وقفة مع نص في كتاب مدرسي فرنسي تستعمله مؤسسات التعليم الخصوصي
وقفة مع نص في كتاب مدرسي فرنسي تستعمله مؤسسات التعليم الخصوصي عندنا في السلك الإعدادي للكشف عن حمولته الفكرية ومناقشتها
قبل أسبوع مضى أسرّ إلي أحد الآباء حديثا بخصوص واقعة حصلت بأحد الفصول الدراسية بإحدى مؤسسات التعليم الخصوصي ، ويتعلق الأمر برفض ولي أمر إحدى المتعلمات بالسلك الإعدادي أن تحضّر بنته نصا في كتاب فرنسي يتعلق موضوعه بالشذوذ الجنسي ، الشيء الذي لم توافق عليه مدرسة اللغة الفرنسية واعتبرته عائقا نفسيا دون اطلاع المتعلمين على هذا الموضوع ، وصادف ذلك صدور المذكرة الوزارية رقم 18/140 في موضوع : "برامج الدراسة والحصص والكتب المستعملة في التعليم الخصوصي" بتاريخ 8 أكتوبر 2018 والتي مرجعها المرسوم 2.00.1015 الصادر في 22 يونيو 2001 الخاص بتطبيق القانون 06.00 بمثابة النظام الأساسي للتعليم المدرسي الخصوصي ، فدفعني ذلك إلى التفكير فيما نصت عليه هذه المذكرة اعتمادا على المادة الثانية من المرسوم المرجع محذرة من استعمال بعض مؤسسات التعليم الخصوصي كتبا أجنبية قد تتضمن انفلاتات متعلقة بعدم احترام المنظومة القيمية المغربية أو عدم احترام ثوابت المملكة المغربية كما هو منصوص عليها في الدستور، وذلك دون موافقة المصالح المختصة بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ، كما دفعني ذلك أيضا إلى إلقاء نظرة على كتاب من كتب اللغة الفرنسية التي تعتمدها مؤسسات التعليم الخصوصي عندنا للاطلاع عما تقدمه من قيم لأبنائنا ، فحصلت على نسخة من كتاب مقرر في السنة الثانية إعدادي عنوانه : "أرض الآداب" "Terre Des Lettres "
فتصفحته واسترعى انتباهي نص في الصفحة 72 منه عنوانه :" رسالة مفتوحة إلى الجهاديين الذي فتحوا علينا الحرب " وهو لكاتب وصحفي فرنسي يدعى " بريس كوتيريي" كتبه بمناسبة حدوث الهجوم الإرهابي في 13 نوفمبر 2015 بالعاصمة الفرنسية باريس . ومما جاء في هذا النص مع بعض التصرف تجنبا للإطالة قوله :
" أعزائي الجهاديين بفضلكم أصبحت أحس بما يربطني بوطني العجوز فرنسا بعدما كان لا يعني عندي شيئا كبيرا ،بل كانت خصوصيته تثير غضبي ، وكنت أود لو أغرقته في المعتاد الأوروبي كغيره من بلدان قارتنا ، وكان أصدقائي يقولون لي : لقد كان اثنان من أجدادك يرتدون الزي العسكري في الحروب ، فهل ستتخلى عن أرضك لغيرك، وهي التي كان والدك مقاوما فيها وهو ابن الثامنة عشرة ، وواجه الموت المحقق سنة 1945 . وكنت ككل الفرنسيين رجالا ونساء من جيلي أعتبر خصومنا الألمان أناس من زمن ما قبل التاريخ ... ولو كنت مستشارا للرئيس الفرنسي هولند لنصحته بحمل شارة فوق قفاه بألوان العلم الفرنسي كما صار الرؤساء الأمريكان يفعلون ، وهي صورة كانت من قبل مثيرة للسخرية ولكنها أصبحت اليوم علامة على الشجاعة الوطنية .
لقد فهمت أعزائي الجهاديين رسالتكم في بلاغكم الحربي الذي مجّدتم فيه أنكم هاجمتم عاصمة الكراهية والفساد ، والتي تحمل علامة الصليب في أوروبا ، وافتخرتم بأنكم صفّيتم بسلاح الكلاشناكوف هواة رقص الروك العزّل في قاعة للحفلات اجتمعت فيها مجموعة ممن اعتبرتموهم كفارا أو مشركين يعربدون في حفل فاجر ، فهل قتل المدنيين العزل يعتبرعملا بطوليا ؟
لقد ظننتم أنكم قد زرعتم الرعب في عاصمتنا باريس التي أرعبكم أنها عاصمة حرية التعبير وحرية الرأي والمعتقد . نعم نحن رجال ونساء نسير جنبا إلى جنب في الشوارع ، ونجلس مع بعضنا البعض حول موائد المقاهي والمطاعم ، وأنظارنا تلتقي عند الحرية التي يعتبرها فصيلكم المتزمة المتعصب وقاحة . وجوهنا لا أقنعة فوقها كما تعلمنا ذلك من منطقنا النقدي الذي يخيفكم ، والذي سيبدد قريبا ظلمات أدران جهلكم . إن أنوارنا أعطتنا امتيازا ماديا كنا قد فرطنا فيه في الماضي، لكن ذلك لن يتكرر مستقبلا . إننا مجتمع أشخاص يعتزون بتحررهم ، ويقترحونه على الذين يلتحقون بهم دون تمييز عرقي أو ديني .
نحن أبناء ديكارت ، وفولتير ، لهذا تغلبنا على كل المعتقدات بحجة المنطق ، وعلى كل السلط بحجة النقد . في أعيننا لا توجد قوة فوق الأرض يمكنها أن تتبجح بأصل إلهي . إن حرية النقد وحرية السخرية جنيناها بقوة السلاح خلال ثوراتنا ، وهذه الخبرة لا مجال للجدال فيها ، فإما أن تؤخذ أو تترك .
