رواية "القسام" لعبد الله الطنطاوي
رواية "القسام"
عبد الله الطنطاوي
د. عبد الله الطنطاوي
حيدر قفه
على هامش إشكالية الفن والتأريخ في رواية"القسَّام"
للأستاذ عبد الله الطنطاوي
لعل من الإشكاليات الْـمُضْنِيَةِ التي تواجه الأديب الذي يكتب رواية تاريخية التناغم بين الحدث التاريخي، وبين المدى الفني، الذي يسبح فيه المبدع، حتى يُخْرج روايته من قفص التاريخ إلى فضاء الأدب الرحب.
وهذه الحساسية المفرطة أو الخوف المسيطر على الأديب في الحفاظ على صدق الحدث، وعدم تمويهه بمزالق الخيال، تجعله مفرط الحساسية لدرجة لا يُحسد عليها، وهو يراهن على ذكاء القارئ في التفريق بين مقدار الحقيقة التاريخية في وسط هذا الفضاء من الخيال، وقلما نجد القارئ الذي لا تختلط عليه الأمور، فإذا كان أولئك كُثر، رفعوا في وجهه عصى الاتهام، وتوعدوه بالويل والثبور وعظائم الأمور لتلاعبه بالحقائق التاريخية... إشكالية ليست هينة.
والأستاذ عبد الله الطنطاوي وضع نفسه في هذا الموضع الخطر، متصدياً لمهمة شاقة، وهي الربط بين القسام كشخص حقيقي، والقسام كرمز تاريخي، تقتفي أثره الأجيال، وتتوالد عن همته الأبطال، وتتخرج على مفهومه للجهاد الأشبال.
وفي مئة وأربع وثمانين صفحة من القطع المتوسط استطاع الأستاذ الطنطاوي أن يُغطي حياة القسام في مراحلها المختلفة، من الميلاد إلى الاستشهاد، مبيناً الأثر العظيم الذي أحدثه، والتراث الذي خَلَّفَهُ.
وقد تناول الأستاذ الطنطاوي هذا الموضوع الحساس عبر محاور ثلاثة:
المحور الأول: حياة الشيخ القسام منذ ولادته إلى استشهاده، مبرزاً العوامل التي ساعدت في تكوين شخصيته، وترسيخ طباعه التي تميز بها. مروراً بجهاده وصبره.
المحور الثاني: السرد التاريخي للأحداث التي مرت في حياة القسام، وسواء أكانت أحداثاً فُرضت عليه، أو شارك هو في صنعها.
المحور الثالث: أفكار الكاتب – الأستاذ الطنطاوي نفسه – التي بثها في تضاعيف الرواية.
وإذا أردنا الإنصاف – أو الاقتراب منه على الأقل – فإن كل محور من هذه المحاور يحتاج إلى مقالة مستقلة تغطيه، وتبرز جوانبه خير إبراز، ولكننا سنقتصر في هذه المقالة على الإلمام بهذه المحاور إلمامة سريعة، تبرز ما ألمحنا إليه منها.
المحور الأول: حياة القسَّام.
تناول في هذا المحور معلومات عن والد القسام، وأسرته، ونسب أمه، والمستوى الاجتماعي والاقتصادي للأسرة، وتاريخ ميلاد عز الدين، وهو سنة 1300هـ.
كما تناول حياة الصبي عز الدين ذي السنوات العشر، ووقوفه مع الحق، يدور معه حيث دار، لا مع الأشخاص. كما أنه كان يعمل مع أبيه ليساعده، وطموح الصبي للدراسة في الأزهر، وسفره عبر البحر من جزيرة أرواد القريبة من جبلة ص 13 إلى الإسكندرية ومن ثمَّ القاهرة حيث الأزهر.
وفي الأزهر يتتلمذ على أفكار جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده الثائرة، ويضطر مع زميله عز الدين التنوخي إلى بيع الهريسة في أوقات الفراغ لكسب بعض النقود، لأن أوضاع الناس في سورية لا تساعد على مدهما بالمال الكافي، فمن يأكل ثلاث وجبات في قرى سورية آنذاك قلة من الناس ص 15.
وعندما يعود من الأزهر إلى قريته يرفض زيارة زعيم القرية (الأفندي) بشمم وإباء، معتزاً بالإسلام، لأن الأصول أن يسلم المقيم على القادم من سَفَرٍ كما هي السُّنَّة.
عزم عز الدين على زيارة عاصمة الخلافة"الآستانة" ليلتقي علماءها، ويزور مساجدها ص 37. وفي رحلته تلك يطلع على الجهل المتمكن من المسلمين في القرى والمدن، فيعود إلى بلده"جبلة"ويفتح كُتَّاباً يعلم فيه أهل بلدته والبلدان المجاورة، في النهار للصغار، وفي الليل للكبار (محو أمية)، كما عمل خطيباً لمسجد المنصوري وسط البلد، فاستحوذ على قلوب الناس.
