ديوان "أبجديات أنثى حائرة" في اليوم السابع

clip_image001_33eb9.jpg

القدس: 3-5-2018 – ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس ديوان "أبجديّات أنثى حائرة" لسماح خليفة، صدر الديوان الذي يحمل غلافه الأوّل لوحة للفنانة منال ديب الديوان عن مكتبة كل شيء الحيفاوية ويقع في ١٥٨ صفحة من القطع المتوسط.

افتتح النّقاش ديمة جمعة السمان فقالت:

49  قصيدة زفرتها الشاعرة الفلسطينية سماح خليفة؛ لتشكل ديوان " ابجديات أنثى حائرة". لم يتم اختيار هذه القصائد عبثا، ولم تجمعها الصدفة لتستقر بين غلافي ديوان احتواها، كل قصيدة لها دلالة انطلقت بدقة المتمرس، وبسرعة السهم، لتصيب الهدف. رسائل نقلت الوجع فأوجعت، ولكن شكلتها حروف من شموخ وكبرياء عزيز غلفتها بالدهشة، فحلقت بنا عاليا كل يتكىء على سحابة وجد فيها ضالته، فترتد له الروح، هي استراحة المحارب. 

كل قصيدة حملت فكرة تعددت فيها الزوايا؛ لتطل علينا بأسلوب غير مألوف، يغوص بعمق ثم يطفو من جديد ليقول أنا لا زلت هنا، فالحياة رجل وامرأة ووطن مغتصب وحلم خلاص.

لم يكن الطرح مباشرا، ولم تكن طلاسم أيضا، اختبأت الشّاعرة خلف الرمزية في كل حرف خطته، ربما لأنها احتاجت إلى  مزيد من الأفق، احتاجت إلى فضاء أكثر اتّساعا،  فامتزجت كلماتها بألوان قوس قزح، وتمطى الخيال يعلن عن حضوره بثقة العارف بأهمية وجوده، فلا غنى عنه، يلطف من لسعة الواقع، ليعيد التوازن ويلملم ما تناثر من صور اختلطت بين الماضي والحاضر.

 49  صيدة تقطر حبا، تعثرها حيرتها، ولكن تنهض من جديد بشموخ وكبرياء عزيز. 

عناوين قصائدها انتقتها بحرفية، تصدرتها حكاية وطن، مرت على غربة شهيد، عرجت على مدينة حلب، وأملت أن تتحرر الحرية أو الشهادة، وآمنت بالقدر، فلا زال الواقع أليما، ولم تنس الأسير، وظهر عشقها جليا واضحا للأصالة في عنوان بصمة كنعانية، وأسمعتنا صرخة الأنثى، ثمّ عاتبها قلبها كلما بات ينبض على وجع الحكاية، فقد سكنه ندى العشق المعبّق بأريج الورد والفل والنرجس والياسمين، وهربت إلى لذّة الجنون. وبعد الصحوة، اعتذرت للمنسي خلف جدار الروح، وأعلنتها واضحة صريحة بأن الكلمات المرتعشة لن تعيد لها الروح فتحييها من جديد، فقد كان انتظارا عقيما.

آن الأوان لفرح صاخب يحيي الفؤاد، يزيل الصدأ من الروح والوجدان، فقد كانت في حالة ظمأ، تحتاج لمن يسمعها صوت الانسان في الجسد، ويرسلها فوق السحاب، يودع طيف الأحزان.

أمّا قصيدة "أنا".. فقد وجدت نفسها من جديد، فهي الحاضر وهي المستقبل، ولها كل المجد، قالت: " تذكروا.. أنا حواء وكل الكون في قبضتي أنا"

وانتهت بقصيدة (منسيّون).. ويا حبذا لو أنهت ديوانها بقصيدة "أنا". فبعد الشّموخ والكبرياء والثّقة والقوّة والتّصميم، عدنا لقصيدة" منسيّون" لتعلن من جديد بأن الجرح عاد ينزف من جديد، قالت في آخر قصيدتها

منسيّون

بلا هوية للمجد

ولا اعتذار عن كلمات نابية

نزفت جروحهم

منسيّون كأنّ شيئا لم يكن.

