة على حضور جلسات النّدوة، التي تعقد مساء كلّ يوم خميس في المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ في القدس منذ سبعة وعشرين عاما، فتعرّفنا على شاعرنا عن قرب، ووجدنا فيه الشّاعر الموهوب، والمثقّف الذي يواظب على تثقيف نفسه، تماما كما يواظب على كتابة الشّعر.
وممّا لفت انتباهنا أنّ الطبيب الشّاعر قد قرض الشّعر للتّعبير عن أحاسيسه ومشاعره، مستغلا موهبته في القريض، لكنّه - كما يبدو- لم يرد احتراف الشّعر، فهو يكتب ما تفيض به روحه وأحاسيسه، دون أن يفكّر باصدار ديوان شعريّ واحد، فقد حصر جهده وعلمه وطموحه في مهنته كطبيب انسان التي احترفها منذ العام 1959، واكتفى من الشّعر بأن يكون هاويا، مع أنّ ما القصائد التي كتبها تكفي لاصدار ما يزيد على خمسة دواوين شعريّة.
وفي ندوتنا "ندوة اليوم السّابع" التي حظيت بانضمام الدّكتور الشّاعر أبو ميزر لها، ليكون إضافة نوعيّة لرّوادها، أراد شاعرنا أن يردّ الجميل بجميل مثله، فأصدر ديوانه الشّعريّ الأوّل ليتزامن صدوره مع احتفالات النّدوة بدخولها العام الثّامن والعشرين من عمرها، حيث انطلقت في آذار-مارس-1991 لتكون منبرا ثقافيّا لافتا في القدس الشّريف، ونأمل أن تتوالى إصداراته حتّى يصل شعره بين دفّات الكتب لقرّاء الشّعر وعاشقيه.
ومن يقرأ الدّيوان سيجد أن شاعرنا ذو موهبة شعريّة لافتة، فقصائده التي تتوزّع بين الشّعر العموديّ المقفّى، وبين الشّعر الحرّ، جميعها قصائد موزونه، فشاعرنا له موقف ورأي من "قصيدة النّثر" التي لم يكتبها، ولا يكاد يعترف بها مع أنّه لا يعترض على من يكتبونها.
ومع أنّ الشّعر لحظة شعور، فإنّ شاعرنا يجيد صياغة الجملة الشّعريّة التي تزيّنها الصّور الشّعرية التي تحاك بلغة فصيحة بليغة ظاهرة الجمال، لذا فهو يعبّر عن مشاعره بعفويّة تامّة، لا تقعّر في لغتها، فالقصائد تتحدّث عن القدس الشّريف التي تسكن روح ووجدان الشّاعر كما يسكنها، بحيث اعتبرها توأم روحه، ومن هنا جاء اسم الدّيوان "توأم الرّوح"، وشاعرنا الذي تثقله هموم القدس بشكل خاصّ، وهموم الوطن والشّعب بشكل عامّ حزين لما يجري في القدس وفي "أقصاها وقيامتها" التي تئنّ من ثقل بساطير جنود الاحتلال ومستوطنيه، لا ينسى دماء الشّهداء وأنين الأسرى في غياهب المعتقلات، تماما مثلما هو مثقل بهموم الوطن العربيّ الكبير الذي ترهقه الهزائم المتلاحقة.
وشاعرنا الباسم دوما، متفائل بحتميّة النّصر والخلاص، لا تخلو قصائده من المضامين الدّينيّة التي تشحن القارئ بالتّفاؤل، وأنّ أجمل الأيّان قادمة لا محالة.
وقالت هدى عثمان أبو غوش:
يحوي هذا الدّيوان على 37 قصيدة كتبها الشّاعر على فترات متباعدة مسجلّة بالتّواريخ ما بين 1962-2017.
منها سبع قصائد تتمحور حول قضيّة الأسرى وعدّة قصائد عن القدس واحتلالها ، عن طفل الحجارة، المقاومة، قطاع غزة، وقصائد كرسائل مختلفة موجهة لشخصيّات معيّنة أو مناضلين، جاءت إحدى القصائد بدون عنوان (صفحة 6) وهي إهداء إلى الأسرى، وهناك قصيدة أُخرى أسماها "قصيدة بلا عنوان " موجهة إلى السّادات بعد زيارته للقدس، وممكن القول أنّه لم يُعنون القصيدة لأنهّا لن تمر في مكاتب البريد، فهي رسالة استثنائيّة غير عاديّة، وفيها يبثّ مخاوفه من غد جديد .