من باسكال وبول فاليري ، ومن مونتاني إلى بروست ، وفاتو ، ودوبوسي ، ومن لمارتين سنة 1848 إلى شارل ديكول سنة 1940 أشعر بالفخر لأنني فرنسي .
إذا كنتم تعتقدون أنكم ستخضعوننا بالإرهاب ، فأنتم مخطئون ،كما أنكم تركبون أخطارا كبرى حين تستغلون تسامحنا الطويل من أجل نذالتكم وخستكم .
إننا نكره العنف ، ولنا صبر بطيء في الرد على الاستفزازات ، ولكن اعلموا أننا في الماضي قد واجهنا أعداء أشد شراسة من عصابتكم الفوضوية البئيسة وقهرناهم .
إنكم باستفزازتكم الدموية قد جنّدتمونا معنويا ، وهذا أمر جيد ، لهذا سيغير الخوف مقر إقامته ، ولقد أعذر من أنذر " .
انتهى كلام الكاتب والصحفي الفرنسي الذي أرفق نصه بصورة لرجل يقبّل امرأة وعلى صدريهما أثر إطلاق الرصاص ودماء تنزف .
في اعتقادي لو أن الجهات المسؤولة عندنا عن الترخيص باستعمال الكتب المدرسية الأجنبية في مؤسسات التعليم الخصوصي مارست صلاحيتها لما سمحت باستعمال هذا الكتب بسبب هذا النص ،لا لأنه يذم الإرهاب بل لأن صاحبه يكرس الكراهية مستغلا حديثه عن الإرهاب .
وأول إساءة لقيمنا في هذا النص هو إطلاقه اسم الجهاديين على إرهابيين، وفي ذلك ما فيه من تضليل متعمد ، وخلط بين الجهاد في ديننا وبين الإرهاب الشيء الذي يشوش على ناشئتنا المتعلمة بحيث سيلتبس عليها الفرق بين الأمرين، فتحتار في أمر الجهاد هل هو ما تقدمه لها برامجنا الدينية أم ما قدمه هذا الكتاب المدرسي الفرنسي في هذا النص ؟.
وثاني إساءة لتاريخنا هو افتخار الكاتب بالانتصار على من سماهم أعداء الماضي الأكثر شراسة من عصابة الإرهابيين الذين وجه إليهم رسالته المفتوحة. وكيف سيشرح مدرس هذا النص أعداء فرنسا في الماضي ؟ أهم الفاتحون المسلمون الأول الذي وصلوا إلى حدود فرنسا مع الأندلس ؟ أم هم المجاهدون الذين قاوموا الاحتلال الفرنسي لبلادنا ؟ فكيف سيوفق أبناؤنا بين جهاد أجدادهم المقدس وبين تشبيههم بعصابة الإرهابيين الذين حين كشف النقاب عن هوياتهم تبين أنهم من مروجي المخدرات والمسكرات، وأصحاب سوابق إجرامية ،وألا علاقة لهم بالإسلام بل أكثر من ذلك تحوم شكوك حول جهة وظفتهم التوظيف المتعمد بغرض تشويه الإسلام .
وثالث إساءة لهويتنا الإسلامية هو قول صاحب النص : " في أعيننا لا توجد قوة فوق الأرض يمكنها أن تتبجح بأصل إلهي " فكيف سيشرح مدرس هذا النص لتلاميذه هذه العبارة ؟ أليسوا هم من يعتزون بالإسلام الذي مصدره إلهي؟
ولقد صور صاحب النص فرنسا كبلد الأنوار والحرية والتحرر، لكنه ضرب صفحا عن تاريخ استعمارها لأرضنا البغيض ، وافتخر بالجنرال ديكول الذي احتل ارضنا ،كما أنه أزرى بجهاد شعبنا من أجل الحرية والاستقلال ، وافتخر بأن الفرنسيين قد هزموا مجاهدينا من أجل الاستقلال وأطلق صفة الجهادالمقدس على عصابة من المجرمين المسخرين للنيل من ديننا الحنيف .
وفي النهاية نطرح السؤال التالي : أين يا ترى قيمة التسامح في هذا النص ؟
هذا نموذج من نماذج النصوص التي تتضمنها كتب اللغة الفرنسية المعتمد في مؤسسات التعليم الخصوصي التي لا تخضع لفحص كما نصت على ذلك المذكرة الوزارية ، وكما ينص على ذلك أيضا مرجعها المرسوم المشار إليهما أعلاه.
فهل ستفعّل بالفعل تلك المذكرة بناء على ما نص عليه المرسوم المنظم للتعليم الخصوصي ، أم أن الأمر لا يعدو مجرد ذر للرماد في العيون من أجل امتصاص غضب و امتعاض بعض آباء وأولياء أمور المتعلمين مما تقدمه الكتب الأجنبية لأبنائهم من مضامين لا تراعي المنظومة القيمية المغربية ، ولا تحترم ثوابتنا المنصوص عليها في دستورنا .
وعلى أهل الاختصاص تقع مسؤولية الافتحاص الدقيق للكتب الفرنسية المستوردة من فرنسا والمستعملة في مؤسسات التعليم الخصوصي من أجل الكشف عما تتضمنه من مضامين مخالفة لقيمنا ، وذلك صيانة لناشئتنا المتعلمة ولهويتها .ومعلوم أن تلك الكتب لا تعلم أبناءنا اللغة الفرنسية فقط كما يعتقد البعض ،بل تنقل إليهم قيما غريبة عن قيمهم ، وخطيرة عليهم في نفس الوقت .
وسوم: العدد 794