وقفة مع فصل من فصول كتاب المستطرف في كل فن مستظرف لأبي الفتح بهاء الدين الأبشيهي يصف فيه المرأة السوء
بداية نشير إلى أن كتاب " المستطرف في كل فن مستظرف " هو تحفة من تحف التراث العربي جمع فيه مؤلفه من كل فن طرف ، وهو من تأليف الأديب، والشاعر، والفقيه ،والنحوي ، والخطيب المصري أبو الفتح بهاء الدين أو شهاب الدين الأبشيهي نسبة إلى قرية أبشيه أو أبشواي ،وهي من قرى الفيوم بمصر ، وقد عاش في القرن التاسع الهجري .
وهذا المؤلف يزخر بالنصائح القيمة ، والحكم البليغة ، وهو يحث على مكارم الأخلاق ، ويذم مساوءها ،بأسلوب شيق فيه من الحكم، والأشعار ،والأمثال فضلا آي عن الذكر الحكيم، و نصوص الحديث النبوي الشريف .
ولقد استوقفني فيه الباب الثالث والسبعون منه ، وتحديدا الفصل الثالث من هذا الباب، وهو في وصف المرأة السوء ، وقد جاء فيه ما يلي :
الفصل الثالث في صفة المرأة السوء نعوذ بالله تعالى منها:]
في حكمة داود عليه السلام أن المرأة السوء مثل شرك الصياد لا ينجو منها إلا من رضي الله تعالى عنه..
والمرأة السوء غل يلقيه الله تعالى في عنق من يشاء من عباده
وقيل لأعرابي كان ذا تجربة بالنساء، صف لنا شر النساء فقال:
(( شرهن النحيفة الجسم القليلة اللحم المحياض الممراض المصفرة الميشومة العسرة المبشومة السلطة البطرة النفرة السريعة الوثبة، كأنها لسان حربة تضحك من غير عجب، وتبكي من غير سبب، وتدعو على زوجها بالحرب، أنف في السماء وإست في الماء، عرقوبها حديد، منتفخة الوريد ،كلامها وعيد، وصوتها شديد، وتدفن الحسنات ،وتفشي السيئات، تعين الزمان على بعلها، ولا تعين بعلها على الزمان، ليس في قلبها عليه رأفة ،ولا عليها منه مخافة، إن دخل خرجت، وإن خرج دخلت، وإن ضحك بكت، وإن بكى ضحكت، كثيرة الدعاء، قليلة الإرعاء تأكل لمّا، وتوسع ذما، ضيقة الباع ،مهتوكة القناع، صبيها مهزول، وبيتها مزبول، إذا حدثت تشير بالأصابع ،وتبكي في المجامع، بادية من حجابها، نباحة عند بابها، تبكي وهي ظالمة، وتشهد وهي غائبة قد دلّي لسانها بالزور ،وسال دمعها بالفجور، ابتلاها الله بالويل والثبور وعظائم الأمور.))
ويقال :
إن المرأة إذا كانت مبغضة لزوجها ،فإن علامة ذلك أن تكون عند قربها منه مرتدة الطرف عنه كأنها تنظر إلى إنسان غيره من ورائه، وإن كانت محبة له لا تقلع عن النظر إليه.
اختار المؤلف في بداية حديثه عن المرأة السوء بعدما استعاذ بالله تعالى منها حكمة من حكم النبي داود عليه السلام مفادها أن المرأة السوء إنما هي بمثابة شرك صياد لا يقع فيه إلا من لم يكن عند ربه مرضيا ، وهو غل يغل به الله تعالى من شاء من عباده .
وبعد ذلك يستشهد بقول أعرابي في وصف المرأة السوء ، ومن عادة العرب أن يعتمدوا أقوال الأعراب لبداوتهم ، وفصاحتهم ، وسجيتهم ، وفطرتهم ، وتجاربهم ، وقد كان النحاة قديما يعتمدون عليهم إذا ما نشأ بينهم خلاف في مسائل اللغة باعتبارهم متكلمين أصليين سليقة باللسان العربي .
وقد يعتمد عليهم أيضا فيما يتعلق بالسجايا والمثالب لفطرتهم البدوية ، وهذا ما جعل الأبشيهي يسوق قول أعرابي في المرأة السوء ، كما عرفتها البداوة العربية . وإذا ما كانت المرأة البدوية سيئة الطباع، فأسوأ منها المرأة الحضرية لما في التحضر من مخالفة للطباع الفطرية السوية ، وخير دليل ما آل إليه حال النساء في زماننا هذا سوء طباعهن .
