ليلة تسليم جلجامش لليهود؛ فضح مغالطات التناص بين الفكر العراقي القديم والفكر التوراتي (31)
# يوسف اليهودي لا يشبه جلجامش العراقي ، ويعقوب لا يشبه أنكيدو العظيم :
.... فيوسف اليهودي لا يشبه جلجامش العراقي ، ويعقوب لا يشبه أنكيدو العظيم مهما حاول ناجح تمرير ذلك . يمكن لناجح أن يستخف بأسس التحليل العلمي المعروفة ، لكنه لن يستخف بعقولنا وسنحافظ على كنوزنا العراقية الأسطورية العظيمة . وحتى عندما يستعين ناجح باقتباس يأخذه من أحد مؤلفات الاستاذ علي الشوك يقول فيه :
(أشار الاستاذ علي الشوك بان القافلة التي صعد يوسف على راسها مكونة من اهله وجميع شيوخ مصر "ممثلين عن كل مدينة" تحت حراسة عسكرية مهيبة، ودخلوا أرض كنعان عن طريق جلعيد الى حيدر اطاد ، وناحوا هناك نوحا عظيما سبعة ايام . فلما رأى اهل البلاد الكنعانيون المناحة قالوا هذه مناحة ثقيلة للمصريين ولذلك دعي المكان "ايا مصريم" وحمله بنوه الى مغارة مكفيلة في حيرون ، وتفجعوا عليه سبعة ايام اخر ، ثم عادوا عبر الحدود - ص 197) (18).
وهنا مفارقة أخرى : الأستاذ ناجح الذي يدّعي قراءة وتحليل التوراة ، وخصوصاً قصّة يوسف ، لا يعرف أن ما ينسبه إلى "علي الشوك" منقول – بتحوير بسيط - من قصّة يوسف في سفر التكوين (الإصحاح الخمسون : 7 – 12) . ولم يذكر ناجح اسم كتاب الأستاذ علي الشوك الذي نقل عنه المُقتبس السابق لكي نتأكّد هل ذكر علي الشوك – بدوره – مصدره أم لا ؟! والمصيبة أن ناجح ذكر المقبوس نفسه منقولا هذه المرّة عن الأصل التوراتي فوق المقتبس من علي الشوك مباشرة وعلى الصفحة نفسها (الصفحة 197) !! .
ولأن جلجامش بكى على أنكيدو ، ويوسف بكى على أبيه ، إذن يوسف اليهودي التوراتي يشبه جلجامش السومري العراقي ، ويعقوب اليهودي التوراتي يشبه أنكيدو السومري العراقي ، وبالتالي فناجح العراقي يشبه دنزل واشنطون الأمريكي .
هل البطل المحارب الشجاع أنكيدو الذي واجه الملك البطل العراقي العظيم جلجامش وتحدّاه ثم أصبح خلّه وصاحبه ، وقاما بالأعمال البطولية الملحمية الخارقة سويّة ، يشبه يعقوب العجوز المتهالك الذي مات على سريره مريضا ذاوياً ؟
هل المرض الذي أصيب به أنكيدو الذي قرّرته الآلهة والمراحل الأخيرة من حياته ، يشبه مرض شيخوخة يعقوب الذي مات في فراشه خاوياً يوزّع الأراضي الموعودة والسلطات وهو بدوي لا يملك شيئا ؟ هذا البدوي التوراتي الذي خدع أخاه "عيسو" وكذب (ما هذا النبي التوراتي الذي يكذب ؟) ليسلب منه البكورية بصحن عدس ، ثم قام بالكذب على أبيه وتمثيل دور وصوت أخيه (مثل ممثلي هوليود !!) ليسرق البكورية أيضاً ، مثلما قام بسرقة ونهب بهائم وغنيمة سكّان "عاى" قد نهبها لنفسه (حسب قول الرب!!!) (يشوع 8: 27).