وكتبت رائدة أبو الصوي:

أبجديات سماح خليفة سرب عصافير يشدو بأجمل الكلمات وتنثر الجمال بين دفتي ديوانها ٤٩ قصيدة حائرة / ثائرة / مكللة بالمشاعر المرهفة العميقة الذكية، بوح جميل وجاذب ثري بالكلمات العذبة المثيرة للتفكير ،تدغدغ الروح. قصائد تثير القاريء وتدعوه للبحث والاستقصاء. 

الغلاف مميز جدا بالالوان المستخدمة الهادئة والمعبرة عن المحتوى وعن حيرة انثى تعيش القضية ،في عيونها جمال ساحر فتان  كجمال القدس وعيون القدس، 

القدس والمقدسات والمدن الفلسطينية المهجرة حاضرة ع الغلاف، حتى المخيمات حاضرة 

ليس من السهل أن تجذب قاريء الى ديوان شعر ،الديوان الجيد هو فقط ما يجذب القاريء ، ويروي ظمأه ويحاول.

فتحت الشاعرة ملفات عديدة في قصائدها، ملفات مهمة جدا ،ملفات لواقع نعيشه ونعاني من آثاره، أبجديات الحياة والتسلسل في النظم بدأت في قضية الوطن والأطفال الشهداء، تحدثت عن الظلم، عن ظلم نيرون ،وهنا رمزية قوية جدا 

عندما كتبت في صفحة 26:

"فأرواح الأطفال المعلقة على مشانق القهر لن ترأف بك يوما 

ستخط اسمك على باب العدل السماوي 

فتسحقك يد الله ذات ربيع .

رسالة للظلمة أمثال نيرون 

نيرون الامبراطور الروماني الذي عرف عهده بالفخامة والاستبدا ، نيرون الذي قتل امه واضطهد المسيحيين. أحرق روما، وهو أحد أغرب الشخصيات وأكثرها جنونا في تاريخ الامبراطورية الرومانية .

من الابجديات في الديوان أيضا: 

"القدس، نظمت للقدس ،لعيون القدس ،لعينيك وحدك ،سيطوق الياسمين جبهة الثوار 

ويدحر من جنائنك مرتزقوا الأحلام 

ما اروعها من أبيات في وقت نعاني به من كثرة المرتزقة الذين يلتفون حول القدس 

كتبت لحلب "حمراء هائجة تزفر باللهب."

تتلاعب الشاعرة بالكلمات كما يتلاعب لاعب كرة محترف بالكرة ويحقق هدفا .

الأبجدية الثالثة المشاعر الانسانية ،مشاعر المحبة، كانت موفقة جدا في اختيار بلقيس كرمز، بلقيس التي جمعت بين شخصيتين مختلفتين ،شخصية من القرآن الكريم ،شخصية سيدنا سليمان عليه السلام وحب بلقيس، وشخصية الشاعر نزار قباني وحب بلقيس، بلقيس ملكة سبأ وبلقيس زوجة نزار. بلقيس العراقية  التي قتلت في حادث تفجير السفارة العراقية في بيروت ،بلقيس العراقية قضية رمزية لشعب مظلوم ،وبلقيس سيدنا سليمان ترمز للحكمة والسلام. 

في ص 92: بلقيس اهجري معبدك، اكسري قيود مملكتك الواهمة 

واعتقي شعبا يقدس مبسمك الندي، اتركيهم يفكون ازرار الغيب على مهل، وامتطي صهوة الشوق الى قلبي ، فقدماك لا بد أن تطأ باحات قصائدي ،الموشحة بعبير روحك المنسولة من نور السماء هذا المساء . بلقيس .

وقالت هدى عثمان أبو غوش:

أبجديّات أُنثى حائرة، هي أبجديّات الوطن المعذّب المقهور  في ظلّ الظُلم والإحتلال،  هي أبجديّات لا تنسى معاناة الأسير فتشدّ من عزمه وصموده، ولا تنسى الشّهيد فتكتب له، هي أبجديّات الوصل والغضب لأجل حلب، هي أبجديّات تبوح بالحبِّ على لسان المرأة حينا ولسان الرّجل حينا آخر. 

 هي قصائد عطشى للحبِّ  فهي في حالة ظمأ شديد؛ ليسكن أبجديّات الوطن والعلاقات العاطفيّة.

