صورة المرأة في شعر الدكتور عبد الرحمن صالح عشماوي
أسال موضوع المرأة وتمتُعها بحقوقها وكرامتها المداد الكثير في العالم الإسلامي، وفي العالم الغربي على حد سواء، سابقاً ولاحقاً، ولا غرابة في ذلك، فالمرأة نصف المجتمع، ويجب أن تحظى بنفس الحقوق التي للنصف الآخر، وأن تُصان كرامتها، وتحترم كما تُصان كرامة الرجل.
ولقد عامل الإسلام المرأة على أنها شريكة الرجل في الإنسانية، خُلقَا من أصل واحد، قال تعالى في سورة النساء: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾. ضمن الإسلام للمرأة حقوقا كثيرة من بينها:
حق المرأة في الحياة:
ساد في العصر الجاهلي قبل الإسلام من الظلم والهمجية ما وصل بالعرب إلى التحريم على المرأة حقها في الحياة، فقتلوها بطريقة بشعة تدل على غياب الرحمة والإنسانية، وعلى مهانة المرأة وقدرها عندهم، وذلك بوأدِها، وهي لا تزال طفلة، فكانت تُدفن حيّةً تحت التراب حتى الموت، وقد شنّع الإسلام هذه الجريمة حيث قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل البنات من أعظم الذنوب، وحرَّم ذلك، "فعن عبد الله بن مسعود قال: قلت يا رسول الله أيُّ الذنوب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندّاً وقد خلقك، قلت: ثم أيّ؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك".
حق المرأة أمـّـاً:
للأم في الشريعة الإسلامية مكانة عليا لا تضاهيها أي مكانة، فقد أمر الله تعالى بالإحسان إليها، وجعل ذلك مقرونا بأمر عظيم وهو التوحيد، قال تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ لذلك فقدْرُها مصان، وكريمةٌ غاية التكريم، فهي إنسانة تُضحي وتربي، وتسهر على عيالها، وتحرم نفسها الخير كله وتهبُه لأبنائها، وعرفانا بكريم عطائها، فقد كرمتها السيرة النبوية كثيرا، والأحاديث في ذلك كثيرة، من ذلك مثلاً: "عن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك".
حق المرأة في التربية والتعليم:
من أبرز الحقوق المالية للمرأة هو حقها في الصداق، وقد فرضه الله على الزوج تكريما للمرأة ولإظهار صدق رغبة الرجل فيها، ولتكون عزيزة كريمة، فتكون هي المطلوبة لا طالبة
قرر الإسلام أنّ تربية المرأة وتعليمها من الأعمال العظيمة، ورتّب الشرع على ذلك جزاء وفيراً، فقد رغبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حسن تربية المرأة بنتا والسهر على تأديبها؛ ففي الحديث: "من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين (وضم أصابعه)" ولمّا كانت المرأة مخاطبة بالتكاليف الشرعية شأنها شأن الرجال، فهي مسئولة عن صلاتها وصيامها وقراءة القرآن وغيره من أمور دينها، فلمّا كان الأمر كذلك فإنّ قيامها بشرائع دينها يلزمه العلم المنافي للجهل، ومن هنا فقد حرص رسول الله على تعليم الفتاة، ودعا إلى نشر العلم بين النساء، وهذا من حقوقهن التي نص عليها الإسلام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب، آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، والعبد المملوك إذا أدّى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عند أمَةٌ، فأدبها فأحسن تأديبها، وعلَّمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران".
حق المرأة في العدل:
ومن حقوق البنات أيضا العدل، وهو ما أقره الإسلام حيث أنّ السنّة أمرت بالعدل في الأولاد ففي الحديث قال النعمان بن بشير رضي الله عنهما، وهو على المنبر: أعطاني أبي عطية، فقالت عمرَة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنّي أعطيت ابني من عَمْرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله، قال: أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا، قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. ومعلوم أنّ لفظ الولد يطلق على الذكر والأنثى.
في بعض دول الغرب فقد لاقت من المهانة والتنقيص والاحتقار لقيمتها ما لقيتْ، إذ يتم تشييئها بل وعرضها كسلعة في الطرقات.
في بعض دول الغرب فقد لاقت من المهانة والتنقيص والاحتقار لقيمتها ما لقيتْ، إذ يتم تشييئها بل وعرضها كسلعة في الطرقات.
حقوق المرأة المالية، وحق العمل والتملك:
أثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرأة ذمة مالية مستقلة، شأنها شأن الرجل، فقد أقر لها حق التملك والبيع والشراء وغيره.
ومن أبرز الحقوق المالية للمرأة هو حقها في الصداق، وقد فرضه الله على الزوج تكريما للمرأة ولإظهار صدق رغبة الرجل فيها، ولتكون عزيزة كريمة، فتكون هي المطلوبة لا طالبة، وكما للمرأة عند الزواج حق الصداق فإنّ لها بعد انعقاده حق النفقة، وتشمل النفقة سائر ما تقوم به حياتها من طعام وشراب وملبس ومسكن، وفي الحديث عن أُمِّ سَلمةَ زَوْجِ النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: من أنفق على ابنتين، أو أختين، أو دواتي قرابة، يحتَسبُ النَّفقة عليهما، حتَّى يُغْنِيَهُمَا الله من فضله عز وجل، أَو يكفيهما، كَانتَا له ستْرًا من النَّار" ومن حقوق المرأة المالية كذلك حقها في الإرث، وقد أثبت الشرع قرآنا والسنة لها هذا الحق، قال الحق سبحانه: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾.
وللمرأة كذلك حقها في المعاملات المالية، فلها حق المِلك والتصرف، والهبة والتصدق بأموالها، ففي الحديث عن ابن عباس: "أنّ النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم أضحى، أو فطر، فصلى ركعتين، لم يصلى قبلها أو بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي خُرصها، وتلقي سخابها"، ولها أيضا حقُ البيع والشراء والتصدق، فقد أتت رائطة امرأة عبدا لله بن مسعود رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: "يا رسول الله إني امرأة ذات صنعة أبيع منها، وليس لي ولا لولدي ولا زوجي نفقة غيرها، وقد شغلوني عن الصدقة، فما أستطيع أن أتصدق بشيء، فهل لي من أجر فيما أنفقت؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنفقي عليهم فإن لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم".
إنه لا يخفى ما قاسته المرأة في الجاهلية من نفور وإقصاء، ورفضٍ بلغ إلى حدِّ أنّ الرجل يستشعر العار إن كان المولود بنتا، قال تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾. أما في بعض دول الغرب فقد لاقت من المهانة والتنقيص والاحتقار لقيمتها ما لقيتْ، إذ يتم تشييئها بل وعرضها كسلعة في الطرقات، الأمر الذي لا يوجد في دين نبينا عليه الصلاة والسلام، فيشهد التاريخ أنّ المرأة لم تكن يوما في الإسلام عبارة عن لوحة إشهارية، بل هي مصانة الحقوق، وكرامتها فوق كل اعتبار.
وأما صورة المرأة عند الشاعر الإسلامي د. عبد الرحمن العشماوي فهي امرأة مكرمة محترمة، لها كامل الحقوق ضمن إطار الشرع، والعفاف والقيم.
فقد كتب د. عبد الرحمن العشماوي قصيدة ( على طريق العفاف)، وعدد الأبيات: 16 بيتاً، جاء فيها:
طريقك للعفافِ هو الطريقُ طريقٌ لا يتيهُ ولا يضيق
طريقُكَ للشموخ وللتَّسامي له جسرٌ من التقوى وثيقُ
طريقُ الأنبياءِ، عليه ساروا تُصان به المكارم والحقوقُ
طريقٌ للعفافِ، طريقُ رَوْضٍ يغذِّي قَلْبَ سالكه الرَّحيقُ
ففي مطلع هذه القصيدة الرائعة بين الشاعر أن طريق المرأة المسلمة قد وضع مساره الأنبياء، فهو طريق العفاف الموصل إلى الجنة ورضوان الله.
