شخصية الرئيس جمال عبد الناصر في الشعر الإسلامي المعاصر

Adfdf1101.jpg

كان عبد الناصر ظاهرة صوتية في تاريخ مصر، لا يجيد سوى لغة الكلام، وكان يحسن القول، ويسيء الأفعال .

فهو إن خطب أثار الحماس في النفوس ...وساهم في توقيع وثيقة الجلاء في مصر، وقضى على الملكية ..

ولكن له من الأخطاء ما يصل إلى حد الجريمة ضد الدين والقانون والإنسانية.

فهو الذي قضى على رفاق الدرب من الضباط الأحرار أولهم اللواء محمد نجيب، وأخرهم عبد اللطيف البغدادي مروراً بصلاح وجمال سالم ...وهلم جرا. ولم يسلم من عقوبته وبطشه سوى السادات؛ لأنه كان منافقا يحسن التطبيل والتزمير.

وفي عام ١٩٥٦م أضاع قطاع غزة ومع ذلك كانت أبواق الناصرية تحتفل بالنصر المظفر.

وفي ١٩٥٨ أقام الوحدة بين مصر وسورية، ولكنها فشلت وحدث الانفصال بين البلدين والسبب حماس عبد الناصر وضعفه في التخطيط، وحل الأحزاب.

وفي ثورة اليمن قدم الجيش المصري أكثر من ١٠٠ ألف قتل، وكانت النتيجة أن اليمن السعيد انقسم إلى دولتين: إحداهما شيوعية كانت سبباً في شقاء أهل اليمن ومحاربة المسلمين واضطهاد الدعاة هناك .

وفي نكسة حزيران عام ١٩٦٧م ضاعت القدس وسيناء والضفة والجولان ..

وفي عام ١٩٥٤م أعدم القادة الستة: الشهيد محمد فرغلي، والقاضي عبد القادر عودة، والمحامي ابراهيم الطيب، والمحامي هنداوي دوير، ومحمود عبد اللطيف، والبطل يوسف طلعت ...ودخل في السجن أكثر من ٤٠ الفا من دعاة مصر والمثقفين فيها ...

وتجددت الجرائم في عام ١٩٦٥م، فأعدم الشهيد سيد قطب، والشهيد يوسف هواش، والشهيد عبد الفتاح إسماعيل.

وأثناء فترة السجن أذل الأحرار، وعذب الأبرياء، ..ونهب جنوده أموال المصريين، واغتصبوا الأعراض، وقمع الحريات، وزرع بذور الإلحاد والاشتراكية البغيضة.. 

ووقف بكل قوة مع الظالمين ضد المسلمين في العالم فهو مع النصارى في لبنان والدروز، ومع الهند ضد الباكستان، وموقفه في اليمن لا يحسد عليه...

وعلى الصعيد الشخصي انتسب إلى المحفل الماسوني واختاره أستاذ المحفل طه المخلوفي أستاذاً فخراً لمحفل القاهرة.

ويؤكد بعض الكتاب أن أمه يهودية كانت تزوره بعد استلام الرئاسة فيكرمها.

وقد ظلم الأغنياء، وصادر أموالهم، وأصدر قانون الإصلاح الزراعي والحجة دائما محاربة الإقطاع...

وأما الشعراء فقد انقسموا قسمين، فمعظم الشعراء العلمانيين راحوا يمدحون سيدهم حتى أثناء الهزائم، فقد أنطلق شاعر الناصرية يمجد سيده، ويرفعه إلى مصاف الألهة، فقال:

للناس رب وللعرب ربان. الله أول والناصر الثاني

ولكن هذا الإله الفاشل لم يستطع أن يحمي شعبه وأمته فقد كانت مصر والسودان دولة واحدة في عهد الملك فاروق ...

وأما نزار قباني فجعله أخر الأنبياء في قصيدته الشهيرة قتلوك يا آخر الأنبياء، والتي يقول فيها....

ـ1 ـ

قتلناكَ .. يا آخر الأنبياءْ

قتلناكَ ..

ليس جديدا علينا

اغتيال الصحابة والأولياء

فكم من رسول قتلنا ..

وكم من إمام ذبحناه، وهو يصلى صلاة العشاء ..

فتاريخنا كله محنة ..

وأيامنا كلها كربلاء ..

