في مجال كتابة المسرحية
فكرة المسرحية الرئيسة (الثيمة) : وهي مايُطرح على خشبة المسرح من قضايا مختلفة : ( دينية ، اجتماعية ، وطنية ، وأخرى تحمل سمات الحزن أو سمات اللهو ، أو أي قضية يريد المؤلف طرح مضمونها الفكري على المجتمع ) ، ولها هدف معين ، يتعاقب على أداء فصولها عدد من الشخصيات الذين يقومون بطرح الموضوع من خلال أدائهم وأدوارهم . وأما الحبكة هنا فماهي إلا هندسة المسرحية وترابط أفكارها وانسجام أداء الشخصيات لِتٌؤتي ثمرتها ، حيث يكون الحوار بينهم متماهيا مع حركاتهم وما يطرأ على وجوههم من انفعالات ، فلكل منهم قسط من النص المسرحي ، يعبر عنه بلسانه وانفعالاته وحركاته ، وللحوار أهمية في نجاح الأداء المسرحي ، وإيصال الأفكار إلى المشاهدين . وأما الصراع فهو تقابل الأفكار ، وتفنيد إرادة إنسانية لإرادة أخرى ، لتحريك مشاعر المشاهدين والتأثير عليهم ، وهم يشاركون بطبيعة الحال الممثلين بانفعالاتهم ، ولا يقصد بالصراع عنا القتال أو المضاربة للوصول إلى الهدف المنشود . وإنما المراد هو تتابع الأحداث بشكل فني مُعد مسبقا ، للوصول إلى نهاية ناجحة يتفاعل معها الجمهور . والنصوص الأدبية الدراماتيكية التي تُؤَدَّى تمثيلا على المسرح أو غيره من وسائل العرض ، وتكون مثيرة للمشاعر ، لاهتمامها بالتفاعل الإنساني ومنها الملهاة : للضحك واللهو ، ومنها المأساة للحزن والمواقف المؤلمة ، ومنها مايجمع بينهما في صيغ معبرة .
ومَن يريد كتابة المسرحية لابد له من الاطلاع على خصائص هذا الجنس الأدبي الذي يترجم على خشبة المسرح فكرة أو قصة أو حدثا ، وعلى العناصر التي ذكرناها آنفا ، ولعل اللغة التي تعبر عن الرغبات التي تعتلج في نفس الممثل للعمل الدرامي المسرحي أمام الجمهور ، وبالتالي يكون هو المنطوق الذي يشكل الحوار بين عدد من الممثلين ، ويُؤدَى بطريقة فنية ، والنص المسرحي له أهميته في هذا المقام ، فهو الذي يحرك شخصيات المسرحية ، والمهم هنا أيضا توزيع الأدوار ، وتحديد دور كل شخصية . وليس المجال هنا لبيان كل مايتعلق بالمسرح وبالتمثيل المسرحي ، وحسب الذي يعزم على مزاولة الكتابة في هذا الفن أن يطلع على الأسس التي تبنى عليها المسرحية ، وله بعد الوقوف على قدمية أن يطلع على كثير من المعلومات وما يخص العمل المسرحي من مهام . فالهزل والجد والغناء ويسمى لدى بالأوبريت ؛ والرقص والسماع الذي يسمى لديهم بالباليه وغيرها من أعمال وأسماء مبثوثة في كتب الأدباء الذين تصدوا للكتابة في هذا الفن . ولا بد من كلمة نبيِّن فيها أهمية المسرح كعمل فني إنساني ، تتراءى من خلال توظيف الأفكار والقيم الكريمة لأمتنا ، والتي تُطرح على ألسنة شخصيات المسرحية ... مالدى حضارتنا وتاريخنا من أحداث جسام ، فيكون المسرح بوابة مدخل هذا الفن إلى جذور الأصالة والخيرية لأمتنا ، وبهذا يكون شأن المسرح كشأن باقي الفنون في أدبنا العربي ، فالشعر والقصة والمقالة والخاطرة والبحوث على تنوعها ... ماهي إلا منابر للحق والخير ، وميادين هداية وسمو للمجتمعات ، لا أن تستأثر ــ بالملهاة الهابطة ــ التي تتخطى الأخلاق الحميدة ، والمزايا الفاضلة ، بل وتدعو صراحة للمفاسد والرذائل واللهو الرخيص وتصبح أداة للضحك المؤقت لا أكثر ، ضاربة بعرض الجدران مآسي الأمة ، وما ألمَّ بها من محن ونوازل ، وقد طمى على أرجائها فيضان الوهن والفساد والخذلان .