وأما غاية الحب بين الرجل والمرأة فهو الوصول إلى تكوين أسرة مسلمة ولقاء على الحب والاحترام والطهر والفضيلة:
كأني بالمَرابع، وهي تشدو ويطرد ليلَها الدَّاجي الشُّروق
يُردِّد أُفقُها لحناً جميلاً ويُنْشِدُ مِثْلهُ البحر العميقُ
لقاءٌ في ظِلال الشرع، تحلو به الدنيا، ويبتهج الرَّفيقُ
وتُغْرسُ أسْرةٌ في أرْضِ طُهْرٍ وتبرق من سعادتها البُروقُ
كنخلِ باسقٍ يُعطي عطاءً لذيذَ الطَّعْم، تحمله العذوقُ
والأسرة في الإسلام كما يراها د. العشماوي فهي المحضن التربوي وهي الحصن الحصين للجيل المسلم، وهي مصنع للأبطال:
نَعَمْ قُلْنا نَعمْ، ونقول ألفاً نعم، للحُصْنِ مَيَّزه السُّموقُ
نعم لعفافِ أجيالٍ، إليها فؤادُ شُموخِ أمتنا يتُوق
على أرضِ العفافِ لَنا لقاءٌ يُسَرُّ بما يَرى فيه الصَّديقُ
به نُصِبَتْ خيامُ الحبِّ، فيها من الأشواقِ والذِّكرى بريق
مراكبُ من عَفَافٍ سائراتٌ مباركةٌ، وأبْطؤها سَبُوق
لها من حبنا الصافي صبوحٌ ومنه إذا دنا الليلُ الغَبوقُ
لنا لُغَةُ العَفَافِ، لنا المعالي فلا عاش التَعَنُّتُ والعقوق
حسرة في قلب امرأة صومالية:
وكتب د. عبد الرحمن العشماوي قصيدة على لسان امرأة صومالية اعتدى عليها طواغيت الغرب ودعاة الحضارة، فقال:
قم يا محمد نامت الأعراب
وتقطعت ببلادك الأسباب
جاء الصليب مدججا بسلاحه
ووراءه التطبيل والإرهاب
قم يا محمد عرض أمك خائف
وأمام كوخي يا بني كلاب
انظر إلى العلج الذي تروعني
نظراته فأنا بها أرتاب
ماذا يريد بكوخنا هذا الذي
ما فيه زاد يبتغى وشراب
كوخ حقير فيه شيخ هده
سقم وطفل جائع ودلاب
وعباءة سترت بقايا هيكل
مني وثوب هالك وحجاب
وبقية من ثوب عرسي ما لها
كمٌ وحبر جامد وكتاب
وتتساءل تلك المرأة المسلمة ماذا يريد منها الحاقدون، وهي تسكن في كوخ حقير وثيابها ممزقة والفقر ينهش لحمها، ويهدّ أعصابها، ويصف الشاعر العشماوي حشود القوى الغربية التي جاءت من البرّ والبحر تبغي الدمار والخراب بحجة مقاومة الإرهاب:
قم يا محمد إن مقديشو على
جمر تغلّق دونها الأبواب
هذا أزيز الطائرات يروعها
والجند فيها جيئة وذهاب
ما بالهم جاءوا سراعاً نحونا
وعلى سراييفوا يصيح غراب
وتتساءل بحق هل حمى الغرب اللعين أطفال البوسنة والهرسك من جرائم الصرب، وهل أوفى الغربيون بوعودهم المعسولة ؟؟:
هلا حموا أطفالها من صربهم
وتبرؤوا مما جنوه وتابوا
أإعادة الأمل الجميل سجية
للغرب، هذا يا بني كلاب
كم علقونا بالوعود وما وفوا
وكذاك وعد الكافرين سراب
ساق الغرور جنودهم فعقولهم
سكرى وما لعيونهم أهداب
هذي الصفوف من الجنود كأنها
نعم وإن عظمت لها الألقاب
لقد جاءت جحافلهم بقلوب ملؤها الحقد والكراهية ولا تعرف الرحمة، ولذة السجود، وكذبوا عندما زعموا أنهم سوف يرفهون الغذاء والماء والدواء لشعب الصومال الفقير المعدم:
أوما تراها لا تصلي ركعة
أوما تراها والقلوب خراب
قالوا لنا سيؤمنون غذاءنا
أتؤمن الغنم الجياع ذئاب
ولا يخفي المستعمر أطماعه، فعين على الصومال، وأخرى على السودان، فاحتلوا هذا البلد، ونهبوا خيراته، وقسموا السودان إلى شمال وجنوب، وهلم جراً:
قم يا محمد جاءنا مستعمر
قد سال منه على البلاد لعاب
عين على الصومال والأخرى
على سوداننا فليوقن المرتاب
قم يا بني فإن أمك تشتكي
وهناً وجرح فؤادها ثغاب
وبثغرها أطلال أسئلة عفت
آثارهن فهل هناك جواب
وتتساءل المرأة المسلمة أين إخوان العقيدة ولماذا فرطوا بحقوق الأخوة وعرى العقيدة، وواجب النسب:
ما بال إخوان العقيدة فرطوا
حتى خلت من مائها الأكواب
حتى تولى المعتدون شؤوننا
وجرى القطار وسافر الركاب
ما بالهم لم يستجيبوا عندما
صحنا وحين دعى العدو أجابوا
ما بالهم لما أتى أعداؤنا
جاءوا ولو غاب العدو لغابوا
خطأ كبير يا بني وقومنا
حلفوا يميناً إنه لصواب
أصواب قومك أن تسلم أرضنا
للغاصبين، ويحزن المحراب
وترى المرأة الصومالية أنه لا حل لهذا البلاء المسكوب على أمتنا كالمطر الغزيز، ولا سبيل لتحرير الأوطان إلا بالجهاد في سبيل الله:
قم يا بني إلى الجهاد فإنه
للعز في عصر المذلة باب
قم يا بني إلى الجهاد وقل معي
خسر الطغاة الماكرون وخابوا
يا أرض أحلامي جفافك راحل
فغدا سيغسل راحتيك سحاب
المرأة المثالية:
ويرسم الشاعر العشماوي صورة للمرأة المثالية لكي تقتدي بها فتيات الجيل ونساء الأمة، فقد كتب قصيدة تحت عنوان ( رسالة اعتذار إلى أم المؤمنين خديجة (رضي الله عنها)؛ وعدد الأبيات: 49 بيتاً:
أخديجة َ الأَمْجَادِ كيف أَعُودُ ومن السِّنين حواجزٌ وسدودُ
وقلاعُ أَعوامٍ تُعَانِقُ بعضَها يَرْتَدَّ عنها الفارس الصِّنْديد
أنَّى التفتُّ ‘ بدا لِعَيْني شاخصٌ دُوْنَ المُرَادِ وحارسٌ وحدودُ
دَهْرٌ على دَهْرٍ تراكم عَدُّهَا والناسُ غاوٍ بينها ورشيدُ
ويبين الشاعر حجم العوائق والسدود التي تعترض طريق المرأة المسلمة المعاصرة؛ لأن أعداء الدين قد شوهوا صورة المرأة القدوة، لذلك نصب الدكتور العشماوي نفسه مدافعاً ومحامياً لتلك الصورة الجميلة والقدوة الحسنة:
أَوْقَفْتُ راحلةَ القصيدةِ عنده والَّليلُ يكتنف الرُّبا ويَسُودُ
لما ذكرتُ "خديجةَ" اقترب المَدَى ورَناَ إِليَّ الغُصْنُ والعنقودُ
هذي خديجةُ‘ نَبْضُ قلبٍ لم يَزَلْ يأْوي إليه المصطفى ويَشِيْدُ
فرشتْ له قلباً كأنَّ حنانَه ظِلٌّ على خير الأَنامِ مَدِيدُ
حَلَفَتْ له أنَّ الرَّشادَ طريقهُ أبداً ‘وأنَّ لواءَه معقودُ
ظلَّتْ به حتى اطمأنَّ فؤادُه ورأى تباشيرَ الصفاءِ تَعُودُ
لقد كانت السيدة الخديجة رضي الله عنها مضرب المثل في الخلق والعقل الراجح والرزانة حتى في الجاهلية:
في الجاهليةِ كانت الرَّمْزَ الذي يحلو به للعفَّةِ التَّغريد
خُلُقٌ وعقلٌ راجحٌ ورزانةٌ وغِنَىً به كَفُّ العطاءِ تجودُ
عَبَرَتْ محيطَ الجاهليِّةِ‘ ثَوْبُه بنقائها ووفائها مَشْدُودُ
ما بلَّل البحرُ المحيط ُ ثيابَه يوماً ولا بَلَغَ المُرَادَ حَقُودُ
وأما بعد الإسلام وبعد الزواج من النبي صلى الله عليه وسلم فقد اعتبرها النبي الكريم من النساء الكاملات مثل: مريم العذراء، وآسية زوجة فرعون، والسيد فاطمة -رضي الله عنهن-:
كَمُلَتْ خديجةُ في النِّساءِ ‘وإنَّه لَكَمالُ مَنْ يسمو به التوحيدُ
هذي خديجةُ ‘ بيتها بَيْتٌ التُّقَىَ بَيْتٌ له في المَكْرُمَاتِ وُجُودُ
بيتٌ تسامَقَ بالعفافِ مقامُه يحنو عليه الخالقُ المعبودُ
هذي مِثالُ الطُّهْرِ والتقوى له في سُلَّمِ الخُلُقِ الرَّفيع صُعُود
هذي خديجةُ‘ كيف يَلْعَبُ باسمه في عصرنا مَنْ طَبْعُهنَّ كَنُود
وبسبب هذه المكانة الرفيعة للسيدة خديجة فقد تسابق أبناء المسلمين في تكريمها، فأطلقوا اسمها على المساجد الطاهرة، والمعاهد الشرعي، وسموا بناتهم باسمها:
اسمٌ يليقُ بمسجدٍ يجري على تقوى الإلهِ رُكوعُه وسُجود
اسم يليقُ بمعهدٍ ما نالَه داءُ اختلاطٍ ‘ أو دَهَاه جحودُ
اسم يَليق بمركزٍ تُتْلَى به آي الكتابِ‘ ويُتْقَنُ التَّجويدُ
هذي خديجةُ لا يليقُ بفَضْلِه عَزْفٌ وحَفْلٌ للغناء وعُودُ
يا أمَّ أَولادِ النبيِّ ‘كفى به شَرَفا لمثلك ‘ والدٌ ووليدُ
يا من إليها المَكْرُماتُ تسابقَتْ فلها الحصَافَةُ ‘ والنُّهى والجودُ
لقد وقفت إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم منذ اللحظة الأولى، وطمأنته بأن الله لن يخزيه أبداً، ورزقه الله منها الولد دون غيرها من النساء:
