عن رواية الخاصرة الرخوة
رشيد ابراهيمي
حسن ابراهيمي
صدرت عام 2020 رواية الخاصرة الرخوة للكاتب الفلسطيني جميل السلحوت، عن مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع في 260 صفحة من الحجم المتوسط.
تأتي رواية تحت عنوان الخاصرة الرخوة للكاتب الفلسطيني المقتدر جميل السلحوت في إطار طرح إشكالية تحرر المرأة الفلسطينية، في أفق تحرر الشعب الفلسطيني من الكيان الصهيوني.
ضمن هذا الإطار تم اللجوء إلى اختيار علاقتي زواج، زواج أسامة سعيد العدنان من جمانة للوقوف عند مجموعة من التقاليد والعادات التي تحكم المجتمع الفلسطيني، هذه الأخيرة تعتبر مصدرا من بين مصادر التفكير للمجتمع الفلسطيني نفسه.
هذه التقاليد التي تنصهر ضمن الفهم الخاطئ للدين الإسلامي، وتشكل عقبة أمام التفكير الصحيح للتنشئة الفلسطينية. ولشخصية أسامة الشخصية المشبعة بالفهم الخاطئ للدين، ومن ثمّ للواقع الفلسطيني، بل لكيفية تدبير العلاقات الاجتماعية بناء على ما اكتسبه من معارف أطرتها منظومة التعليم، ولعبت دورها في تشكيل بنيته الفكرية، وأطرت ممارسته في إطار علاقته بالمحيط الاجتماعي.
ومن ثم كانت هذه المرجعية أساسا في تأطير علاقته مع زوجه، الزوجة التي يتم تشييئها بعدم احترامها، وعدم احترام مواقفها، كل ذلك في إطار تكريس الهيمنة الذكورية.
ويتضح ذلك من خلال جملة من المواقف التي أطرت علاقته بزوجه جمانة طوال سنوات الزواج التي جمعتهما، والتي كان مصيرها الفشل بسبب الضغوطات التي يمارسها الزوج أسامة في حقها.
إذا كان الأمر كذلك فلا يتحمل الزوج أسامة بمفرده مسؤولية فشل هذه العلاقة، بقدر ما أن الزوجة جمانة أيضا تتحمل نصيبها من المسؤولية، بسبب الرضوخ لقرار الأسرة التي وإن فتحت نقاشا ديمقراطيا حول موضوع زواجها بأسامة فإنها فرضت زواجها منه.
إن جمانة لم تتمكن من رفض هذا القرار الذي فرض عليها من قبل أبويها.
ومن هنا يتضح أن السارد يود أن يطرح إشكالا لا بدّ من استحضاره هنا، ويتعلق الأمر بنوعية السياسة التعليمية الفلسطينية، وتدخلها في إطار بناء الشخصية الفلسطينية وفقا لمواقف تجعل الإنسان خاضعا خضوعا لا يستطيع الإدلاء بموقف الرفض، فيما يتعلق بجملة من المواقف التي تتعارض وقناعاته.
ومن ثمّ يطرح هذا الإشكال الموقف من طبيعة العلاقات السائدة داخل المجتمع الفلسطيني، وكيفية مواجهتها.
في نفس السياق يطرح السارد الزواج الثاني، أقصد زواج الشاب يونس من الشابة صابرين؛ ليبين مدى تغلغل قيم البرجوازية والعلاقات المتفسخة الفلسطينية في نفس المجتمع. وبالتالي كان الهدف من زواج هذه الشخصية من الشابة صابرين هو التستر على فضيحة أخلاقية، وهي فضيحة الحمل التي كانت نتاج علاقة غير شرعية جمعت بينهما، وبالتالي كان الهدف من هذا الزواج هو التستر على واقع يحكم طبيعة العلاقات السائدة في بنية المجتمع الفلسطيني، حيث المرأة وسيلة لإشباع رغبات الرجل، وليست بهذا الفهم كيانا ينبغي أن يحترم.
