الجمل ... ومفهوم الكتابة الأدبية
تتطلب كتابة الجملة اسمية كانت أم فعلية الدقة في استخدام الأسماء والأفعال في مكانها المناسب للمعنى ، لتتسم الجملة بالجمال وصحة المعنى ، وتلحق بهما جزالة الأسلوب ، فبعض الكلمات في لغتنا العربية تؤدي عدة معانٍ ، فكلمة سقى يختلف معناها عن تساقى أو استسقى ، فزيادة حرف أو حرفين أو أكثر تغير معنى الكلمة . كما لايخفى على أحد تنوع المترادفات من الكلمات أسماء كانت أم أفعالا ، فالأسماء : ثواب ، أجر ، مثوبة ، جزاء ، وكذلك الأفعال : قام ، وقف ، انتصب . فيجب أن توضع الكلمة المناسبة لسياق الجملة من هذه المترادفات . ( ولقد تمت مراجعة العديد من المراجع في هذا الباب ، وأثبتنا مايحتاجه الذي يريد البدء بالكتابة والتدرب على صياغة الجمل ، كما أوردنا بعض النماذج المعربة ، والكتب التي أسهبت في كتابة هذه البحوث كثيرة ، وعلى مَن يرغبون الاستزادة فالمجال أمامهم مفتوح ولا حرج ... ) .
الجملة - في الاصطلاح النحوي - ما تألف من مسند ومسند إليه، سواء أفادت معنى تاماً مثل (أكل الطفلُ) و(أخوك مسافر)، و(صَهْ)؛ أم لم تفدْ معنى تاماً مثل: (إن تجتهد)، و(ما فتئ خالد). وبيَّن أهل العلم في هذا الباب أن كلمة الجملة تطلق على الجماعة من الناس ، وجَمَلَ الشيءَ : جَمَعَه عن تفرقة ، والجملة في اللغة تفيد معنى يمكن الوقوف عليه وتؤدي المقصد ، ومن ترابط الجمل يتكون النص ، ومن خلال جزالتها وقوتها تظهر بلاغة قائلها وكاتبها ،فجوامع الكلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم تبيِّن فصاحته وما وهبه الله من قوة في البيان وتأثير في النفوس ، وإيجاد المعاني الكثيرة في كلمات قليلة ، روى البيهقي في شعب الإيمان أن رجلا قال : يا رسول الله ما أفصحك !فما رأينا الذي هو أعرب منك .قال صلى الله عليه وسلم : ( حقَّ لي فإنما أنزل القرآن عليَّ بلسان عربي مبين ) . فالجمل القليلة تحمل المعاني الكثيرة ، والبلاغة النبوية في شمولها لشتى مجالات القول وأصنافه لهي من جوامع الكلم التي قال عنها الجاحظ في البيان والتبيين بأنها ( الكلام الذي قل عدد حروفه وكثر عدد معانيه وجل عن الصنعة ونزه عن التكلف ).
فالجمل الفصيحة المترابطة هي زاد النصوص المؤثرة ذات القدرة الفائقة على حمل المعاني والأفكار إلى ذهن السامع وقلب القارئ ، فيشعران بالمتعة ، ويستأنسان بما يوحي النص من بيان . ففي قول الله تعالى : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) حيث جاء الضمير ( إياك ) في الموضعين متقدما على الفعل ، وهذا يفيد الحصر ، فتقديم المعمول على العامل يقتضي الحصر ، وبهذا يتوجه العبد
إلى عبادة الله وحده لاشريك له في قوله : ( إياك نعبد ) ، وكذلك في قوله : ( إياك نستعين ) فهنا يعترف العبد بالعجز والتقصير والفقر ، فلا يستعين إلا بالله في عبادته سبحانه ، وفي كل أمور الحياة .
والجملة تتركب من كلمتين أو أكثر تفيد كما ذكرنا أم لم تفد.
أقسام الجملة : وتقسم الجملة إلى ثلاثة أقسام: 1 ــ اسمية : وهي ما صدرت با سم مثل : محمَّدٌ رسول الله
2 ــ فعلية : وهي التي يتصدرها فعل مثل : أرسلَ اللهُ الرسلَ مبشرين ومنذرين .
