"الأحرف السبعة"، لأبي فهر محمود محمد شاكر، رحمه الله، وطيب ثراه!

dgsfgfs1034.jpg

على صفحة الغلاف الداخلية، من "الأحرف السبعة"، لأبي فهر محمود محمد شاكر، أستاذنا أستاذ الدنيا -رحمه الله، وطيب ثراه!- علقتُ في 23/2/1444 (19/9/2022)، هذه التعليقة: "نشرتُ صورة يُهديني فيها فهر شاكر هذه النسخة، فعلق عليها خالد فتحي: "أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يبارك فيكم، وأن يحفظكم وينفع بكم. شكرا لحضرتك دكتور فهر محمود محمد شاكر على تشريفي بهذا العمل الذي لم أكن أتوقعه أبدا، وعلى صبركم على طلباتي الكثيرة التي أزعجتكم بها. والشكر لحضرتك دكتور محمد جمال صقر على ما قدمته لي من نصائح أسهمت في إخراج الكتاب بصورة أرجو من الله -تبارك وتعالى- أن تكون أقرب لمراد شيخ العربية -رحمة الله عليه-. كنت أتمنى أن أنال شرف لقياكم، ولكن ظروفي في هذه الأيام منعتني للأسف من الجلوس بين يديكم في هذه المجالس الطيبة. أتمنى أن تتاح لي مثل هذه الفرصة -إن شاء الله- قريبا".

اتخذَتْ صفحةُ الغلاف الداخلي شعارًا الآيةَ الثالثة والمئتين من سورة النحل: "وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ" -صدق الله العظيم!- ثم وَلِيَتْها صفحةُ بيانات النشرة، فكلمةٌ للدكتور فهر، قصَّ فيها قصة مسودات المقالات التي اشتمل عليها الكتاب، منذ كانت عام 1388 (1968)، إشارةً في مقدمة الجزء السادس عشر من تفسير الطبري، وتعليقا في متنه على الأثر 20410، إلى أن استقلَّتْ كتابًا يريد أن يَتَفَلَّتُ من بين يدي أستاذنا الشديد التلوُّم والتحرِّي -رحمه الله، وطيب ثراه!- ولا يستطيع! وَلِيَتْها صفحاتُ "نماذج من مخطوط الأحرف السبعة بخط أبي فهر محمود محمد شاكر"، ثم برزت قبل المقالات صفحةٌ فيها هذه العبارة العنوانيّة: "بحث في قراءات القرآن وفي الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن وفي رسم المصحف الإمام وفي رد المطاعن على القرآن العظيم"، التي لم تكن غير تكرار عنوان مدخل المقالات اللاحق وفيه بعد "بسم الله الرحمن الرحيم"، الأثرُ 20410، المذكور، وصفة خطره الجليل.

ثم توالت المقالات على النحو الآتي:

-         باب القول في إسناد الخبر،

-         باب القول في ألفاظ الخبر،

-         باب القول في القراءة وقَرَأَتِها،

-         باب القول في حقيقة نسبة هذه القراءة إلى علي وابن مسعود وابن عباس،

-         باب القول في معنى "اقرأ" في مثل هذه الأخبار:

o      فصل في بيان معنى قوله -صلى الله عليه، وسلم!-: "إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف"،

o      [معنى الأحرف السبعة]،

o      فصل في كتابة القرآن وجمعه وكتابة مصاحف الأمصار:

  • المرحلة الأولى منذ نزول القرآن إلى هجرته صلى الله عليه، وسلم!
  • المرحلة الثانية منذ هجرته -صلى الله عليه، وسلم!- إلى وفاته،
  • المرحلة الثالثة منذ وفاته -صلى الله عليه، وسلم!- إلى أن طُعن عمر، رضي الله عنه!

ثم لما كان أستاذنا -رحمه الله، وطيب ثراه!- قد نَوَّه بـ"أحرف القرآن"، مقالة صديقه الأستاذ عبد الستار أحمد فراج، المنشورة بالعدد 815 من مجلة الرسالة المصرية، في 14/2/1949- استحسن الدكتور فهر إضافتها لتعم الفائدة. بعدئذ كان "فهرس المراجع" الذي تحرى المحرر فيه التنبيه على كل ذُكِر في المقالات، وقد راجعه له ونسقه عبد الرحمن مصطفى- ثم صفحةُ "فهرس الأحرف السبعة"، الواحدة، التي أُوجِزت فيها موضوعات الكتاب!

لقد اشتغل أستاذنا -رحمه الله، وطيب ثراه!- بنقد الخبر المذكور  (الأثر 20410)، إسنادا وألفاظا، حتى انحصر له في روايةٍ عن ابن عباس -رضي الله عنهما!- لم يكن بها عنده مِن بأسٍ، لو لم يشتغل عنها بباب "القول في القراءة وقَرَأَتِها"، لربما وقف على أن ابن عباس ترجمان القرآن -رضي الله عنهما!- إنما أراد من كاتبه عندئذ أن يكتب المفسِّر "يتبين"، لا المفسَّر "ييئس"، فكتب المفسَّر "ييئس" على ما حفظ، لا المفسِّر "يتبين"، غفلةَ ناعسٍ يغلبه حفظه على المراد منه، والله أعلى وأعلم!