ومن منطلق كون الأدب الفلسطيني وضع بصمته الخاصة في الأدب العالمي، واعتبارا لكون الإبداع الأدبي يلامس قضايا إنسانية ومجتمعية وقومية؛ فإنه لا يغدو ذا أهمية إلا إذا حمل رسالة ذات صلة بالأوضاع السياسية والاجتماعية وكذا الاقتصادية٠ فضلا عن دوره الثقافي والأيديولوجي في خدمة قضية إنسانية أو قضية وطنية، إن في حالة السلم أو في حالة الحرب، حيث تعتبر هذه الأسرة نموذجا لما تعيشه بعض الأسر الفلسطينية، وبذلك تعتبر الرواية من بين الروايات التي نقلت الواقع الفلسطيني بنقل مسار عائلة فلسطينية محافظة تمارس حياتها بناء على عادات وتقاليد توارثتها جيلا بعد جيل؛ وتعمل جاهدة على توريثها للأجيال اللاحقة، إنها أسرة مكونة من أب وأمّ؛ يسعيان بكل جهد بداية لإقناع ابنتهما " جمانة " بالزواج من "أسامة "، هذا الأخير الذي تشبع بالفكر السلفي إلى درجة جعلته يهدد زوجته في كل نقاش تفتحه معه، إذ كلما تعمقت معه في جدال حول موضوع معين إلا ويواجهها بمواقف من قبيل عصيان الزوج أو ما شابه ذلك، الشيء الذي يدخل الزوجة في دوامة من التساؤلات الثقيلة حول إمكانية استمراريتها على وضعها ذلك، خاصة وأنها تمتلك شهادة علمية تؤهلها للبحث عن عمل، إلا أن النظام التعليمي الذي أهلها لما حققته في مسارها لم يستطع أن يكسر نمطية التفكير السائد لدى العائلات الفلسطينية المقدِّسة لهيمنة الفكر الذكوري؛ علاوة على ما آلت إليه العلاقة بين " جمانة " و"أسامة" من طلاق، ممّا يكشف تمظهرات زواج خاضع للتقاليد، ودوره في تكريس دونية المرأة، ممّا يطرح تساؤلا عصيا ألا وهو: كيف يمكن لشعب يقبع تحت ويلات الاحتلال لم يستطع أن يحرر المرأة من الهيمنة الذكورية؛ أن يحرر نفسه من بطش المحتل الصهيوني؟ وعلى الرغم من الوعي الفكري والثقافي والأدبي والديني الذي أبانت عنه جمانة من خلال نقاشاتها مع أسامة، إلا أنها لم تستطع أن تقف في وجه أبيها وتقول له كلمة لا على هذا الزواج، الذي اغتصب كينونتها، ولا ريب أن الصهيونية تنحو منحى الإبقاء على فكرة إخضاع المرأة لسلطة الرجل، غير أن الفكر الثوري الذي تقمعه جمانة في نفسها جعلها تستسلم لواقع ما كانت ترجوه يوما أن يُفرض عليها، بل أدخلها ذلك في دوامة من الأحاسيس والأفكار التشاؤمية من قبيل الانتحار، والتي غالبا ما تستبعدها خوفا من عقاب الله، ما جعلها تلعن اليوم الذي ولدت فيه أنثى متمنية لو أنها ولدت ذكرا لأبيها، الذي تمّنى أن يرزق بمولود ذكر. من جانب آخر كشفت الرواية عن العلاقات الأسرية بين عائلة الزوج وعائلة الزوجة، خاصة من طرف والدة أسامة التي تعتبر أن زواج ابنها من " جمانة" بمثابة إِنقاذ لها من العنوسة؛ ما جعلها تعاملها معاملة غير لائقة. كما أثار الكاتب في روايته القيود التي يقيد بها الاحتلال الصهيوني أبناء الشعب الفلسطيني في تنقلاتهم بوضع معابر للمرور يُخضعون فيها الفلسطينيين لقوانين زجرية قد تصل إلى تحرش الجنود بفتاة أمام أنظار أهلها٠ وفي سياق ذات الرواية سلط الكاتب الضوء على علاقة عاطفية جمعت بين فتاة تنتمي لأسرة متواضعة تمكنت من الانسلاخ من قيود الأسرة؛ بإزالتها للحجاب ووضعها للمكياج إرضاءً لحبيبها، هذا الأخير ينتمي لأسرة غنية وبرجوازية تمتلك فكرا تحرريا وبعيدا كل البعد عن الضوابط التي فرضتها العادات والتقاليد، وبعدما تم الزواج بين " صابرين" و " يونس" بفعل ضغط المّ على ابنتها لعدم إفلات فرصة العمر تلك، وفي ليلة الزفاف تستقرئ من الرواية حجم الفرق بين الأسرتين حيث أهل الزوجة في زاوية من القاعة مندهشون لحياة الترف التي يعيشها أهل العريس؛ وقدرتهم على كسر حواجز المحظور من مشروبات كحولية ولباس نسائي يكشف عوراتهن، انتهى الحفل ليستفيق أهل العروس بموت الأب، وقد