قراءة في رواية: فيتا.."أنا عدوة أنا" للكاتبة ميسون الأسدي
من قراءة الإهداء في الرواية مرورا بقراءة التقديم للقاصة والروائية ميسون الأسدي نعرف أننا سنحلق في فضاء آخر من الأدب، فميسون الأسدي والتي تابعت لها معظم ما كتبت من قصص ومن روايات ومن قصص أطفال، وكتبت أكثر من مرة عن إبداعها من قبل أن التقيها شخصيا وهي زوجة صديقي الحميم المسرحي أسامة المصري، اعتدت على مفاجأتها واختلفنا كثيرا والتقينا أحيانا في وجهات النظر، لكن بقيت ميسون دوما من قبل أن التقيها تحترم وجهة نظر الآخر، وفي هذه الرواية تبدأ الإهداء لأرواح الأدباء الروس، وتعتبر ما كتبته لوحة رسمتها من بيئتهم، وتقول في تقديمها: " أشعر بوضوح أنني أنتمي لهذا الكون وليس إلى مكان محدد ومع انطلاق أول رواية طويلة لي، أخذت- دون قصد- بالكتابة عن عالم بعيد عني كل البعد، والأمر ذاته حصل معي في الرواية الثانية، فطفت مع أبطالي في أنحاء العالم.. لا أكشف سرّا إذا قلت أنّني من المولعين بالأدب الروسي الكلاسيكي. فكلما انتهيت من مطالعة أيّ رواية روسية، تهتزّ روحي وأتخيل نفسي بأنّني أقوم بكتابة رواية أبطالها روس، مع ذات الأسماء التي قرأتها لدى ديستويفسكي وﭼوﭼل وتشيخوف وتولستوي وتورﭼنييف وايتماتوف وحمزاتوف وغيرهم"..
مباشرة بعد التقديم تقوم ميسون الأسدي برواية حكاية تاريخية تشكل الإطلالة لفكرة روايتها وهي حكاية الامبراطورة الروسية الياصبات التي ورثت العرش للأمير بطرس المعتوه والسكير، والذي خلعته عن العرش زوجته صوفيا الألمانية الأصول والتي غيرت اسمها إلى كاترين كما غيرت مذهبها البروتستانتي إلى الأرثوذكسية، وقتله عشيقها وأصبحت هي الامبراطورة، وهي التي بنت مدينة "فورت خيرسون" ومن هذه المدينة تنطلق ميسون لروايتها وتبدأ بفصلها الأول "المستشفى" من مدينتها حيفا.
في تلك المدينة سكن أهل فيتا وهم يهود روس ولكن والد فيتا لم يكن يهوديا متزمتا بل سكيرا وأقرب للروس في سلوكياته، وأمها كانت مسيحية أرثوذكسية، وفيها ولدت الفنانة فيتا وهي الشخصية التي بحثت عنها ميسون في خيالها وفي تلك المدينة لتجدها في فيتا صديقتها التي تعيش معها في حيفا، وفيتا عانت في طفولتها الكثير، فالفقر دفع أمها بعد عمليات إجهاض متعددة لمحاولة إجهاضها وهي حامل فيها لولا منعها من قبل الأطباء خوفا على حياة الأم، وفيتا اكتشفت ذلك صدفة وعرفت انها أتت فرضا على العائلة، ولذا سعت لتكون متميزة "وحاربت طوال الوقت، لكي تثبت أنها طفلة متكاملة في أعمالها وتصرّفاتها، وليعلم الجميع بأنّ ولادتها لم تكن خسارة للعائلة"، في ظل الفقر والبيئة المحيطة " فالجيران الذين يسكنون في نفس المبنى القديم وحول الساحة المشتركة، يتنافسون بالفقر، والفاقة، والتباغض، والقسوة والتبجّح"، وكانت تعيش التناقض تجاه والدها السكير، ومشاعرها تجاه أسرتها بشكل عام وتجاه أختها المنفلتة بسلوكها بشكل خاص.