أبقاكِ ربُّك في الحياة كريمةً وقضى بموتك‘ والرَّسولُ طريدُ
عامٌ على خيرِ العِبادِ تراكمَتْ فيه المصائبُ ‘ والعَدوُّ لَدُودُ
ودَّعْتِ دنيانا وداعَ كَريمةٍ بابُ التَّخَاذُلِ عندها مَوْصُودُ
ماكُنتِ إلاَّ "الحِصْن" ضمَّ محمَّداً فارتدَّ عنه مكابرٌ وعنيدُ
لماَّ أتاهُ الوَحيُ كنتِ أَمامَه في راحتيكِ من الحَنَانِ وُرُودُ
أَلْقى إليكِ المصطفى بهمومه لماَّ أَتى جبريلُ وهو وَحيدُ
فدَفَعْتِ عنه الهمَّ حتى لم يَعُدْ للخوفِ في وجدانه تَرْعِيدُ
أبشر ، فلن يُخزيكَ ربك ،إنه للأنبياءِ المرسلينَ عضيدُ
"أبشِر" هي الأملُ الكبيرُ منَحْتِه روحاً فأشرقَ فجرُه الموْؤودُ
فإذا بخير الخلْق تحتَ دِثارِه كالطَّودِ يُشرقُ عَزمُه ويَزيدُ
لله درُّ خديجة َ احْتضَنتهُ في زمنٍ، قلوبُ طغاتِه جُلْمودُ
ولقد سخرت مالها في خدمة الدعوة، فهي تاجرة مكة المصونة، المحتشمة:
يا أمَّنا، عذراً إليك فحولَن من كل مفتونِ الفؤادِ حشودُ
يا مَنْ تسامى بالثراءِ مقامُه ما غرَّها مال ولا تَمجيدُ
يا من بحشمتها تعاظَم قَدرُه وسرى إلينا ذكرُها المحمودُ
ويعتذر لها شاعرنا لأن نساء اليوم أغراهن الفكر الغربي المنحرف، فراحت إلى الرجال ليعبثوا بشعرها وعرضها:
عذراً إليكِ فإن بعضَ نسائِنا أزرى بهنَّ الوهم والتقليدُ
عذراً فأمتُنا تُصَفِفُ شَعرَه للعابثين، ووعْيُها مفقودُ
ومن الرَّزيَّةِ أن تقومَ رجالُه فيها، وأشباهُ الرجالِ قُعُودُ
لقد احتلت السيدة خديجة مكانة سامية عند رب العالمين، كما تشهد لها بطحاء مكة بالطهر وفي الجنة أعدّ الله لها بيتاً من قصب لا صخب فيه ولا نصب:
أخديجة الطُّهرِ الذي شهِدَت به بَطحاءُ مكةَ والأنامُ شُهُودُ
يامَنْ لها عند المهيمن منزلٌ رَحْبٌ من القَصَبِ النَّقي مَشِيْدُ
بيتٌ هنالك في الجِنان مُرصَّعٌ بالدُرِّ لا تَعَبٌ ولا تفْنيدُ
هذا هو الشرَفُ الرفيع وغيرُه وهمٌ إلى سوءِ الخِتام يقودُ
يامن يرى في الغرب رمْزَ تقدمٍ بعْضُ التقدُّمِ عثْرةٌ وجُمودُ
تبقى الحضارة لوحةً مطموسةً لمَّا يُديرُ شؤونَها عِرْبيدُ
هذي خديجةُ رمزُ كل فضيلةٍ فمتى يداوي قلبَه المَفؤودُ
وكتب د. عبد الرحمن العشماوي أنشودة للفتاة المسلمة تحت عنوان خديجة ـ رضي الله عنها ـ وعدد الأبيات: 17 بيتاً:
كوكبها لم يغبِ وظنُّها لمْ يخبِ
كريمة في خلقٍ وحسبٍ ونسبِ
إحساسها كخيمةٍ شُدَّتْ بأغلى طَنَبِ
قدْ أسكنتْ فيها فتى شهماً رفيع الرُّتبِ
لمَّا رأته عائد بمالها المكتسب
مدَّتْ إليهِ يده في غفلةٍ وأدبِ
خديجةٌ، وحسبه أنَّ اسمها كالذَّهبِ
أوَّلُ زوجٍ أسكنتْ في قلبها خير نبي
كانت لهُ كالأمِّ في حنانها وكالأبِ
ظلَّتْ له راعية وصابرةً في الكُربِ
أرختْ لهُ جناحه في رغبةٍ ورهَبِ
ومنحتهُ رحمةً تريحهُ من تعبِ
لمَّا أتاها ليلةً في موقفٍ مضطربِ
قالتْ لهُ أبشرْ فقدْ نلتَ عظيم الأربِ
والله لا يخزيكَ من أهداكَ مجْدَ الحُقبِ
تلكَ خديجة التي مضتْ بعزِّ العربِ
بشِّرها حبيبه بمنزلٍ من قصبِ
يا أخت فاطمةٍ..!:
وكتب د. عبد الرحمن العشماوي هذه القصيدة بمناسبة انعقاد مؤتمر بكين عن المرأة عام 1417هـ، ذلك المؤتمر الذي يهدف إلى تدمير الأخلاق وضياع الأسرة المسلمة، يقول فيها:
شدي وثاق الطهر.. لا تتغربي *** عن عالم الدين الحنيف الأرحبِ
شدي وثاق الطهر.. سيري حرة *** لا تُخدعي بحديث كل مخربِ
لك من رحاب المجد أخصبُ بقعةٍ *** ولغيركِ الأرض التي لم تخصبِ
لك من عيون الحق أصفى مشربِ *** ولعاشقاتِ الوهمِ أسوأ مشربِ
ويقدم الشاعر د. العشماوي للمرأة المسلمة أجمل النصائح، فيقول:
هزّي إليكِ بجذع نخلتنا التي *** تُعطي عطاءَ الخير دون تهيّبِ
وقفي على نهر المروءة إنه *** يروي العطاش بمائه المستعذَبِ
وإذا رأيتِ الهابطاتِ فحوقلي *** وقفي على قمم الهدى وتحجبي
ويريد من الفتاة المسلمة أن تلتزم بسلوك المرأة المحجبة، وترك سبيل الهابطات الفاسدات المفسدات:
إن الحجاب هو التحرر من هوى ***جلادةٍ ذات الهوى المتذبذب
وهو الطريق إلى صفاء سريرةٍ *** وعلو منزلةٍ ورفعةِ منصب
هذي فتاة الغرب مات ضميرها *** وتعلقت بوميض برقٍ خُلّبِ
هي لو علمت ضحية لعصابة *** ذهبت لجلب المال أسوأ مذهبِ
هي صورةٌ لمجلة ..هي لعبةٌ *** لعبت بها كفّ العصيّ المذنب
هي لوحة قد علّقت في حائطٍ *** هي سلعة بيعت لكل مخربِ
هي شهوة وقتية لمسافرٍ *** هي آلة مصنوعة لمهربِ
هي رغبةٌ في ليلة مأفونة *** تُرمَى وراء الباب بعد تحبب
هي دنيا لمسابقات جمالهن*** جُلِبَت ولو عصت الهوى لم تجلب
ياربة البيت الكريم .. لواؤها *** بالطهر مرفوعٌ عظيم الموكب
البيت مملكة الفتاة وحصنها *** تحميها من لصِّ العفاف الأجنبي
لا تركني لقرار مؤتمر الهوى *** فسجيةُ الداعي سجية ثعلبِ
لا تخدعنّك لفظةٌ معسولة *** مزجت معانيها بسم العقربِ
فهو يحذرها من قرارات مؤتمر بكين التي أباحت اللواط والسحاق كما يحذرها من الكلام المعسول الذي يقال عن حقوق المرأة وحريتها، بينما يسعى الأعداء لاستعباد جسدها:
شتان بين الماء يُشربُ صافياً *** والماء يشرب بالقذى والطُّحلب
شتان بين الشمس لما أشرقت *** والشمس حين تلفعت بالمغربِ
شتان بين مسافرٍ متزودٍ *** ومسافرٍ يقتات عود العُثرُبِ *
لقد نسي المؤتمرون المتآمرون ما فعل الخصوم بالمرأة المسلمة في البوسنة والهرسك حيث اغتصب الصرب الآلاف من النساء أمام مرأى ومسمع الأمم:
لو أن مؤتمراتهم نظرت إلى *** دمع اليتامى في ملاجيء زغرب
ورأت سراييفو تئن نساؤها *** من ظلم أتباع الهوى المتقلبِ
لو أنصفت لدعت إلى نبذ الهوى *** عن ساحة الرأي الحكيم الأصوب
وينصحها بالتشبث بميراث النبوة الخالد الذي يقوم على التقوى ومراقبة الله:
يا ربة البيت الكريم، لِبَابهِ *** قفلٌ من التقوى وميراث النبي
لا تتركيه وتخرجي ؛ فلربما *** طردتك نابحةً كلاب الحوأب
ويضمّن الشاعر الأبيات بالمثل المشهور (تموت المرأة ولا ترضع بثدييها)، فيقول:
قولي لمن أكلت بثدييها اسكني *** في كهف رغبتكِ الرخيصة واغربي
فلسوف تلقين الندامة عندما *** يستوقف الإيجاز قول المطنب
ويعتد الشاعر العشماوي بقصائده التي تنهل من معين الإسلام، فيقول:
يا ربة البيت الكريم قصائدي *** من غير ينبوع الهدى لم تشربِ
أنا لم أبالغ، ما كتبت قصيدة *** إلا وفيها سرّ ما لم أكتبِ
أرسلت للشعر العنان فلم يزل *** في عالم الخلق الرفيع يطير بي
هو مركبي في لجة العصر الذي *** مازال في الأمواج يلطم مركبي
هو صوتيَ الأعلى وجسر مشاعري *** وهو المعبر عن فؤادي المتعبِ
فإذا سمعتِ نداء شعري فاعلمي *** أن الحقيقة عندي لم تتغيبِ
ويناجي الشاعر حفيدات فاطمة وخديجة وخولة والخنساء ويطلب منهن التمسك بطريق العفاف الذي سلكته المسلمات الماجدات:
يا أخت فاطمةٍ.. وبنت خديجة ***ووريثة الخلق الكريم الطيب
إن العفاف هو السماء فحلّقي *** وبطيب أخلاق الكرام تطيبي
ويطلب من المسلمة أن لا تسلك طريق تجار الهوى الذين باعوا شرفهم بدراهم معدودات:
قولي لتجّار الهوى لن تربحوا *** إلا إذا نطقت حجارةُ أُثربِ
أنا ربَّةُ البيت الكريم ولن أقوى *** إلا على شرفٍ عزيز المطلبِ
قولي لعصرٍ تاه في مدنيةٍ عمياء *** قد لبست عباءة غيهبِ
إن كان قائدُ كل ذاتِ جديلة *** نزق الهوى؛ فالأرض أتعس كوكبِ!