هل الغاية من حياة أنكيدو الذي خلقته الآلهة كغريم لجلجامش تشبه الغاية من حياة يعقوب الذي خلقه الله وجعله نبيّاً حسب أطروحات كهنة التوراة ؟
هل الكائن الأسطوري يشبه البشري البدوي ؟
هل قام يعقوب بقتل ثور سماوي مخلوق من الآلهة ؟ هل تحدى يعقوب الآلهة العظمى ؟ هل تحدّى الإلهة الأم عشتار ؟ هل يعرف هذا البدوي إلهة أم أصلاً ، ويحترمها ؟ هل قام يعقوب بقتل وحش غابات الأرز ؟ وهل كل من يبكي على فقيد له بكاءً مرّاً ويهيم في البراري يشبه جلجامش ؟
هل كان يعقوب يعيش مع الحيوانات في الغابة مثل أنكيدو ثم مرّ بمرحلة تحضّر على يد بغيّ ؟ ولأي سبب حضاري عظيم ؟
لقد أحصيت أكثر من ثلاثين فارقاً بين موت أنكيدو وموت يعقوب – الموت فقط ، ناهيك عن الحياة – فكيف يشبه يعقوب أنكيدو ؟
خذ فقط هذا الموقف من اللوح السابع من الملحمة ، والذي يقصّ فيه أنكيدو رؤياه على جلجامش :
(ثم طلع النهار فقص أنكيدو رؤياه على جلجامش قائلاً :
"يا صاحبي أيّ حلم عجيب رأيت الليلة الماضية :
رأيت أن "آنو" و"أنليل" و"أيا" و "شمش" السماوي
قد اجتمعوا يتشاورون وقال آنو لأنليل :
"لأنهما قتلا الثور السماوي وقتلا خمبابا
فينبغي أن يموت ذلك الذي قطع أشجار الأرز من الجبال
ولكن أنليل أجابه قائلا : إن أنكيدو هو الذي
سيموت ، ولكن جلجامش لن يموت "
ثم انبرى شمش السماوي وأجاب أنليل البطل وقال :
ألم يقتلا ثور السماء وخمبابا بأمر مني ؟
فعلام يقع الموت على أنكيدو وهو بريء" ؟ - ص 118) (19).
هل حصل مثل هذا الخلاف الشديد بين الآلهة حول موت يعقوب ؟ أم أنّه مات في فراشه حتف أنفه ؟ وهل كان ردّ فعل يوسف اليهودي مثل ردّ فعل جلجامش السومري لكي يشبهه أو "يتناص" معه ؟
ولنشاهد الكيفية التي مات بها يعقوب التوراتي ، وردّ فعل ابنه يوسف التوراتي على موته :
(48 :1 و حدث بعد هذه الامور انه قيل ليوسف هوذا ابوك مريض فاخذ معه ابنيه منسى و افرايم
48 :2 فاخبر يعقوب و قيل له هوذا ابنك يوسف قادم اليك فتشدد اسرائيل و جلس على السرير
48 :3 و قال يعقوب ليوسف الله القادر على كل شيء ظهر لي في لوز في ارض كنعان و باركني
48 :4 و قال لي ها انا اجعلك مثمرا و اكثرك و اجعلك جمهورا من الامم و اعطي نسلك هذه الارض من بعدك ملكا ابديا
48 :5 و الان ابناك المولودان لك في ارض مصر قبلما اتيت اليك الى مصر هما لي افرايم و منسى كراوبين و شمعون يكونان لي
49 :1 و دعا يعقوب بنيه و قال اجتمعوا لانبئكم بما يصيبكم في اخر الايام
49 :2 اجتمعوا و اسمعوا يا بني يعقوب و اصغوا الى اسرائيل ابيكم
49 :33 و لما فرغ يعقوب من توصية بنيه ضم رجليه الى السرير و اسلم الروح و انضم الى قومه
50 :1 فوقع يوسف على وجه ابيه و بكى عليه و قبله
50 :2 و امر يوسف عبيده الاطباء ان يحنطوا اباه فحنط الاطباء اسرائيل
50 :3 و كمل له اربعون يوما لانه هكذا تكمل ايام المحنطين و بكى عليه المصريون سبعين يوما
50 :4 و بعدما مضت ايام بكائه كلم يوسف بيت فرعون قائلا ان كنت قد وجدت نعمة في عيونكم فتكلموا في مسامع فرعون قائلين
50 :5 ابي استحلفني قائلا ها انا اموت في قبري الذي حفرت لنفسي في ارض كنعان هناك تدفنني فالان اصعد لادفن ابي و ارجع