وتتوق نفس عز الدين الوثابة للجهاد، فما إن يسمع بحصار الإيطاليين لطرابلس الغرب سنة 1911م حتى يُسْتَثَارَ، فيجمع النقود من الناس ليجهز المتطوعين، ولكن يحال بينهم وبين السفر إلى ليبيا، فيبني بالأموال التي جُمِعَتْ مدرسة.
ثم تتوالى وثباته للجهاد، فيبيع أثاث بيته ليشتري بثمنه بنادق لشن غارات جهادية ضد الفرنسيين في سورية، ويتحالف مع السيد عمر البيطار قائد الثورة آنذاك، ويضع نفسه ومن معه تحت إمرته ص 61.
ويتعاظم شأنه، ويظهر أمره، حتى أصدرت الإدارة الفرنسية حكم الإعدام بحقه، ثُمَّ تحاول الالتفاف حوله باستمالته إلى صفها، فلا تُفلح، ويرى الشيخ ضرورة نقل الجهاد، فيعقد العزم على الانتقال إلى فلسطين، ليواصل جهاده هناك.
وفي فلسطين يستقر في حيفا، ويُصِرُّ على أن يعمل لكسب رزقه، ولا يكون اتكالياً ينتظر تبرعات الناس، كما يفعل بعض المشايخ متأولين لذلك. ثم تتوالى الأحداث، وينشئ الشيخ تنظيماً مسلحاً جهادياً، ويقابل في ذلك الوقت الشيخ كامل القصاب، ويعرض عليه ما عنده، ثم مبايعة القصاب للقسام على أن يكون القسام شيخ التنظيم ومرشده ورئيسه ص 119.
ويبدأ التنظيم الجهادي في صب حِمَمِهِ على رؤوس اليهود والإنجليز ومن تعاون معهم، في ضربات خاطفة، والانتقال من موقع إلى موقع، وتسجيل نجاحات وانتصارات باهرة، تقلق الأعداء. وتعتقل السلطة الإنجليزية الشيخ القسام، فَتُضْرِبُ حيفا بكاملها احتجاجاً على هذا الاعتقال ص 146.
وتتوالى الأحداث، والشيخ يتخطى الصعاب واحداً بعد الآخر، حتى يضطر إلى ترك حيفا، والانتقال إلى جنين، والعمل منها في مقاومة الأعداء وقتالهم، متعاوناً مع الشيخ فرحان السعدي ص 167 – 168.
وتنتهي الرواية، أو حياة الشيخ عندما حوصر ورفاقه في أحراش "يَعْبَد" واستعدادهم للموت، بصلاة الفجر فرادى، ثم طلب الشهادة، والمقاومة حتى استهشدوا في أصيل ذلك اليوم 20 تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1935م ص 178.
وهذا المحور أبرز لنا صفات الشيخ عز الدين القسَّام والتي من أبرزها: حبه للحق، أَنَفَته من التصاغر أمام أهل الدنيا، عفته عن أموال الناس، البداية بنفسه في الجهاد بالكلمة والمال والجسد، ترفعه عن سفاسف الأمور، صلابته، عناده في الحق، تواضعه لإخوانه، أثره في قلوب الناس.
المحور الثاني: سرد الأحداث التي مرت في حياة الشيخ.
ومن أهم الأحداث التي مرت في حياة الشيخ عز الدين القسام، حصار الإيطاليين لطرابلس الغرب أواخر سنة 1911م، وكيف أثار الناس بخطبه الحماسية، وقيادته مظاهرة ضد هذا الحصار. ولم يكتف بذلك، بل ندب الناس للتبرع لشراء السلاح لتجهيز متطوعين بالجهاد، ولكن الحكومة الاتحادية في تركيا تماطل في تسفيرهم بحراً من الإسكندرونة إلى ليبيا. فيعود الشيخ ومن معه والدموع تملأ عيونهم حسرة وقهراً، فيبني بالمال الذي جمعه مدرسة لتعليم الأُميين ص 47 – 48.
ومن الأحداث أيضاً، احتلال الفرنسيين للساحل السوري ص 50، وما فعله الشيخ لتوعية الناس، ودفعهم للتصدي للزحف الفرنسي نحو القرى الداخلية، وما يأتونه من أفعال منكرة، كالنهب، والاعتداء على الناس، وعلى الأعراض
ص 50 – 51. وقراره بيع داره ليشتري بثمنها سلاحاً ليقاوم الفرنسيين.
ثم كان القتال الخاطف الذي كان يشنه الشيخ ورفاقه على مواقع الفرنسيين حتى أقض مضاجعهم، ومحاولتهم القبض عليه حيّاً أو ميتاً، ثم الحكم عليه بالإعدام غيابياً.
