الطبقة الثالثة و الرابعة
1- الطبقة الثالثة (طبقة الأصوات التي تصدرها الآلات الموسيقية)
في مرافقة الإنشاد والغناء.
وهي التي تشكل الطبقة الثالثة بالإضافة إلى ما سبق (طبقة الوزن الشعري وطبقة الصوت الجميل) وهنا نسأل ماذا تضيف الآلات الموسيقية للغناء والإنشاد من مؤثرات؟
فالطبقة الثالثة حين تجتمع مع (موسيقى الشعر + الصوت الجميل + صوت الآلات الموسيقية)، فإن صوت الآلات الموسيقية يضيف تضخيما خارجيا يتوائم مع الوزن الشعري والصوت الجميل، ويصنع حالة طرب عالية الوتيرة، مما يدفع إلى تسريع الاستجابة والاندفاع إلى طرب غير منضبط في كثير من الأحيان، والمعلوم أن الموسيقى العالية الصاخبة، تضعف الانضباط، عند السامع، وتصنع عنده حالة من الطرب الأرعن، حيث يخرج الإنسان عن الإتزان ويبعده عن طوره وأخلاقه الطبيعية، ويدفع به إلى حالة من الفوضى والاستهتار تحت تأثير هذه الموسيقى وتحديدا عندما ترافقها مكبرات الصوت، وهي حالة يجب أن يحتاط منها، وهذا الأمر يجعل العلماء والفقهاء يبحثون لها عن الضوابط التي تحمي الإنسان من هذا الطرب المنفلت والفوضى، وممارسة ما لا تحمد عقباه، وذلك من خلال الاحتكام للضوابط الشرعية، حتى لا تكون القضية تابعة لتقلب مزاج الأفراد ومذاقاتهم الفنية المتفاوتة، التي قد تدفع بعض الناس للتساهل إلى حد الانفلات، أو تدفع بعض الناس إلى التعنت والجمود، الذي يحرمنا من توظيف مواهب شبابنا في أمور ثقافية وتربوية ودينية وتعبوية، مفيدة للأمة في صناعة حياتها، لأن هذه الطبقة (صوت الآلات الموسيقية) تمثل الطبقة الحرجة والصعبة والمختلف عليها وفيها عند العلماء، والتي تؤتي الأخطاء والفوضى من قبلها، ولذا وجب ضبطها بالقواعد الصارمة وضرورة نظافة البيئة الفنية من دواعي الانحراف وأسبابه، وتركيز الإرشاد الفني للمنشد والملحن في هذه الطبقة.
2- الطبقة الرابعة: (وهي طبقة اللغة وعاء المعنى)
وهي الطبقة الحاملة للشعر والموسيقى والصوت الجميل، كما أن اللغة هي وعاء المعنى والحضارة والثقافة والفكر والفن.
تحتوي في بحرها أسرار اللغة وعبقريتها ودقائقها وخصائصها، وتأتي اللغة الشعرية حاملة للبناء الفني ومضامين المعنى والإيقاع والوزن، حتى أن تفاعيل العروض التي تحفظ الأوزان وتخلدها على شكل قمة وقاع ومن خلال الزحافات والعلل، هي من حروف هذه اللغة، التي تمثل الطاقات الصوتية للجهاز اللغوي الذي يمتد من الشفتين حتى اللهاة، ويشكل المدرج الصوتي لحروف اللغة العربية أفضل مدرج صوتي من بين لغات العالم، لأنه يمكن الإنسان العربي من نطق جميع لغات الأرض كما ينطقها أهلها، بينما لا يستطيع غيره نطق بعض حروف العربية وهذا يساعد العربي على تشكيل صوته والتحكم بدرجاته بما يتناسب مع معاني النص من خلال تنويع النغمات وسهولة الأداء ويسره.
إن التكلم عن هذه الطبقة معناه التكلم عن مضامين الفن، ومدى قدرة المنشد على اختيار النص الذي يريد أن يتغني به على مسامع الناس، وكما أن الموسيقى لها علاقة بصناعة الهياج والإثارة أو الرزانة والهدوء، فكذلك طبقة اللغة تشارك في صناعة هذا التأثير، والتحكم في إدارة هذا التأثير من خلال المعاني التي يخاطب بها الجمهور.
وهذا المعنى الذي تحمله اللغة إلى قلب السامع في الطبقة الرابعة، حيث اللغة والخيال الشعري والطبقات الثلاث (الوزن والصوت الجميل والصوت الموسيقي) جميعها تشارك في إيصال المعنى مجتمعة، إلى قلب السامع من خلال هذا المركب المعقد المتداخل من (الوزن والصوت الجميل وصوت الآلة الموسيقية واللغة التي تحمل المعنى) ومن خلال الحناجر الموهوبة التي تصدح بالألحان والأصوات العذبة، التي تحدث الإعجاب والإنجذاب لفن يروحُ عن الناس، ويؤثر في سلوكهم واختيارهم، هذه الطبقة تحملها لغة البيان (علمه البيان) ويوصلها (الصوت الجميل) وتحركها (أدوات الإيقاع) تحمل (المعاني) التي يفترض أن تنسجم مع قيم ومعتقد الأمة وتحبب الناس فيها، وإذا خالفت قيم الأمة وعقيدتها نسقط هذا الفن، ولا يغرينا ما فيه من عناصر الجمال، حتى نحمي الأمة من عبث العابثين، لأن الجمال إذا خالط الباطل فقد وظف في غش الأمة وخداعها وإفسادها، وحري بنا أن نعامله معاملة من يسكب وعاء الزيت بما فيه، لما خالطه من نجاسة الفأر الذي وقع في الإناء، والفن وعاء جميل يجمل مضمونه الجميل أو السيئ، ونحن إما أن نستمتع بجماله النظيف، أو أن نكتشف السوء فيه، فنرمي به في الهاوية غير آسفين عليه .
*(عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية)
وسوم: العدد 842