إن الفن المسرحي الذي وُجد قبل الميلاد بحقب إذا أُلْبِسَ لباس الدرامـا البغيضة فإنه يجلب للفرد وللمجتمع الضياع والانحلال واللامبالاة ، فأبناء الأمة مجبرون على تلقي هذه الفنون بشكل عفوي في البيت وفي المدرسة وفي الشارع ، ناهيك عن تخطيط المفسدين لإتاحة الفرص المتنوعة لهؤلاء الأبناء في أماكن مخصصة ومعدة لهذا الغرض . ليس من الخير تقليد الأجانب فيما يفعلون ، فلأمتنا دينها الرباني القويم ، وروحانيتها المتألقة في آماق الحقب التاريخية ، ولو أُتيح للمسرح الإسلامي ما يُتاح لغيره لشهد الناس آثاره المباركة على الفرد وعلى الأمة بل ويمتد هذا الأثر إلى الإنسانية التي أغرقها طوفان الرذائل والفجور والإلحاد وغيرها من عناوين الحرب على فطرة الإنسان . فجدير بأدبائنا أن يشمروا عن سواعد الجد ، ويردوا بما لديهم من الخير والحق ، على مالدى غيرهم من شر وباطل ، ولعل الأيام تجيء بمن يبيِّن للناس أهمية هذا الفن ، وجميع الفنون الأخرى إذا اصطبغت بما ينفع الإنسان الذي أكرمه الله ... بصبغة العبودية لله سبحانه وتعالى . ولعل العرب قبل الإسلام لم يزالوا المسرح لاتأليفا ولا مكانا ولا ترجمة عن غيرهم ممَّن كان المسرح لديهم ذا شأن ومكانة . وعندما أكرمهم الله بالدعوة الإسلامية لم يقفوا من المسرح موقف العداء أبدا ، وإنما حباه كغيره بالتوجيه والسمو وطهارة الحرف ، لأن هذا الخير يحتاجه الناس لأنه فيه ماتتوخاه أنفسُهم لحياة طيبة في دنياهم ، وزاد لهم في آخرتهم التي لابد إليها راحلون . ولا شك من أن لقصيدة الشعر أثرها وتأثيرها ، وكذلك القصة وسائر الفنون الأخرى ، وللمسرح أثره المباشر والفاعل على المشاهدين الذين تجذبهم الكلمة الطيبة ، وتستهويهم الأنوار والأصوات المرافقة للأداء المسرحي ... ولقدجاءت كتب عديدة تتحدث عن المسرح الإسلامي في عصرنا هذا ، وأوفى هؤلاء الأدباء ببحوثهم مايرتقي بالمسرح إلى المكانة التي يجب لأن يكون فيها ولا مجال هنا للبحث والتفصيل ، ومن يريد الاستزادة ، فالمكتبات العامة والخاصة ملأى بها ومنها : ( كتاب في النقد الإسلامي المعاصر ـــ وكتاب فوضى العالم في المسرح الغربي المعاصر للدكتور عماد الدين خليل. وكتاب مدخل الأدب الإسلامي ، وكتاب المسرح الإسلامي للدكتور نجيب الكيلاني ، وكتاب ملامح المسرحية العربية الإسلامية للأستاذ عمر محمد الطالب ، وكتاب الإسلام والمسرح للأستاذ ومحمد عزيزة ، وكتاب حول المسرح الإسلامي المعاصر للأستاذ حكمت صالح ) . وكتب وبحوث أخرى كلها تبين الهدف الأسمى من المسرح ، ولاترضى نشر القبائح والرذائل في المجتمعات الإنسانية ، فالإنسان اجتباه ربه من بين الخلائق ليكون مثالا للطهارة والعلو عن الموبقات التي لاتليق بالإنسان السوي . ولا بأس من الفائدة من عرض مسرحي محمول على شيء من المتعة والسرور ، على أن لايطغى الشكل الفني ذو العرض المبتذل على المضمون السامي الهادف . ويكون الصراع الدرامي منظومة انفعالات لإبراز فضيلة معينة ولتعديل سلوك وتقويم خلل في المجتمع . فما أجملها من مسرحية تتفاعل مع أدائها قلوب المشاهدين فتشعر بالغبطة وبالفرح الروحي . وللدكتور نجيب الكيلاني ــ يرحمه الله ــ كلام جميل في هذا المضمار : ( المسرح الإسلامي لا بد أن يكون بمثابة تعبير فني جميل مؤثر ومقنع، نابع من ذات مؤمنة ورعة وتقية، مترجم عن الحياة والإنسان والكون ، وفق الأسس العقائدية للمسلم، وباعث للمنفعة والمتعة، ومحرك للوجدان والفكر على حد سواء، ومحفز لاتخاذ موقف معين، والقيام بنشاط هادف لخدمة الذات والصالح العام ) .
فعلى الإخوة الذين يرغبون الكتابة في هذا الفن أن يطلعوا على عدد من المسرحيات الهادفة، ليحذو حذوها :
* مستفيدا من موهبتة ، وقدرته الذاتية للكتابة .
