"الفلسطينيّة بين احتلالين في رواية"لا يهزمني سواي"
عن مكتبة كل شيء في حيفا صدرت عام 2019 رواية "لا يهزمني سواي" للكاتبة الفلسطينيّة رولا خالد غانم، وتقع الرّواية التي حمل غلافها الأوّل لوحة للفنّان التّشكيليّ العالمي جمال بدوان، ومنتجها وأخرجها شربل الياس في 180 صفحة من الحجم المتوسّط.
وسبق أن صدر للرّوائيّة رولا غانم التي ولدت وتعيش في مدينة طولكرم روايتان قبل هذه الرّواية هما "الخط الأخضر" ومشاعر خارجة عن القانون".
تطرق الكاتبة رولا خالد غانم في روايتها هذه"لا يهزمني سواي" قضيّة اجتماعيّة غاية في الأهمّيّة، حيث جاء في الرّواية حكاية امرأة منحرفة أخلاقيّا، والتّبعات التي لاحقت بناتها جرّاء فعلة والدتهنّ، حيث اضطهدهنّ أزواجهنّ كعقاب لهنّ على ذنب لم يقترفنه، وبالتّالي ينطبق عليهنّ المثل القائل " الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون". وفي الرّواية نقد لاذع بطريقة غير مباشرة للثّقافة الاجتماعيّة السّائدة، وللعقليّة الذّكوريّة التي تضطهد المرأة بسبب ودون سبب، ويتجلّى ذلك بالمثل الشّعبيّ القائل "طبّ البنت على ثمها بتطلع البنت لأمها"، لكنّ بنات "سهاد" بطلة الرّواية التي خانت زوجها لم يرتكبن أيّ جنحة أخلاقيّة، ومع ذلك فإنّ لعنة والدتهنّ لاحقتهنّ وحوّلت حياتهنّ إلى جحيم لا يطاق. وهذه اللعنة شارك فيها المجتمع المحلّيّ الذي استغلّه للتّشهير بالبنات اللواتي لم يرتكبن ذنبا. ومعروف أنّ الثّقافة الشّعبيّة القبليّة الذّكوريّة المتوارثة تبرّئ الذّكور الذين يرتكبون الفواحش، وتدين شركاءهم من الإناث، وليت الأمور تتوقّف عند الأنثى الخاطئة، بل تتعدّاها إلى بناتها وأبنائها من بعدها، فتصبح عارا يلاحقهم عبر أجيال.
والرّواية لم تتعاطف مع الزّوجة الخائنة، بل وضعتها في مجمل أحداث متلاحقة، لتقطف وبال ما اقترفته من خيانة، وجعلت حياتها مسلسلا من العذاب المتلاحق، حتّى ماتت غريبة متسوّلة منبوذة. لكنّ المجتمع لم يرحم بناتها.
ومن اللافت في الرّواية أنّ الأب"أيمن" كان مغيّبا عن البيت بأعماله، وهذا واحد من أسباب خيانة زوجته، وبقي كذلك مغيّبا عندما تزوّج الّزوجة الثّانية "خلود" التي ساهمت في اضطهاد بناته، حتّى أنّها حرّضت أخاها لاغتصاب إحدى بنات زوجها، وكانت نهايتها الطّلاق، عندما تدخّلت أمّ أيمن في الموضوع، ليتزوّج للمرّة الثّالثة من الخادمة "منيرة التي ربّت بناته.
ونلاحظ أنّ أحداث الرّواية تدور في غالبيّتها في مدينة طولكرم شمال الضّفّة الغربيّة المحتلّة، ويدور شيء من أحداثها في مدينة القدس حيث أهل الأمّ "سهاد"، كما تدور حكاية أحداث عابرة في مدينة رام الله، وكندا واسبانيا، ووفاة "سهاد" في عمّان.
ولن يجد القارئ عناء في تحديد زمن الرّواية الذي يبتدئ بأواخر القرن العشرين، وينتهي بصدور الرّواية عام 2019. وذلك من خلال الأحداث المتعاقبة والتي ورد فيها ذكر للحرب التي أشعلتها القوى الإمبرياليّة والظّلاميّة في سوريا.
ولم تخلُ الرّواية من التطّرّق إلى جرائم الاحتلال في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، من خلال بعض المشاهد الاحتلاليّة في مدينة طولكرم، أو عبر الحواجز العسكريّة -كحاجز قلنديا- التي تقطع أوصال الوطن الذّبيح.
ويسجّل لصالح الكاتبة أنّ غالبيّة أحداث روايتها هي أحداث اجتماعيّة، وهذا ما ينقص الرّواية الفلسطينيّة المعاصرة التي غلبت على مضامينها الأحداث السّياسيّة.
واعتمدت الكاتبة في سردها الرّوائيّ على اللغة الانسيابيّة التي لم تنقصها البلاغة، ممّا أضفى عليها عنصر التّشويق بشكل لافت. كما أنّها استعملت بعض الجمل العامّيّة في مكانها الصّحيح.
ويؤخذ على الرّواية أنّ الحوار فيها كان قليلا. وليت الكاتبة أنهت الرّواية قبل الأسطر الخمس الأخيرة في الصفحة 175، لأنّ هذه الأسطر والصّفحتين اللتين أعقبتهما جمل تفسيرية لا مبرّر لها.
وسوم: العدد 817