عبّرت الشّاعرة عن عاطفتها تجاه الوطن والحب، فعاطفة الغضب سيطرت على بعض القصائد من خلال استخدامها التساؤلات ومواجهة الظالم من خلال الرّموز .

ففي قصيدة "أرديّ باليّة" تخاطب نيرون  الظالم وتشتمه فتقول:

"ألم يشبع نهمك الدّماء المسفوكة" ثم تواصل، فتأتي الأفعال المضارعة لتكون ثوريّة. "ستعصف، ستسحقك ،ستبتلعك"

عاطفة الحب حاضرة في قصائدها من خلال مخاطبتها للذكر، وتوظيف فعل الأمر  في خطابها كما في قصيدة "بوح الياسمين". وبالمقابل مخاطبة الذكر للأُنثى فتتجلى العاطفة باستخدام الكلمات التّي تفيض بالحزن والرّجاء بسبب الفراق كما في قصيدة "ساعة مخاض". 

كما وتظهر عاطفة الحزن في قصيدة "نبض الحواس" فتستخدم الكلمات الدّالة على الإنكسار "وجع أنين، تأوه." 

نلامس أحاسيس الفقد، الفراق، والظمأ في معظم قصائدها، سواء في تعبيرهاعن عاطفة الوطن أو الحبِّ، ولذا نجدها تستخدم مفردات وأفعال تشير  للحالة التّي تعيشها" لظى الفقد، حبال الوصل، طقوس الوحدة، دمعي الرّخيم، يذبل، ينتكس"

ورغم تلك الأحاسيس نجد التحدي والصمود في قصائدها. 

استهلت الشّاعرة في مطلع بعض قصائدها بأُسلوب الوصف كما في قصيدة "عينَيْكِ وحدَك." استخدمت الشاعرة أُسلوب زيادة مدّ الحرف في الكلمة بكثرة.(باااحات، العاائمة ،الهاائمة،رااائق، يااه، يااانعة، تطأا"

جاء التلاعب اللفظي في فعل الأمر جميلا في قصيدة "أُمنيّات عاشق" "دعيني، وعديني". 

استخدمت تكرار بعض الكلمات في عدّة قصائد (نبيذ، حدائق، شوق، وصل، روح هسيس" سوسنة، قلب ، كؤوس، خريف، قبلة، ثغر ريح، صدري."

كما وحضرت الطبيعة في قصائدها للتعبير عن الحالة النفسيّة التّي تمر بها "الأزهار، القرنفل النرجس، الياسمين،البحر، السّماء، اللّيل، الصباح ، الفجر، النّجم، القمر، أوراق الشّجر."

استخدمت الشاعرة أُسلوب حذف بعض الأحرف من الاسم الموصول في عدة قصائد كقصيدة "هي"(أيا منفايا ال يتوارى) وفي قصيدة "أردية باليّة" (ال تحتويه" لإيصال جمال الصورة الشّعريّة.

الفعل المضارع كان حاضرا في قصائدها خاصة في قصيدة "تحدٍ" فجاءت القصيدة جميلة تحرّك المشاعر وتُفجّر طاقة حبا وأملا. 

أكثرت من الإستعارات ونجحت في تصوير الحالة العاطفيّة في القصيدة.

جاء تأثر الشّاعرة بمعلّقة إمرئ القيس في قصيدة "أُمنيات عاشق".تقول:كعاشق شَفَّه الوجدُ من علِّ.

استخدمت الشّاعرة أسماء من القرآن والتاريخ مثل "بلقيس" "نيرون" كما وذكرت المكان كقلعة "شقيف".

ورد تشابه في الأحاسيس على لسان الأنثى والذكر في قصيدتيّن منفصلتيّن تقول في قصيدة "أينَكِ" على لسان الرّجل:واهبطي إلى حدائقي ثمرة يانعة.

وفي قصيدة على لسان الأُنثى تقول في قصيدة أُحِبّه:"تلقفني أُنثى ناضجة ترجو

دفء العناق".

وشارك في النقاش عدد من الحضور منهم: محمد عمر يوسف القراعين، د. عزالدين أبو ميزر، سامي قرّة، دولت الجنيدي، ماجد الماني، سوسن عابدين الحشيم، عبد الشويكي وجميل السلحوت.

وسوم: العدد 771