القصيدة الإسلامية وشعراؤها المعاصرون في العراق

د. عماد الدين خليل

القصيدة الإسلامية وشعراؤها المعاصرون في العراق

د. عماد الدين خليل

تأليف: د. بهجت عبد الغفور الحديثي

هذا جهد مزدوج ينفرد به مؤلفه الأستاذ الدكتور بهجت عبد الغفور الحديثي، ليضيف إلى مكتبة الأدب الإسلامي المعاصر لبنة أخرى، ويملأ فراغاً ملحاً باستقصائه لشعراء القصيدة الإسلامية في العراق، ودراسة شعرهم، فيما لم يسبق إليه.

لكنه لم يكتف بذلك، وإنما خصص الفصول الثلاثة الأولى لدراسة ظاهرة الشعر الإسلامي من جوانبها كافة، فتحدث في الفصل الأول عن الدين والشعر، وإشكالية الإسلام مع الشعر، وموقف الإسلام من الشعر والشعراء، وموقف هؤلاء من الإسلام، ثم موقف النقاد القدامى والمحدثين من الشعر الإسلامي.

وتناول في الفصل الثاني مصطلح القصيدة الإسلامية (النشأة والتطور)، والشعر الإسلامي والشاعر المسلم، وظاهرة الالتزام وأثرها في القصيدة الإسلامية.

وتكفل الفصل الثالث بدراسة الخصائص الموضوعية والفنية للقصيدة الإسلامية.

وهذه الفصول الثلاثة ترتبط أشد الارتباط بجهد المؤلف في الفصل الرابع الذي هو بيت القصيد في الكتاب، لكونها تقدم إضاءات مركزة لجملة من المسائل والإشكاليات المرتبطة ارتباطاً صميماً بالقصيدة الإسلامية على مستوى الشكل والمضمون.

وقد يستحسن، للضرورتين المنهجية والفنية، تقسيم الكتاب إلى بابين يتضمن أولهما الفصول الثلاثة الأولى المعنية بدراسة "الشعر الإسلامي"، ويمضي ثانيهما لاستعراض شعراء القصيدة الإسلامية في سيرهم الذاتية، ونماذج من شعرهم، مع عرض نقدي موجز لما تميزت به أشعارهم شكلاً ومضموناً.

لقد شهد ربع القرن الأخير محاولات ببليوغرافية عديدة للشعراء الإسلاميين، تقف على رأسها ولا ريب محاولة الأستاذين أحمد الجدع وحسني أدهم جرار فيما أسمياه (شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث)، وقد صدرت في عدة أجزاء، ثم جمعت في طبعة ثانية في غلاف واحد، وثمة محاولة أخرى للأستاذ الدكتور عابد الهاشمي في الاتجاه نفسه، إلا أنها تناولت العصور المختلفة.

وغير هاتين، محاولات أخرى صدرت أو هي في طريقها إلى الصدور، إلا أنها جميعاً اعتمدت – إذا صح التعبير – منهجاً أفقياً يحاول أن يستقصي شعراء القصيدة الإسلامية في بيئات أو عصور شتى، في الوقت الذي يعتمد جهد الدكتور الحديثي منهجاً عمودياً، إذا صح التعبير كذلك، يتمركز عند بيئة واحدة هي العراق. وقد أعانه على تنفيذ استقصاء دقيق وشامل لمعظم شعراء هذه القصيدة، بغض النظر عن مستوياتهم الفنية، أو حجم أعمالهم المنشورة.

ومن يدري؟ فلعل هذا الكتاب يغري الأخ المؤلف نفسه أو الدارسين والنقاد في بيئات أخرى، للقيام بالجهد نفسه، وعلى وفق المنهج ذاته، لتغطية شعراء القصيدة الإسلامية، كلٌ في "البيئة" التي هو أدرى بشعابها وفرسانها.

إن ظاهرة الأدب الإسلامي، في منظوره الرؤيوي المعاصر، أخذت تتأكد يوماً بعد يوم، في هذا الحصاد الغزير عبر ربع القرن الأخير والمتمثل بتيار من الأعمال الإبداعية، والتنظيرية، والنقدية، والدراسية، التي تعد بالمئات، والتي فرضت نفسها، ليس في الساحة الثقافية فحسب، وليس في دوائر المعنيين بالأدب فحسب، بل مضت لكي تشق طريقها إلى المعاهد والجامعات، وترفع خطابها المتميز عبر بحوث التخرج ورسائل الدراسات العليا.. ومن خلال تخصيص الساعات لتدريس هذه المادة في أقسام اللغة العربية والآداب في الجامعات.

والذين كانوا ينكرون هذه الظاهرة، أو يتنكرون لها حتى عهد قريب، وجدوا أنفسهم فجأة أمام الأمر الواقع فاعترفوا بها، بل إن بعضهم ومن خلال قناعاته الخاصة – مضى لكي يندرج تحت لوائها.

وما هذه المحاولة التي يجدها القارئ بين يديه، سوى حلقة مضافة إلى السلسلة المتطاولة – بمشيئة الله سبحانه – والتي تمثل واحدة من ضرورات عصر المادية والتكاثر، وتفكك منظومة القيم الدينية والخلقية والإنسانية في العصر الذي هو بأمس الحاجة إلى الخطاب الأدبي الذي يرفع بقوة الكلمة الهادفة المضيئة، صوت الفن والنبل والإيمان في عالم يكاد يغرق حتى شحمة أذنيه في الدنس والفجور والظلام.. تدفعه إلى هذا وتعينه عليه، مذاهب أدبية كالواقيعة والسريالية والعبثية والتفكيكية.. إلى آخره.. بذلت جهدها ولا تزال للنزول بالإنسان درجات أخرى نحو الحضيض.

لقد كانت "الكلمة" المؤمنة دائماً، هي الصوت الوحيد القدير على منح الحياة سر طلاوتها الضائعة، وعلى العودة بالإنسان إلى إنسانيته التي افترسها أعداء الإنسان.