جاءت قصائده ما بين العمودي والحر ،وقد احتوت القصائد على القافيّة والموسيقى الداخليّة بما تنسجم مع المزاج الخاص للشّاعر الذي يعبّر عن غضبه ومعاناة شعبه.
ارتبطت قصائد الشّاعر بأحداث عايشها، ففي قصيدة"بدلا من مليون محارب" يعبّر الشّاعر عن حزنه وخيبته من احتلال القدس وهو يردُ على قصيدة للشّاعرة فدوى طوقان، وبرغم الحزن فهو متفائل ويُشعل نور الأمل فيقول:
" نفتح في قلب الإنسان
روحَ الوحدة والحرية
نبعث في الموتى من شعبي
مليون رجاء"
وتبقى قضيّة الأسرى تشغل الشاعر كثيرا فتغلب على قصائد الدّيوان، وتمنيت لو لم يكثر الشّاعر تناوله لنفس الموضوع، وحبّذا لو اكتفى بقصيدتين ، وهنا يصف معاناة الأسرى المضربين عن الطعام، ويشدّ من عزيمتهم. ففي قصيدة "إلى أسرى الكرامة"
يقول: أطوي على جوعي بعزمة ثائر
لا تنثني أبدا ونجمي ثاقب.
وقد جاءت قصائد الشّاعر ثوريّة تتناسب مع الأحداث التي عايشها من انتفاضة واحتلال، فعزّز عزيمة المقاوم بالأمل والإصرار وعدم الإستسلام، وبالمقابل عبّر عن خيبته من الحكّام العرب تجاه الأقصى الأسير. ففي قصيدة "الأقصى"يقول:
وها هو أنت يا أقصى أسير
ولا مُضر تثور ولا تميم.
وأثار الشّاعر قضيّة المسميّات التي تُلصق بالفلسطيني، والتّي أصبحت تنادى عليه مثل مخرب، مجرم، إلاّ أنّ الشّاعر رفع من معنويّات المقاوم وردّ على المحتّل ووصفه بأنّه سارق الأوطان، وبالمقابل فإنّ الفلسطينيّ فدائي يموت في سبيل بلاده.
وعبّر الشّاعر عن تمسك الفلسطيني بالأقصى من خلال قصيدة "صلاة الجكر"بالإشارة إلى أحداث منع المصلين من الصلاة في الأقصى إلا ّ عن طريق البوابات الإلكترونيّة، فأكدّ على أهميّة الأقصى ووصف انفعال النّاس تجاه المحتل بصورة مختصرة.
يقول:" ومغربٌ وعشاءٌ إن هي انسحبت
شمس السّماء وليل النّاس قد هجما".
ويمضي في قوله:
"في القدس قِبلَتُها، والنّاس ُ وجهُهُمُ
إلى العساكر ِ والمحسومُ بينهُما".
جاءت كلمات الشّاعر بسيطة غير معقدة، مفهومة للعامة وللبسطاء، والأُسلوب السردي في بعض القصائد، وجاءت كلمات الشّاعر تستنهض الرّوح والهمم لأمل ونصر جديدرغم الهزائم.
كرّر الشّاعر بعض المفردات في قصائده الثّوريّة من أجل التأكيد على الإصرار والثبات في وجه المحتّل، ولكي يعبر عن الحالة النفسيّة من قهر وغضب تجاه ما يحدث لوطنه، واستخدم تلاعبا في الألفاظ والمفردات كما في قصيدة فلسطين (لم تزل، أزل، نزل). واستخدم الطباق .
لم تكن المرأة حاضرة في قصائده، وكانت القدس حبيبته وتوأم روحه.
وكتب عبدالله دعيس:
قد نتساءل عند مطالعتنا للديوان، من هي توأم روحه التي أشار إليها في عنوان ديوانه؟ وما أن نتأمّل صورة الغلاف حتّى نراها تطلّ من قلبٍ نابضٍ بالعشق. فمن غيرها؟ إنّها القدس! التي عاش شاعرنا فيها ولها، ونبض قلبه ونبضت قصائده بصدى نبضها؛ فاختفت كلّ أنثى من ديوانه عداها ، فلا محلّ في كلماته إلا لها، ولا تعزف موسيقى ألحانه إلا بأوتار حبّها. هي القدس، عروس هذه القصائد، يبتدئ بها وينتهي بها، فقد شرب الشاعر شهدها وعاش مآسيها، تجرّع آلامها، وحنق على مغتصبها، وازدرى من تخاذل عن نصرتها وخانها، فصاغ أشعاره لها، يعلن عن ولائه لها، يقف شامخا في ربوعها، يمدح الأبطال الذين يدافعون عنها، ويهجو مَن يحيك المؤامرات للإيقاع بها، ويرثى لحال أمّة لم تستطع أن تنصرها.