3ــ ظرفية : وهي ما صُدرت بظرف أو جار ومجرور مثل : أعندك أحد ؟ أفي الدار أحد , ولا فائدة من تصدُّرِ الحروف وحدها الجمل نحو : ( لم يأت الطالب ) جملة فعلية وليست حرفية لوجود حرف الجزم في بدايتها ، وإنما المعتبر هو وجود المسند والمسند إليه لفظا أو تقديرا نحو : ( وإن أحد من المشركين استجارك ) فإنها جملة فعلية لأنها تقدر : ب ( وإن استجارك أحد ) وتنقسم الجمل من حيث الارتباط وعدمه إلى : *صغرى مثل : زيد قائم *كبرى مثل : زيد وصل أبوه ، حيث تتركب من جملتين :
* اسمية : ( زيدٌ وصل أبوه ) .
*وفعلية : ( وصل أبوه ) .
* ومن حيث المحل : أولا : الجمل التي لها محل من الإعراب ، وهي الجمل التي تؤول بمفرد ، وتأخذ إعراب ذلك المفرد ( وهي سبع جمل ) أيضا ، لاتخفى على طلبة العلم في مراحلهم الأولى . وهناك :
الجملة التي مسندها اسم : فإنها تدل على الثبوت ، وربما تفيد الدوام بالقرائن. وإذا كان وضع الجملة الاسمية على إفادة الثبوت ، ووضع الجملة الفعلية على إفادة التجدد ، فإن الجملة الاسمية تدل على معنى أوفى مما تدل عليه الجملة الفعلية ، ولهذا ذهب البلغاء إلى أن الجملة الاسمية تفيد تاكيد المعنى .
الجملة اسمية كانت أم فعلية إذاجاءت في موضع الاسم المفرد فإنها تأخذ محله من الإعراب . مثال :
*الطالبُ يجتهدُ ...
ــ الطالب : مبتدأ مرفوع بالضمة .
ــ يجتهدُ : فعل مضارع مرقوع بالضمة ، والفعل ضمير مستتر تقديره هو ، وهذه جملة فعلية حلَّت محل الاسم المفرد : ( مجتهدٌ ) . فهي جملة فعلية في محل رفع خبر ، ونقول إن هذه الجملة الفعلية : ( خبرية ) .
*الطالبُ أوقاتُه مرتبةٌ .
ــ الطالب : مبتدأ مرفوع بالضمة .
ــ أوقاتُه : أوقاتُ : مبتدأ ثانٍ مرفوع بالضمة ، وهو مضاف . والهاء : ضمير متصل في محل جر مضاف إليه .
ــ مرتبةٌ : خبر لأوقات ، مرفوع بالضمة الظاهرة ، وجملة : ( أوقاته مرتبة ) اسمية حلت محل الاسم المفرد : ( مرتب ) فهي في محل رفع خبر ، وتسمى جملة خبرية .
*وهذه الجمل التي لها محل من الإعراب :
أولا : الجملة الخبرية : وهي التي تقع خبرا لمبتدأ ، أو خبرا لكان وأخواتها ، أو خبرا لإنَّ وأخواتها ، أو خبرا لكاد وأخواتها ...
ــ تكادُ السماءُ تمطرُ :
ــ تكاد : فعل مضارع مرفوع بالضمة : ( من أفعال المقاربة والشروع ... ) .
ــ السماءُ : اسم تكاد مرفوع بالضمة .
ــ تمطرُ : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره هي .
( والجملة الفعلية تمطر في محل رفع خبر تكاد ) .
ثانيا :الجملة الواقعة صفةً ( نعتا ) :
*وهي الجملة التي تأتي بعد : ( نكرة ) ، والجمل بعد النكرات صفات ، وبعد المعارف أحوال .
مثال : جاءَ معلمٌ يبتسمُ .
ــ جاء : فعل ماض مبني على الفتح الظاهر .
ــ معلمٌ : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة : ( وهو اسم نكره ) .
ــ يبتسمُ : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو .
وجملة : ( يبتسمُ هو ) فعلية في محل رفع صفة : ( لمعلم ) .
ــ والصفة تتبع الموصوف في حالات الإعراب ، ( رفعا ، وجرا ، ونصبا ) .
ثالثا :الجملة الواقعة مفعولا به : وهي الجملة التي تقع بعد فعل القول ، وما في معناه .
مثال : حسب الوالدُ ولدَه ينجحُ .
ــ حسب : فعل ماض ينصب مفعولين ، مبني على الفتح الظاهر .
ــ الوالدُ : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة .
ــ ولدَه : ولدَ : مفعول به أول منصوب بالفتحة ، وهو مضاف .
والهاء : ضمير متصل في محل جر مضاف إليه .
ــ ينجحُ : فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهره ، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو .
والجملة الفعلية ينجح في محل نصب مفعول به ثان .
رابعا : الجملة التي تقع حالا . ( لاننسى أن الجمل بعد النكرات تعرب صفة ، والجمل
بعد المعارف حالا ) .
مثال : شاهدَ المعلمُ التلاميذَ يقفون بانتظام .
ــ شاهدَ : فعل ماض ميني على الفتح الظاهر .
ــ المعلمُ : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة .
ــ التلاميذ : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهره .
ــ يقفون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة .
والواو : ضمير متصل في محل رفع فاعل .
والجملة الفعلية : ( يقفون ) في محل نصب حال . وتقديرها : ( واقفين ) .
خامسا : الجمل التي تقع في محل جر بالإضافة : ( أي مضاف إليه ) .
مثال : شاهدَ أحمدُ أخاه حين تحرك القطار .
ــ شاهد : فعل ماض ميني على الفتح الظاهر .
ــ أحمدُ : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة .
ــ أخاه : أخا : مفعول به منصوب بالألف لأنه من الأسماء الخمسة ، وهو مضاف .
والهاء : ضمير متصل في محل جر مضاف إليه .
ــ حين : ظرف زمان ، وهو مضاف .
ــ تحرك : فعل ماض مبني على الفتح الظاهر .
ــ القطارُ : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة .
والجملة الفعلية : تحرك القطار في محل جر مضاف إليه وتقديرها : حيم تَحَرُّكِ القطار .
وبالمناسبة :
أولا : (من ظروف الزمان : يوم ، شهر ، ساعة ، ليلة، صباح ، مساء ... )
( ومن ظروف المكان : أمام ، خلف ، وراء ، فوق ، تحت ، يمين ، شمال ، لدى ... )
ثانيا : يجب أن يتضمن ظرف الزمان وظرف المكان معنى : ( في ) ، فإن لم يتضمن هذا المعنى فإنه يعرب بحسب موقعه من الجملة .
مثال : انتظرت أخي (يوما ) ، فيوم هنا مفعول فيه ظرف زمان . ولكن لو قلتُ : جاء يومُ العيد . فيومُ : هنا إعرابها : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة للفعل جاء .
سادسا : الجملة الواقعة جوابا لأداة شرط جازمة . على أن تقترن هذه الجملة بالفاء أو إذا الفجائية .
ــ مثال : مَن يتهيَّـأ للسباق فسوف يفوز بالجائزة .
ــ مَنْ : أداة شرط جازمة تجزم فعلين مضارعين يسمى الأول فعل الشرط ، والثاني جواب الشرط وجزاؤُه .
ــ يتهيَّأْ : فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط ، وعلامة جزمه السكون الظاهر .
والفاعل : ضمير مستتر تقديره هو .
ــ للسباق: ل : حرف جر . السباق : اسم مجرور بالكسرة والجار والمجرور متعلقان بالفعل
يتهيَّـأ .
ــ فسوف : ف : الفاء رابطة لجواب الشرط . سوف : حرف للاستقبال .
ــ يفوزُ : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، والفاعل : ضمير مستتر تقديره هو .
والجملة الفعلية : ( يفوز ) في محل جزم جواب الشرط .
مثال آخر : إنْ تنسَ قيامَك بواجباتك إذا أنت مقصِّرٌ .