ـ 2 ـ

نزلت علينا كتابا جميلاً 

ولكننا لا نجيد القراءةْ ..

وسافرت فينا لأرض البراءةْ ..

ولكننا ما قبلنا الرحيلا

تركناك فى شمس سيناء وحدكْ ..

تكلِّم ربك فى الطور وحدك ..

وتعرى .. وتشقى .. وتعطش وحدكْ ..

ونحن هنا .. نجلس القرفصاءْ

نبيع الشعارات للأغبياءْ

ونحشو الجماهير تبنا .. وقشّا ..

ونتركهم يعلكون الهواءْ

ـ 3 ـ

قتلناك .. يا جبل الكبرياءْ

وآخر قنديل زيتٍ

يضىء لنا، فى ليالى الشتاء

وآخر سيفٍ من القادسيةْ

قتلناك نحن بكلتا يدينا ..

وقلنا: المنيّة

لماذا قبلت المجىء إلينا ؟

فمثلك كان كثيرا علينا ..

سقيناك سمّ العروبة، حتى شبعتْ ..

رميناك فى نار عمّان، حتى احترقتْ

أريناك غدر العروبة، حى كفرتْ

لماذا ظهرت بأرض النفاق ..

لماذا ظهرت ؟

فنحن شعوب من الجاهليهْ

ونحن التقلبُ ..

نحن التذبذبُ ..

والباطنيهْ ..

نبايع أربابنا فى الصباح

ونأكلهم .. حين تأتى العشيةْ ..

ـ 4 ـ

قتلناكَ ..

يا حبّنا وهوانا ..

وكنت الصديق، وكنت الصدوق،

وكنت أبانا ..

وحين غسلنا يدينا ..

اكتشفنا ..

بأن قتلنا منانا ..

وأن دماءك فوق الوسادةِ ..

كانت دمانا ..

نفضت غبار الدراويش عنّا

أعدْت إلينا صبانا

وسافرت فينا إلى المستحيل

وعلّمتنا الزهو والعنفوانا ..

ولكنّنا ..

حين طال المسير علينا

وطالت أظافرنا .. ولحانا ..

قتلنا الحصانا ..

فتبّت يدانا ..

فتبت يدانا..

أتينا إليك بعاهاتنا

وأحقادنا .. وانحرافاتنا

إلى أن ذبحناك ذبحاً

بسيف أسانا

فليتكَ فى أرضنا ما ظهرْت ..

وليتك كنت نبىّ سوانا ..

ـ 5 ـ

أبا خالدٍ .. يا قصيدة شعرٍ

تُقالُ ،

فيخضرٌّ منها المدادْ ..

إلى أين ؟

يا فارس الحلْم تمضى ..

وما الشوط .. حين يموت الجوادْ ؟

إلى أين ؟

كل الأساطير ماتتْ

بموتك ، وانتحرت شهرزادْ ..

وراء الجنازة .. سارت قريشٌ

فهذا هشامٌ ..

وهذا زياد ْ..

وهذا ، يريق الدموع عليكْ

وخنجرهُ ، تحت ثوب الحدادْ

وهذا يجاهدُ فى نومه ،

وفى الصحو ، يبكى عليه الجهادْ ..

وهذا يحاول بعدك ملكاً ..

وبعدك ..

كل الملوك رمادْ ..

وفود الخوارج .. جاءت جميعاً

لتنظم فيك ملاحم عشقْ ..

فمن كفّروكَ ..

ومن خوّنوكَ ..

ومن صلبوك بباب دمشقْ ..

أنادى عليك .. أبا خالدٍ

وأعرف أنى أنادى بوادْ

وأعرف أنك لن تستجيبَ

وأن الخوارقَ ليس تعادْ ..

* نزار قبانى، "رثاء عبد الناصر"، المختار من شعر نزار قبانى، ص 98 – 104.