*مطلعا على الواقع الذي يعيشه مجتمعه الخاص به ، أو العام بين عامة الناس .
* مستشعرا حبَّه لهذا الفن ، ورغبته في إخراج نص جميل .
*متابعا الكتابة ، ومنوعا في فكرة كل مسرحية جديدة يبتكرها .
*مستشيرا كتاب المسرحية ، بعرض مايكتبه عليهم ، وألأخذ بتوجيهاتهم .
*متخيلا حال كل ممثل عند الأداء ، ليدرك أهمية الحوار الأفضل .
*متقمصا شخصية ذلك الممثل أيضا ، وكأنه يقوم بدوره في حواره و انفعالاته .
*متقمصا أيضا الشخص المتفرج ، حيث له رأي في كلِّ مايُعرض .
*وإلماما ــ لابد منه ــ بقواعد اللغة العربية ، وبجزالة وقوة الجمل المستخدمة في الحوار ، و وضوح معانيها ، وذلك عن طريق المراجعة والاستفادة من أهل اللغة في هذا المجال .
وأخيرا : إن قيمنا الإسلامية ، وأصالتنا العربية تحولان بيننا وبين ماعند الغرب من عبث المسرح وفصوله المخزية ، ونحن لانعجب من انحدار الفنون عند غيرنا من الأمم قديمها وحديثها ، لأن فنونهم ــ في كل المجلات ــ تعكس شأنهم وعقائدهم ، ولا يُغَرَنَّ أحدٌ بحضارتهم المادية مهما بلغت درجات الاختراعات والابتكارات التي تقاعس عن خوض غمارها عرب اليوم ، إن أفكارهم الأخرى ومضامينها ماهي إلا فقاعات في أواني الترف المبتذلة ، ولعلنا نسمع أو نقرأ أو نرى ماحلَّ في بيوتهم من خراب وانعزالية وطيش ولا مبالاة وفشل صارخ في كل الاتجاهات ، وتوجد بعض المسرحيات التي تستحق القراءة بحذر . فالحياة المادية تبقى تعيسة ومآلها الانهيار مهما امتد بها العمر ، وهذه التفاتة جديرة أن يتدبرها كتابنا في فنونهم المتنوعة وأن لاينساقوا خلف المضللين والحداثيين وأصحاب الأهواء الذي شدوا رحالهم التعيسة إلى بيئة العبث بالقيم والمقدرات .
مسرحية : في بيتي دردشة
( المعلم وأولاده )
( الأب جالس في مكتبه ، وبين يديه دفاتر التلاميذ ، ويدخل عليه أحد أولاده ...)
*الابن الأول :
بعلمٍ يبددُ شرَّ الظُلَمْ
وفيه التعلمُ لايُحتَرمْ
وباللهوِ وجهُ الشبابِ اتَّسمْ
ولا يعرفون صعودَ القِممْ
*الأب :
*( يدخل ابنُه الثاني ... ) :
*الأب :
*(يدخل الابن الثالث ، ويقول ... )
*الأب :
*(الابن الثالث ... بحرقة وألم : )
*( الأب لايجعله يتم كلامه ويقول ... )
* (الابن الثالث بنفس الحرقة والألم ... )
*( الأب : لايجعله يتم كلامه ، ويقول : )
*(الابن الثالث بنفس الحرقة والألم ... )
*الأب :
*( الابن الثالث ... )
*الأب :
*(الابن الثالث بنفس الحرقة والألم ... )
*الأب :
*( الابن الرابع : وكان جالسا منذ البداية لايتكلم ... )
*الأب :
*( يدخل بقية أبناء المعلم ويجلسون على الكراسي الموجودة من قبل ، والابن الرابع يتم كلامه ... )
*( ويقوم الابن الخامس من مكانه ويقول : )
*( يقوم الابن السادس من مكانه ويقف مواجها لأبيه . ويقول : )
*( هنا يرفع الابن القلم عاليا ... ويتم كلامه )
*( يقوم الابن السادس من مكانه ويقول : )
*( يقوم الابن الخامس من مكانه ، ويقول موجها كلامه لأبيه : )
*الأب :
*الابن الخامس :
*الابن الأول :
*الابن السادس :
*الأب : ( يخرج من مكتبه الذي يجلس عليه ويقول : )
ســـــــــــــــــــــــــــــــــــتار
هوامش :
إشارة إلى قصيدة شوقي بمدح المعلم ، ورد طوقان بقصيدة عليه . برأسي ألم : وجع . قد ألمَّ : نزل ، أصاب ، أوجعَ . وفصل أصم : طلاب الفصل لايسمعون الكلام ، لايهتمون . قُحَم : الأمور الشاقة . الدُّهُم : الليالي الثقيلة الشاقة . الحِبــاء : الجود ، الكرم ، العطاء . العِصم : الثمين من كل شيء . يجــم : يتراجع ، يتوانى .
وسوم: العدد 869