فيتا فنانة موهوبة منذ الطفولة والتحقت بمدرسة الرسم من الأول ابتدائي "وأصبح الرسم بالنسبة لها ملجأ للهروب من هذه الحياة" وفي مشفى حيفا جلست ترسم العجوز اليهودية سارة كوهين المهتمة بالفنون والتي تمتلك كنزا من اللوحات الفنية، وأهدت المشفى نسخا مصورة عن لوحات لكبار الفنانين علقت في ممر المشفى، والتي تريد أن تخلد نفسها بلوحة وهي تستعد للموت، وفيتا فنانة فقيرة وبحاجة للمال فتقبلت هذا الوضع بالإقامة مع عجوز بالمشفى حتى تنهي اللوحة، وكانت كل المشاهد التي تراها تدفعها إما للذاكرة أو التأمل.
والغريب أن دراستها كانت مكلفة كما تحدثت الرواية علما أنه في المرحلة الشيوعية كان التعليم مجانيا، وكانت الكليات تقدم منحا ومحفزات مالية للمتفوقين، وفي نفس الوقت كان السوفيت حريصين جدا على موضوع الأمن للمواطن، فكيف كان بالإمكان الهجوم على منزل عائلة فيتا من بعض الجيران بطريقة وحشية والاستيلاء على مخزن يخصهم، وكيف كان هناك تفاوت طبقي في نفس الوقت الذي لا يسمح به بالعمل الخاص بالأجرة، فالدولة كانت تسيطر على كل شيء له علاقة بالاقتصاد.
الغريب في الرواية هو الحديث المستمر عن الفقر الشديد لدى غالبية المواطنين السوفيت في هذه المدينة وهذا يعني تلقائيا أن الفقر وسوء الظروف الاجتماعية كان منتشرا في الاتحاد السوفيتي، وهذا يخالف أفكار الشيوعيين العرب عما كانوا يتحدثون به عن السوفيت، وبالتالي نجد أن فيتا الفنانة وحسب الرواية تمكنت الوكالة اليهودية من الوصول إليها ولعدد كبير من أصحاب الديانة اليهودية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وإقناعها بالهجرة إلى جنة عدن وأرض اللبن والعسل أو كما تعتبرها الوكالة "اسرائيل"، والتي اكتشفت أنها غير ما فهمته وأنها أيضا تتعرض للاستغلال فيها والغش والخداع حتى أنها فكرت بالانتحار، وأنهم يدفعونها لكراهية الآخر "العربي" وهي بحكم تربيتها السوفيتية "بفضل النظام السوفييتي لم يكن هناك قوميات وعنصرية وتفرقة، فجيرانها الأرمن كانوا بالنسبة لها أناسا عاديين، وكان الجميع روسا بنظرها ونظر الآخرين، لا فرق بين هذا وذاك. بدأت فيتا ترى التطرف داخل الوكالة، فالمعظم لم يكن لهم نظرة احترام وتقبل الآخر المختلف وهو العرب أهل البلاد، وهي لم تر العرب كأعداء لها، رغم أنها لم تكن تعرفهم عن قرب، ولم تتح لها الفرصة بعد بالتعرّف عليهم".
فيتا تزوجت من عربي مسلم وعقدت قرانها عند القاضي المسلم، وسجلت ابنتها كمسلمة كي تحمي أولادها من الخدمة بالجيش الاسرائيلي، وأشهرت إسلامها على المستندات الرسمية أمام مأذون الزواج داخل أروقة المحكمة الشرعيّة، لكن شعور عدم الانتماء ما زال موجودا في صميمها، ولا يوجد عندها انتماء للعرب أو لليهود أو للروس، فهي شخصية متناقضة جدا، فهي عملت مع الوكالة اليهودية عدة سنوات من أجل ترحيل اليهود للاستيطان في فلسطين على حساب الشعب الفلسطيني، "قضت فيتا خمسة أعوام بالعمل مع الوكالة اليهودية، حيث كانت تسافر إلى بلدان روسيا بمهمّات متفرّقة مرّة كل نصف سنة، صيفا وشتاء، كان على عاتقها جذب الشبيبة وحضّهم للهجرة إلى "أرض اسرائيل" وتثقيف اليهود خارج إسرائيل بالأهداف الصهيونية. عملت كمرشدة في هذه المخيمات. وقد جنت فيتا مالا وفيرا من عملها هذا"، وبقيت سنة كاملة بعد وصولها لأرض فلسطين في مركز الاستيعاب" مركز استيعاب القادمين الجدد أهتم بها، ولكن ما أن خرجت من المركز إلى العالم الحقيقي، حتى تفجر هذا الحلم أمام أعينها، ليس هذا ما آمنوا به وما علّموهم إياه، فقد بدأ مشوار الاستغلال"، أي أنها بدأت باكتشاف الواقع من حولها، واقع دولة أصلا قامت على تزوير التاريخ وحقوق ودماء وألم الآخرين من أبناء فلسطين، ففكرت بالانتحار أكثر من مرة، وفكرت بالهجرة مجددا، لكن فعليا بقيت في الأرض المغتصبة حتى تزوجت من فلسطيني وغيرت ديانتها.