ولعل أجمل قصيدة في رثاء الرئيس عبد الناصر كانت من نصيب الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري التي يقول في مطلعها:

أكبـرت يومـك أن يكـون رثــاء الخالـدون عهدتهــم أحيـــاء

أَوَيرزقـون؟ أجـل ، وهذا رزقهـم صنـو الخلـود وجاهـة وثـراء

قالـوا الحيـاة فقـلت ديـن يقتضى والمـوت قيل فقـلت كان وفـاء

يا قائـد الجيش الشهيد أمضـه شـوق فـزار جنـوده الشهـداء

أكبـرت يومـك أن يكـون رثاء أجعلت منـه موعداً ولقـاء؟

أبرفـرف الخلـد استفـزك طـائف لتسامـر الخلصـان والخلطـاء ؟

أم رمت جمـع الشمـل بعد تفرق ؟ أم أن تثـير كعهــدك الشعـراء

يا أيها "النسـر" المحـلق يتقـــى فيما يميـل عواصفـاً هـوجـاء

ينقض عجــلاناً فيفـلت صــيده ويصـيده إذ يحسن الإبطاء

أثنـى عليـك .. وما الثنــاء عبادة كم أفســد المتعبــدون ثنــاء

دية الرجـال إساءتـان … مقــلل وأسـاء ، جنب مكثـر وأســاء

لا يعصـم المجـد الرجـال، وإنما كان العظيـم المجــد والأخطاء

وإذا النفـوس ترفعت لـم تفتكر لا الانتقاص بها، ولا الإطــراء

لا يأبه البحر الخضــم روافداً يلقى ، ولا زبــداً يطيـر غثـاء

لم يخـل غاب لـم يحـاسب عنـده أسـد، بما يأتــى صبـاح مساء

تحصـى عليه العاثـرات، وحسبـه ما فـات من وثباتـه الإحصـاء

قد كنت شـاخص أمـة، نسماتهـا وهجيـرها، والصبح، والإمساء

ألقت عليك غياضهــا، ومـروجها واستودعتـك الرمل، والصحراء

كنت ابن أرضـك من صميم ترابهـا تعطـى الثمـار ، ولم تكن عنقاء

تتحضن السـراء من أطبـاعهــا وتلـم رغـم طبـاعك الضـراء

* * *

قالـوا: أب بـر فكـانت أمـــة ألِفاً، ووحــدك كنت فيها البـاء

خبطت كعشـواء عصوراً، وانثنت مهزومــة، فأثرتهــا شعـواء

وأنـرت درب الجيـل شاءت دربـه حيـل الطغـاة عميـةً تيهــاء

وعرفت إيمانــا ًبشائــر وعيـه إذ كان يعــرف قبلهـا إغـواء

وانصعت فى سـود الخطـوب لئيمة تسدى طلائعـه يـداً بيضـــاء

وبـرمت بالطبقات يحـلب بعضهـا بعضاً، كما حـلب الرعـاة الشاء

ووددت لو لـم تعتـرف شريهمــا لا الأغنيــاء بها ولا الفقــراء

وجهدت أن تمضـى قضـاءك فيهما لتشيد مجتمــا يفيض هنـــاء

أسفاً عليـك، فلا الفقيــر كفيتــه بؤساً، ولا طـلت الغنـىَّ كفـاء

فهو لم يسعد في ظل حكمه لا الفقراء ولا الأغنياء

قد كان حــولك ألف جـارٍ يبتغـى هدمـاً، ووحـدك من يريـد بناء

* * *

لله صـدرك ما أشـد ضـلوعــه فى شــدة، وأرقهـن رخاء

تلج السياسـة فى تنـاقض حـالهـا فتطابـق العـزمـات والآراء

كـرا وإحجامـاً، ورقــة جـانب وصـلابةً، وسـلاسـةً ودهـاء

وأريت فى "أسـوان" قـدرة ساحـر يسعى ليوسـع ميتاً إحياء

وبعثته حياً ودسـت مشـككاً وصفعت همـازاً بـه مشـاء

وقمـرت شـر مقامــر وكسبتــه وسلبتــه أوراقــه السوداء

ورددت كيــد مكايـد فـى نحـره واصطــدته بشبــاكه إغـراء

ولففت رأس "الأفعــوان" بــذيله وقطعتـه، وخطبتهــا بتــراء

وصنعت معجـزة "القنـاة" ورعتهم وسقيتهم حمـم الجحيــم المـاء

وعصـرت طاقات الجموع، ورزتها فوجـدتهـا وَلادةً عشــراء

وجسست أوتـار النفـوس فـوقعت لك طُـوَّعـاً أنغامهـا السمـراء

ألقت إليـك قلوبهـا وعروقهــا سمحـاء ما شـاء النـدى معطاء

فإذا نطـقت ملـكت مهجـة سامـع وخشوعهـا، والسمـع والإصغاء

وإذا سكت أشـاع صـمتك رهبــةً حتى يخـال كتيبــةً خـرسـاء

* * *

أثنى عليك … على الجموع يصوغها الـزعماء، إذ هى تخلق الزعماء

ورؤى "حـزيـران" وحسبـك أنه يحيـى لنا بـرؤا "عاشوراء"