ويتحول الشيخ ورفاقه إلى فلسطين، والعمل على مقاومة الإنجليز واليهود في حركة دائبة حتى يقضي نحبه شهيداً على تراب فلسطين.
ويلاحظ القارئ الكريم تداخل هذا المحور مع المحور السابق، فإن أي حدث في حياة إنسان ما، لا بد أن يترك أثراً في تكوينه النفسي والعاطفي، ومن ثَمَّ الأخلاقي، لأنه يُوَلِّدُ تجربة، والتجربة محصلة للأحداث، كما أنها – أي التجربة أو مجموعة التجارب – المنطلق الذي ينطلق منه المرء في حياته بعد ذلك. فسلوك المرء في الحياة ليس نابتاً من فراغ، ولكن من أرضية صلبة، أو خلفية سابقة كَوَّنتها الأحداث.
المحور الثالث: أفكار المؤلف الخاصة.
ففي هذا المحور نجد أفكار الأستاذ الطنطاوي الخاصة، والتي حاول تضمينها لهذه الرواية، وهي – أي الرواية – ميدان رحب لعرض هذه الأفكار.
والأفكار التي طرحها الأستاذ الطنطاوي كثيرة، لا تتسع لها هذه المقالة، لكنها تدور حول القضايا المعاصرة التي يثيرها أعداء الأمة، وسأشير إلى بعضها إشارة فقط، وهي: مهاجمة الخلافة العثمانية، تنقل المجاهدين بين أقطار الإسلام هروباً من الطغيان، زعم التافهين أن فلسطين قضية فلسطينية يجب ألا يُعنى بها إلا الفلسطينيون وحدهم، ترك المشايخ للسياسة وانصرافهم لدعوة الناس للزهد وفقه الطهارة، إبراز دور المسجد في الحياة، تهافت العلماء لحضور المؤتمرات، رفض مفهوم رجل الدين... وهذا غيض من فيض، وإلا فالأفكار كثيرة، وهي في حاجة لعرض ومناقشة لتجليتها وتوضيحها.
الوسائل التي استعان بها المؤلف لحبك خيوط الرواية:
وقد استعان المؤلف بتقنية عالية في إبراز الأحداث والشخصيات، لجعلها في مكانها الطبيعي من الرواية، دون إشعار القارئ أنه مساق نحو وعظ مباشر، أو محاضرة علمية، أو درس تاريخي.
فقد وَظَّفَ المؤلف الحوار لنقل المعلومات التاريخية، ولما كان القسام عالماً وشيخاً وخطيباً، كان الحوار ميداناً فسيحاً يصول فيه ويجول مع الناس.
كما وظف أيضاً خطبة الجمعة، فقد يخصص المؤلف فصلاً لخطبة جمعة ألقاها القسام، تناول فيها قضية علمية، أو تربوية، أو سلوكية، أو سياسية، أو تاريخية.
كما وظف الأجوبة – كمجرى طبيعي لحياة الشيخ – فهو بصفته عالماً أضحى موضع أسئلة الناس واستفساراتهم، فكان المؤلف يطرح سؤالاً على الشيخ – على لسان أحد شخصيات الرواية كالزملاء أو التابعين أو المرافقين أو الناس العاديين – ويتولى القسام الجواب، والذي هو مجمل المعلومات التي يريد المؤلف سردها ضمن إطار الرواية.
كما وظف المؤلف المعلومات التاريخية، فعندما أراد الشيخ تجهيز متطوعين بالسلاح، عرج على حادثة جيش العُسرة في حياة النبي (r)، وكيف جهزه الرسول (r) من تبرعات الصحابة ص 53.
كما وظف المؤلف الأسلوب القرآني في الارتقاء بلغة الرواية، كما في تعبيره:"فتولوا وأعينهم تفيض بالدمع!!"ص 53.
كما وظف الرؤية المنامية في شحذ الهمم، عندما قالت زوجة القسام له أنها رأته مع خالد بن الوليد (t) وصلاح الدين الأيوبي (رحمه الله) ص 60.
ووظف أيضاً أسماء أعلام الجهاد في التاريخ، كما مَرَّ سابقاً خالد وصلاح الدين، وكذلك الْـمُثَنىَّ بن حَارثة ص 137 وذكر أيضاً أسماء المجاهدين المعاصرين من أمثال إبراهيم هنانو، وكامل القَصَّاب، وعمر البيطار، وفرحان السعدي وغيرهم.
وقد ظهرت بصورة واضحة ثقافة المؤلف، ورؤيته السياسية في كثير من المواقف، وعند معالجته للقضايا المطروحة، فهو يستشهد بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، إما نَصَّاً حرفياً، وإما تضميناً في أسلوب رائع تتلمذ في المدرسة الإيمانية. وكذلك في استشهاداته التاريخية، والأسماء الكثيرة التي أوردها كدليل قاطع مقنع على وجهة نظره، وظهر ذلك جلياً عند معالجته لبعض القضايا المعاصرة، فهو علاج إيماني صادر عن رؤية إسلامية واضحة.