رسالة إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
وكتب د. عبد الرحمن العشماوي رسالة شعرية موجهة للسيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، صور فيها عظمة السيدة وفضلها، الذي لا ينكره إلا جاحد حاقد:
أمّاه أمّاه دمع العين سيّال وخاطري في دروب الحزن رحّال
أمّاه أمّاه مازالت تؤرقني هموم عصري ففي الأعماق زلزال
قصائدي لم تزل تجري على نسق من الوفاء لأسلافي وما نالوا
وفاء من في حنايا قلبه أمل عذب ,وفي نفسه للحق إجلال
بيني وبينك آكام وأودية من الدهور وآثار وأطلال
وبيننا جسر إيمان عبرت به وفي الطريق مفازات وأهوال
أتيت أقرأ أمجادي ,أعبر عن نفسي ولي في بلوغ القصد آمال
أتيت أحمل مأساتي على كتفي وفي يدي قلم بالحب سيّال
ويبدو الشاعر منذ مطلع القصيدة بأنه يحمل مشاعر الحب والتقدير والإجلال للسيدة عائشة رضي الله عنها، فهي أم المؤمنين حقاً، ومن راح يشتمها بعد تبرئة الله لها، فهو كافر مرتد؛ لأنه يكذب صريح القرآن:
أمّاه أمّاه أخباري منوّعة وللحكايات عند الناس أشكال
في عصرنا لجّة الأحداث مائجة ومالنا زورق في البحر جوّال
وأمة الحق في أوطانها اشتعلت نار الخلاف وأهل الباطل واحتالوا
وهي حليلة رسول الله الطاهرة المطهرة المبرأة في السماء، ويتابع الشاعر وصفها، فيقول:
أيا حليلة خير الناس أمتنا تمشي وفي صدرها المكشوف سلسال
تمشي وفي يدها البيضاء أسوره تمشي وفي رجلها البيضاء خلخال
تبرّجت أمتي للعابثين بها وغرّها من فم التّنين موّال
لو أنها احتشمت ما ذاب في فمها صوت الإباء ولا أعداؤها طالوا
الظالمون قصار في حقيقتهم لكنهم بتغاضي أمتي طالوا
إذا تخلّى كريم عن مبادئه فسوف يرتع في الأوطان أنذال
ويشكو إليها ضياع العدل والانصاف في عصرنا، وانتشار القتل والإجرام، فيقول:
أمّاه أمّاه ضاع العدل في زمن أدنى وسائله قيد وأغلال
أيا حليلة خير الناس إن بنا داء السكوت على ما تقتضي الحال
تشكو موائدنا أصناف ما حملت من الطعام ويشكو لهونا المال
أمّاه أمّاه لو أبصرت من نفخوا أبواقهم في خداع الناس احتالوا
ومن أراقوا دماء الأبرياء بلا ذنب فكم قتلوا بالظّن واغتالوا
ولو رأيت طواويس الرجال وقد شدّوا مآزرهم بالوهم واختالوا
ولو رأيت رجال العلم كيف غدو لمّا سقتهم شراب الغفلة الدال
ويشكو للسيدة الفاضلة ضياع نساء المسلمين الذي يدمي الفؤاد:
ولو رأيت نساء المسلمين وقد بدا لهنّ على الأوهام إقبال
إذاً لعانيت يا أمّاه من ألم وكان للدمع في عينيك شلاّل
أمّاه قولي لمن باعت كرامتها وصدّها عن دروب الخير طبّال
قولي لمن جعلت أزياءها هدفاً ومن دعاها إلى التحرير دجّال
أهكذا تركبين الموج حائرة ويستبيحك بالأهواء أنذال
تنسين أنك للأجيال مدرسة وكم تعز بعز الأم أجيال
أيا حليلة خير الناس أمتنا لها جواد من الإعلام صهّال
لها سيوف من الأبواق قاطعة لها دروع وأبواب وأقفال
لها شعوب تسر العين كثرتها في كل قطر من السكان أرتال
لها رجال لهم في القول ألسنة مهذارة ولهم في البنك أموال
سلاحهم في لقاء الخصم ممتهن لكنه في لقاء الأهل قتّال
باعوا فما ربحوا ,قالوا فما صدقوا وفوق هذين إخضاع وإذلال
أمّاه أمّاه أشجانا ذوو نسب فينا، ولكنهم عن ديننا مالوا
قلنا لهم خطر يا قوم يدهمكم فالسيف منصلت والسهم نبّال
ولن تروا من يكيل الظلم في زمن إلا بما كاله للناس يكتال
قالوا رويداً فإن الوعي ينقصكم القول ما قال جو زيف وميشال
من أعلن الحق يا أماه متّهم في عصرنا ودعاة الزيف أبطال
ويطلب منها أن ترشده إلى أحسن الأقوال والأفعال، فقد حيرته أخلاق الأمة في عصرنا:
أيا حليلة خير الناس قافيتي يتيمة مالها عمّ ولا خال
أرسلتها وبنو قومي على جرف من الخلافات مازالت ومازالوا
أمّاه قولي لنا ماذا نقدّم في عصر أحاط به ضعف وإخلال
تاهت مراكبنا والموج ملتطم وفي الشواطئ يا أمّاه أدغال
هنا رأيت خيوط النور أسعدني نسيجها ولثوب الفجر إسبال
تحدث الفجر ,أنهار الضياء جرت وللشعاع حكايات وأمثال
يا أيها المشتكي عيناك منطقة للحزن فيها مسافات وأطوال
لا تنسى أن خطى هذا الوجود لها في علم خالق هذا الكون آجال
نريد شيئا وننسى أن خالقنا لما يريد بهذا الكون فعّال.
وكتب د. عبد الرحمن العشماوي قصيدة أخرى في الدفاع عن عرض أم المؤمنين التي جاء اتهامها من المنافقين قديماً وحديثاً، وجاءت قصيدة شاعرنا ( أمام حجرة عائشة ـ رضي الله عنها ـ)، وفيها يقول:
حَصَانٌ أيُّها الأعمى رَزَانُ يشير إلى فضائلها البَنَانُ
رآها المجدُ أوَّل ما رآه مبجَّلةً لها في الخير شانُ
ترى فيها البراءة مبتغاه ويعجبُ من بلاغتها البيانُ
لها في قلب خير الناس حُبٌّ تضلَّع من منابعه الجنان
سرى في الأُفْق منه شذاه حتى تعطَّرتِ الغمائم والعَنَانُ
لقد كانت إساءة المجرم (ياسر حبيب) كبيرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نظراً لكون عائشة أم المؤمنين هي حبيبة قلب النبي الكريم:
حبيبةُ قلبهِ روحاً وعَقْل أحاطَ بها من الهادي الحنان
لقد شهدت بحبِّهما البرايا وطار بذكره الحَسَن الزَّمان
حبيبة سيِّد الأبرار، أهدى إليها الحُبَّ فارتفع المكان
وأمُّ المؤمنين بأمرِ ربِّي وتلك أُمومةٌ فينا تُصَانُ
لها من طِيْبِ مَحْتِدِها شموخٌ به تاريخُ أُمَّتِنا يُزَانُ
لقد أعلى رسولُ الله قَدْراً لعائشَ فاستقرَّ لها الكِيَانُ
وعن جبريلَ أقرأها سلام فقل لي: كيف ينفلتُ العنان
سلام من ملائكةٍ «كِرام» فلا عاش المكابر والجبانُ
لقد اختار الله السيدة عائشة زوجة لرسوله ، فكيف تتهم في عرضها، وهل دلّس الله على رسوله صلى الله عليه وسلم:
ولا عاش الذين لهم قلوبٌ لها بمظاهر الكفر افتتانُ
وما كلُّ الرِّجال لهم عقولٌ بها في كلِّ خَطْبٍ يُسْتعانُ
ففي الناس العقاربُ والأفاعي ومَنْ هو في الخديعةِ ثُعْلُبَانُ
نعوذ بربِّنا من كلِّ قلبٍ به من سوء نيَّته احتقانُ
ومن بعض النفوس بها لهيبٌ يثور به من الحقد الدُّخَانُ
لقد كذبوا على خير البراي ونالوا من حبيبته وخانوا
وماذا يَنْقِمُ السفهاءُ مِنه وفي تكريمها كُسِبَ الرِّهانُ
وكيف يصح فيها قول غاوٍ وعندَ الله قد عُقِدَ القِرَآنُ؟
ويتساءل الشاعر كيف تتهم السيدة الفاضلة، وقد عقد قرانها في السماء ثم تنزل القرآن ببراءتها:
أَتُرْمَى زوجةُ الهادي بسوءٍ ويبقى منْ رماها لا يُدَانُ؟
بغيضٌ من يُسيء لها بغيضٌ عليه من الخَنَى والإثمِ «رَانُ»
إذا أَمِنَ الغواةُ عقاب ذنبٍ تمادوا في الغواية واستهانوا
أما يكفي ابنة الصدِّيق وحيٌ تنزَّل في الِّلحافِ لو استبانوا؟
لقد طهر الله أزواج النبي وأهل بيته تطهيراً، فقال:
أيا بيت النبوَّة أنت رمز عليه من المهابة طَيْلَسَانُ
وفيكَ من التُّقَى نورٌ مبينٌ وإحسانٌ وعَدْلٌ واتِّزَانُ
وفيكَ الحبُّ فجرٌ من حنانٍ به الناس استضاؤوا حيثُ كانوا
وفيكَ تدفَّق القرآنُ نهْر وفي جَنَبَاتك ارتفع الأذانُ
وفيك وشائج القربى تسامت وعنها صدَّقَ الخبر العيان
سما بمقامك العالي رسولٌ وزوجاتٌ كريماتٌ حسانُ
لعائشَ فيكَ منزلةٌ ولكنْ لهنَّ القَدْرُ والحقُّ المُصَانُ
أَيا بَيْتَ النبوَّة أنتَ صَرْحٌ عظيمٌ لا تُطاوِلُه الرِّعانُ
برغم الحاقدين تظلُّ رمز به الإيمانُ يُشرقُ والأَمَانُ
وهكذا يقدم الشاعر د. عبد الرحمن العشماوي صورة المرأة المثالية بأبهى حلة وأجمل صورة، ويذكر أمثلة على ذلك أزواج النبي وبناته ونساء الصحابة.
