نحن والحداثيُّون

أ.د/ طه جابر العلواني

نحن والحداثيُّون

أ.د/ طه جابر العلواني

بكلٍ تداوينا فلم يشف ما بنا ... على أنَّ قرب الدار خير من البعد

على أنَّ قرب الدار ليس بنافع ... إذا كان من تهواه ليس بذي ود

ذلك مثلنا ومثل أبنائنا وإخواننا من الحداثيين.

مصادر تكوين العقل الحداثي والمؤثرات فيه لا يندرج فيها حجاج صادر عن إيمان، بل يتأثر بما يمكن أن يؤدي إلى هدم الأصول الحداثيَّة نفسها، وإذا كانت الأحكام معللة كلها بعلل وحكم ينضبط بعضها ولا ينضبط البعض الآخر فذلك كله لا يؤثر على الحداثي؛ لأنَّ له منهجه الخاص في التفكير ومنطلقاته وغاياته، لكنَّه يتأثر إذا استطعنا إقناعه بخطأ منهجه أو خطأ النتائج التي يتوصل إليها وفقًا لذلك المنهج.

 ونستطيع أن نقول له في هذه الحالة: إنَّ الأحكام التي يراد أن تنسب إلى الشريعة وتستمد شرعيَّتها منها لها مواصفات خاصَّة، ليس منها هذا الذي يحاولونه من تعميم الاجتهاد العقلاني في كل شيء، في النصوص، وفي العلل، وفي سواها، بل ما داموا لا يرون أنَّهم ملزمون بالنصوص فلا داعي لأن يتعبوا أنفسهم في تأويلها وإثبات جواز تغييرها بدليل أو من غير دليل، والأولى لهم أن يحدثوا قطيعة معرفيَّة مع التراث أصولًا وفروعًا، ويسلكوا سبيل العلمانيَّة والحداثة، القائمة على الاختيار والعقل الإنساني وعدم الإيمان بوجود أيَّة سلطة على الإنسان تقيد تصرفاته وتبين له ما هو مقبول منها وما هو مرفوض، ويبين لهم خطأ الدمج بين نسقين مختلفين، نسق غربي بدأ مسيرته وتطوره مما قبل الحداثة مرورًا بالحداثة وانتهاءً بما بعد الحداثة، واتخذ لنفسه أصولًا ومدارات تجعله منسجمًا مع نفسه، وبين نسق إسلامي آمن بأنَّ الله (جل شأنه) خالق معبود مستخلف مؤتمن، وأنَّ الإنسان عبد مخلوق مستخلف مؤتمن، ليس له أن يخرج عن خطاب الاستخلاف والأمانة قيد أنملة. فلا يمكن إسقاط أي من النسقين على الآخر، فلا الحداثة يمكن أن تتحول إلى إسلام بإسقاط بعض الأصول والقواعد الإسلاميَّة عليها ولا الإسلام قابل للتحوُّل إلى الحداثة وما بعد الحداثة، بإسقاط بعض قواعد العقلانيَّة والعلماويَّة عليه.

 والله أعلم.