العتبة الثانية وعتبة التناصح
أ- العتبة الثانية: (خلاصة على شكل فتوى)
وهي عبارة عن خلاصة علمية لفقه الموضوع على شكل فتوى، كانت إجابة على سؤال من فتاة مسلمة لباب الإفتاء في جريدة الدستور الأردنية تقول فيه، أنا فتاة ملتزمة بالصلاة والواجبات المفروضة، ولكني استمع للأغاني، فما حكم ذلك؟
فكان الجواب:
(1- اختلف الفقهاء القدماء والمحدثون في موضوع السماع والغناء، فمنهم من أباحه بشروط، ومنهم من حرمه، وقد جاء في كتاب الفتاوى للشيخ محمود شلتوت الحنفي ما نصه ( الفقهاء اتفقوا على إباحة السماع في إثارة الشوق إلى الحج والعمرة وفي تحريض الغزاة على القتال وفي مناسبات السرور المألوف: كالعيد والعرس واستقبال الغائب).
2- وذهب بعض الفقهاء على أن (ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله، ولا في معقولهما من القياس والاستدلال ما يقتضي تحريم مجرد سماع الأصوات الطيبة الموزونة مع آلة من الآلات) وقد تعقبوا جميع أدلة القائلين بالحرمة وقالوا: (أنه لا يصح منها شيء).
3- وذكر بعض الفقهاء (أن الأحاديث التي استدل بها القائلون بالتحريم على فرض صحتها، مقيدة بذكر الملاهي وذكر الخمر والفسوق والفجور) وعليه فسماع الأغاني والآلات ذات النغمات الجميلة، لا يمكن أن يحرم باعتباره صوت آله أو صوت إنسان أو صوت حيوان، وإنما يحرم إذا استعين به على محرم، أو اتخذ وسيلة إلى محرم، أو ألهى عن واجب)(5) . والله أعلم.
4- ويقاس على ذلك الأناشيد التي تعبر عن فرح المسلمين بانتصار الإسلام ودعوته أو تحرض على نصرته، كما حصل في استقبال الرسول r في يوم هجرته، ومن نفي دخول الرسول r من منطقة ثنيات الوداع، وقع في فخ التحقيق التاريخي لحدث الهجرة، لكنه نسي الجانب الفني والبلاغي في النشيد، الذي شبه قدوم الرسول r ودخوله إلى المدينة بظهور البدر الطالع من منطقة ثنيات الوداع في نشيد الإسلام الخالد الذي مطلعه:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
لأن الرسول يطرد ظلام الجاهلية والوثنية، ويضيء طريق الهدى للسالكين كما يطرد البدر الطالع من ثنيات الوداع الظلمة ويضيء طريق المسافرين والطراق والعابرين.
وهذا النشيد له تميز خاص في ذاكرة المسلم، لأنه يربطه بالهجرة وانتصار الدعوة على من حاول حصارها وخنقها في مكة.
وهو في مصطلح الأدب يمثل (الأدب الشعبي) الذي لا ينتمي إلى قائل محدد، لأن الذي صاغه هو الوجدان الجماعي للأمة، فهو لا ينسب إلى شاعر معين، وإنما ينسب إلى الأمة ومن خلال الروح الجماعية لها، وانظر إليه في بداياته فهو لا يتجاوز الأربعة من الأبيات، ولكنه الآن يزيد على عشرات الأبيات، فمن أين أتت هذه الزيادة؟ نعم ومع توالي الأيام كانت الأجيال تضيف في المناسبات المختلفة من قرائحها ما يعبر عن حبها لهذه الدعوة وعلى منوال ما سبق ووزنه، حتى أصبح نشيداً شعبيا تشارك فيه أجيال الأمة، وتبقى الزيادة فيه مفتوحة إلى يوم الدين.
بـ- عتبة التناصح والشورى في قضايا الأمة
إن التناصح في الأمور الضرورية، من قضايا الفقه الذي يبصر الأمة بأمور دينها ودنياها، بما يصلح أحوالها ومعاشها أمر ضروري، لما فيه من الفائدة العظمى، وفي هذا الموضوع بالذات، أقيمت ندوات في الصحف، في سنوات سابقة، واستعمل فيها أسلوب طرح آراء المعارضين والمؤيدين من خلال فهمهم للنصوص، ومع ذلك بقي القراء في حيرة من أمرهم، لأنهم لم يقتنعوا بأي من الرأيين على إطلاقه، ثم نام الاهتمام بالموضوع أو القضية، فظل المنشدون يمارسون الفقه الفردي للإنشاد والذي لا يلقي بالاً لوضوح الأمور، وكأن الأمة أصبحت زاهدة في القضايا التي تؤصل للمسلم فقه أمور حياته بما يتناسب مع شريعة دينه.
وها نحن نعيد فتح هذا الملف الذي أغلقه الإهمال والنسيان، أو قل ما يحيط بالأمة من الأمور العظام، وفي إحياء طرح هذا الموضوع من جديد، يطيب لنا أن نسجل الملاحظات التالية:
1- إن فقهاء الطرفين المحرمين للموسيقى والمؤيدين لحلها، نلاحظ أنهم لم يستشيروا أهل الشعر ونقاد الأدب، لعل عندهم ما ينير الطريق لفقه أفضل، ولكنها إشكالية صعبه نشأت في عصور التخلف، أدت إلى الإنفصال بين دعاة الأدب ودعاة الفقه، حين أصبح عندنا فقهاء لا يتأدبون وأدباء لا يتفقهون.
2- وقد نسي هؤلاء الفقهاء أن النصوص المنقولة سوف تطبق على نصوص شعرية، وهم لم يطلبوا العون من أهل الأدب في كيفية تنزيل معاني التحليل والتحريم في هذه الأحاديث على الشعر، بصفتهم من أهل التخصص الذين يعرفون أسرار صنعتهم.
3- ولذلك بقي الأمر غامضاً، يجعل الكثير من الناس غير قادرين على اتخاذ القرار الذي يرونه مناسبا لفقه هذا الأمر، وربما دفعوا الناس إلى إهمال القضية وعدم المبالاة بها.
*(عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية )
وسوم: العدد 841