ناهضـت فانتهضـت تجـر وراءها شمـم الجبال عزيمـة ومضـاء

واقتدتهـا فمشت يســدد خطوها أن كنت أنت دليلهـا الحـداء

ونكست فانتكست … وكنت لـواءها يهـوى ، فما رضيت سواك لـواء

ثقة يحـار بها النهـى، ومعـــزة تاهت على هـام السهـى خيـلاء

قالوا عمـىً فى العـاطفات ونـدرة بعث الزعيـم عـواطفاً عميـاء

كانـوا وعـاةً يأخذون طـريقهـم للموت، لا غفّــلاً، ولا أُجراء

خـار الضـعاف دروبهم، وتخيرت همـم الرجـال مشقــة وعنـاء

* * *

ما كان ذنبك أن يطـول على السرى ليل يطيـل صباحــه الظلمـاء

يطـوى عليه الناكصـون جناحهـم ويضـم تحت جنـاحـه العمـلاء

كلا ، ولا ذنب الجمــوع بـريئـة عـذراء من غصب العفاف بـراء

ما كان ذنب كليكمـا عـدد الحصـى أمـم تهين بوطئهـا الحصبــاء

* * *

يا مصـر، نحن الحالمون كما ادعوا حاشـا، وبئست نزعـة تتراءى

إنا رئـات فـى حنـايـا أمــــة راحت بنا تتنفس الصــعداء

لم تـأت بدعـاً فى البيـان وإنمــا كنا لما حلمت بــه أصـداء

لسنـا مـلائكةً ولـكن حسبنـــا إغــراؤها، لنقــاوم الإغـراء

نلقـى بما وهـبت لنـا من وحيهـا عن كل مـا تهب الحيـاة عـزاء

لا هـم عفـوك إننـا مـن قلــةٍ خلقت لتعطـى حقهـا الأشيــاء

خلقت لتــدرك مـا يخامـر نـملةً فى زحفهـا ، وحمامــةً ورقـاء

لتعيش مأسـاة الخليقــة كلهـــا ولتستبين دواءهـــا والــداء

وارحمتـا للمبصــرين تــكلفوا أن يســدلوا عما يــرون غشاء

دوت حماسـات الرجـال ، وأرزمت حتـى لنستبق الجمـال رغــاء

* * *

ما أشجـع "الآسـاد" تعجـز كلهـا عن أن تنـازل حيــةً رقطـاء

خمس مئـوون .. مـلة وعـروبـة تعطـى الصـغار ثلاثة ً لقطـاء

تلهـو و "ثانـى القبلتيـن" مباحـة وتعيِّد "المعـراج" و "الإسـراء"