يستهلّ الشاعر ديوانه برسالة طويلة يوجّهها إلى ولده، تفيض فيها نفس الشاعر بنبع من المشاعر، ونهر من العواطف الفيّاضة، تتّضح أمام عينيه خيوط مؤامرات الماضي وقتامة الواقع، ويرى الطريق إلى الفجر ما يزال بعيدا، ويرى الأمّة وهي ما تزال تتعثّر بخيوط العنكبوت، التي تنسجها في الظلام أصابع البغي سربالا شيطانيّا، يلبسه أبناء الأمّة سترة تغطّي أجسادهم، فيكتوون بأشواكها، ويسفكون دماءهم بأيديهم وهم متلحفون بها. ويوجه الشاعر كلامه إلى ولده؛ علّ لحظة صحوة لجيل آت جديد تنفض هذا الرّداء اللعين، وتدلق زيت قناديل المؤامرة التي تذكيها خفافيش الظلام. لكنّ الشاعر لا يمنّي النفس بالأماني، ولا يجعل التفاؤل ينسيه نكسات الحاضر والماضي.
والشاعر الذي يعتزّ بانتمائه لوطنه، ينظر إلى أمّته بحنق، فهو لا يرى عذرا يبرّرالهزيمة، ولا يغضّ الطرف عن خيانة، ويرقب أمّته وهي ما زالت تتيه في صحارى الجهل والتّخلف، ولا يرى حلّا سحريّا يأتي من الخارج، وحتّى لو أتى، فسيفسدة معدن الهزيمة والعبودية المتغلغلة في النّفوس، فلا بدّ من نبذ الجهل، وتذكية الوعي، والعمل الدؤوب للخلاص من أفواه الأكلة التي تداعت على جسد الأمّة تنهشه بلا رحمة ولا شفقة.
لكن حال الأمّة المزري، لا يفقده الأمل بأصالتها وقدرتها على النهوض. وانتصار الباطل قد يكون هو الإكسير الذي سيبعث الحياة في جسدها المنهك. فيرى بذور الأمل تنبت براعمها من حبّات دفنت تحت تربتها؛ لتنمو شجرة وارفة تبثّ الحياة فيها مرّة أخرى. فقد ظنّ الأعداء أنّهم وأدوها، وهم في الحقيقة زرعوا بذور الحياة في تربتها.
ما أدركوا السرّ في تكويننا أبدا أنّا البذور التي ننمو ونتشرُ
فحاولوا دفننا في الأرض علّ بها نفنى ولا يتبقّى بعدنا أثرُ
فهالهم أنّنا والأرض توأمنا جذورنا المبتدا في الأرض والخبرُ
لذلك فالشاعر يخصص عددا من قصائده للأسرى في سجون الاحتلال، ويفردهم بالمديح دون سواهم؛ حيث يحمل هؤلاء الروح العربيّة الحقيقيّة التي أبت الانكسار، ويرى أنّ القيد سيحطّم لا محالة بالصبر والثبات والعزيمة، وأنّ السجن ما هو إلا طريق نحو الحريّة.
وقد اختار الشاعر لديوانه عددا من القصائد التي كتبها على مرّ عمره المديد، وسجّل فيها لقطات ممّا مرّ على فلسطين خلال هذه السنوات الحافلة بالمآسي، فيناجي القدس في قصيدة (دروب الآلام) في عام 1962، وكأنّه يرى مصيرها المحقّق قادم بلا محالة، ويقف على أطلالها وهو يخاطب الرئيس السادات عندما زارها عام 1977 مطأطئ الرأس بذل الاستسلام، لكنّه يعود وهو يحمل مسحة من أمل وهو يصف أبطال الحجارة عام 1988 وهم يذودون عن حياضها، ثمّ أسرى الحريّة وهم يكيدون بثباتهم أعداءها، وغزّة التي تثبت تحت أغلال حصارها، مبشّرة بنصر أكيد.