ــ إن : أداة شرط جازمة ...
ــ تنسَ : فعل مضارع فعل الشرط مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره .
والفاعل : ضمير مستتر وجوبا تقديره أنتَ .
قيامَك : قيامَ : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة ، وهو مضاف .
والهاء : ضمير متصل في محل جر مضاف إليه .
ــ بواجباتك : ب : حرف جر .
واجبات : اسم مجرور بالكسرة الظاهره ، وهو مضاف .
والكاف : ضمير متصل في محل جر مضاف إليه .
ــ إذا : الفجائية .
ــ أنت : ضمير ظاهر منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ .
ــ مقصرٌ : خبر مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره .
والجملة الاسمية : ( أنت مقصر ) والمقترنة بإذا الفجائية في محل جزم جواب الشرط .
سابعا : الجملة المعطوفة على جملة .
ــ مثال : الطالب نجحَ وفاز بالجائزة .
ــ فجملة فاز بالجائزة معطوفة على جملة نجح .
ثانيا : جمل لا محل لها من الإعراب ، وهي التي لا تؤول بمفرد ( وهي سبع جمل ) أولا : الابتدائية : وهي الجملة التي تأتي في أول الكلام ، اسمية كانت أم فعلية .
مثال : رجعَ الطالب من مدرسته : ( جملة فعلية ابتدائية لامحل لها من الإعراب ).
الإسلامُ دين الرحمة : ( جملة اسمية لامحل لها من الإعراب ) .
ثانيا : الاستئنافية : وتقع في وسط الكلام ، وتكون منقطعة عمَّـا قبلها .
مثال : سافر الرجال لأداء العمرة ، وفقهم الله . فجملة : ( وفقهم الله ) استئنافية لامحل لها من الإعراب .
ثالثا :صلة الموصول : وهي الجمل التي تأتي بعد اسم من الأسماء الموصولة .
( والاسم الموصول يدل على شيء محدد مع جملة تذكر بعده تسمى ( صلة الموصول ) ولا يتم المعنى إلا بوجودها .
الأسماء الموصولة نوعان : خاصة وعامة مشتركة و
الأسماء الموصولة الخاصة :
بحيث يختص كل واحد منها بنوع من الناس أو غيره ، وهي
الذي للمفرد المذكر للعاقل وغيره:*
، *اللذان ، اللذين : لمثنى المذكر عاقلا أو غير عاقل
*الذين : لجمع المذكر للعاقل فقط
*التي : للمفردة المؤنثة عاقلة أو غير عاقلة
. *اللتان ، اللتين : للمثنى المؤنث
*اللائي ، اللاتي ، اللواتي .لجمع المؤنث عاقلة أو غير عاقلة
الأسماء الموصولة العامة المشتركة :
وهي التي يستوي لفظها مع المذكر والمؤنث ، والمثنى ، والجمع ، وهي
مَْن : اسم موصول للعاقل غالبا
ما : اسم موصول لغير العاقل غالبا
أل . : اسم موصول للعاقل وغيره
. وذو بمعنى الذي وليست ذو الخاصة بالأسماء الخمسة
ذا اسم موصول للعاقل وغيره .
مثال : نقدر الطالب الذي حفظ كتاب الله . ( فجملة حفظ كتاب الله جملة فعلية : صلة الموصول لامحل لها من الإعراب ) .
رابعا : الاعتراضية : وهي الجملة التي تعترض بين شيئين متلازمين ، كالفعل والفاعل والمبتدأ والخبر .
مثال : المعلمون ــ وفقهم اللهُ ــ مخلصون . فجملة وفقهم الله فعلية اعتراضية لأنها وردت بين المبتدأ والخبر .
خامسا : التفسيرية : وهي الجملة التي تفسر مابعدها . وقد تقترن بحرف التفسير : ( أنْ ، أيْ ) وقد لاتقترن .
مثال : ألا أدلك على طريق الجنة ، اتق الله في السر والعلانية . فجملة : اتق الله في السر والعلانية فعلية تفسيرية لامحل لها من الإعراب .