أُمنيات:
ورغم اقتدار المؤلف، وامتلاكه ناصية العمل الأدبي الذي بين يديه، إلا أنني شعرت أن هناك أموراً كنت أتمنى لو عالجها الأستاذ الطنطاوي بطريقة أخرى فمثلاً ص 73 ذكر عن الشيخ القسام وصحبه أنهم تناولوا "فطوراً شهياً، فأكلوا حتى الشبع والامتلاء" والمعروف أن من السُّنَّةِ أن يأكل المسلم أكلاً دون الشبع والامتلاء كما ورد في الحديث، والشيخ القسام ورفاقه مجاهدون، والمجاهد يحتاج إلى خفة الحركة، والامتلاء يناقض ذلك، حيث أنه مدعاة للكسل والخمول، كما أن الشيخ داعية، والداعية ملتزم بالسنة أولاً، أو هكذا يجب أن يكون... فتمنيت لو قال: أكلوا طعاماً يقيم أودهم، ويساعدهم على الحركة، لا سيما ومعظمه من الحشائش البرية كالزعتر والخبيزة والنعنع!!.
وفي ص 53 ذكر أنهم"تولوا وأعينهم تفيض بالدمع!!"وكنت أتمنى لو قال: (ﭚ ﭛ) كما هو أسلوب القرآن في [المائدة: 83] و [التوبة: 92].
وقال ص 86 على لسان الشيخ عز الدين القسام:"ما شهدنا إلا بما علمنا، وما كنا على الغيب بحافظين"فخالف أسلوب القرآن، وصدم حسن المسلم البسيط فضلاً عن حَفَظَةِ القرآن، فجاءت العبارة قلقة. وكنت أتمنى لو وافق النص القرآن (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [يوسف: 81].
وقال ص 103"عاد الحاج خالد إلى الحفّة، فألقى الفرنسيون القبض عليه، وأعدموه بطريقة بشعة، تتناسب مع إنسانية الفرنسيين وأخلاقهم، قد جمع الفرنسيون أهل القرى، وسكبوا الكاز على الحاج خالد، وأحرقوه حيَّا أمامهم"فقد كانت كلمة"إنسانية"– والتي هي مقترنة في أذهان الناس بالرحمة – كلمة لا يستحقونها، وكنت أتمنى لو قال:"وحشية"لأنها أكثر دلالة، إلا إذا كان استخدام"إنسانية"على سبيل التهكم اللاذع، والسخرية المرة على طريقة (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الدخان: 49].
وقال ص 146:"الشيخ سعيد عطية، المصري الجنسية". وكنت أتمنى لو قال:"المصري المولد والنشأة"على عادة أهل العلم قديماً، فإن الجنسية من الجنس، وكلنا عرب ومسلمون، ولسنا أجناساً مختلفة أو متباينة، والحدود القائمة بين أقطارنا حدود صنعها الاستعمار، ترفضها القلوب والعقول المؤمنة الواعية، وإن كرستها بعض الممارسات الخاطئة من الأبناء أنفسهم، لا سيما والأستاذ الطنطاوي أورد هذه العبارة ليعالج نقطة مهمة، وهي تصحيح المفهوم الخاطئ الذي يريد حصر قضية فلسطين بالفلسطينيين وحدهم، ويُحجب عنها العرب والمسلمين.
هذه بعض الأمنيات، والرواية في مجملها رواية رائعة، بل أكثر من رائعة، وهي تستحق أكثر من دراسة، وفي أكثر من جانب.
رواية"القسّام"وأفكار الطنطاوي الخاصة
الرواية ليست مجرد أحداث ينسج خيوطها الروائي، ليُخرج لنا حكاية طويلة ممتعة، يتحرك أبطالها ويتفاعلون بقدرة الروائي على مدهم بطاقة عالية من الإقناع، وجذب القارئ إلى عالمهم الذي أبدعه، لكنها – أي الرواية – تبقى ميداناً رحباً يعرض فيه الروائي أفكاره الخاصة في الحياة والكون والناس المحيطين به، أو الأحداث والقضايا المهمة، سواء أكانت تاريخية أم معاصرة.
وهذه الأفكار الخاصة هي الفائدة التي يجنيها القارئ – سواء أكان معها أو ضدها – من خلال الكم الهائل من المتعة التي تمنحه إياها عملية السرد وتحريك شخوص العمل الروائي.
وإذا كان العقاد قد ذكر من قبل، أن القصة كالخروب"درهم حلاوة في قناطر من الخشب"وهو يعني بذلك مقدار الفائدة الفكرية التي يجنيها القارئ من الرواية، فإن درهم عبد الله الطنطاوي هنا يُصبح دراهم، لكثرة الأفكار التي عرضها من خلال روايته"القسَّام"التي صدرت عن مجلة فلسطين المسلمة آب (أغسطس) سنة 1993م.