وتزخـرف الحـلقات كل عشيــة لتقيــم "زاراً" أو تشـن دعـاء

وتكـدس الـذهب الحـرام كأهــله تجـد الحيــاة مـذلةً وثــراء

وتطـارد الفـكر الشـريف كأنهــا منه تطـارد "هيضــة" ووبـاء

ويشارك "الدسـتور" وعى مناضـل بالمجـرمين عقوبــة وجـزاء

وتفلسف الجـور العسيف وتجـلد الـدين الحنيف ليستحيـل غطـاء

من فـوق أعنـاق المشـانق تـدلى خيـر الـرءُوس شهامـةً ووفـاء

وتـكاد أقبيـة السجـون غضاضـةً وأسىً تصـيح لتـرحـم السجناء

وتعـود تعجب كيف كان مكانهــا من حيث تنطـلق الحياة وراء

فيـم التعجب؟ لا نحمـل وزرنــا قـدراً، ولا ما نحـن فيه قضـاء

رحنـا نقص من الجنـاح قــوادماً وخـوافياً قص الغـرير رداء

ونـزف لا الأرض الوطيئة نرتضى وكراً ولا يرقـى الجنـاح سماء

ساءلت نفسـى لا أريد جـوابهـا أنا أمقت الضراع والبكاء

أتـرى "صلاح الدين" كان محمَّقـاً أن يستشيط حميةً وإبـاء

أم عادت "القـدس" الهـوان بعينه؟ أم عـاد ديـن المسلميـن رياء

* * *

يا ابن "الكنانـة" وابن كل عظيمة دهيـاء تحسن فى البـلاد بلاء

أعـزز علينـا أن تساء منبئـاً ما كنت تكـره مثلهـا أنبـاء

ذبـح "الفــداة" ورحت أنت ضحيةً عنهــم ، وما أغنى الفـداء فداء

ذبـح "الفـداة" وليت ألفـى ذابـح عن أصبـع منهم يـروح وقاء

واخزيـه "الأردن" صـبغ ماؤه من خيــر أعراق لديه دماء

لا طـاولت شمس النهار ضفافه وتسـاقطت رجمــاً عليه مسـاء

نـذروا لأشـلاء الغزاة بغـربه فتساقطوا "شـرقيـه" أشـلاء

تلك العظام سيستطير غبارهــا يعمى الملــوك، ويطمر الأمراء

وإذا عجبت فأن يضـم رهيمهـا من حولـه "الفـرقاء" والفـرقاء

لجأوا لأدبـار "الحلول" فسميت وسطــاً، وسمـى أهلها وسطاء

* * *

يا مصــر، يا حلـم المشارق كلها من عانت الأحــلام والأهواء

يا بنـت "نيلك" من عذوبـة جرسه نغمـات جـرسك رقـة وصـفاء

حضن الحيـاة صبيـة فمشت بــه ومشـى بها يتباريـان ســواء

يقظـى ليقظــان يهـز سريرهـا لم تقـو فى شطـآنــه إغفاء

وربيبـة "الهـرمين" شـاخا إذ هما يتبنيانـك صـبوةً وفتــاء

تلقيـن فى السـراء سـحرك كـله وتموعيـن بصـبرك الضـراء

وتمونيـن الدهــر سبعـاً خصبـة يكفــى بها سبعــاً له جدبـاء

مشت القـرون وخلفت أسحـارهـا ترمـى عليـك الطـل والأنـداء

والصبـح يصبـغ وجنـةٍ مشبوبـة ً والليل يكحـل مقـلةً وطــفاء

والشمس تلفـح سـمرة ًعـربيــة ً والنجــم يـرقص قامـة ً هيفاء