سادسا : جملة جواب القسم : وتأتي بعد أحد أنواع القسم .
مثال : واللهِ لأُجاهدَنَّ نفسي في طاعة الله . فجملة لأُجاهدَنَّ نفسي فعلية واقعة في جواب القسم لامحل لها من الإعراب .
سابعا :جملة جواب الشرط غير مقترن بالفاء أو إذا ، أو أنها تأتي جواب شرط غير جازم
مثال : من يجتهدْ ينجحْ ، فجملة ينجح جواب شرط غير مقترنة بالفاء لامحل لها من الإعراب .
ثامنا : المعطوفة على جملة لامحل لها من الإعراب .
مثال : سلَّم عليَّ جاري ، وصافحني بحرارة . فجملة وصافحني فعلية معطوفة على جملة سَلَّمَ الابتدائية فلا محل لها من الإعراب .
* فوائد بلاغية في أنوع الجمل الاستفهامية :
الاستفهام : هو أسلوب يطلب به العلم عن شيء كان مجهولاً ،كقوله تعالى : {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ؟} (17) سورة طـه ، والجملة الاستفهامية تبدأ بإحدى أدوات الاستفهام ، وهناك الاستفهام الحقيقي وهو سؤال بحاجة إلى جواب ومنه:
الاستفهام التصديقي : هو إثبات النسبة بين شيئين أو نفيهما , ويجاب عنه ب ( نعم - لا – بلى ) وأدواته : ( أ – هل ) .
نحو : قوله تعالى : { أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ؟} (77) يونس .
*يُجاب ب (نعم ) إذا كانت الجملة مثبتة لتبقى جملة الجواب مثبتة وإذا كانت منفية تبقى منفية .
نحو : أتحب المطالعة ؟ نعم أحبها .( صدّق إثبات الجملة ) .
ألم تكتب الدرس ؟ نعم لم أكتب الدرس . ( صدّق نفي الجملة ) .
* و يجاب بـ ( لا) لنفي الجملة المثبتة .
نحو : هل قرأت القصيدة ؟ لا لم أقرأْها . ( نفي الجملة المثبتة ) .
* يجاب ب ( بلى ) لإثبات الجملة المنفية .
* نحو قوله تعالى : {قَالَ : أَوَلَمْ تُؤْمِن ؟ قَالَ : بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (260) سورة البقرة .
ونحو قوله عزَّ وجلَّ : ( ألستُ بربِّكم ؟ قالوا : بلى ) .
* الاستفهام التصويري : وهو الذي يُطلب به تعيين أحد الشيئين وفي هذه الحالة يأتي أحد هذين الشيئين بعد همزة الاستفهام مباشرة ثم يأتي بعده حرف العطف ( أمْ ) وتسمى أم المعادلة لأن ما بعدها يعادل ما قبلها في ذهن السائل .
وأدواته : الهمزة وجميع أدوات الاستفهام .
نحو قوله تعالى : {أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ ؟} (59) سورة الواقعة .
وقولنا : ( أتقرأ أم تلعب ؟ الجواب يكون بالتعيين: ( أقرأ) .