50 :6 فقال فرعون اصعد و ادفن اباك كما استحلفك
50 :7 فصعد يوسف ليدفن اباه و صعد معه جميع عبيد فرعون شيوخ بيته و جميع شيوخ ارض مصر
50 :8 و كل بيت يوسف و اخوته و بيت ابيه غير انهم تركوا اولادهم و غنمهم و بقرهم في ارض جاسان
50 :9 و صعد معه مركبات و فرسان فكان الجيش كثيرا جدا
50 :10 فاتوا الى بيدر اطاد الذي في عبر الاردن و ناحوا هناك نوحا عظيما و شديدا جدا و صنع لابيه مناحة سبعة ايام
50 :11 فلما راى اهل البلاد الكنعانيون المناحة في بيدر اطاد قالوا هذه مناحة ثقيلة للمصريين لذلك دعي اسمه ابل مصرايم الذي في عبر الاردن
50 :12 و فعل له بنوه هكذا كما اوصاهم
50 :13 حمله بنوه الى ارض كنعان و دفنوه في مغارة حقل المكفيلة التي اشتراها ابراهيم مع الحقل ملك قبر من عفرون الحثي امام ممرا
50 :14 ثم رجع يوسف الى مصر هو و اخوته و جميع الذين صعدوا معه لدفن ابيه بعدما دفن اباه)
ولنسأل الأستاذ ناجح الآن : هل موقف يوسف اليهودي هذا في الحزن على أبيه يشبه موقف جلجامش العراقي الأسطوري في حزنه المدمّر على رفيقه أنكيدو ؟ :
(اسمعوني أيها الشيبة (الشيوخ) وأصغوا إلي
من أجل "أنكيدو" ، خلّي وصاحبي ، أبكي
وأنوح نواح الثكلى
إنه الفأس التي في جنبي وقوة ساعدي
والخنجر الذي في حزامي والمجن الذي يدرأ عنّي
وفرحتي وبهجتي وكسوة عيدي
لقد ظهر شيطان رجيم وسرقه منّي
يا خلّي وأخي الأصغر
لقد طاردت حمار الوحش في التلال
اقتنصت النسور في الصحارى
أنكيدو ، يا صاحبي وأخي الأصغر
الذي اقتنص حمار الوحش في النجاد والنمر في البراري
تغلبنا معا على الصعاب وارتقينا أعالي الجبال
ومسكنا الثور السماوي ونحرناه
قهرنا خمبابا الساكن في غابة الأرز
فأيّ سنة من النوم هذه التي غلبتك وتمكنت منك ؟
طواك ظلام الليل فلا تسمعني "
ولكن "أنكيدو" لم يرفع عينيه
فجسّ قلبه فلم ينبض
وعند ذاك برقع صديقه كالعروس
وأخذ يزار حوله كالاسد
وكاللبوءة التي اختُطف منها اشبالها
وصار يروح ويجيء أمام الفراش وهو ينظر إليه
وينتف شعره ويرميه على الأرض
مزّق ثيابه الجميلة ورماها كأنها اشياء نجسة - ص 126 و127) (20).
إنني أجد نفسي مضطرا إلى نقل مقاطع طويلة من الملحمة تصوّر ردة فعل جلجامش الرهيبة على موت أنكيدو ، لكي يرى القاريء الكريم أي منزلق وقع فيه ناجح المعموري وهو يحاول - بكل قسر وعنف - المطابقة بين جلجامش العراقي وبين يوسف التوراتي لمجرد أن الأخير بكى على أبيه بعد أن حنّطه وطاف به في عدّة مدن !! :
(من أجل أنكيدو ، خلّه وصاحبه
بكى جلجامش بكاءً مرّاً
وهام على وجهه في الصحارى (وصار يناجي نفسه) :
إذا ما متّ أفلا يكون مصيري مثل أنكيدو ؟
لقد حلّ الحزن والأسى بجسمي
خفتُ من الموت ، وها أنا أهيم في البراري - ص 128) (21).
ومن هنا ، تبدأ أعظم رحلة في التاريخ والوجود والكون على الإطلاق : رحلة البحث عن سرّ الحياة والموت ، وليس العودة إلى ممارسة دور وزير التجارة والميرة كما كان يفعل يوسف التوراتي . فعن أيّ تشابه بين جلجامش العراقي العظيم ويوسف اليهودي يتحدّث ناجح المعموري ؟
وسوم: العدد 794