"اليتيمة" تؤكد على ذكورية المجتمعات العربية
من يقرأ رواية اليتيمة للأديب المقدسيّ جميل السلحوت الصادرة عام 2021 عن مكتبة كل شيء الحيفاوية يدرك مدى تعصبه للمرأة، وتعاطفه معها ودعمه لها على شتى المستويات. كتاباته مباشرة، واضحة، تظهر مشاعره الإنسانية تجاه المرأة المستضعفة في مجتمع يوصف بالذكورية.
وجاءت روايته الأخيرة " اليتيمة" لتؤكد على هذا المفهوم. ولتؤكد أيضا أن من يشارك في ظلم المرأة هي المرأة ذاتها. كانت رسالة صريحة واضحة موجهة لكل أم تفضل أبناءها الذكور على الإناث.
فهل من المعقول أن تحرم الأم ابنتها المتفوقة، والتي حصلت على معدل 99% في امتحانات الثانوية العامة من تعليمها الجامعي، وتزوج ابنها بمبلغ تبرعت به مدرسة ابنتها لتشجيعها على الالتحاق بالتعليم الجامع،ي بعد ان لمست هيئتهل التدريسية وضع الأسرة المالي المتواضع؟
هناك مثل يقول " القرد بعين أمه غزال".. وقد استعمله الكاتب في الرواية.. إذ انطبق المثل على علاقة الأمّ لبنى مع ابنها عزيز. اعتقدت أن العالم يراه بعينيها.. ولم تستطع للحظة أن تكون واقعية، وبالتالي تقيم ابنها تقييما موضوعيا، ممّا زاده غرورا وظن أن كل من حوله يرونه بعيني والدته.
بينما كانت أخته عبير والجد أبو نعمان أكثر واقعية، وتصرفا باتزان.
وكانت أمّ مهيب أيضا ترى ابنها مهيبا زين الشباب، رغم عقده النفسية التي انعكست سلبا على علاقته مع زوجته عبير.
وقد ركّز السلحوت في روايته الاجتماعية على دور الأب وأهمية وجوده في حياة أبنائه وبناء شخصياتهم، ومنحهم الثقة الكافية لمواجهة الحياة، خاصة إن كانت الأمّ تقليدية وغير فاعلة في المجتمع.
وهذه نقطة أخرى تؤكد على ذكورية المجتمعات العربية، واعتماد الأسرة بصورة كبيرة على الأب، فهو السند الذي تشعر العائلة بأنه الداعم والحامي للأسرة، إذ أكدت ميسون على ذلك من خلال تجربتة أسرتها التي عاشت أزمة اليتم، ممّا دعا البعض لمحاولة استغلال الأسرة تحت شعار المساعدة والمساندة، وهم منها براء. فما كان أحد يجرؤ على أن يتقدم للزواج من صبية بعمر الورد وهو متزوج وبعمر والدها، وأبناؤه يكبرونها سنا.
ما كانت عبير سوى ضحية لمجتمع لا يؤمن بالمرأة وتعليمها وتطوير قدراتها وكفاءاتها، بل يعتبرها عالة على المجتمع. لا تستحق أن يُصرف عليها، لأن خلفها سيحمل اسم عائلة أخرى، وبالتالي أيّ قرش يُصرف عليها يعتبر ضياعا للمال. وأيّ عريس يأتي لخطبتها يعتبر مكسبا لها.
هذه المفاهيم المتخلّفة التي لا زالت بعض المجتمعات تؤمن بها وتتصرف بناء عليها، جعلت من المرأة مخلوقا ضعبفا مضطهدا، ممّا انعكس على قدرتها الإنتاجية لبناء مجتمع لا يكتمل الا بعلاقة التوازن بين المرأة والرجل.
ولم يغفل السلحوت على إحضار المشهد الاحتلالي في قرية سلوان حامية أسوار القدس الجنوبية، والتي تعتبر من أكثر قرى القدس استهدافا، إذ كان أبطال الرواية يسكنون سلوان ويعانون الأمرين بفعل الانتهاكات الإسرائيلية الممنهحة التي تسعى إلى إخلائها من سكانها الأصليين ومنحها للمستوطنين المتطرفين.
ولا زال السلحوت يتحفنا بأعماله الروائية الإنسانية العادلة التي يفاجئنا بعناوينها المختلفة، يطلق صرخته المدوية ليقول كفى ظلما.. فالمرأة عضو لا يمكن الاستغناء عنه لبناء مجتمع يستحق الحياة الحرة الكريمة.
وسوم: العدد 939