حين عادت لزيارة اوكرانيا وحضور جنازة والدها حققت معها شرطة اوكرانيا عن سر هجرتها، واتهموها أنها ذهبت إلى اسرائيل من أجل العمل بالدعارة كما عرف عن مهاجرات دول الاتحاد السوفيتي، أو أنها جاسوسة، وهذا عطلها عن العودة فلجأت للسفارة الاسرائيلية.
هنا سيكون عدة تساؤلات من خلال الرواية، فهل كان اليهود يشكلون قوة هائلة تحت الستار في الاتحاد السوفيتي حتى تظهر قوتهم فجأة بعدانهياره؟ أو أنهم كانوا القوة المخفية المعدة لتدمير الاتحاد السوفيتي وينتظرون اللحظة المناسبة؟ وهل كان نظام السوفيت قائما على القمع ودماء الشعب بعكس الدعاية التي كنا نسمعها؟ فوصف أماكن السكن في مدينة "فورت خيرسون" والفقر المريع والظروف الصعبة للمواطنين والفوارق الطبقية تشير أن الناس كانوا يعيشون في جحيم معزول عن العالم، وحقيقة وأنا لست بالشيوعي بأفكاره ولم أزر أيا من دول الاتحاد السوفيتي سابقا، كنت أستمع من طلاب وأصدقاء محايدين فكريا أشياء جميلة تختلف تماما عما أشارت له الرواية، وهل هجرة اليهود الروس فقط قائم على ظروف اقتصادية عاشوا بها في السابق، علما أنه من أكثر الأحزاب تطرفا وعنصرية وعداء لأبناء فلسطين خاصة وللعرب عامة هو حزب "اسرائيل بيتنا" وهو يضم مهاجري دول الاتحاد السوفيتي سابقا.
فيتا انعكس ماضيها المؤلم كثيرا على نفسها وكلما حاولت نسيان الماضي والذكريات المؤلمة كان هناك ما يعيدها من جديد، وخاصة من خلال مناقشات ابنتها معها، حتى أنها أصيبت بحالة نفسية صعبة حين حملت مرة أخرى وكانت تخشى على الأطفال القادمين من الفقر والتعب، وهذا استرداد نفسي لما عانته أمها وهي حامل بها وعرفته هي وبقي راسخا في عقلها الباطن، حتى أنها فرحت حين مات التوأم في رحمها وأسقطتهم بالمشفى وتركتهم ليدفنوا هناك وليس على الطريقة الإسلامية، كي لا يبقى أي رابط لها بهم، وهذا يشير كم كانت شخصية فيتا انعكاس للماضي، حتى أن العجوز قبل وفاتها تركت لها رسالة شخصت فيها فيتا أنها عدو نفسها كما هو وارد في عنوان الرواية، فقالت لها في الرسالة: "عزيزتي فيتا.. لقد قمت بتوديعك بالأمس بقبلة على جبينك، أنا أشكرك على ما قدمته لي طيلة مكوثك معي هنا بالمستشفى، واقبلي منّي هذا المبلغ المتواضع، علّك تكملين ما بدأته معي من رسم.. فأنت تستحقين أكثر من ذلك.. وهناك هدية أخرى، أريدك أن تتصرفي بها بالشكل اللائق والمهني، وهي عبارة عن مجموعة رسومات نادرة، سجلت بالوصية أن تتحوّل لك.. آمل أن تبعث لك هذه الرسالة السعادة، فأنا لا أريد الموت وأنت تعيسة، وأن لا تكوني سجينة نفسك وسجينة شكوكك كما لاحظت عليك بالأمس.. فهناك آية في التوراة تقول: "أحب لغيرك كما تحب لنفسك" وهذا لا يعني أن تفضل الآخرين عن نفسك، عليك أن تعطي نفسك حقها في البداية حتى تستطيع أن تعطي بالمثل للآخرين.. وكفاك يا صديقتي أن تكوني عدوّة نفسك.. مع تحيات سارة كوهن".
