بدل رفو… عيد ميلاد سعيد- عن قصيدته ( عدت يا يوم مولدي )
احببنا ان نشارك الشاعر بدل رفو يوم مولده الحزين حيث بدأت تتراكم احزانه لتصبح تلالا عالية تتناثر حول سفوحها اشلاء الشاعر ودموعه الساخنة ولا تبردها الا تلك الرياح الهوجاء التي تهب على جوانب تلك التلال.
دمعٌ تُبعثرهُ الرياحُ
على تلال أحزان ماضٍ
يودعنا بأشلاءٍ ممزقةٍ
فتحولها الى احزان ماضية كسرج حصان مهترئ , وحسنا كان السرج مهترئا حيث كنا نفضل ان تتمزق تلك الاحزان بمرور الزمن ولكن الشاعر يعود ليؤكد بان تلك الاحزان غير منسية بل سهاما تنغرز في قلب الشاعر لتبقى غائرة في صدره على مرمى غيره من الشعراء الصامتين عن عذابات زميلهم
وبسرجٍ مهترئ لجوادٍ أصيل..
ماضٍ يطلقُ سهاماً صوب قلوبنا
على مرأى من الشعراء المُزيفين وصَمتهم
وهي نفس السهام التي تتوالد وتنطلق من قراب الاحاديث اليومية الشجية التي يتبادلها الاغراب في تسامرهم وجلساتهم الكئيبة في بلاد الغربة لينفرد كل محبط بيوم مولده والغم يكاد يتلبس قشرة قلبه
بلغةٍ ملأت ليالي الغربة
اغانٍ حزينة.. !!
عُدتَ يا يوم مولدي..
وهذا هو حال شاعرنا الذي اختار عنوان اغنية فريد الاطرش ليبن لنا بانه قضى عمره بلا شباب واهدر حياته التي يعتقد بانها مرت دون ربيع لتصل الى خريفها الخالي من الورود التي تم قطفها بذكرى يوم مولده .
لتقطف ورود خريف العمر..
والغريب في حياة الشاعر ان شوقه وحنينه لايام الطفولة التي قضاها في ازقة تلك المدينة ( الموصل ) ودروبها وبين جدرانها لا زالت تدغدغ جوانب صدره الممتلئ بعبق تاريخ مدينته الحبيبة على الرغم من الفترة الزمنية الطويلة التي يعيشها في خارج بلده حيث يتلذذ هنا في ذكرى يوم مولده باعادة ذكريات الافلام التي كان يشاهدها في قاعات السينما التي اصبحت مهترئة كسرج حصانه على الاقل في ذاكرته المتخمة بذكريات لا يعرف هل هي اصيلة نابعة من ثنايا قلبه ام تتناقض فيها انتماءات الروح الجوالة بين المدن والاوطان .
لتطفئ سِراج الشوق للبدايات..
لتبتر جُذور الحنين لطفولة الموصل وزقاقاتها
وأنا أضربُ الارض جرياً
وسياحة في (سينما السندباد)** والافلام الهندية.. !!
احلامه الوردية التي كان يدير شريطها في رأسه كل يوم حيث يلعب دور البطولة في الكثير من تلك الملاحم الوهمية , وحتى مع ذاكرته التي شاخت , لم تمكنه من التخلص من عذاب الوحدة , واستفحلت عليه وتفاقمت همومه حتى مع تقمصه دور البطل في ملاحم اجداده .
في ذاكرةٍ شاخت وهي تئنُّ
من وحشة الوحدة ..
من خرافات البطولات وملاحم الاجداد..
ولم تتمكن كل تلك الامجاد التي تتراءى امام ابصاره من انتشاله من كآبته ومن احباطه بحيث ان ربيعه كان من دون ازهار النرجس , وفي بلادنا فان مجرد رؤيتنا لتلك الازهار تتوسع الصدور وتزاح الهموم وتتبدد الالام بها , الا عند شاعرنا فرواحه في بلدان العالم قاطبة لم تمنحه زهرة نرجس واحدة
وأنا.. احتفالية يوم مولدي
في مشارق ومغارب الأرض ومتاهاتها..