ومن هذه الملامح تستنتج أنَّ لغتنا العربية هي لغة البيان و البلاغة ، وهي اللغة التي تسوق المعنى إلى المستمع بعبارات مقتضبة تحوي الروعة في الأداء ، والإيضاح الذي لا يحتمل اللبس أو الغموض . في جمل
جزلة ، وتراكيب لايعتريها الخلل . لأن صياغة الجمل إنما تقوم على مافي علم البيان من قوة وجزالة وما في علم البلاغ من عذوبة في اللفظ ، ورشاقة في المعنى ، يقول الجاحظ : ( البيان اسم لكل شيء كشف لك عن قناع المعنى ، وهتك لك الحجب دون الضمير ، حتى يقضي السامع إلى حقيقته ، ويهجم على
محصوله ، كائناً ما كان ذلك البيان ، ومن أي جنس كان ذلك الدليل ؛ لأن مدار الأمر والغاية التي إليها يجري القائل والسامع إنما هو الفهم والإفهام ؛ فبأي شيء بلغتَ الإفهام وأوضحتَ عن المعنى فذلك
هو البيان) . وأما البلاغة فقال عنها علي بن عيسى الرمَّاني : ( البلاغة ما حط التكلف عنه ، وبنى على التبيين ، وكانت الفائدة أغلب عليه من القافية بأن جمع مع ذلك سهولة المخرج ، مع قرب المتناول ، وعذوبة اللفظ ، ومع رشاقة المعنى ، وأن يكون حسن الابتداء كحسن الانتهاء ، وحسن الوصل كحسن القطع ، في المعنى والسمع وكانت كل كلمة قد وقعت في حقها ، وإلى جنب أختها ، حتى لا يقال : لو كان كذا في موضع كذا لكان أولى ! وحتى لا يكون فيه لفظ مختلف ، ولا معنى مستكره ، ثم ألبس بهاء الحكمة ، ونور المعرفة ، وشرف المعنى ، وجزالة اللفظ ، وكانت حلاوته في الصدر ، وجلالته في النفس ، تفتق الفهم ، وتنثر دقائق الحكم ، وكان ظاهر النفع ، شريف القصد ، معتدل الوزن ، جميل المذهب ، كريم المطلب ، فصيحاً في معناه ، بيناً في فحواه ، وكلُّ هذه الشروط قد حواها القرآن ، ولذلك عجز عن معارضته جميع الأنام ) .
وجميل ما كتبه الأستاذ / محمد رشيد ناصر حين قال :( إنَّ علوم اللغة العربية ، وإدارة محاور الكتابة ، هي جزء من علوم الإنسان التي يتعلمها في سياق حياته ، لكي يقوم باستعمالها في الحياة وهي تماما مثل كل العلوم التي يتعلمها الإنسان، وتأتي اللغة مطابقة لنضوج مستعملها، ويتم تشكيلها للمبتدئين الذين يتلقون الأصول والمسائل اللغوية لكي ينسجوا على منوالها ،وإن الكتابة العربية هي النمط الراقي الذي استطاع ان يحل مشكلة اللهجات ومشكلة الألفاظ ، واللغة المنطوقة التي هي أساس التمايز بين القبائل ، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( ليست العربية بأحد منكم من أب أو أم إنما هي اللسان ) ، فالعربية ليست سلالة وإنما هي لغة ، فمن تكلم بالعربية فهو عربي ، ومن تكلم بغير ذلك فهو الى غير ذلك يعود ، لأن أفكاره ولغته تنطبع بطابع اللغة .
وفي الآية القرآنية :(( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم )) فإنها تدل على أن الرسول يجب أن يكون على علم بطبيعة لهجة قومة و فكرهم ، بأن يكون من قبيلتهم ، أو قريتهم ,.
وهذا ينطبق كليا على نبيِّنا محمد عليه الصلاة والسلام كنبي أُميٍّ ( من مصدر أم ) إذا احتسبنا أن قبيلته أم القبائل ، وقريته أم القرى ، و لسانه و لغته أم اللغات , فيكون الناس جميعهم قومَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، لذلك أرسله الله الى الناس كافة ، و هو الرسول الذي أُرسل بلسان قومه ، أي بلسان كل الناس . ومن مميزات اللغة العربية أيضا في الإيجاز و الإعجاز أنها اللغة التي لا تحتاج لفعل يكون في الجملة فبدلا من أن نقول : ( سمير يكون يكتب ) فإنه يكفي أن نقول : ( سمير يكتب ) و لا تحتاج أيضاً إلى ضمير ( هو أو هي ) بل إن الجملة العربية تختصر ليصبح فيها الضمير المستتر يقدر تقديراً ، ففي العربية لا نقول ( هو يكتب ) بل إن كلمة ( يكتب ) وحدها تكفي .