صورة المرأة الداعية المجاهدة:
الشهيدة بنان بنت علي الطنطاوي، وزوجة عصام العطار..
ولقد سارت الكثير من نساء عصرنا على خطى السيدات الطاهرات خديجة، وعائشة، وخولة، والخنساء، وأسماء ذات النطاقين، وكان من أبرز تلك الثلة المؤمنة الشهيدة بنان بنت علي الطنطاوي رحمها الله التي اغتالتها يد الإجرام الآثمة في ألمانيا في يوم 17 أذار عام 1981م، فغادرت الدنيا تشكو إلى بارئها ظلم الطغاة، وكان لاستشهادها أصداء واسعة، فقد رثاها زوجها الداعية المجاهد في قصيدته المشهورة (رحيل)، كما رثاها د. عدنان النحوي بقصيدة جميلة، وتحدث عنها الشيخ كشك رحمه الله في خطبة الجمعة، ونقف عند قصيدة الشاعر الإسلامي الكبير د. عبد الرحمن العشماوي في رثائها إذ يقول:
مزقها رصاصُ الغدرِ في منزلها بألمانيا فنالتْ بذلكَ
شرفَ الشهادةِ -إن شاء الله – ..ماذنبُ بنان ؟ لا ذنبَ لها
إلا أنها كانت تقفُ إلى جوارِ زوجِها في دعوتِهِ إلى الله .
وهذا في عرف أعداء الله والإنسانيةِ ذنبٌ كبيرٌ..(وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين )، ويعتذر الشاعر العشماوي في مطلع قصيدته:
فهو يبكي، ويعلن حزنه على فقد الشهيدة بنان، وليس هذا بعيب بل هو واجب العزاء في أخت مسلمة مغدورة، ويصفها بالملاك الطاهر، فيقول:
لقد اغتالوا الطهر والفضيلة، وقطفوا أجمل زهرة بمنجل حقدهم، ويفضح الشاعر جريمة الطغاة، فيقول:
ويأسف الشاعر المسلم على ضياع القيم الإنسانية، فهل من الرجولة قتل النساء البريئات، ويطلب من زوجها الداعية الصبر والتحمل، فالشدائد كفؤها العظماء من الرجال:
ويصور حزن الأمة على هذه السيدة الشهيدة التي قتلت بدون ذنب اقترفته:
ويدعو الشاعر بالهلاك على المجرمين الذين دعسوا بأقدامهم القذرة على جثمان الشهيدة الداعية المجاهدة:
صورة المرأة السلبية المنحرفة:
وكتب الشاعر د. عبد الرحمن بن صالح العشماوي قصيدة تحت عنوان: ضدَّان يا أختاه، قدم لها بهذه المقدمة ليشرح المناسبة التي قيلت فيها:
حينما جلست في المقعد المخصص لي في الدرجة الأولى من الطائرة التي تنوي الإقلاع إلى عاصمة دولةٍ غربية، كان المقعد المجاور لي من جهة اليمين ما يزال فارغاً، بل إن وقت الإقلاع قد اقترب والمقعد المذكور ما يزال فرغاً، قلت في نفسي: أرجو أن يظل هذا المقعد فارغاً، أو أن ييسّر الله لي فيه جاراً طيباً يعينني على قطع الوقت بالنافع المفيد، نعم أن الرحلة طويلة سوف تستغرق ساعات يمكن أن تمضي سريعاً حينما يجاورك من ترتاح إليه نفسك، ويمكن أن تتضاعف تلك الساعات حينما يكون الأمر على غير ما تريد!
وقبيل الإقلاع جاء من شغل المقعد الفارغ ... فتاةُ في مَيْعة الصِّبا، لم تستطيع العباءة الفضفاضة السوداء ذات الأطراف المزيَّنة أن تخفي ما تميزت به تلك الفتاة من الرِّقة والجمال.. كان العطر فوَّاحاً، بل إن أعين الركاب في الدرجة الأولى قد اتجهت إلى مصدر الرائحة الزكيَّة، لقد شعرت حينها أن مقعدي ومقعد مجاورتي أصبحا كصورتين يحيط بهما إطار منضود من نظرات الرُّكاب، حينما وجهت نظري إلى أحدهم ... رأيتُه يحاصر المكان بعينيه، ووجهه يكاد يقول لي: ليتني في مقعدك؛ كنت في لحظتها أتذكر قول الرسول عليه الصلاة والسلام فيما روي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) (ألا وإنَّ طيب الرجال ما ظهر ريحه، ولم يظهر لونه، ألا وإن طيب النساء ما ظهر لونه ولم يظهر ريحه).
ولا أدري كيف استطعت في تلك اللحظة أن أتأمل معاني هذا الحديث الشريف، لقد تساءلت حينها (لماذا يكون طيب المرأة بهذه الصفة)؟
كان الجواب واضحاً في ذهني من قبل: إن المرأة لزوجها، ليست لغيره من الناس، وما دامت له فإن طيبَها ورائحة عطرها لا يجوز أن يتجاوزه إلى غيره، كان هذا الجواب واضحاً، ولكن ما رأيته من نظرات ركاب الطائرة التي حاصرت مقعدي ومقعد الفتاه، قد زاد الأمر وضوحاً في نفسي وسألت نفسي: يا ترى لو لم يَفُحْ طيب هذه الفتاة بهذه الصورة التي أفعمت جوَّ الدرجة الأولى من الطائرة، أكانت الأنظار اللاَّهثة ستتجه إليها بهذه الصورة؟
عندما جاءت (خادمة الطائرة) بالعصير، أخذت الفتاة كأساً من عصير البرتقال، وقدَّمته إليَّ، تناولته شاكراً، وقد فاجأني هذا الموقف، وشربت العصير وأنا ساكتٌ، ونظرات ذلك الشخص ما تزال تحاصرني، وجَّهت إليه نظري، ولم أصرفه عنه حتى صرف نظره حياءً - كما أظن - ، ثم اكتفى بعد ذلك باختلاس النظرات إلى الفتاة المجاورة ، ولما أصبح ذلك دَيْدَنَه، كتبت قصاصة صغيرة ( ألم تتعب من الالتفات ؟ )، فلم يلتفت بعدها:
عندما غاصتْ الطائرة في السحاب الكثيف بعد الإقلاع بدقائق معدودات اتجه نظري إلى ذلك المنظر البديع، سبحان الله العظيم، قلتُها بصوت مرتفع وأنا أتأمل تلك الجبال الشاهقة من السحب المتراكمة التي أصبحنا ننظر إليها من مكان مرتفع، قالت الفتاة التي كانت تجلس بجوار النافذة: إي والله سبحان الله العظيم، ووجهتْ حديثها إليَّ قائلة ً إن هذا المنظر يثير الشاعرية الفذَّة، ومن حسن حظي أنني أجاور شاعراً يمكن أن يرسم لوحة ًشعرية رائعة لهذا المنظر ...
لم تكن الفتاة، وهي تقول لي هذا على حالتها التي دخلت بها إلى الطائرة، كلا.
لقد لملمت تلك العباءة الحريرية، وذلك الغطاء الرقيق الذي كان مسدلاً على وجهها ووضعتهما داخل حقيبتها اليدوية الصغيرة، لقد بدا وجهها ملوَّناً بألوان الطيف، أما شعرها فيبدو أنها قد صفَّـفته بطريقة خاصة تعجب الناظرين ...
قلت لها: سبحان من علَّم الإنسان ما لم يعلم، فلولا ما أتاح الله للبشر من كنوز هذا الكون الفسيح لما أتيحت لنا رؤية هذه السحب بهذه الصورة الرائعة..
قالت: إنها تدلُّ على قدرة الله تعالى..
قلت: نعم تدل على قدرة مبدع هذا الكون وخالقه، الذي أودع فيه أسراراً عظيمة، وشرع فيه للناس مبادئ تحفظ حياتهم وتبلَّـغهم رضى ربهم، وتنجيهم من عذابه يوم يقوم الأشهاد.
قالت: إلا يمكن أن نسمع شيئاً من الشعر فإني أحب الشعر وإن هذه الرحلة ستكون تاريخية بالنسبة إليَّ، ما كنت أحلم أن أسمع منك مباشرة ..
لقد تمنَّيتُ من أعماق قلبي لو أنها لم تعرف مَنْ أنا لقد كان في ذهن أشياء كثيرة أريد أن أقولها لها .
وسكتُّ قليلاً كنت أحاور نفسي حواراً داخلياً مُرْبكاً، ماذا أفعل، هل أبدأ بنصيحة هذه الفتاة وبيان حقيقة ما وقعت فيه من أخطاءٍ ظاهرة، أم أترك ذلك إلى آخر المطاف ؟
وبعد تردُّد قصير عزمت على النصيحة المباشرة السريعة لتكون خاتمة الحديث معها.
