***
القصيدة في الجزء الأول من كتاب " اللغة العربية " للصف العاشر في فلسطين ، ونرجو تصويب تاريخ ولادة الشاعر وتاريخ وفاته اللتين جاء أنهما في ( 705 _ 754 ه) .
ربما لم تحظَ مدينة في الشعر العربي بما حظيت به مدينة القدس حبا لها وحضا للدفاع عنها خلال تاريخها الطويل . وشهدت الحروب الصليبية وفرة كبيرة من الشعر الذي حض على ذلك الدفاع ، وكان المسجد الأقصى دائما في قلب حوافزه . وتكرر في العصر الحديث ما حدث زمن الصليبيين من انشغال الشعر العربي بالقدس ، وهذه المرة كان الانشغال لاستيلاء الصهاينة على جزء المدينة الغربي في حرب 1948 ، واستيلائهم على جزئها الشرقي في 7 يونيو 1967 ، وضمه إلى الجزء الغربي رسميا في 30 يوليو 1980بعد ضمه في شهر الاحتلال إداريا ، والادعاء الباطل بأن القدس الموحدة هي العاصمة الأبدية لدولتهم . ويجري فيها منذئذ نشاط لا يهدأ لتهويدها وإخلائها من مكوناتها الفلسطينية بشرا ومعالم حضارية ودينية ، والاعتداءات المتواصلة على الأقصى أخطر فعاليات هذا النشاط تمهيدا لإقامة الهيكل المزعوم مكانه . وكانت انتفاضة الأقصى في 28 سبتمبر 2000 غضبا على اقتحام شارون له ذروة انشغال الشعر العربي بالقدس وأقصاها ، فكتب الشعراء الفلسطينيون والعرب قصائد غزيرة في حب القدس والأقصى وحض العرب والمسلمين على حمايتهما حماية لدينهم ولأوطانهم ولكرامتهم ومستقبلهم من الخطر الصهيوني الذي يأتلف مع الغرب الصليبي في هجومه عليهم . وجمع الدكتور يوسف شحدة الكحلوت أستاذ الأدب والنقد المساعد في قسم اللغة العربية في الجامعة الإسلامية كثيرا من ذلك الشعر ، وأصدر منه في 2002 الجزء الأول بعنوان " مختارات من شعر انتفاضة الأقصى المباركة " ، وأهداه : " إلى الوطن الغالي فلسطين ، إلى الأقصى الأسير الحزين ، إلى كل شهيد وجريح وسجين ، إلى كل الأباة المجاهدين . ". وصدره بمقدمة قصيرة عن دور الشعر في مجاهدة أعداء العرب والمسلمين منذ بدء الدعوة المحمدية المباركة حتى اليوم ، وأتبع المقدمة بدراسة مطولة حام فيها على القضايا التي تمحورت حولها قصائد المختارات . ومن قراءة قصيدة " مرثية القدس " لأبي المظفر الأبيوردي (460 _ 507 ه) ومن قراءة بعض قصائد المختارات نجد أنفسنا في ذات الحال التي تألم منها ، وحض العرب والمسلمين على التحرر من براثنها الفتاكة ، والتوحد في حرب الأعداء الصليبيين لكون مصير العرب والمسلمين واحدا في الابتلاء بخطر أولئك الأعداء وإن حسب بعضهم أنه في أمن من ذلك الخطر لموالاته ومحالفته لهم . والآن إلى القصيدة ! يستهلها الشاعر ببيان تردي حال المسلمين ضعفا وعجزا ، يقول : " مزجنا دماء بالدموع السواجم = فلم يبق منا عرصة للمراحم " ، فهذه الدماء والدموع من الكثرة حتى لم يبق منها ما يسيل رحمة بأي شيء في حياة المسلمين . ويذم بكاء المسلمين الذي هو آية صارخة على ضعفهم وذلهم ، وتكون هذه الآية في أعلى درجات دلالاتها على الضعف والذل في زمن الحرب التي يجب أن تواجه بالقوة والسلاح لا بالبكاء : " وشر سلاح المرء دمع يفيضه = إذا الحرب شبت نارها بالصوارم " . ويحذر المسلمين مما يترقبهم من أخطار وأهوال الحرب فوق ما هو نازل بهم منها : " فإيهاً بني الإسلام إن وراءكم = وقائع يلحقن الذرا بالمناسم " .
الحرب التالية ستجعل عالي ما في حياتهم سافلا . ويستنكر نوم بعضهم ولو خف ، ونعومة عيشهم التي تشابه نوار الخميلة : " أتهويمة في ظل أمن وغبطة = وعيش كنوار الخميلة ناعم ؟! " ، ويوبخهم على نومهم ملء جفونهم وما يحدث في ديار الإسلام من عدوان الصليبيين وفظائعهم يوقظ كل نائم : " وكيف تنام العين ملء جفونها = على هفوات أيقظت كل نائم ؟! " ، ولا توفيق له في نعت ذلك العدوان وتلك الفظائع ب " الهفوات " أي السقطات أو الزلات ، ولعلها (النكبات ) ، و " الهفوات " خطأ طباعي في النص . ونومهم خفيفا أو عميقا خيانة عظمى وموت ضمير إسلاميا وقوميا . كيف تنامون " وإخوانكم في الشام يضحي مقيلهم = ظهور المذاكي أو بطون القشاعم " ؟!. أهل الشام في قتال متصل مع الصليبيين لا يفارقون فيه ظهور خيلهم الشواب الجياد ، ويسقط فرسانهم ، فتأكل جوارح الطير لحومهم . ويذل الصليبيون أهل الشام ، وبقية المسلمين في ترف وأمن وانصراف عن إخوانهم : " تسومهم الروم الهوان وأنتم = تجرون ذيل الخفض فعل المسالم ! " . ويحذر أولئك اللاهين الخاذلين لإخوانهم في الشام من الندم على لهوهم وخذلانهم : " وتلك حروب من يغب عن غمارها = ليسلم يقرع بعدها سن نادم " . ويخاطبهم مباشرة ليؤثر في مشاعرهم الخابية : " دعوناكم والحرب ترنو ملحة = إلينا بألحاظ النسور القشاعم " ، ويستنجد ، وهو المقيم بخراسان زمن كتابة القصيدة ، بأصوله العربية الأموية ، فيقول : " تراقب فينا غارة عربية = تطيل عليها الروم عض الأباهم " . ويحذرهم في ختام قصيدته بأن موت روحهم الدينية والقومية سيفضي إلى التخلي عن كل الحرمات العربية والإسلامية لتكون نهبة مباحة للصليبيين : " فإن أنتم لم تغضبوا بعد هذه = رمينا إلى أعدائنا بالحرائم " . حال العرب والمسلمين اليوم ذات حالهم الذي صورته لنا القصيدة إلا أن الله _ عز قدره _ وهبهم صلاح الدين العظيم ، فلم شملهم وقهر الصليبيين في معركة حطين يوم السبت 25 ربيع الثاني 583 . وسيقهر الصهاينة مثلما قهر الصليبيون . ستختلف الوسيلة بين القهرين لاختلاف الزمن ، إنما قهر الصهاينة آتٍ حتما . هذه أمة القرآن لا يضرها من خانها من أبنائها اللاهين العاقين ، وتسحق في الختام كل المعتدين .