المرأة في الشعر العربي... من الجاهلية إلى الإسلام
نتيجة لعوامل اجتماعية سائدة أو مسودة - ويحاول البعض أن يلقي ظلها على الإسلام ظلما - غاب طيف المرأة عن الشعر العربي من الجاهلية حتى اليوم، بشكل عام، وستقولون لي، وما أكثر ما قيل في المرأة!! وسأقول...
وشاركت أدناه منشورا لأخي الحبيب يحيى الحاج يحيى عن رثاء البنت في الشعر العربي، أجاد فيه وأفاد، ففتح لي باب القول، على رقاق ماء، وقلة حيلة في هذا الباب ، فما سأكتبه مجرد تذييل على ما كتبه أخي الشاعر المبدع، والمربي الناصح...
وأعيد عبارتي : وغابت شخصية المرأة عن الشعر العربي غيرَ الحبيبة، المطروقة ليلا ، حيث اعتبر العربي الجاهلي من ملامح الفروسية أن يكون الرجل عاشقا معشوقا، يكثر من ذكر حبيبته والتغزل بها على وجه الفخر والخيلاء، دون أن يذكر حرمه أو حريمه الذين يعتبر ذكرهم عورة يجب أن تست. . وحتى اليوم يرمز إليها على بطاقة الدعوة بكلمة "كريمته" وإلى أم بنيه عند الرثاء يوم النعي بقولهم: حرم فلان .. أو بنت فلان..
تولد المرأة وتتزوج المرأة وتموت المرأة فتقبر ويظل اسمها "عورة" كما صوتها، وكما الإشارة إليها، حكم ٌما جاء به الإسلام، ولكن ألفته العقول والقلوب، وختمه بالتصديق كثير ، ممن امتلكوا الأختام ، يثبتونها حيث يشاؤون...
من الشعر الجاهلي إلى الذي يليه حتى عصرنا هذا ، غابت صورة المرأة الأم من الشعر العربي بشكل عام، وغابت صورة المرأة البنت، وغابت صورة المرأة الزوجة، وغابت صورة المرأة الأخت ، وفيما ذكرت رموز لما وراء ذلك لما يكون في عالم الأسرة من نساء!! ...
ولو سألتني - مثلا - عن صورة الأم في الشعر العربي، وجل ما أحفظ من الشعر القديم.. لقلت لك ما مرّ بي من ذلك شيء ، ولستُ مستقصيا - غير أبيات لصخر بن عمرو الشريد، يوم إصابته إصابة بليغة في بعض المعارك، وطال بذلك زمن برئه...
قالوا فدخل عليه العواد - زوار المريض- فسألوا عنه كيف هو: فقالت الزوجة على وجه البرم منه ومن طول مرضه كلمتها المشهورة، التي يمكن أن تقولها في بعض الأجسام السياسية اليوم: "لا هو حيٌّ فيرجى ولا هو ميت فيُنسى." وسئلت أمه عنه مع ما هو فيه من المرض والجراح، فقالت: أصبح بحمد الله بارئا على وجه الأمل والتفاؤل والتمسك بحشاشتها، فقال أجمل ما تجد في شعر العرب من موازنة بين مكانة الأم ومكانة الحليلة/ وحتى لا أظلم، فما كل الحليلات كحليلة صخر - شقيق الخنساء- تلك التي طلقها من ساعتها فلحقت بأهلها...
مقطوعة صخر بن عمرو الشريد تلك إنما غطّى عليها ، قوله المتلألئ على الزمان، في الرجل يصحو على نفسه، وهو في مقام المحو ، حيث يصبح كَلا على كل من يحيطون به ، فيعبث براسه الصغيرُ، ويحمّقه كل روبيضة لا يعي ما يقول، وأقصد به قوله:
أهم بأمر الحزم لو أستطيعه .. وقد حيل بين العير والنزوان..
أما الأبيات الجميلة التي قالها صخر بن في الموازنة بن الأم والحليلة فقوله:
أرى أمّ صخر لا تملّ عيادتي...وملت سليمى مضجعي ومكاني
فأيّ امرئ ســـاوى بأم حليلةً .. فلا عاش إلا في شـــــــقا وهـــوان
ثم يقول لها، لحليلته:
لعمري لقد نبهتِ من كان نائما... وأسمعتِ من كان له أذنان
أهم بأمـــر الحزم لــو أســــــتطيعه .. وقد حِيل بين العير والنزوان
الأبيات ..
وربما غير ذلك في ذكر الأم في الشعر العربي القديم نادر..وحين نجد الخنساء أخت صخر، نفسه ، تصبح مثلا سائرا في البكاء عليه على الأخ والشقيق، ورثائه..
وإن صخرا لتأتم الهداة به .. كأنه علم في رأسه نار
مع أننا وجدنا العربي كثيرا ما يعتز بأخته فروسية فيقول: وأنا أخو فلانة.... فإن ذكر الأخوات في الشعر العربي نادر...