واشتغل أيضًا أستاذُنا -رحمه الله، وطيب ثراه!- ببيان أن معنى الأحرف السبعة، إنما هو اختلاف قراءات القرآن، وأن كل قراءة منها قرآن، من قرأ بها فقد قرأ القرآن. وأنها يمكن أن توجز في عشرة الفصول الآتية:

1)  اختلافها في حركة أنفُس الكلمات اختلافًا لا يغير المعنى (بِالْبُخْلِ، بِالْبَخَلِ [النساء: 37])،

2)  اختلافها في حركة الإعراب اختلافًا من باب لغات القبائل (مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ، مَا هُنَّ أُمَّهَاتُهُمْ [المجادلة: 2])،

3)   اختلافها في حركة أنفُس الكلمات اختلافًا يغير في المعنى تغييرا يسيرا (قِطَعًا، قِطْعًا [يونس: 27])،

4)  اختلافها في حركة الإعراب اختلافًا ليس من باب لغات القبائل (هَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ، هَلْ يُجَازَى إِلَّا الْكَفُورُ [سبأ: 17])،

5)  اختلافها في نَفْس الكلمة اختلافًا يطابق رسم المصحف الإمام (فَتَبَيَّنُوا، فَتَثَبَّتُوا [الحجرات: 6])،

6)  اختلافها في نَفْس الكلمة اختلافًا يخالف رسم المصحف الإمام (صَيْحَةً، زَقْيَةً [يس: 29])،

7)  اختلافها في التقديم والتأخير (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ، وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْحَقِّ بِالْمَوْتِ [ق: 19])،

8)  اختلافها في الإفراد والجمع والتأنيث والتذكير والتثنية وما شابه ذلك مما وافق رسم المصحف الإمام أو خالفه (الصَّلَوة، الصَّلَوَات [مواضع متعددة])،

9)  اختلافها في الزيادة على رسم المصحف الإمام (وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ، وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ [النساء: 12])،

10)                    اختلافها في النقص عن رسم المصحف الإمام (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى [الليل: 3]).

ونبه على أنه إذا كان بعضها من التخفيف الأدائي الواضح، فبعضها ليس منه؛ فمن ثم لا يجوز إضلال الناس بتعميم ذاك على هذا في تفسير نزول القرآن على سبعة الأحرف، ولم يزد على ذلك أستاذُنا، رحمه الله، وطيب ثراه! ولو لم يشتغل بفصل "كتابة القرآن وجمعه وكتابة مصاحف الأمصار"، لجاز أن يقول في هذه الأحرف غير التخفيفية الأدائية، مثل قول غير القائلين بالنسخ في آيات القرآن التي قال فيها غيرُهم به: إنها كلها كلام الحق -سبحانه، وتعالى!- يُخالف بينه تثبيتًا وتعليمًا وتنبيهًا وتوجيهًا، والله أعلى وأعلم!

ثم انقطع أستاذُنا -رحمه الله، وطيب ثراه!- لمواقف قرآنية من حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم!- وصحابته -رضي الله عنهم!- منذ استقرأه سيدُنا جبريل -عليه السلام!- أول سورة العلق، إلى أن حملوا معهم إلى الأمصار نسخ المصحف الإمام، يقفون الناس على ما فيها؛ فمن رأى كيف تَمَلَّأ بتذوق هذه المواقف القرآنية أستاذُنا -رحمه الله، وطيب ثراه!- ثم تأتَّى، ثم تهدَّى، حتى كان فيهم مثل أحدهم، يسمع ويرى، ويحكم بما علم- استغنى عن كثير مما ذكرنا في محاضرتنا المخطوطيَّة الشبكية "مَحْمُودْ مُحَمَّدْ شَاكِرْ دَلِيلُ الْمُتَذَوِّقِينَ":

وقد أدى به تحقيقه إلى القول بأن الصحابة -رضي الله عنهم!- كتبوا القرآن كله بعلم رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!- ولكنه لم يستعمل من يكتبه له كتابة مصحفيَّة إلا أواخر حياته، حرصًا على حفظ الصدور، ودلالة على حِلّ الكتابة- وأن كتابته تلك كلها إنما كانت على الحرف الأول الذي نزل به القرآن، وأن نزوله على ستة الأحرف الأخرى إنما كان في أواخر حياته، وأن فزع سادتنا عمر وأبي بكر وزيد بن ثابت حين فزعوا -رضي الله عنهم!- إنما كان لإضافة الأحرف الستة إلى حواشي ما كتبوا فيه الحرف الأول.

لقد سلك أستاذُنا -رحمه الله، وطيب ثراه!- مسلك الإجمال والتفصيل؛ فكان من بركة هذا الأسلوب النبوي أن استدلَلْنا بما راجَع على ما لم يُراجِع، وبما كَتَب على ما لم يكتب، والحمد لله رب العالمين!

وسوم: العدد 1034