والمتتبّع لقصائد الديوان التي كتبت على مدى سنوات طويلة، يجد ثباتا في العواطف والأفكار، فالشاعر لا يتذبذب مع تبدّل الأحوال ومرّ الأعوام، فهو مدرك منذ البداية حجم المؤامرة، ولا يغترّ بالأبواق الكاذبة التي تغنّت بحكّام كانوا وما زالوا أسّ الهزيمة، وهذا ينمّ عن وعي لدى الشاعر ونظرة مستقبليّة صائبة. ففي جميع قصائده نرى عاطفة الحنق على الأعداء الذين سلبوا الوطن وحاكوا المؤامرات، وازدراء للعملاء الصّغار من الحكّام الذين كانوا وما زالوا مطيّة لأولئك، لكنّ حبّ الوطن لا يغادر كلماته، فهو يفرّق بين حبّه للوطن ومقته لبعض أبنائه الذين انغمسوا في مستنقع الخيانة. ومع إدراكه ووعيه لصعوبة هذه المرحلة وعظم المصيبة، إلا أنّه يتشبّث بأهداب الأمل، إيمانا منه بأمّته، والتي وإن كبت وتعثّرت، لا تسقط أبدا.
يقول في قصيدة "جبل المكبّر"
فمتى رضعنا الذلّ حتى طأطأت أعناقنا للغاصبين هوانا
وجرى بنا مجرى الدما بعروقنا خدرا وأصبح عندنا إدمانا
وتشرذم الوطن الحبيب بأهله وبأرضه حتّى غدا أوطانا
يمعن في وصف ألم الانكسار، لكنه يعود ليقول متناصّا مع أبي القاسم الشابي:
فإذا الشعوب تفجّر طاقاتها تجد الوجود لأمرها قد دانا
ويصل إلى قمّة الأمل فيقول:
وشعوبنا أهل لكل ملمّة إن غاب يوما غيرها وتوانى
ولسوف يستبق الزمان زماننا وتدير دولاب الوجود رحانا
وقصائد الشاعر عزّ الدين أبو ميزر، جميلة عذبة رقراقة، سهلة اللغة ممتعة الموسيقى، واضحة وضوح الجوهر في الماء الزلال، لا يملّ قارؤها ترديدها؛ فهي تعزف على أوتار قلبه، لكنّ الصور الشعريّة والتشبيهات الجميلة التي عهدناها في نظائرها، فيها قليلة، وكما غابت المرأة عن قصائد الديوان غابت أيضا الطبيعة بجمالها الذي طالما تغنّى به الشعراء واستعاروا منه صورهم.
وتبقى عين الشاعر على القدس ساهرة، ويبقى الشاعر ابنها بارّا بها، ويبقى شعره لها، جميل بها وبجمالها.
وقالت رائدة أبو الصوي:
قدم الشاعر بين دفتي هذا الديوان جرعات من القصائد ٣٦ قصيدة ،تتحدث عن المرحلة، عن القدس وما يتعلق بها وطنيا من قضايا النضال والقضايا الانسانية مثل قضية الأسرى والمعتقلين .شنف الشاعر أسماعنا وأسعد قلوبنا وأرسل النور الى أعيننا من خلال هذا التناغم والتناسق والضبط .
يعد ديوان الشعر الخاص بالدكتور عز الدين أبو ميزر وثيقة تاريخية تصور الكثير من الأحداث .
تميزت قصائد الدكتور عز الدين بالقوة والجزالة وحسن التصوير، الشاعر متأثر بالقرآن الكريم، وهذا التأثر يضيف قيمة عظيمة لديوانه لدى الشاعر ثقافة واسعة ومواكبة للاحداث .
لديه روافد متشعبة متنوعة، يجمع بين الحداثة والأصالة مشاعر متدفقة فياضة.
توام الروح بث لمشاعر صادقة لتؤام روح الشاعر مدينة القدس.
الشاعر لديه المام بعروض وموسيقاه. وصف الشاعر المرحلة. الحزن والألم والصمود والهوان .
الشاعر متصالح مع نفسه غير متكلف في صياغة الفاظه .توجد موهبة وثقة وغيرة بناءة .الفكرة الرئيسية واضحة في الديوان.