نظرية العصبات التي تولي أمر البنت ابن عمها من الدرجة السابعة وتنحي جدها لأمها. تلك هي هي.
من حديث الأم إذا تحولنا إلى حديث الزوجة الحليلة أم البنين والبنات فقلما وجدنا في شعر العرب ذكرا، لا مدحا ولا ثناء ولا وفاء ولا رثاء ودع عنك الغزل الذي هو لبّ العلاقة بين زوجين ...
ولعلنا جميعا نحفظ قول جرير في زوجه أم حزرة ...ودلالة المطلع المؤثر الجميل:
لـــولا الحيـــاء لعـــادني اســـــــــتعبار .. ولزرت قبرك والحبيب يزار
ولهـــت قلبي إذ علتني كبــــــرة .. وذوو التمائم من بنيك صغار
كانت مؤنسة العشير، ولم يكن .. يخشى غوائل أم حزرة جار
ولو انتبهنا إلى أول الأبيات ، ومع أننا في صدر الإسلام، لرأينا الحياء وهو خلق اجتماعي، يمنع الشاعر من البكاء على زوجه، ومن زيارة قبرها ، ومن القول فيها، وكل هذا من صميم موضوعنا الذي نحن فيه: لولا الحياء .....
وكما غابت الأم أو غيبت، وغابت الأخت أو غيبت، وغابت الزوجة أو غيبت عن الشعر العربي، كذا عابت البنت أو البنات عن الشعر العربي بشكل عام ...
نظر العربي إلى البنت كمحبة لأبيها وفيةٍ له فقال:
وفيهن والأيام يعثرن بالفتى ...نوادب لا يمللنه ونوائح
وهذا لبيد بن ربيعة العامري يوصي بناته أن يبكين عليه حولا ثم كفى ..
يقول لبيد وقد حضرته الوفاة
تمــــنى ابنتــــــاي أن يعيــــــش أبوهمـــا .. وهل أنا إلا من ربيعــــــة أو مضـــر
فقومــــــا وقـــولا بالذي تعلمانــــــه .. ولا تخمشـــا وجهـــا ولا تحلقا شــــــعر
وقولا هو المرء الذي لا صديقـــه ... أضاع ولا خان الخليـــل ولا غدر
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما .. ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
فالبنت محل أمل أبيها في بكائها عليه، وتعلقها به، وهي من ناحية أخرى محل ضعفه على قول عيسى بن فاتك :
لقـــد زاد الحيـــاة إلـــي حبا .. بناتـــي إنهـــن من الضعيفــــــات
مخافة أن يرين البؤس بعدي... وأن يشربن رنقا بعد صـــافي
وأن يعرين إن كُسي الجواري ..فتنبو العين عن كرم عجاف
وفي أبيات جميلة تليق بحال السوريين اليوم :
تقول بُنيتي أوصِ الموالي ..وكيف وصاة من هو عنك جاف
أبانا من لنا إن غبت عنا .. وصار الحي بعدك في اختلاف
أو قول حطان بن المعلى المشهود ..
لـولا بنيــــــات كزعب القطــــــا .. رددن مــــــن بعـــض إلى بعـــض
لكان لي مضطرب واسع .. في الأرض ذات الطول والعرض
وإنمـــــــــــــــا أولادنــــــــــــا بيننــــــــــــا .. أكبادنا .. تمشي على الأرض
لو هبت الريـــح على بعضهم ..لامتنعـــت عينــــــي من الغمض
أما في رثاء البنين فكانت قصيدة أبي ذؤيب العينية الرائعة للرجل يفقد أبناءه معا ، وكانت كذلك قصيدة ابن الرومي في ولده يقول في مطلعها يخاطب عينيه:
بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي
فجودا فقد أودى نظيركما عندي
توخى حمام الموت أوسط صبيتي..
فلله كيف اختـــار واســـطة العقـــد
ومن الباب قول ابن نباتة يخاطب فقيده:
أسكنتُ قلبي لحدك .. لا خير في العيش بعدك
أقصدتنـــــــــي يا زمانــــــي .. طالمــــــا كنت قصــــــدك
وكـــــــــان ما خفت منه .. فاجهــــــد الآن جهــــــدك
وبعد فقد غابت المرأة أما وبنتا وزوجة وأختا عن الشعر العربي أو غيبت. غياب امتد من الجاهلية إلى الإسلام وكاد يلامس زماننا هذا. غياب بني على اعتقاد اجتماعي مستطير أن المرأة كلها عورة حتى ذكرها. واسمها ويكاد العربي يدّعي أنه خُلق من غير شيء...
وهو كلام يمكن لأهل الأدب أن يفيضوا فيه أكثر مما فعلت ...
وسوم: العدد 1000