وقبل أن أتحدث أخرجت من حقيبتها قصاصاتٍ ملوَّنة وقالت: هذه بعض أوراق أكتبها، أنا أعلم أنها ليست على المستوى الذي يناسب ذوقك، ولكنها خواطر عبرت بها عن نفسي ...
وقرأت القصاصات بعناية كبيرة، إني أبحث فيها عن مفتاح لشخصية الفتاة.
إنها خواطر حالمة، هي فتاة رقيقة المشاعر جداً، أحلامها تطغى على عقلها بشكل واضح، لفت نظري أنها تستشهد بأبيات من شعري، قلت في نفسي هذا شيء جميل لعل ذلك يكون سبباً في أن ينشرح صدرها لما أريد أن أقول، بعد أن قرأت القصاصات عزمت على تأخير النصيحة المباشرة وسمحت لنفسي أن تدخل في حوارٍ شامل مع الفتاة ..
قلت لها: عباراتك جميلة منتقاة، ولكنها لا تحمل معنىً ولا فكرة كما يبدو لي، لم أفهم منها شيئاً، فماذا أردتِ أن تقولي ...؟
بعد صمتٍ قالت: لا أدري ماذا أردتُ أن أقول : إني أشعر بالضيق الشديد، خاصة عندما يخيَّم عليَّ الليل ، أقرأ المجلات النسائية المختلفة، أتأمَّل فيها صور الفنانات والفنانين، يعجبني وجه فلانة، وقامة فلانة، وفستان علاَّنة، بل تعجبني أحياناً ملامح أحد الفنانين فأتمنَّى لو أن ملامح زوجي كملامحه، فإذا مللت من المجلات اتجهت إلى الأفلام، أشاهد منها ما أستطيع وأحسُّ بالرغبة في النوم، بل إني أغفو وأنا في مكاني، فأترك كل شيء وأتجه إلى فراشي ...، وهناك يحدث ما لا أستطيع تفسيره، هناك يرتحل النوم، فلا أعرف له مكاناً .
عجباً، أين ذلك النوم الذي كنت أشعر به وأنا جالسة، وتبدأ رحلتي مع الأرق، وفي تلك اللحظات أكتب هذه الخواطر التي تسألني عنها ...
(إنها مريضة ) قلتها في نفسي، نعم إنها مريضة بداء العصر ؛ القلق الخطير، إنها بحاجة إلى علاج .
قلت لها: ولكنَّ خواطرك هذه لا تعبر عن شيء ٍ مما قلت إنها عبارات برَّاقة، يبدو أنك تلتقطينها من بعض المقالات المتناثرة وتجمعينها في هذه الأوراق ...
قالت: عجباً لك، أنت الوحيد الذي تحدَّثت بهذه الحقيقة، كل صديقاتي يتحدثن عن روعة ما أكتب، بل إن بعض هذه الخواطر قد نشرت في بعض صحفنا، وبعثَ إلىَّ المحرِّر برسالة شكر على هذا الإبداع، أنا معك أنه ليس لها معنى واضح، ولكنها جميلة .
وهنا سألتها مباشرة:
هل لك هدفٌ في هذه الحياة ؟!
بدا على وجهها الارتباك، لم تكن تتوقع السؤال، وقبل أن تجيب قلت لها:
هل لك عقل تفكرين به، وهل لديك استقلال في التفكير ؟ أم أنك قد وضعت عقلك بين أوراق المجلات النسائية التي أشرت إليها، وحلقات الأفلام التي ذكرت أنك تهرعين إليها عندما تشعرين بالملل .
هل أنتِ مسلمة ؟!..
هنا تغيَّر كل شيء، أسلوبها في الحديث تغيَّر، جلستها على المقعد تغيَّرت، قالت:
هل تشك في أنني مسلمة ؟ ! إني – بحمد الله – مسلمة ُ ومن أسرة مسلمة عريقة في الإسلام، لماذا تسألني هذا السؤال، إن عقلي حرٌّ ليس أسيراً لأحد، إني أرفض أن تتحدَّث بهذه الصورة ..... وانصرفت إلى النافذة تنظر من خلالها إلى ملكوت الله العظيم ...
لم أعلق على كلامها بشيء، بل إنني أخذت الصحيفة التي كانت أمامي وانهمكت في قراءتها، ورحلت مع مقال في الصحيفة يتحدث عن الإسلام والإرهاب ( كان مقالاً طويلاً مليئاً بالمغالطات والأباطيل ، يا ويلهم هؤلاء الذين يكذبون على الله , ولا أكتمكم أنني قد انصرفت إلى هذا الأمر كلياً حتى نسيت في لحظتها ما جرى من حوار بيني وبين مجاورتي في المقعد، ولم أكن أشعر بنظراتها التي كانت تختلسها إلى الصحيفة لترى هذا الأمر الذي شغلني عن الحديث معها – كما أخبرتني فيما بعد-، ولم أعد من جولتي الذهنية مع مقال الصحيفة إلا على صوتها، وهي تسألني:
أتشك في إسلامي ؟!
قلت لها: ما معنى الإسلام ؟! قالت: هل أنا طفلة حتى تسألني هذا السؤال ! قلت لها: معاذ الله بل أنت فتاة ناضجة تمتم النضج، تُلوِّن وجهها بالأصباغ، وتصفِّفُ شعرها بطريقة جيدة، وتلبس عباءتها وحجابها في بلادها ، فإذا رحلت خلعتها وكأنهما لا يعنيان لها شيئاً ، نعم إنك فتاة كبيرة تحسن اختيار العطر الذي ينشر شذاه في كل مكان، فمن قال إنك طفلة ؟!
قالت: لماذا تقسو عليَّ بهذه الصورة ؟
قلت لها: ما الإسلام ؟ ... قالت: الدين الذي أرسل الله به محمد صلى الله عليه وسلم، قلت لها: وهو كما حفظنا ونحن صغار ( الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك )، قالت: إي والله ذكرتني، لقد كنت أحصل في مادة التوحيد على الدرجة الكاملة !
قلت لها: ما معنى ( الانقياد له بالطاعة ) ؟
سكتت قليلاً ثم قالت: أسألك بالله لماذا تتسلَّط عليَّ بهذه الصورة، لماذا تسيء إليَّ وأنا لم أسئ إليك ؟
قلت لها: عجباً لك، لماذا تعدّين حواري معك إساءة ؟ أين موطن الإساءة فيما أقول؟
قالت: أنا ذكية وأفهم ما تعني، أنت تنتقدني وتؤنبني وتتهمني، ولكن بطريقة غير مباشرة ..
قلت لها: ألست مسلمة ؟
قالت: لماذا تسألني هذا السؤال ؟ إني مسلمة من قبل أن أعرفك، وأرجوك ألا تتحدث معي مرة أخرى .
قلت لها: أنا متأسف جداً، وأعدك بألا أتحدث إليك بعد هذا ...
ورجعتُ إلى صفحات الصحيفة التي أمامي أكمل قراءة ذلك المقال الذي يتجنَّى فيه صاحبه على الإسلام، ويقول: إنه دين الإرهاب، وإن أهله يدعون إلى الإرهاب، وقلت في نفسي: سبحان الله، المسلمون يذبَّحون في كل مكان كما تذبح الشيِّاه، ويقال عنهم أهل الإرهاب ...
وقلبتُ صفحة أخرى فرأيت خبراً عن المسلمين في كشمير، وصورة لامرأة مسلمة تحمل طفلاً، وعبارة تحت صورتها تقول: إنهم يهتكون أعراضنا ينزعون الحجاب عنَّا بالقوة وأن الموت أهون عندنا من ذلك، ونسيت أيضاً أن مجاورتي كانت تختلس نظرها إلى الجريدة، وفوجئت بها تقول:
ماذا تقرأ ؟ .. ولم أتحدث إليها، بل أعطيتها الجريدة وأشرت بيدي إلى صورة المسلمة الكشميرية والعبارة التي نُقلت عنها ...
ساد الصمت وقتاً ليس بالقصير، ثم جاءت خادمة الطائرة بالطعام ... واستمر الصمت ...
وبعد أن تجوَّلتُ في الطائرة قليلاً رجعت إلى مقعدي، وما إن جلست حتى بادرتني مجاورتي قائلة ً:
ما كنت أتوقع أن تعاملني بهذه القسوة !..
قلت لها:
لا أدري ما معنى القسوة عندكِ، أنا لم أزد على أن وجهت إليك أسئلة ً كنت أتوقع أن أسمع منك إجابة ًعنها، إ لم تقولي إنك واثقة بنفسك ثقة ً كبيرة ؟ فلماذا تزعجك أسئلتي ؟
قالت: أشعر أنك تحتقرني ..
قلت لها: من أين جاءك هذا الشعور ؟
قالت لا أدري .
قلت لها: ولكنني أدري .. لقد انطلق هذا الشعور من أعماق نفسك، إنه الشعور بالذنب والوقوع في الخطأ ، أنت تعيشين ما يمكن أن أسمّيه بالازدواجية ، أنت تعيشين التأرجح بين حالتين ...
وقاطعتني بحدّة قائلة: هل أنا مريضة نفسياً ؟ ما هذا الذي تقول ؟!
قلت لها: أرجو ألاَّ تغضبي، دعيني أكمل، أنت تعانين من ازدواجيةٍ مؤذية، أنتِ مهزومة من الداخل، لاشك عندي في ذلك ، وعندي أدلّة لا تستطيعين إنكارها .