هذه الرسالة أحدثت انقلابا في حياة فيتا، فقررت أن تصالح نفسها ولا تكون عدوة لها فبدأت بكتابة رسائل سريالية لكل فرد من أهلها بما فيهم والدها المتوفي، ولعل أهم الرسائل رسالتها لصديقتها ناتاشا التي تقول فيها: " صديقتي العزيزة نتاشا.. آمل أن تكوني بخير.. وبعد.. منذ أن بدأت أعيش حياتي الحرّة وأنا أفكّر مع نفسي بين الحين والحين، عندي أمور كثيرة أريد أن أحدّثك بها وأسئلة عديدة أطرحها عليك. أودّ أن أشاركك ببعض أفكاري، كلّي رغبة بالهجرة من جديد. قررت ترك إسرائيل والهجرة ثانية بعد أن فهمت وأدركت بأنّ ما قمت به في السابق، من حثّ الأطفال الصغار على الهجرة إلى إسرائيل، هو أمر غير أخلاقي، فهم صغار وبهم طيبة تُثير الرغبة في البكاء ولا يفقهون شيئا، لأنّهم غير قادرين على اتخاذ القرارات الصحيحة لأنفسهم، يمكننا العمل مع الذين تخطّوا جيل الثامنة عشر، فهم واعون لقدرهم ويعرفون نسبيّا اتخاذ القرار دون حثّهم.
اليوم، أنا على يقين، أنّ الإنسان الذي يترك بلده ولا يهم من أي بلد جاء، هذا يعني أن يصبح لاجئا في بلد آخر، وهذه الدولة- إسرائيل- تبيّن للقادم الجديد بأنّها تدعمه وتريده، ولكن على أرض الواقع ليس الأمر كذلك، ومعظم من عملت معهم من الشبيبة يأتون هربا من الفقر والجوع وليس حبّا بإسرائيل.
هذه التجربة التي مررت بها داخل الوكالة اليهودية هي تجربة رائعة لأنّني التقيت بأشخاص جُدد، تعرّفت عليهم وعملت مع الصغار، وهم ثروة بحد ذاتهم، وما كسبته من عملي وفرّ لي مبلغا من المال لأسافر وأتجول ثانية في البلاد الروسية وضواحيها وادّخرت بعضا منه. والحياة يا نتاشا أخطبوط كثير الأذرع. ذراع واحد تكفي لحبس الإنسان".
وتعود فيتا من جديد لبلدتها خيرسون وتشتري المجمع الذي سكنت بجزء منه في طفولتها " قامت فيتا وزوجها بترميم البيت، حيث أصبح مقرّا لروّاد الفنون، وقد تم تقسيمه إلى أربعة أقسام، قسم لمعيشة فيتا وزوجها، وقسم تحوّل إلى جاليري وضعت فيه جميع اللوحات التي ورثتها عن العجوز، وقسم تحوّل إلى ستوديو تقوم فيه فيتا برسم أعمالها، وتعرض فيه لوحاتها الشخصيّة للبيع، والقسم الرابع تحوّل إلى مقهى ومطعم بإدارة زوجها، وقد تم استغلال الساحة التي تتوسط البيوت لزرع بعض الأشجار وقد وضعت فيها طاولات وكراسي لروّاد المطعم".، لتختم الكاتبة ميسون الأسدي روايتها بما بدأت به حكاية الامبراطورة كاترين فتقول: "سمّيت الفترة التي حكمت فيها كاترين الثانية الامبراطوريَّة الروسيَّة بِالعصر الكاتريني، وقد اعتبر المُؤرخون هذه الفترة بأنّها الحقبة الذهبيّة للامبراطوريَّة. فقد كانت كاترين الثانية داعمة للمبادئ التنويريَّة بولع شديد، وأصبحت معروفة بأنّها حاكمة مستنيرة مطلقة. وبفضلها تم تأسيس معهد "سمولني" وهو أوَّل مُؤسسة دراسات عُليا في أوروبا، خصّص لِتعليم النساء. وسيرا على درب ملوك أوروبا، شيّدت كاترين قصرًا- والمعروف اليوم بقصر الارميتاج- وكانت تستقبل فيه ضبّاط وقاده الجيش وحاميات المدن وهم على الغالب من عشاقها. وفي سبيل تعزيز سلطتها المجيدة، أخذت بالتركيز والاهتمام على الأدب والفنون، وجمعت حولها المبدعين والأدباء الكبار في ذاك الزمان. وأرسلت العديد من الأشخاص إلى فرنسا وإنجلترا، ليستمدّوا من علومهم وآدابهم ولغاتهم ويعودوا لتطوير بلادهم الروسية".