ونحاول في هذه المقالة عرض بعض أفكار الطنطاوي التي أوردها في روايته هذه، محاولين إبرازها، وكشف الملابسات التي أحاطت بها.
الفكرة الأولى: الدفاع عن الخلافة العثمانية.
الإسلام هو الإسلام، لا فرق عنده بين أبيض وأسود، عربي وعجمي (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الحُجُرات: 13]، وكم من عجمي خدم الإسلام أكثر من كثيرين من العرب، وكم للأعاجم من أياد بيضاء على المسلمين، وقد كان منهم العلماء، والقواد، والحكام الذين أناروا صفحات تاريخ المسلمين. والخلافة العثمانية لها أياد بيضاء لا تعد ولا تحصى، ويكفي أنها نشرت الإسلام في أوروبا حتى كادت أن تفتح به روما، لولا أن البشارة لم يحن وقتها بعد.
وفي آخر عهد الدولة العثمانية – بعد عبد الحميد – أصابها الضعف، وسيطر عليها يهود الدونمة والماسونيون، فساقوا البلاد نحو الهاوية، وساموا العباد العسف والظلم. لكن هذا الوجه البغيض لحكومة الاتحاد والترقي الماسونية يجب – عند المنصفين – ألا ينسحب على تاريخ الدولة العثمانية كله، ولا يكون مبرراً للوقوف مع الشيطان – الدول الاستعمارية – ضد الخلافة الإسلامية. والطنطاوي هنا يقف ضد العلمانيين والقوميين الذين ألحوا على فكرة "الاستعمار التركي"حتى كادوا أن يزرعوها في عقول الأجيال الناشئة، وبذلك تنسف فكرة الوحدة الإسلامية، والأخوة في الله، اللتين استفاد من نسفهما الاستعمار نفسه، عندما مكن لمصطفى كمال أتاتورك من الحكم، ومن ثَمَّ أطلق يده في محاربة الإسلام واللغة العربية، والتنكيل بالدعاة ص 38 – 39.
الفكرة الثانية:
لوم حُكام بني عثمان لعدم اهتمامهم باللغة العربية، واعتمادها لغة رسمية، وهي لغة القرآن، دون فرض أو إكراه، فأدى هذا إلى جهل الأتراك بلغة القرآن، بله انتشار بعض الألفاظ التركية عند أهل الأقاليم العربية، بفعل سلطان الدولة، وهذه السلبية أضعفت العلم والعلماء إبان الحكم العثماني.
وأنا أقول: إن ما ذكره الأستاذ الطنطاوي امتد لما بعد الحكم الأتاتوركي، فإن المسلم الذي يزور تركيا الآن يحزن أشد الحزن، فإن الأتراك لا يحسنون إلا التركية، وقد زرت أستانبول صيف 1993م فأحزنني أن التركي العادي – رجل الشارع – لا يحسن العربية، ولا يحسن غير التركية، حتى الإنجليزية أو الفرنسية – على اعتبار أنهما لغتان عالميتان – لا يحسنون منها شيئاً، فيكون السائح في لُجَّة من الحيرة، وهو لا يجد إلا الإشارة يتفاهم بها مع إخوانه، فلا العثمانيون أحسنوا – في هذه المسألة – ولا أتاتورك – في زعمه – بل زاد الطين بلة.
الفكرة الثالثة:
عدم معرفة الكثيرين بالسلاح، فإن الحكومات المستعمرة كانت تحارب بجنودها، وتحرم أهل البلاد من اقتناء السلاح، وطلقة فارغة تضبط في بيت أحد المواطنين كفيلة بالحكم عليه بالإعدام – هكذا كان الإنجليز يفعلون في فلسطين – فشب كثير من الناس، ومضت سنوات عمره، وهو يكاد يجزم أنه لم يمس سلاحاً بيده ص 51، فضلاً عن أن يمسكه أو يستعمله، وهذا الجهل المطبق باستخدام السلاح، في مقابل أعداء الأمة الذين يُمَرِّنُونَ أطفالهم على السلاح منذ نعومة أظفارهم قلب موازين المعركة لصالح اليهود وفيما بعد.
والطامة الكبرى أن الدول العربية ادعت الاستقلال عن الاستعمار، وبقيت الأمور كما هي، ولم يمسك السلاح إلا من كان جندياً رسمياً، وغير ذلك يعتبر مخالفاً للقانون يستحق الحبس والتنكيل، فعاشت أجيال أعجز من أن تفكر في التصدي للعدو، لأنها لا تملك التدريب على السلاح، فلكأني بها وقد فقدت ألف الأبجدية العسكرية، عجزت عن إتمامها – أو المضي – فيها إلى نهايتها.