قالت مذعورة ً: ما هي ؟
قلت: تقولين إنك مسلمة، والإسلام قول وعمل، وقد ذكرت لك في أول حوارنا أن من أهم أسس الإسلام ( الانقياد لله بالطاعة )، فهل أنت منقادة لله بالطاعة ؟
وسكتُّ لحظة ً لأتيح لها التعليق على كلامي، ولكنها سكتتْ ولم تنطق ببنتِ شفةٍ – كما يقولون – كما يقولون – وفهمت أنها تريد أن تسمع، قلت لها:
هذه العباءة، وهذا الحجاب اللذان حُشرا – مظلومَيْن – في هذه الحقيبة الصغيرة دليل على ما أقول ....
قالت بغضب واضح: هذه أشكال وأنت لا تهتم إلا بالشكل، المهم الجوهر
قلت لها: أين الجوهر؟ ها أنت قد اضطربت في معرفة مدلولات كلمة (الإسلام ) الذي تؤمنين به ، ثم إن للمظهر علاقة قوية بالجوهر ، إن أحدهما يدلُّ على الآخر، وإذا اضطربت العلاقة بين المظهر والجوهر، اضطربت حياة الإنسان ...
قالت: هل يعني كلامك هذا أنَّ كل من تلبس عباءة ً وتضع على وجهها حجاباً صالحة نقية الجوهر ؟
قلت لها: كلا، لم أقصد هذا أبداً، ولكنَّ من تلبس العباءة والحجاب تحقِّق مطلباً شرعياً، فإن انسجم باطنها مع ظاهرها، كانت مسلمة حقّة، وإن حصل العكس وقع الاضطراب في شخصيتها، فكان نزعُ هذا الحجاب – عندما تحين لها الفرصة هيِّناً ميسوراً، إن الجوهر هو المهم، وأذكِّرك الآن بتلك العبارة التي نقلتها الصحيفة عن تلك المرأة الكشميرية المسلمة، ألم تقل: إن الموت أهون عليها من نزع حجابها ؟ لماذا كان الموت أهون ؟
لأنها آمنت بالله إيماناً جعلها تنقاد له بالطاعة فتحقق معنى الإسلام تحقيقاً ينسجم فيه جوهرها مع مظهرها، وهذا الانسجام هو الذي يجعل المسلم يحقق معنى قول الرسول عليه الصلاة السلام: ( والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ).
إنَّ لبس العباءة والحجاب – عندك – لا يتجاوز حدود العادة والتقليد، ولهذا كان هيّناً عليك أن تنزعيهما عنك دون تردُّد حينما ابتعدت بك الطائرة عن أجواء بلدك الذي استقيت منه العادات والتقاليد، أما لو كان لبسك للحجاب منطلقاً من إيمانك بالله، واعتقادك أن هذا أمر شرعي لا يفرّق بين مجتمع ومجتمع، ولا بلدٍ وبلدٍ لما كان هيّناً عليك إلى هذه الدرجة.
الازدواجية في الشخصية – يا عزيزتي – هي المشكلة .. أتدرين ما سبب هذه الازدواجية ؟
فظننت أنها ستجيب ولكنها كانت صامتةً، وكأنها تنتظر أن أجيب أنا عن هذا السؤال..
قلت: سبب هذه الازدواجية الاستسلام للعادات والتقاليد، وعدم مراعاة أوامر الشرع ونواهيه، إنها تعني ضعف الرقابة الداخلية عند الإنسان، ولهذا فإن من أسوأ نتائجها الانهزامية حيث ينهزم المسلم من الداخل، فإذا انهزم تمكن منه هوى النفس، وتلاعب به الشيطان، وظلَّ كذلك حتى تنقلب في ذهنه الموازين ...
لم تقل شيئاً، بل لاذت بصمت عميق، ثم حملت حقيبتها واتجهت إلى مؤخرة الطائرة ... وسألت نفسي تراها ضاقت ذرعاً بما قلت، وتراني وُفَّقت فيما عرضت عليها ؟ لم أكن – في حقيقة الأمر – أعرف مدى التأثر بما قلت سلباً أو إيجاباً، ولكنني كنت متأكداً من أنني قد كتمت مشاعر الغضب التي كنت أشعر بما حينما توجه إليَّ بعض العبارات الجارحة، ودعوت لها بالهداية، ولنفسي بالمغفرة والثبات على الحق .
وعادت إلى مقعدها .. وكانت المفاجأة، عادت وعليها عباءَتُها وحجابها ... ولا تسل عن فرحتي بما رأيت !
قالت: إن رحمة الله بي هي التي هيأت لي الركوب في هذا المقعد، صدقت – حينما وصفتني – بأنني أعاني من الهزيمة الداخلية، إن الازدواجية التي أشرت إليها هي السمة الغالبة على كثير من نبات المسلمين وأبنائهم، يا ويلنا من غفلتنا! أنَّ مجتمعاتنا النسائية قد استسلمتْ للأوهام، لا أكتمك أيها الأخ الكريم، أن أحاديثنا في مجالسنا نحن النساء لا تكاد تتجاوز الأزياء والمجوهرات والعطورات، والأفلام والأغاني والمجلات النسائية الهابطة، لماذا نحن هكذا ؟
هل نحن مسلمون حقاً؟
هل أنا مسلمة ؟
كان سؤالك جارحاً، ولكني أعذرك، لقد رأيتني على حقيقة أمري، ركبت الطائرة بحجابي، وعندما أقلعت خلعت عني الحجاب، كنت مقتنعة بما صنعت، أو هكذا خُيِّل إليَّ أني مقتنعة، بينما هذا الذي صنعته يدلُّ حقاً على الانهزامية والازدواجية، إني أشكرك بالرغم من أنك قد ضايقتني كثيراً، ولكنك أرشدتني، إني أتوب إلى الله وأستغفره .
ولكن أريد أن أستشيرك .
قلت: وأنا في روضةٍ من السرور بما أسمع من حديثها: ( نعم ... تفضلي إني مصغ ٍ إليك ) .
قالت: زوجي، أخاف من زوجي .
قلت: لماذا تخافين منه، وأين زوجك ؟
قالت: سوف يستقبلني في المطار، وسوف يراني بعباءتي وحجابي ..
قلت لها: وهذا شيء سيسعده ...
قالت: كلا ، لقد كانت آخر وصية له في مكالمته الهاتفية بالأمس: إياك أن تنزلي إلى المطار بعباءتك لا تحرجيني أمام الناس، إنه سيغضب بلا شك .
قلت لها: إذا أرضيت الله فلا عليك أن يغضب زوجُك، و بإمكانك أن تناقشيه هادئة فلعلَّه يستجيب، إني أوصيك أن تعتني به عناية الذي يحب له النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة .
وساد الصمت .... وشردت بذهني في صورة خيالية إلى ذلك الزوج يوصي زوجته بخلع حجابها ... أ هذا صحيح ؟!
أيوجد رجل مسلم غيور كريم يفعل هذا ؟! لا حول ولا قوة إلا بالله، إن مدنية هذا العصر تختلس أبناء المسلمين واحداً تلو الآخر، ونحن عنهم غافلون، بل ، نحن عن أنفسنا غافلون .
وصلت الطائرة إلى ذلك المطار البعيد، وانتهت مراسم هذه الرحلة الحافلة بالحوار الساخن بيني وبين جارة المقعد، ولم أرها حين استقبلها زوجها، بل إن صورتها وصوتها قد غاصا بعد ذلك في عالم النسيان ، كما يغوص سواها من آلاف الأشخاص والمواقف التي تمر بنا كلَّ يوم ...
كنت جالساً على مكتبي أقرأ كتاباً بعنوان ( المرأة العربية وذكورية الأصالة ) لكاتبته المسمَّاة (منى غصوب ) وأعجبُ لهذا الخلط ، والسفسطة ، والعبث الفكري واللغوي الذي يتضمَّنه هذا الكتاب الصغير ، وأصابني – ساعتها – شعور عميق بالحزن والأسى على واقع هذه الأمة المؤلم ، وفي تلك اللحظة الكالحة جاءني أحدهم برسالة وتسلَّمتها منه بشغف ، لعلَّي كنت أودُّ – في تلك اللحظة – أن أهرب من الألم الذي أشعله في قلبي ذلك الكتاب المشؤوم الذي تريد صاحبته أن تجرد المرأة من أنوثتها تماماً، وعندما فتحت الرسالة نظرت إلى اسم المرسل، فقرأت: ( المرسلة أختك في الله أم محمد الداعية لك بالخير ) .
أم محمد ؟ من تكون هذه ؟!
وقرأت الرسالة، وكانت المفاجأة بالنسبة إليَّ، إنها تلك الفتاة التي دار الحوار بيني وبينها في الطائرة، والتي غاصت قصتها في عالم النسيان !
إن أهم عبارة قرأتها في الرسالة هي قولها: ( لعلَّك تذكر تلك الفتاة التي جاورتك في مقعد الطائرة ذات يوم ، إِني أبشِّرك ؛ لقد عرفت طريقي إلى الخير، وأبشرك أن زوجي قد تأثر بموقفي فهداه الله، وتاب من كثير من المعاصي التي كان يقع فيها، وأقول لك ، ما أروع الالتزام الواعي القائم على الفهم الصحيح لديننا العظيم، لقد قرأت قصيدتك ) ضدان يا أختاه (وفهمت ما تريد )!
لا أستطيع أن أصور الآن مدى الفرحة التي حملتني على جناحيها الخافقين حينما قرأت هذه الرسالة .... ما أعظمها من بشرى ..... حينما، ألقيت بذلك الكتاب المتهافت الذي كنت أقرؤه ( المرأة العربية وذكورية الأصالة)، ألقيت به وأنا أردد قول الله تعالى: { يُرِيدُونَ أن يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بَأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ } ....