اغنيةٌ حائرة وربيعٌ من دون نرجس ،
ويتعاظم انين الشاعر ويتزايد نواح زمنه في يوم مولده حتى مع شعوره الخادع بان هناك فسحة ضياء تنير الظلام , كيف.. وهو يعيش في فوضى الالام والاحزان والجراح ووحشة الغربة والوحدة التي اصبحت رفيقة دربه .
عُدت يا يوم مولدي..
لتُروضَ وحشة غربتي ووحدتي الأزلية
بأناشيد الصبح وخيالات أوطانٍ تحلم بهم..
لتضئ الظلام شهداً رغم الأنين ونواح الأيام ..
واصدق الكلام يغني لليلاك ..
وروحك مسكونة للانسان بالسلام
وسط الفوضى والطعنات والزحام.. !!
ثم يعود الشاعر ليفضح نفسه ويندب حظه العاثر , فهجرته في هذه الدنيا وسفره الدائم بين الموانئ والشواطئ والجبال لم تمنحه تلك الامال التي من اجلها اصبح طيرا مهاجرا في سماء الاوطان بل على العكس حيث تكشفت امامه الوجوه الزائفة التي تطغى على اطراف الحياة هناك
عُدت يا يوم مولدي ..
لتحتفي بسنوات عمرٍ
بعثرتها الريح ما بين الموانئ والاوطان والجبال..
عُدت لتكشف عن وجه الدنيا
وعن حكاية طائر مهاجر
يندبُ حظهُ التعيس في ملامح الدنيا.. !!
ويختم الشاعر احتفاليته بيوم مولده ليبين لنا ان جمرات اوجاعه التي اوقدتها داخل ضلوعه احتفاله بهذا اليوم اصبحت مكبلة بسنوات حياته التي يعيشها هناك في تلك البلاد البعيدة عن موطن ذكرياته.
عُدت يا يوم مولدي ..
تطرق بيبان ذاكرتي..
توقدُ جمرات أوجاع سنواتي ..
تشاكسُ حكايات عشقٍ عشتها ..
لم أكترث لطعنات العابرين
ولا بشهواتِ الليالي ،
وتحول يوم مولده الى ذكريات حكايا عشق صبياني عاشها في ازمنة جميلة بحيث ان شهوات الليالي لم تكن لتثنيه عن التمتع بتلك اللحظات التي ستصبح فيما بعد ذكريات تتكرر كلما عاد يوم مولده .
من خلال ثنايا قصيدة الشاعر بدل رفو يبدو ان الاحباط هو سيد الموقف , واذا كان هذا الاحباط ذو مسار واحد لدى المواطن العادي في كوردستان , الا انه ذو مسارات متعددة لدى شاعرنا , فلم يقتصر الامر على ما نعانيه نحن داخل الوطن , بل انه احيانا ودون دراية تامة تتعرى فيها كلماته لترفع الغطاء عن الالم والندم الذي اصاب شاعرنا في مسيرته خارج الوطن , حتى القى باللائمة على الوطن الذي قاده نحو المجهول
سرتُ بالوطنِ صوب الدنيا..
والوطنُ قادني صوب المجهول..!
وبرأينا ان هذا هو قمة اليأس الذي يصل اليه المغترب عن وطنه وبلاده , لاننا نعتقد ان الوطن لا يستحق هذا العتاب بل من يقود هذا الوطن ومن يقتاده , فالوطن المسكين لا حول له ولا قوة . فهو ذلك الجزء المتقوقع بالقرب من القلب , فلا هو ينسلخ عنا لكي نعيش في الغربة بلا وطن , ولا هو ينمو ليضمنا ومن معنا بين دفتيه .
لنمشي ايها الوطن في طرقات بعيدة ….. هل تنسلخ عن قلبي ام ترقد معي بانتهاء خريفي المجرد من الورود.
وسوم: العدد 1044