وهذه نقطة ضعف في التفكير العسكري العربي لدى أصحاب القرار، فإن الخوف من الشعوب، جعل هؤلاء يحرمونهم من حق الدفاع عن النفس. ونظرة سريعة للماضي، هل يتصور عقل ما أن أحداً بلغ السادسة عشرة من عمره – زمن النبي (r) – وهو لا يحسن فناً من فنون القتال، أو استخدام سلاح من أسلحة العصر ويتقنه، بل ما قرآناه من سيرهم ومعاركهم يشهد لهم أن الواحد منهم كان يحسن استخدام أكثر من سلاح، وإن كان متفوقاً في واحد منها حتى عُرف به، رغم أن السيف كان قاسماً مشتركاً يعرفه الجميع، وتباينوا في السهام والحراب وغيرها.
الفكرة الرابعة:
إحياء فكرة الاعتماد على الذات في التسلح، وعدم ترك الأمر برمته على الحكومات، صحيح إن السلاح تطور تطوراً جعل الفرد عاجزاً وحده عن اقتناء دبابة مثلاً أو طائرة، أو راجمة صواريخ... لكن السلاح الفردي البسيط، المكون من بندقية أو مسدس أو رشاش آلي محمول باليدين في مكنة الأفراد، وهذه الأسلحة البسيطة لها دورها في المعركة، وقد يكون دورها في بعض الحالات أنفع وأشد فتكاً من الطائرات والصواريخ والمدافع، وذلك في حالة الاقتراب أو التلاحم الذي لا يُميز فيه السلاحُ بين الأعداء والزملاء، عندها لا ينفع – بعد الله – إلا السلاح الصغير البسيط، كالمسدس والبندقية والرشاش، وحتى السكين والخنجر.
وهذا يقود إلى بعث الحَمِيَّةِ في نفوس الناس للمشاركة في القتال بأي سلاح – كما فعل النبي (r) عند تجهيزه لجيش العسرة – ولا تدفعنا المقارنة بين الزمانين وأسلحة كل زمان إلى الإحباط، لأن العنصر الفاعل في كل سلاح بقي كما هو، وهو الإنسان نفسه، فما فائدة سلاح متطور في يد جبان، رعديد، سرعان ما يقذف به أو يغادره متخلياً عنه، ليولي هارباً عند أدنى بارقة بالموت.
الفكرة الخامسة:
هجرة الدعاة من قُطر إلى قطر، إما طلباً للجهاد، وإما هروباً من الاضطهاد، وقد انتقل عز الدين القسام من سوريا إلى فلسطين للسببين معاً، طلباً للجهاد، وهروباً من طغيان الفرنسيين في سوريا بعد أن حكموا عليه بالإعدام غيابياً.
والطنطاوي نفسه جرب الهجرة وخبرها، لذا كان تناوله لهذا الموضوع نابعاً من معايشته الشخصية، أو تجربته الذاتية، حاول إسقاطها على أحداث الرواية، ليبث الناسَ ما في صدره. ومن خبرته وجد أن المهاجرين والأنصار – في كل قطر وفي كل زمان – يجب أن يتحلوا بالبساطة، فالتبسط في الأمور هو ما يجب أن يكون عليه الدعاة ومَنْ ارتبط بهم، فلا تَكَلُّف، ولا تَصَنُّع، ولا تباهي، ولا افتخار. أما المغالاة في الطعام والشراب واللباس والأثاث والرياش فهو نهج الفارغين، الذين خلدوا إلى الأرض، واستناموا للنعيم، وإن كان نعيماً مزيفاً لا يلبث أن يزول، أو نعيماً مشوهاً مغموساً في ذل السكوت، وطأطأة الرؤوس للظالمين والطغاة. وقد تناول المؤلف هذه الأمور في أكثر من موضع، فيقول ص 83:"فقال الرجل الوقور: على سنة أبينا إبراهيم u -: وما أنا من المتكلفين... وقد قلتها: أنت يا شيخ".
ويعرض أيضاً للتلاحم بين الأنصار والمهاجرين، وترك الرسميات والشكليات في التعامل ص 83 – 84، كما يعرض صورة مناقشة لذلك، من تخلي من هو في موقع الأنصار عن دوره في الترحيب بكل من هاجر أو بعضهم، متشككاً فيه أو في نيته
ص 86. وهذه كلها تجارب مرت بالمؤلف، أو مر هو بها، أو أحد إخوانه ممن اضطرتهم صروف الحياة للفرار بدينهم إلى أرض الله الواسعة.
الفكرة السادسة:
سلبيات بعض المشايخ وأدعياء العلم، ذلك أن نفراً من هؤلاء نسوا أو تغافلوا عن طبيعة حياتهم، ونظرة الناس إليهم، فهم في نظر الناس قدوة صالحة للورع والتقى والمروءة والتعفف، ولذلك لا بد لهم من تصديق هذه النظرة، وعدم إصابة الناس بالفجيعة عندما يقبلون الدَّنِيَّةَ بسلوكهم وأقوالهم وأفعالهم. فالشيخ الإمام في الصلاة، يجب أن يكون في مقدمة المقاتلين، معرضاً نفسه – قبلهم – لكل الأخطار المحتملة، لا أن يحضهم على القتال والاستبسال وهو قابع في بيته أو زاويته"إذا أردت أن تكون إِمَامِي فكن أَمَامِي ص 58".