ثم أمسكت بالقلم ... وكتَبْتُ رسالةَ إلى ( أم محمد ) عبَّرْتُ فيها عن فرحتي برسالتها، وبما حملته من البشرى، وضمَّنتها أبياتاً من القصيدة التي أشارت إليها في رسالتها ، منها:
ضدان يا أختاه ما اجتمعا *** دين الهدى والفسق والصَّدُّ
والله مـــــا أزرى بأمـــتنا *** إلا ازدواج مــــا لــه حَــدُّ
وعندما هممت بإرسال رسالتي، تبيَّن لي أنها لم تكتب عنوانها البريديَّ، فطويتها بين أوراقي لعلّها تصل إليها ذات يوم .
ضدَّان يا أختاه:
وبهذه المناسبة كتب د. عبد الرحمن صالح العشماوي قصيدته الشهيرة بيّن فيها صورة المرأة المنحرفة المقلدة للغرب التي وقعت بالتناقض بين تعاليم دينها وواقعها المرّ المؤلم:
وتتذرع المرأة السافرة بالحرية وبالثقة بالنفس، وهي تحمد الله على أنها عربية مسلمة، ولكن سلوكها يناقض ذلك الادعاء...
دعوا الحجاب لنا:
وها هو الشاعر د. عبد الرحمن العشماوي يتحدث عن الحجاب، الذي هو عفة، وطهر، وخلق رفيع، وحصن حصين للمرأة المسلمة، بل هو قلعة العفاف، فيقول:
شكواكَ يا مُرهَفَ الإحساس شكوانا فاسمحْ لقلبكَ أنْ يُصغي لنجوانا
وافتَحْ لنا من حنايا القلبِ مُغْلَقَها فقد فتحنا لمن نهوى حنايانا
أُعيذ وجهَكَ أنْ تنساه ذاكرتي وهل نُطيق لمن نهواه نِسيانا
أُعيذ قلبَكَ أنْ يشقى بلوعته وأنْ يفجِّر فيه الحزنُ بُركانا
أُمدُدْ إليَّ يدَ الإخلاصِ في زَمَنٍ قد صار فيه حليمُ العقل حَيْرانا
قُلْ للذين بنوا قصراً على جُرُفٍ: مَنْ ذا يُقيم على الأوحالِ بُنيانا
ويرد الشاعر على فرنسا التي أبدع في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ومع ذلك حاربت الحجاب، وشجعت على الرذيلة، واعتبرت اللواط من الحقوق، ...
وارفعْ بها صوتَكَ العالي يخالطه صوتي، وصرخةُ حقٍ من صبايانا:
ندعو «فرنسا» و«أوروبا» وقبلَهما ندعو قساوسةً فيهم ورُهبانا:
أما تخافون ربَّ العالمين، وقد سُقْتُم إلى خندقِ التَّثليثِ رُومانا
ويطلب من هؤلاء أن يتركوا الحجاب للمسلمة، فهو نور يهديها إلى طريق الحق، وهو جنة لها ووقاية، ...
دَعوا الحجابَ لنا، آياً مرتَّلةً تُضيء روحاً وإحساساً ووجدانا
دعوا الحجاب لنا نوراً يُضيء لنا دَرْبَ العفافِ ويُبدي وجهَ مَنْ خانا
دعوا الحجاب لنا عزَّاً ومكرمةً دعوه نوراً من التقوى وبُرهانا
دَعوا الحجابَ امتثالاً نستلذُّ به شكراً على نِعَم المولى وعِرفانا
دَعوه روضاً من الأخلاقِ مُزْدهراً ومُزْنَةً أَنْعشتْ بالغيث بستانا
دعوه سَدَّاً أمام العابثين بما يسمو به دينُنا طُهْراً وإحصانا
دعوا الحجابَ لنا حقاً ينزِّهنا واستكملوا سيركم لهواً وعصيانا
ويكرر الشاعر كلمة دعوا سبع مرات؛ ليؤكد على الإصرار على الحجاب وأهميته، وعلى جريمة خلعه...ويطلب من الغرب أن يصوغ قوانينه وفقاً للقيم الخلقية الفاضلة...
صوغوا قوانينَكم وهماً يضلِّلكم بها تطيعون في الأهواءِ شيطانا
وسافروا في دورب اللّهو واتخذوا من النساءِ إلى إبليسَ قُرْبانا
سيحوا، وغوصوا، وذوبوا في رذائلكم فنحن أثْبَتُ بالإسلام أركانا
يا من تَلَوْتُم أناجيلاً محرَّفةً إنَّا تلونا بوحي الله قُرآنا
نصوص إنجيلكم، آياتُها كَشفتْ برغم تحريفكم عن صدقِ دَعْوانا
ويطلب الشاعر العشماوي من الغرب النصراني أن يعود إلى تعاليم السيد المسيح الصحيحة، وليس إلى الأناجيل المحرفة، التي أكدت على قيم الحجاب والفضيلة، فهل كانت السيدة مريم العذراء محجبة أم سافرة ؟:
هلاّ رجعتم إلى الحق الذي شهدِتْ به أناجيلكم صدقاً وتبياناً
لو تنظرون بعين المنصفين، لَمَا جُرتُم علينا، وهشَّمْتم مرايانا
للعنصريَّة وجهٌ ساء منظرُه ثَغْراً قبيحاً هُلاميّاً وأجفانا
عُذْراً، فوالله إنَّا لا نريد لكم إلاَّ صلاحاً وإصلاحاً وإحسانا
إنَّا لنلقى بأشذاء ابتسامتنا وحبِّنا، كلَّ مَنْ بالحبِّ يلقانا
لكنَّكم قد رسمتم ألفَ دائرةٍ مَلأْتموها لنا ظلماً، وعُدوانا
لقد أطلق الغرب شعارات براقة كالحرية والديمقراطية، وصادوا حرية التدين والعقيدة، فوقعوا في التناقض:
ما بالُ حرِّية الدِّين التي هتفَتْ بها الهواتفُ، تغدو اليومَ بُهْتانا
مما بالُ باريسَ تنسى اليومَ ما رفعتْ من الشِّعاراتِ أشكالاً وألوانا
حرّيةُ الرأي في ميزانها انقلبتْ فأصبحتْ لكتابِ الظلم عنوانا
ما بالُ تَنويرها المزعومِ صار دُجَىً يُخفي لصوصاً وأشباحاً وغِيلاَنا
يا بُؤْسَ ثورتها الكبرى قد انتحرتْ بوهمها، ومحتْ بالظلم ما كانا
ويكشف الشاعر زيف تلك الشعارات، فيقول:
يا مَنْ ركبتم ظهور الوهم في غَلَسٍ هذا هو الفجر جَلاَّكم وجلاَّنا
حرِّيَّةُ الدين، كنتم ترفعون بها صوتاً، فكيف تلاشى صوتها الآنا
ويؤكد د. العشماوي أن الله هو مولى المؤمنين، وهو ناصرهم على قوى الباطل والكفر من المستعمرين وأذنابهم:
إنَّا نقول لكم، والليل ملتحفٌ بوحشةٍ أشعلتْ للرعب نيرانا:
مَنْ كان مولاه شيطاناً يضلِّلُهُ عن الطريق، فإنَّ اللهَ مولانا
ومَنْ تهاوتْ به في الوَحْلِ غفلتُه فإنَّ إسلامَنا بالوعي رقَّانا
ليلى، ولُبّنَى، وسُعْدى، والرَّبابُ، على مِنْهاجِ خالقنا يُشْرِقْنَ إيمانا
فما لنا، ولمن يَمْشينَ في لُججٍ من الضَّياع، ومَنْ يأخُذْنَ أخْدانا
نَهْرُ العَفافِ من القرآن مَنْبَعُه لولاه لم تُوْرِفِ الأخلاقُ أغصانا
نهرٌ تدفَّق لم تَتْركْ روافدُه جَدْباً، يُقنِّطُ في البيداء ظمآنا
ويبين الشاعر عظمة الدين الإسلامي، وروعة سطانه وأحكامه، فيقول:
في ديننا الخيرُ للدنيا وساكنها ولم يَزَلْ لدُعاةِ العدلِ ميزانا
سلطانُه في قلوب الناسِ، مَنْشَؤُه مِن صِدقِه، وكفى بالصدقِ سُلطانا
يا صرخةً خرجتْ من ثغرِ قافيتي وسافرتْ في نواحي الكون ألحانا
مُدِّي نداءكِ فالآفاقُ مُصغيةٌ وشَنِّفي بجميل القول آذانا
شَتَّانَ بينَ حجابٍ تَستضيءُ به أُنثى، وبينَ ظلامِ العُرْي
والفرق واضح بين سلوك المسلمة المحجبة التي تعتنق قيم الدين بحق، وبين السافرة الفاجرة التي تركض وراء الغرب.
وأخيراً نرى:
أن الشاعر الداعية د. عبد الرحمن العشماوي قد جمع بين قوة اللسان وقوة البيان، وقوة الحجة والبرهان في الدفاع عن الرسالة الإسلامية الخالدة وقيمها في الحرية والكرامة والفضيلة والعفاف والأخلاق....وعن إنسانية الإنسان، وحقوق المرأة، وحجابها، وهتك جرسمة السفور والفساد والانحلال، وكشف زيف الحرية والديمقراطية التي جاء بها الغرب، فجراه الله خيراً عنا، ونفع المسلمين بأدبه وعلمه.
مصادر الدراسة:
1-دواوين الشعر للدكتور عبد الرحمن العشماوي.
2-قصائد إلى المرأة المسلمة: حسني أدهم جرار.
3- حقوق الإنسان في الإسلام: د. محمد عمارة.
4- الموسوعة التاريخية الحرة.
5- مواقع الكترونية أخرى.
وسوم: العدد 1067