الجملة في ضوء البلاغة :
البلاغة بكل عناصرها وأنواعها وأساليب صياغتها تعود إلى الجملة التي تتألف من الأسماء والأفعال والحروف ، وفي الوقت الذي لابد من اختيار الكلمة المناسبة في مكانها المناسب ، اسما كانت أم فعلا أم حرفا ، فإن صياغة الجملة لابد لها من عوامل الجمال والجزالة والذوق والسمو في المعنى ، وحيازة الكم الوفير من المعنى ، وفي هذا السياق نجد ما أورده الدكتور / عبدالحكيم عبدالسلام العبد في كتاباته الكثيرة ومنها المدلول والمصطلحات فيقول :
( عنيتُ بقولي الجمال على أنه كمالُ إبداعٍ أو جمالُ نصٍ يُستكنَهُ ويُعلل للمتذوق بمفاتيح علمية فنية لغوية أي بلاغية هي من الوفرة والإحاطة بمكان فى علوم البلاغة العربية متكاملة من معان وبيان وبديع وإعجاز؛ حيث مفاتيح الشِّقِ الجمالي المتعلق بعبقرية اللغة العربية ؛ وما أصَّله الكتاب العجيب فيها ــ ما يزال وسيظل ــ منوطٌ بهذه اللغة وأدبها؛ حيث هو فيهما معرفة مستوعبه ( ابستمولوجيا ) بلاغة بالمعنى التكاملي المستنير لمصطلح البلاغة كما وطَّأنا ) .
ففي قول الله تبارك وتعالى : ( وقيلَ يا أرضُ ابلعِى ماءَكِ وياسماءُ أقلعِى وَغِيضَ الماءُ وقضى الأمر واستوت على الجودى وقيل بعدا للقوم الظالمين ) . 44/هود
- عرَضَ ابنُ الأثير الحلبى (637هـ) بدائعَها البالغة أكثر من عشرين ، كما عرضها ابن أبى الإصبع (654هـ):
1) على مستوى الدقائق الإبداعية:
مطابقة : بين " أرض : و " يا سماء "
مقابلة : بين " يا أرض ابلعي " و " يا سماء أقلعي "
المناسبة : بين " ابلعي " و " أقلعي "
مجاز :في قوله " ويا سماء " ؛ والمراد : يا مطر
استعارة : ممن يعقل الطلب كالإنسان للسماء ؛ وهي في حكم الجماد .
صحة التقسيمثلاثة فصول متواليات يا أرض ابلعي .. ويا سماء اقلعي وغيض الماء ؛ فإنه تعالى استوعب أقسام الماء في حالة نقصه .
التسهيم :أول الآية " يا أرض ابلعي " اقتضي آخرها "ويا سماء أقلعي"
التعليل :فإن غيض الماء علة الاستواء . في حالة نقصه ، إذ ليس إلا احتباس ماء السماء ، واحتقان ماء الأرض وغيض الماء وحاصل إردافقوله " استوت " كمل المعني .
الإيضاح : في " للقوم " يبين أن القوم الذين سبق ذكرهم في الآية المتقدمة ؛ حيث قال : ( وكلما مر عليه نفر من قومه سخروا منه ) .
تمثيل :في " وقضي الأمر " حيث بسط التعبير عن هلاك الهالكين ونجاة الناجين بلفظة فيها بعد عن لفظة المعني الموضوع له .
الإشارة: في " وقضي الأمر " وفي : " وغيض الماء "
التهذيب : لأن مفردات الألفاظ موصوفة بكمال الحسن وكل لفظة سهلة مخارج الحروف ، عليها رونق الفصاحة وحسن البيان .
التمكين : لأن الفاصلة مستقرة في قرارها ، مطمئنة في مكانها .
2) علي مستوى السمات العامة:
*الوصف : لأنه تعالى قص القصة ووصفها بأحسن وصف ، بحيث استعمل نعوت ألفاظها وصفات معانيها
*تمثيل آخر : في الوصف السائد في الآية كلها : حيث تركب من صور متحركة وتشبيهات متعددة .
* حسن النسق : لأنه سبحانه وتعالى عطف قضايا بعضها على بعض .