كما أن الشيخ أو العالم يجب عليه ألا يَتَكَسَّب بعلمه أو بإمامته للناس في الصلاة، أو بتدريسهم، فهذه أعمال يجب أن تكون حِسْبَةً، خالصةً لوجه الله تعالى، إلا ما كان من أمر الالتزام والانقطاع كلياً، فعندها تجري عليه أرزاق الدولة، ويكون هذا الرزق مقابل الالتزام لا مقابل الأذان أو الصلاة أو الوعظ أو التدريس. أما من يَؤُمُّ الناس في الصلاة أو يدرسهم أو يعظهم ثم ينتظر منهم الصدقات، أو كما كنا نسمع تعبير"بيضة ورغيف"يأتي بها التلميذ كل يوم لشيخه، فهذا يحط من قدره عند الناس، ويحول بينهم وبين احترام العلم والعلماء.
والأصل أن يكسب العالم رزقه بحرفة يحترفها، ويكون تعليم العلم، وإرشاد الناس حِسْبَةً لوجه الله، ومن هنا رفض الشيخ عز الدين القسام – الرجل الرباني المجاهد الواعي – أن يقبل أن يجري عليه الناس معاشاً، ويكتفي بالوعظ والإرشاد ص 89 – 90.
ومن السلبيات التي ذكرها المؤلف، تهافت العلماء على حضور المؤتمرات، والتطلع للمناصب الدنيوية ص 106، والتي كان القسام زاهداً فيها. والمؤلف هنا ذو خبرة بالتحضير للمؤتمرات علانية ومباشرة، أو من وراء ستار كمستشار، فشاهد بعينيه كثيراً من سلبيات أدعياء العلم، وتساقط بعضهم على نعال المطامع الدنيوية، مما جعله يكتب هذا ضمن روايته، فهذا منه إسقاط سلبيات حياتنا المعاصرة على ما لم يكن واضحاً أو مستشرياً في ذلك الوقت، فأيام القسام كانت هذه المؤتمرات قليلة، أو في حكم النادرة أو المعدومة، وما علمنا المؤتمرات وكثرتها إلا في هذا الزمن الرديء أَهْلُهُ، حتى قيل إن المؤتمرات وسيلة ماكرة لإشغال العلماء العاملين، وجعلهم يدورون في فلك المؤتمرات البراقة الأسماء والعناوين والشعارات، التي لا فائدة منها ولا أثر لها، إلا مجرد توصيات غير مُلْزِمَةٍ لأصحاب القرار، وبالتالي تُكَفَّنُ بمجرد ولادتها لِتُقْبَرَ في أدراج المسؤولين، وقد نوهتُ بذلك في مقالة لي تحت عنوان"الكاتب الإسلامي بين الإهمال والتنازل"نشرتها جريدة المسلمون الدولية الصادرة من جدة بتاريخ 21-27 فبراير 1987م.
الفكرة السابعة:
تصحيح مفهوم العَالِم في الإسلام، ودور المسجد في حياة الناس، وهذه الفكرة مؤسسة على الفكرة السابقة، وكأنه بعد أن ذكر السلبيات كهدمٍ للقبيح، أراد أن ينشئ البناء الصحيح في الفهم، فتناول هذه القضية في أكثر من موضع ومن عدة زوايا.
فمفهوم"رجل الدين"الذي نشأ في ظل الكهنوتية الكنسية، والذي يستمد سلطته من الله!! مرفوض في الإسلام، ومَنْ عندنا فَهُم علماء بالدين، يخطئون ويصيبون، لهم احترامهم وتبجيلهم إذا أحسنوا وتعمقوا في فهم دينهم، وغير ذلك إذا قَصَّرُوا أو أساؤا، وهم ليسوا متفرغين للمساجد، بل قد يكون الواحد منهم طبيباً أو مهندساً أو صانعاً أو فلاحاً مزارعاً، أو نجاراً، يكسب رزقه من هذا الباب، وأما نشر العلم فحسبة لوجه الله تعالى ص 142.
كما يرفض المؤلف الفكرة الغربية عن مفهوم دور العالم، حيث يحصرونه في زوايا المساجد، كما عندهم حصر القساوسة في الكنائس والأديرة، ولا علاقة لهم بالدنيا وسياستها ص 142. أما العلماء في الإسلام، فليس دورهم مقتصراً على تغسيل الموتى، وتعليم الناس فقه الطهارة ص 138، بل هم رجال سيف، وقلم، وسياسة، واقتصاد، وصناعة، لا انفصال عندهم بين التعمق في الدين، والتعمق في شؤون الحياة، وإعمار الأرض.