وهنا نجد خيال الكاتبة قد اتجه لمزج شخصية كاترين الامبراطورة بشخصية فيتا بالاهتمام بالأدب والفنون، وكاترين بنت قصرا وفيتا رممت مجمعا سكنيا، علما أن الشخصية الحقيقية فيتا ما زلت تسكن حيفا ولم تحلق عائدة لبلادها كما كل ما يسمى باليسار الاسرائيلي الذي يقر نظريا بحقوقنا في الضفة الغربية ولكنهم يعتبرون فلسطين التاريخية ملكهم وكذلك القدس عاصمتهم، ويتناسون أنهم يسكنون في بيوت هي حق لنا وعليهم مغادرتها عائدين من حيث اتوا.
وفي النهاية وإضافة للملاحظات التي أوردتها خلال ما كتبت يطرأ بذهني سؤال آخر: هل يمكن اعتبار هذه الرواية قريبة من الأدب الروسي كما حلم ميسون الأسدي الذي عبرت عنه في تقديم الرواية بكتابة رواية أبطالها روس وأسمائهم كذلك؟ وهل الاعتماد على ذاكرة فيتا وتداعيات ذاكرتها بين خيرسون وإقامتها في حيفا وفي مناطق أخرى محتلة ومغتصبة في فلسطين يمكن أن يمنح الرواية صفة الأدب الروسي؟
الرواية شيقة وقراءتها غير مملة، احتوت على عناصر الرواية المختلفة من حيث شخصية رئيسة وشخصية ثانوية أساسية وشخصيات ثانوية أخرى وتعدد مسارح الرواية وتعدد فصولها، ورغم استغراق الكاتبة بالسرد حينا وخاصة بالحديث عن الفن التشكيلي واللوحات، وعن الحياة في خيرسون من ناحية أخرى، واستغراقها بالتحليل النفسي أحيانا وربما متأثرة بعملها في العمل الاجتماعي الذي ترك أثره على قصصها السابقة، إلا أن البناء الروائي كان جيدا وجميلا، وحملت الرواية فكرة أنه لا يمكن لفلسطيني وفيٌّ لوطنه أن يخرج عنها وهي أن فلسطين لأهلها وكل الذين استوطنوها كرسوا فكرة لا يتقبلها عقل بشري، وهي فكرة الأرض الموعودة، ولذا نرى فعليا رغم كل عنجهية وقسوة الاحتلال أن اليهود وبمجرد حدث كبير يغادرون فورا ولا يتخلون عن جنسياتهم الأصلية ليعودوا من حيث أتوا، ولكن في المقابل برز في ذهني تساؤل حول تعدد الروايات لكتاب عرب وفلسطينيون في السنوات الأخيرة التي تتحدث عن وجه آخر لمن اغتصبوا فلسطين، وجه انساني غير موجود في الواقع ابدا، والتطرف اليميني في المجتمع اليهودي في فلسطين كشف عن وجهه وظهر جليا، فهل هذه الروايات نتيجة انهزام في نفوس بعض الكُتاب أم ضمن نهج تطبيعي يتخيل الحل للقضية الفلسطينية بالتعايش مع هذا الإحتلال الغاشم؟
وسوم: العدد 773