* المساواة : لأن لفظ الآية مساو لمعناها
* الإيجاز : لأنه سبحانه قص القصة بلفظها القصير مستوعبا المعاني الجمة ( ولاحظ جمعه بين المساواة والإيجاز في العرض)
3) على مستوى القيمة:
* الاحتراس : عن أن ينصرف الدعاء إلى غيرهم ؛ وهو أيضاً الذم لهم خاصة والدعاء عليهم بهذه الآية المعترضة .
* النزاهة : في التلطف في ذم هؤلاء . ( والنزاهة ) ضرب من الهجاء العفيف في أسلوب القرآن الكريم ونقف عليه أيضاً مقومات البلاغة في آية سورة هود عند ابن الأثير الحلبي .
4) جمعه العناية بقضية الجمال الأدبي:
- ولعل ما أورده هنا خلال بعض دراسات الدكتور أحمد عبد السيد الصاوى يمثل جمعه العناية بهذه القضية عنده وعند أساتذته وبعض زملائه . ومن الجميع الدكتور عز الدين اسماعيل وغيره ممن التقوا فى درس الدكتور الصاوى فى منظوره الجمالى لعبد القاهر الجرجانى :
5) نظرية النظم نظرية فى الجمال الأدبى:
عرَّفْت بنظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني ، كما رادفت فى الاصطلاح بين النظم وبين البيان والإبداع فى رؤية خاصة استخدم فيها كل منها "جمعه لعلوم البلاغة"
فعند الصاوي نظرية النظم " لا تعدو أن تكون نظرية فى الجمال الأدبي ، وكما أوردنا عن المعري وغيره
تشمل هذه النظرية الجمالية العربية المتوسمة في نظرية النظم الذائعة الصيت ما يأتي:
* طبيعة مذهب الصنعة أو النظم .
* طبيعة الحكم الجمالي ومفاتيحه .
* محاور درس الجمال الأدبي.
* نماذج تنظيرية وتطبيقية فيما تناولناه .
1 - طبيعة مذهب الصنعة أو النظم أو المعنى بتعبيرات متوافقة عند عبد القاهر الجرجاني؛ أو فلنقل الإبداع الأدبى ( الذى لا يمنعنا من أن نجلَّه فى القرآن الكريم عن البشرية ) والتي أو الذي ينصب درسه في الدرجة الأولى على الشكل الذي أصبح المحتوى جزءا منه لا يتميز عنه... وهي طبيعة لا تظهر إلا من خلال طريقة العرض ونظام العبارة ، مما يؤثر في المتذوق ويجعله يعي وعيا ذا خصوصية ، وتميز ما يؤدي به إليه ( الأدب .......) من قيمة ؛ حيث تكون عناصر هذه الصناعة هي العناصر الفنية التى يعتمد عليها جمال العمل .
2- طبيعة الحكم الجمالي ومفاتيحه:
أما " طبيعة الحكم الجمالي عند عبد القاهر الجرجاني ... فحكم مبرر معلل أو موضوعى لأن " له مفاتيحه الموضوعية " :
- تركيز كامل على العمل .
- عودة إليه .
- تأمله مرارا دون إقحام أو اندفاع .
- انتقال من الجزئية إلى الكلية .
- ومن الذوق الشخصي إلى الذوق القائم على الفهم والاتحاد بالنص فى عالم جمالي واحد .، وهو منظور رآه أيضا موافقا للبنائية الحديثة :
- كلية النظرة .
- منطق عمل .
- قواعد رمز .
- تحليل استنتاجي .
- وإبراز الكيفية (التي لم تمنع موضوعية نظر النقاد والبلاغيين العرب من التفرقة فيها بين الشعر وبين الأخلاق والعقائد . وعد ذلك نفسه معيارا عندهم ، وإن لم يكن الأمر بهذه البساطة البادية فى تعبير تفرقة وفصل الخ ) .
وليثبت الباحث ضمنا أن الجمال والصنعة والمعنى كلها تدور حول محاور.
3 - محاور درس الجمال الأدبي:
- الذوق المثقف .
- موضوعية الجمال .
- التأمل .
- العلاقات ، ويقصد بها : عناصر النظام النحوى فى نظرية النظم .
- سمة الوحدة .
- الخيال والاستجابة الجمالية .
وسوم: العدد 871