شهيق أرسطو وزفيره
تمتاز أوزان الأبيات المفردة بخصائص متحركاتها وسواكنها (أن كثرة الأولى دليل الفرح، وكثرة الآخرة دليل الحزن، وما إليهما)، وأنظمة تفعيلاتها (أنها محدودة بغاية النفَس ولحن الأداء، وما إليهما)، امتيازا أغنى مستنبطي الدلالة العروضية الوزنية عن استقراء ما سوى مثال البيت الواحد، ليقول الفارابي -٨٧٤م-: "التكثير من الأبيات ليس له غناء في وجود الوزن وتكميله، لكن هو تابع للأمر الذي فيه القول؛ فإن كان قليلا كانت الأبيات قليلة، وإن كان كثيرا كانت الأبيات كثيرة".
وعلى ضجري بركاكة تعبيره عن ذلك بقوله: "التكثير من الأبيات ليس له غناء"، دون "لا غناء بتكثير الأبيات"، و"كمال" دون "تكميل"، و"لكن هو تابع" دون "فهو تابع"- أصله بطرفٍ من تنبيهات أرسطو -٣٢٢ق.م- (أحد أهم من تتبعهم القدماء)، على أن أصلح أطوال القصائد ما أدى رسائلها كاملة دون إفراط ولا تفريط. ولكنني أعترضه بقضاء أرسطو نفسه بالجلال والجاذبية المسرحية، للملحمة (المنظومة الشعبية المتطاولة)، المتعددة الأحداث المتلائمة المتماسكة، على غيرها مما قدمه عليها!
ثم أطوي الزمان إلى إدجار ألان بو -١٨٤٩م- وهربرت ريد -١٩٦٨م- (أحد أهم من تتبعهم المحدثون)، لأجد الأول يعتذر عن استسخافه القصيدة الطويلة بما افتضح له فيها من احتشاد القصائد القصيرة، والآخر لا يفاضل بين الشعراء إلا بإجادة نظم القصائد الطويلة! وكأنما تقاسما كلام أرسطو؛ فشهق ببعضه هربرت، وزفر بعضه إدجار!
وسوم: العدد 917