وما يفعله بعض المشايخ من العكوف على المساجد، وتزهيد الناس في الحياة، وترك أمور الحياة لأربابها، والبعد عن السياسة، كما هي مقولة الصوفية"السياسة تياسة" فهذا كله مرفوض، ولا يمثل الفهم الصحيح للإسلام ص 91 – 94.
وينبني على هذا الفهم الصحيح للإسلام إبراز دور المسجد الحقيقي ص 95 – 100 المتمثل في كونه نقطة الانطلاق لإعمار الكون، فمنه تنطلق كتائب المجاهدين لإعلاء كلمة الله، وتأديب الواقفين في طريق انتشار دعوة الإسلام، وفيه يلتقي الكبار والصغار لتعلم كتاب ربهم وسنة نبيهم (r)، وفيه تُستقبل الوفود وتعقد العقود وتولد الزيجات المؤمنة، لإنشاء أسر إسلامية تهتدي بقبس من سنة المصطفى (r)، وفيه تقام الاحتفالات المليئة بالبهجة والسرور، وإن كان لعباً لا يخرج عن الاعتدال، ومراعاة آداب الإسلام.
وهذا الدور للمسجد لأن العبادة في الإسلام ليست مقتصرة على رُكَيْعَاتٍ يؤديها المسلم، بل كل عمل صالح يُقْصَدُ به وجه الله تعالى فهو عبادة، حتى ما كان منه متعة أو مزاحاً يدخل السرور على قلب المسلم، وما فوق ذلك وما دونه.
الفكرة الثامنة:
إشارة المؤلف إلى رغبة الناس في كثرة الكلام والمماحكة في أمر يكفي فيه الكلمة والكلمتان ص 76 – 77، وهي إشارة تحذر أو تنبه لكثرة الجدل بين المجاهدين – والتي تُضَيِّعُ كثيراً من الأوقات، أو تَـجُرُّ عظيماً من الويلات، أدناها تنافر القلوب بين الأخوة في الله، وزملاء الطريق.
الفكرة التاسعة:
رفض المؤلف لدعوى من يدعي أن فلسطين قضية فلسطينية تخص الفلسطينيين وحدهم، وعليهم الدفاع عنها وحدهم أيضاً، وإليهم يعود حق البت في أمورها، وإبعاد العرب والمسلمين عنها ص 88، وهذه مِنهم فِكرة خبيثة، لا يقول بها إلا عدو لفلسطين، أو ساذج مُغَرَّرٌ به، وإلا ففلسطين وَقْفٌ إسلامي، وما فيها شبر إلا وقد ضُمِّخ بدم شهيد قال:"لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد"منذ الصحابة (رضوان الله عليهم) إلى يومنا الحاضر، وفيها المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، وهو مسرى النبي (r) ومعراجه، فكيف يُقْصَرُ الأمر في تقرير مصيرها على الفلسطينيين وحدهم!!؟ مؤامرة مبكرة آتت أُكُلُهَا في زمن متأخر، نحن شهود عليه!!
الفكرة العاشرة:
المقدرة على التنظيم ورص الصفوف، وتهيئتها للجهاد والصمود، ليست متوفرة لكل أحد زعم هذا ص 106، والشيخ عز الدين القسام ممن حَبَاهُمُ الله بهذه المقدرة، وأحسب أن المؤلف متأثر في هذه الفكرة بالكلمة الخالدة التي قالها الشيخ محمد الحامد (رحمه الله) – عالم حماة وشيخها – في وصفه للشيخ حسن البنا، مجدد القرن العشرين – دون منازع – عندما قال:"إني أقولها كلمة حرة، ولا بأس بروايتها عني، أقول: إن المسلمين لم يروا مثل حسن البنا منذ مئات السنين، في مجموع الصفات التي تحلى بها، وخفقت أعلامها على رأسه الشريف، لا أنكر إرشاد المرشدين، وعلم العالمين، ومعرفة العارفين، وبلاغة الخطباء والكاتبين، وقيادة القائدين، وتدبير المدبرين، وحنكة السائسين، لا أنكر هذا كله عليهم، من سابقين ولاحقين، لكن هذا التجمع لهذه المتفرقات من الكمالات، قلما ظفر بها أحد كالإمام الشهيد – رحمه الله –".
وإذا كانت هذه الأفكار العشرة هي التي استطعنا إبرازها، فليس معنى ذلك أنها الوحيدة في الرواية، بل الرواية مليئة بأفكار أُخرى تستحق الإبراز والتنويه، لكننا اقتصرنا على ما يفي بغرض المقالة، من الحديث عن جانب من جوانب الرواية التي خصصها الطنطاوي للقسام – رحمه الله – وأهداها لتلميذه أحمد ياسين، شيخ المجاهدين في هذا العصر.