وقالت هدى خوجا:
لوحة الغلاف: للفنان ناصر زلوم، تتزين بصورة للقدس مع قبة الصّخرة المشرفة؛ في قلب نابض بالحب والعطاء والفداء والدّماء، مع التركيز على اللون الأحمر النابض وألوان غروب، تحلم بيوم جديد بألوان وردية بإطار أسود حالك كحلكة ليل ينتظر بزوغ شمس صباح ناعمة ودافئة، ووجهين متباعدين بمعالم بلون سكني كنيران الاحتراق ، ولكن في توأم الروح أمل بعيد بعيد.
الإهداء من أجمل الإهداءات الّتي من أولها إلى آخرها" سيبقى الفضل الأكبر إلى كتاب الله الذّي قوّم لساني "
وطبعا إلى روح والده قدّم الشاعر ديوانه وروح مدير مدرسته في الطفولة الاستاذ محمد القيمري، وزوجته رفيقة دربه، وبالطبع روّاد ندوة اليوم السّابع مع الاختصاص للأستاذين إبراهيم جوهر وجميل السّلحوت والأستاذة ديمة السّمان.
احتوى على عدّة أنواع من الشّعر الجميلة منها رسالة إلى ولدي، إلى أسرانا في إضراب الحريّة والكرامة، وتلك الأيام نداولها بين النّاس، الأقصى أبواب جهنّم القدس صلاة الجكر، القدس في القلب، وأخيرا انتهت بقصيدة "63" مدينة السّلام.
يتسم الديوان بالإبداع والشعر العمودي المتناغم والمتناسق.
ابتدأ الديوان بقصيدة يا ولدي وبسؤال " تسألني عنهم يا ولدي"؟
أسئلة يطول الجواب عليها وفي العتمة تبصر يا ولدي، وستبقى تستخرج من جوف الأرض الزّيت وتروي بها عيون ترقب في صمت"ويشق سكون العتمة صوت
مع آخر قطرة زيت" رسالة إلى ولدي ص7
وتكرار محبب مثال:صاغوه ،قطرة زيت الصّمت، يا ولدي ليتك تفهم ليتك تفهم.
" الحال سيبقى الحال
أبدا لن يختلف الحال"
وفي قصيدة بدلا من مليون محارب رد على قصيدة الشاعرة الكبيرة فدوى طوقان " نحن بنات طارق"، طغت النظرة التشاؤمية على القصيدة مع عكس الواقع المرير.
ونجد تكرار كلمة الزّيت والزيتون التي تجعل التمسك في الأرض أبدا وواجبا حتميا لا محالة. والأسرى البواسل لهم القدر والاصرار والرؤى والدعاء الدائم والمجد والخلود:
" بالماء والملح نحيا رغم أنفكمو
وفي العيون رؤى الإصرار ترتسم "
وبانتظار طلوع فجر الحرية لجميع الأسرى البواسل.
" درب الكرامة من ملح ومن ماء
زادي أمد به في الأسر أمعائي"
" أنا فلسطين قلبي القدس تسكنني
تجري الإبا في كل أعضائي"
وقد خصص الشاعر القدر الكبير للأسرى والقدس الشّريف، في عدة قصائد منها وتلك الأيام نداولها بين النّاس، إلى أسرى الكرامة.
وفي سرّ ص37
فحاولوا دفننا في الأرض علّ بها
نفنى ولا يتبقى بعدنا أثر
فهالهم أننا والأرض توأمنا
جذورنا المبتدأ في الأرض والخبر ."
وفي الأقصى ص65
" عظيم أنت يا أقصى عظيم
ومثلك في مآقينا يقيم"
وفي القدس
هل يوجد أجمل
"ما عاش من لم يكن في القدس قد سكنا
وما تفانى بها حبا وما آفتتنا
وما اشترى زمنا فيها يعز به
إن الزمان بها لا يشبه الزّمنا"
وفي لا تبك عليّ
تكرار محبذ وجمال في الايقاع والكلملت المنتقاة.
وأخيرا كان الشاعر موفقا في ديوانه الأوّل بروعة الأسلوب ورقة المعنى واستخدام الشعر العمودي، والأبيات المتناسقة والمتجانسة والتي تعكس الواقع مع التركيز على القدس الشريف، الّتي ستبقى ولا تزال توأم الرّوح.
وشارك عدد من الحضور في النتقاش
وسوم: العدد 763