وأما الأوصاف التي وصف بها الأعرابي المرأة السوء، فهي خليط من أوصاف خلقية ـ بفتح الخاء ـ وأوصاف خلقية ـ بضم الخاء ، وهي كما يلي :
من أوصافها : النحافة والهزال ، وهذا يعني أن البنية الجسدية للمرأة تأثير في طبعها سواء ساء هذا الطبع أو حسن . ومما اعتبره الأعرابي صفة سيئة في المرأة السوء أنها محياض، وممراض ،أي كثيرة الحيض ، ودائمة المرض . ومصفرة أي شاحبة اللون , وموشومة أي على جلدها وشام أو وشوم ـ وقد صار الوشم الذي ذمه الأعرابي في الماضي زينة في زماننا هذا ،وكفى بهذا شاهدا على سوئه ـ . وعسرة أي صعبة لا يسر في طبعها . ومبشومة أي مصابة بالإبشام وهي علة التخمة من الشره وكثرة الأكل ، سلطة ـ بفتح السين وكسر اللام ـ أي سليطة أو حديدة اللسان . وبطرة أي متكبرة ومبالغة في الزهو . ونفرة أي البعيدة عن الحق . وسريعة الوثبة أي عدوانية ،سريعة الهجوم والانقضاض كأنها لسان حربة كناية عن شدة أذاها .
ومن أوصافها أيضا أنها غريبة الأطوار تضحك من غير عجب ، وتبكي من غير سبب ، تدعو على زوجها بالحرب ، بفتح الراء ـ وهي الخسارة والضياع والإفلاس . وأنفها في السماء ، وإستها في الماء ـ والإست مؤخرة الإنسان ـ عبارة يكنّى بها عن كبرياء مع ذلة وهوان .وعرقوبها حديد ـ والعرقوب وتر غليظ فوق العقب ـ وكونه حديدا بمعنى دقيقا ، وهو كذلك في المرأة النحيفة أوالهزيلة ، وإليه وإلى الكف ينظر لمعرفة صحة بدن المرأة ونعومته . ومنتفخة الوريد ـ والوريد عرق في العنق ـ وانتفاخه كناية عن شدة الغضب أو اللدد وهو شدة الخصومة. وكلامها وعيد ، وصوتها شديد هما صفتان تدل أيضا على شدة الخصام، وعلى شراسة الطبع .وتدفن الحسنات ،وتفشي السيئات أي تنكر الجميل ، وتفضح القبيح. و تعين الزمان على بعلها ،ولا تعينه عليه أي تجتهد في إفقاره ، وتضيع ماله ومتاعه ، ولا تحافظ عليهما ولا تبذر ولا تقتصد . و ليس في قلبها عليه رأفة أي لا تشفق من حاله ، ولا عليها منه مخافة أي لا تخشى عليه من سوء أومن ضياع . وإن دخل خرجت، وإن خرج دخلت أي لا انسجام بينهما وهي كناية عن معاكسته في كل الحوال لنشوز فيها. وإن ضحك بكت ، وإن بكى ضحكت أي لا تشاطره أفراحه وأتراحه ، بل تنغص عليه فرحه ، وتشمت به في حزنه . وكثيرة الدعاء قليلة الإرعاء أي ثرثارة كثيرة الكلام قليلة الإنصات. و تأكل لمّا ،وتوسع ذمّا أي تأكل كثيرا ، وتكثر الذم . وضيقة الباع ،مهتوكة القاع ـ والباع مسافة ما بين الكتفين إذا انبسطت الذراعان يمينا وشمالا ـ وضيقه كناية عن القصور والعيب ، بينما طوله كناية عن بلوغ الغاية في كل شيء ، وهتك القاع كناية عن قلة الحياء . وصبيبها مهزول، وبيتها موبول ـ ووبل المكان إذا وخم وثقل ـ كناية عن عفنه لقلة تنظيفه ، وقلة استعمال الماء فيه . وإذا حدثت تشير بالأصابع ، وتبكي في المجامع أي لا تخجل من الإشارة إلى غيرها بسوء ، ولا تكتم حزنها وبكاءها بل تذيعه في الناس . وبادية من حجابها نبّاحة عند بابها كناية عن سفورها ، وعن إطالة الوقوف عند بابها مع إذايتها للمارة بكلامها الجارح . وتبكي وهي ظالمة ،وتشهد وهي غائبة قد دليّ لسانها بالزور، وسال دمعها بالفجور كناية على التمويه عن ظلمها لغيرها بدمع كذب ، فضلا عن كونها شهّادة زور.
ويختم الأبشيهي كلامه عن المرأة السوء بأنها إذا أبغضت زوجها ترتد بطرفها عنه، وهي قريبة منه كأنها تنظر إلى غيره من خلفه ،بينما المحبة لزوجها لا تقلع عن النظر إليه محبة فيه .
هذه بعض أوصاف المرأة السوء التي يسلطها الله تعالى على من لا يرضى عنه ، ولئن كان ممن يرضى عنهم فإنه لا شك يبتليه بها لمعرفة صبره على سوئها .
وعلى كل الأزواج أن يخضعوا زيجاتهم إلى الأوصاف التي تضمنتها هذه الشبكة التي خلفها لنا الأبشيهي رحمة الله عليه لمعرفة حجم السوء فيهن ،علما بأنه لا تخلو بنت حواء مما يكره ابن آدم مع وجود فيها ما يحب أيضا لهذا عزاء الأزواج من المؤمنين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي آخر" أي لا يبغضها . وكان الله في عون من اجتمعت في زوجته الصفات الخلقية والخلقية التي عددها الأبشيهي على لسان الأعرابي الخبير بصفات المرأة السوء ، ولا شك أنه ابتلي بها ،وهو ما جعله يتقن وصفها بدقة متناهية لا تخلو من دعابة .
وسوم: العدد 999