رواية "تايه" وطوشة العرب واليهود
صدرت عام 2019 عن دار النّاشر في رام الله-فلسطين رواية "تايه" للرّوائيّ الفلسطينيّ د.صافي صافي، وتقع في 156 صفحة من الحجم المتوسّط.
هذه هي الرّواية التّاسعة للأديب د. صافي صافي.
من يعرف كاتب هذه الرّواية وما يتحلّى به من رقّة الشّعور ورهافته، ويتصرّف بإنسانيّة عالية الإحساس، وحديثه الدّائم عن قريته التي عاش فيها آباؤه وأجداده"بيت نبالا" القريبة من مدينة الرّملة، والتي جرى تجريفها ومحوها عن الوجود مثل مئات القرى الفلسطينيّة، التي جرّفت بعد نكبة الشّعب الفلسطيني الأولى في العام 1948م، لن يتفاجأ بمضمون هذه الرّواية، وإن كانت ستدهشه في تفاصيلها.
فالكاتب مسكون بالمكان الذي ضاع قبل ولادته، وتواصل ضياعه حتّى يومنا هذا، لذا فإنّه يكثر من ذكر الأماكن كأسماء القرى والحارات والوديان والتّلال، وكأنّي به يريد حفظها خوفا عليها من الضّياع، ومن هذه الأماكن التي ورد ذكرها في الرّواية:" بيت اللو، دير عمّار، جمالا، عابود، دير أبو مشعل، دير نظام، النبي صالح، أم صفا، بيرزيت، أـبو شخيدم، كوبر، المزرعة الغربيّة، الجانية، راس كركر، ديربزيع، كفرنعمة"ص99. و:"بيت نبالا، وبعض المواقع مثل:"الطبقة، ابو الفحم، الخربة الشامية، الخربة البيضا،ابو فرو والنقارة ص136" و"البرشة، فروس الدّالية،راس الأقرع، بعنّة مرج الحيلة" ص133. وبعض عيون الماء مثل :"عين البلد، عين القوس، عين الشّيخ، عين حسين، عيون الشّعب، عين البيبي، وعين الشّخريق".ص31. وهناك ذكر لحمايل وعائلات بيت نوبا وهي:" حامولة الشراقا، حامولة زيد وصافي ونخلة" ص117.
كما وردت أسماء بعض المساجد والمقامات الديّنيّة.
والذي أدهشني حقّا عندما انتهيت من قراءة الرّواية أنّ الشّخصيّة الرئيسة فيها "تايه" هو شخص بسيط ساذج "أهبل" لا يؤذي أحدا ولا يسيء لأحد. وهذه سابقة تسجّل لصالح الكاتب.
وفكّرت كثيرا بهذه الشّخصيّة، وما الهدف من وجودها الدّائم على صفحات الرّواية؟ وللإجابة على سؤالي هذا، لا بدّ من الغوص في ثنايا الرّواية، التي أسهبت كثيرا في تفاصيل الحياة الإجتماعيّة للسّكّان، والتي وردت فيها الكثير من الخرافات والشّعوذات والبساطة، والحياة البدائيّة، وما يصاحب ذلك من إشاعات وأقاويل و"طوش" وعادات وتقاليد مثل زواج البدل وغيره، ومن الإشاعات ما تناقلته النّساء حول علاقة بين "تايه" وإحدى النّساء التي كانت تشفق عليه. وحتّى أنّ دور مجدي المتعلم، والذي كان يقال عنه أنّه يقود "المقاومة" كان دورا ثانويّا، يعطي دلالات لها مغزاها، فهل يمثّل "تايه" ببساطته وسذاجته وهبله نموذجا للتّفكير الذي كان سائدا، وكانت نتائجه نكبة وهزائم؟ وهذا ما أميل إليه حتّى وإن لم يرد في ذهن كاتب الرّواية، ويمكن تلخيص ما جرى في النّكبة بالجملة التي تكرّرت على لسان "تايه" كثيرا في الرّواية، وهي" العرب واليهود تقاتلوا"، فحقيقة لم تكن هناك حروب خاضها الجانب العربيّ، الذي تعامل مع الهجمة الصّهيونيّة ومخطّطات الإنتداب البريطانيّ، لإقامة "وطن قوميّ لليهود على أرض فلسطين" وكأنّها طوشة بين طرفين، ومع الأسف لا يزال هذا التّفكير قائما حتّى يومنا هذا.
الإبداع
وأنا أتابع أحداث الرّواية، وخصوصا شخصيّة "تايه" وجدت إبداع الكاتب في أنّ هذه الشّخصيّة تكاد تكون موجودة في كلّ قرية وحارة ومدينة ومخيّم للاجئين، وأحداث الرّواية مجتمعة تنطبق بشكل وآخر على هذه الأماكن كلّها، وهنا يتمثّل إبداع الكاتب بأنّه كتب عن وضع اجتماعيّ وعن مرحلة مرّت في حياة شعب بأكمله، ولا تخصّ قرية "بيت اللو" التي تدور غالبيّة أحداث الرّواية فيها، وتجلّى ابداع الكاتب في اختياره لقرية "بيت اللو" التي ولد وترعرع فيها؛ لأنّه يعرف جغرافيّة القرية معرفة تامّة، فتنقّل شخوص الرّواية فيها، وتنقلّوا بجوارها بسهولة ويسر دون عناء.
كما وردت إشارة في الرّواية بأنّ الجيوش العربيّة لم تحارب، ولم تكن لديها أوامر بخوض الحرب:" نزل الضّابط وقال: لا تناموا في البلد، سأله النّاس عن السّبب، فقال: ما أقدر أحكي. سألوه إن كان باستطاعته تحرير البلدة، قال: أستطيع أن أحرّر منطقة السّاحل بكاملها في بضع ساعات. طلبوا منه أن يفعل فقال: ما بقدر أحكي." ص138.
الأسلوب: استعمل الكاتب الرّويّ والسّرد الحكائيّ وأحيانا التّقريريّ الإخباريّ، وليته استغنى عن الصفحات من 144- 150 لأنّها كانت تقريرا إخباريّا بعيدة عن السّرد الرّوائيّ. وعنصر التّشويق موجود في الرّواية بشكل طاغ.
وفي المحصّلة نبقى أمام نصّ روائيّ متميّز شكلا ومضمونا.
وسوم: العدد 836