يكون ذلك من هول الصدمة لما رآه في الحفل، خصوصا وأنه يعاني من مرض القلب؛ دون أن تعرف " صابرين" بخبر الوفاة إلا بعد مدة قضتها في شهر العسل، وفيما بعد ستكتشف مغامرات زوجها الجنسية مع رجل تحول إلى أنثى، وبعد انقضاء مدة حملها ستضع مولودها من الزوج الغني، إلا أن المفاجأة كانت بعد مغادرتها بيت أهلها في اتجاه بيت زوجها؛ لتجده محتضنا لفتاتين عاريتين في الفراش، ضاربا عرض الحائط قدسية العلاقة الزوجية؛ وهو ما يكشف تشييئ البرجوازية الفلسطينية للمرأة؛ لإشباع نزوة عابرة. إن حجم المعاناة التي تعيشها كل من " جمانة" و " صابرين، راجع بالأساس لطبيعة العلاقات السائدة، ممّا يكرس هيمنة الرجل "جمانة نموذجا، وكذا تلاعب البرجوازية الفلسطينية بالمرأة والاستمتاع بها لمدة محددة "صابرين" وكانت النتيجة فشل علاقتي الزواج، ممّا يدل على أن تحرر الشعب الفلسطيني يتطلب موقفا صحيحا من المرأة، ودفعها لاتخاذ موقف صحيح من المجتمع. والنضال إلى جانب الرجل من أجل التحرر من التقاليد والأعراف التي تشرعن الهيمنة الذكورية، وبالتالي التحرر من الصهيونية. ومن زاوية أخرى فالرواية لم تطرح بديلا للعلاقات المبنية على قيم اكتسبت من التقاليد والعادات أو قيم البرجوازية الفلسطينية، وفشل علاقتي الزواج دليل على ضرورة الثورة على مجموعة من القيم المتوارثة في المجتمع، سواء تلك التي رسختها العادات والتقاليد أو التي تتبع من خلال الفهم السطحي والتقليدي للدين. ولا يخفى نظرة المجتمع للمرأة المطلقة والذي يزيد من دونيتها إلى درجة نعتها بالعار الذي يلحق عائلتها، كما تحاشت الرواية دور التربية المبنية على قيم حداثية وتقدمية ترقى لمستوى التعامل مع المرأة ككائن له كينونته وله فكر؛ ويتمتع بكامل الصلاحيات التي أخذها منها الرجل. غير أن مستوى الوعي الذي أبانت عنه "جمانة" في الرواية يكشف بالملموس أنها تجاوزت زوجها فكريا، وهو ما يؤهلها لتحمل مسؤولياتها دون الوصاية التي تفرضها الأسرة بزعامة الرجل. وهو أيضا ما يؤهلها لتكون في مستوى النضال للتحرر من قبضة الرجل من جهة ومن براثن الاحتلال من جهة أخرى.
إذا كان الأمر كذلك بخصوص تأطير بعض مضامين الرواية بمواقف العقل الفقهي، فأعتقد أن السبب في ذلك راجع الى الرغبة في الرجوع إلى عمق الواقع الفلسطيني، وطبيعة العلاقات السائدة به، وبالتالي فالهدف هو الوقوف عند بعض موانع تحرر الشعب الفلسطيني، منها عدم تحرر المرأة، ولذلك وكما يطرح السارد فتحرر هذا الشعب من الكيان الصهيوني يقتضي التحرر من التقاليد والأعراف التي تكبله، وتؤطر سلوكيات المجتمع، حيث تعتبر هذه
المرجعية مصدر تفكير التنشئة، وتعيد مؤسسات الدولة إنتاج هذه المنظومة اقصد منظومة قيم المجتمع.
لكن مقابل ذلك إذا تمكن السارد من طرح إشكال تحرر الشعب الفلسطيني من خلال ما سبق، فإنه لم يتمكن من طرح بديل لطبيعة هذه العلاقات، من خلال طرح علاقة زواج أخرى ناجحة مؤسسة على علاقة رفاقية، تنطلق من قراءة موضوعية للواقع، وفهم صحيح له، ومن تأسيس موقف صحيح من المرأة باعتبارها كيانا منتجا يساهم في بناء الأسرة، وبناء المؤسسات وبناء الاقتصاد الوطني يفتح أبوابه للجميع. من خلال موقف النضال من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين.
عموما فان الرواية موفقة إلى حد كبير في طرح العديد من الإشكالات ضمن فضاء روائي متميز، كان الهدف منه فضح طبيعة العلاقات السائدة في مجتمع يناضل طوال سنين طوال من أجل التحرر، اذ بأسلوب سلس جاءت مضامين الرواية للتعبير عن معاناة المرأة الفلسطينية، حيث كانت اللغة الموظفة لغة سهلة موجهة لكل القراء، لذلك ثم انتقاء المعجم، للدلالة على واقع يعرف مخاضا من أجل الإنعتاق.
وسوم: العدد 869