ودرجت فى حقل "الحضـارة" غضة وبدأته تفاحة خضــراء

ولممت عن جنبيـه أزهار الربى وجلوتهـن جنائنـا ً غلبـاء

أسكنتهن الشعــر والشعراء والعلـم، والعلمـاء، والحكمـاء

شعـى برغـم الداجيات، وزحزحى منها، وزيـدى بهجــةً ورواء

وتماسكـى، فلقـد صـمدت لمثلهـا وأمـر ، ثـم أطـرتهن هباء

شعـى فقـارات ثـلاث تجتلى عبر العصـور سراجك الوضاء

يا "مصـر" أحـرفك الثلاثة كن لى لولا الغلـو الوجد والإغمـاء

عشـرين عاماً لم أزرك، وساعــة منهن كانت منيــةً ورجـاء

لم ..؟ لست أدرى غيـر أن قصائـداً عشـرين لم تشـفع لديـك لقـاء

ناغيت فيها شعب مصر وهجتـه ورجوته أن يـركب الهيجـاء

وشجبت "فرعونـاً" يتيـه بزهـوه ينهـى ويأمر سـادراً ما شاء

وظللت أحسـد زائريـك، وخلتنـى رتعـاء، تحســد أختها العجفاء

من كل حـدب ينسـلون، ولـم أكن ـ وهـواك ـ فيهـم نسلة نكراء

وهبـى ثقيل الظـل كنت فلـم أطق أفما أطقت ـ فـديتك ـ الثقـلاء

دللت فيـك أُبـوة عهــدى بهــا علم اليقيـن تـدلل الأبنــاء

* * *

يا "مصـر" لى وطـن أجل عطاءه ويحب فىَّ سماحــةً وعطاء

يغشى الدروب على حتـى إننـى لأكـاد أفقـد فى الزحــام رداء

سرنا على درب الكفـاح مـن انجلى فجـر الكفاح بـجوه وأضـاء

متجاوبيـن مدى الأبيـد أهـزه إيثـــارة، ويهـزنـى إيحاء

للموت أحــدو والشهــادة أهله أتــرى وجدت لأذبح الشهـداء ؟

وبمصـر لى وطـن أطار بجوه ما لا أطار بغيــره أجـواء

أجد العوالــم كلهـا فـى سفحه سبحــان خالــق كونـه أجزاء

* * *

يا سـدرة فى المنتهـى لم تعتـرف إلا الظـلال الخضـر والأفيــاء

عاطى ظـلالك "ناصـرا" فلطالمـا عاطــى الجمـوع ظـلاله وأفاء

وعليك يا فخـر الكفاح تحيــةً فى مثـل روحك طيبـةً ونقاء

إن تقض فى سـوح الجهاد فبعدما سعرت فيها الرمـل والرمضاء

ولقد حملت من الأمـانة ثقلهــا لم تلقهــا برماً ولا إعيــاء

نم آمنـاً ستمــد روحك حرة وسط الكفـاح رفـاقـك الأمنـاء     

* الأهرام، 8/10/1971، ص12.

وأما الشعراء الأحرار فقد صوروا جمال عبد الناصر فرعون القرن العشرين، وقد فضحوا جرائم عبد الناصر الذي أضاع القدس، والضفة الغربية، وغزة، وسيناء، والجولان في خلال ستة أيام فقط، وذلك في نكسة ٥ حزيران عام ١٩٦٧م.

ومن أبرز هؤلاء الشعراء الأحرار الذين وقفوا في مواجهة طغيان عبد الناصر الشاعر السوري الكبير (بدوي الجبل) الذي يقول في قصيدة فرعون وعدد الأبيات 118 بيتا:

يا نجد جنّات وبيد بكليهما سكر النشيد

ألرملة الظمأى حنين الشّوق والرّوض المجود

أرجت صباك . يجيد حين يشمّها من لا يجيد

وعرائس الأحلام نعمان الجزيرة والنفوذ

وقوافل بمتاهة، ألنجم قائدها الوحيد

وهوادج لحمى السيوف وحولها العدد العديد

رنّ الحليّ بها وجرجر في مباركه قعود

الجهد هدّ قلوصها بالرّمل والمرعى الجهيد

والشيح قاطعة النسيم فلا يميل ولا يميد

وأشعّة كالنار . تبر، ما لسائله جمود

ثمّ الضّحى فاذا عيوا فبظلّ عيسهم الرّقود

حتّى إذا أخفى الضّياء غدائر لليل سود

فالبدر والحادي وخطو بين سحرهما وئيد

وعلى الرّبى النيران عطّر وهجها غار وعود

هي والصباح له عمود ضاحك ولها عمود

وصهيل أفراس وراغية واضياف وجود

ونسيمة هفهافة ثم المناهل والورود

ومدلّهان نأت ديارهما وما نأت الكبود

حملت حنينهما الصبا بأبي الرسالة والبريد

رضوى خيال قصائدي وطيوف أجفاني زرود

أنا ملك إلهامي فلا أبدي هناك ولا اعيد

ما رحت أحكم بالقصيد وراح يحكمني القصيد

إن شاء تمّ لنا اللقاء وإن يشأ كتب الصدود

والأمر ما يختاره هو سيّد وأنا المسود

وأريده فيفوتني ويزور ساعة لا أريد

سرّي واجهل كنهه فقديم صحبتنا جديد

والرّوح أقرب ما إليك وغيبها الدّاني البعيد

***

الشعر أنغام معطّرة ولؤلؤة وجيد

فيه الهوى والأريحية والسلافة والمزيد

فرح مقيم في سرائرنا وقافية شرود

وأوزانه عقد الحرير على العرائس لا القيود

الصائنات له كما صينت بعفّتها النهود

نور تحدّده الحروف وتخطئ النور الحدود

أحلة الصّعاب قصائد ونواعم كالورد خود

ومن التّمنّع ما يدلّه بالجمال وما يزيد

الشعر والحسن المدلّ كلاهما طاغ عنيد

***

أنا من تغنّيه النجوم على السلاف فيستعيد

وعلى المشيب وعبئه ممّا يؤود ولا يؤود

لتصيدني نجل العيون وقد أغير وقد أصيد

ما كان يقنعني اللقاء فصرت تقنعني الورود

سمراء كالأحلام: جفناها وجفن اللّيل سود

الحسن يحسد نفسه فيها، لقد كرم الحسود

ويغار من شهديّها جاراه: سالفة وجيد

**

سمراء حبّك صحوي السكران والغيّ الرّشيد

لفّي على الجسد البرود تؤرج الدّنيا البرود

الروح فيك فريدة يزهو بها جسد فريد

ذكراك إن عزّ اللّقاء للوعتي كأس وعود

**

أنا ساحر لمس الغصون وضمّها فهي القدود

ومن الشقائق حين أقطفها المراشف والخدود

ومن الدّموع وقد ضننت بها اللآليء والعقود

وغمزت عطر الأقحوان فنوّرت شفة برود

عندي الكنوز فكيف تسألني النّجوم ولا أجود

اعطي وتسأل لا نملّ فتستزيد وأستزيد

شهب السّماء تفرّقت في الأفق تنقص وتزيد

كتب الضّياء لبعضها ولبعضها كتب الهمود

والعبقريّة كالضحى من بعض نعمته الوجود

وأنا الغريب بموطني وأنا المشرّد والطريد

**

قل للّدات بتدمر عزّ المفاخر والنديد

سجن تضيق كهوفه والسهل منبسط مديد

الدهر أقعدني ولم يك من شمائلي القعود

والسقم فوّت أن أشارككم وذروته كؤود

شرفا على عضّ القيود فشارة الشرف القيود

أسمى القلوب هو الرّحيب على النوازل والجليد

نحن الحماة الأوّلون . قبور صرعانا الشهود

نحن العقيدة والرسالة والمعارك والحشود

إن يصرع البطل النجيد تقدّم البطل النّجيد

وتقاسم الكوخ الوديع النصر والفصر المشيد

أيّام لا الطبقات مزّقت الصفوف ولا الحقود

كفرت جهود كالضحى لله والوطن الجهود

أنا والعهود فلم يضع حبّ ولم تنكث عهود

عيني الضنينة بالدموع وقلبي المضنى العميد

ماد الطغاة بكم، فيا فلك السماء ألا تميد؟

فلك يدور ولم أجد فلكا أتيح له الرّكود

بيني وبين الظّلم نار وغى يشبّ لها وقود

ألحبّ عدّتي الوحيدة لا السّلاح ولا الجنود

وتهون عندي النائبات فلا ألين ولا أحيد

يا ربّ عفوك إن سألت وأنت تعلم من أريد

من أيّ طين أنشئ الظمآن للدم والحقود

اللّينون على العدوّ وبأسهم فينا شديد

جلّ الوداد فكان من أسماء عزّتك الودود

ألغير وجهك في كنانتك العبادة والسجود

فرعون عاد فكيف كيف وقد عصفت به يعود؟

ما للطّغاة سيادة، يخشى الظلام ولا يسود

دنيا العروبة رجّها بالهول شيطان مريد

صبغت بألوان الأذى فخطوبها حمر وسود

أرض الكنانة ما بها إلاّ المتوّج والعبيد

***

فرعون مصر: وأنت من رشق المصاحف لا الوليد

فرعون مصر: وأنت من قتل الهواشم لا يزيد

سمّيت فرعون الكنانة وهي تسمية كنود

فرعون ذلّ به اليهود وأنت عزّ بك اليهود

طامن غرورك . لم تدم عاد ولا بقيت ثمود

ولئن ذكرت فإنّ ذكرك لا الزكيّ ولا الحميد

ولئن حكمت فإنّ عيشك لا الهنيّ ولا الرّغيد

تتناهب الأشلاء نومك والعواصف والرّعود

وهواجس اليمن السّعيد . ورجّك اليمن السّعيد

***

مغرى بحبّ الإمّعات طريف حكمك والتّليد

من كلّ أبله عاثر وغد يضرّ ولا يفيد

الغدر طبعك والدسائس ة الخيانة والجحود

يتسلّل النذل الجبان دجى وتقتحم الأسود

***

أميتّم الأطفال: لا جدّ عناك ولا حفيد

أمّ ممزّقة وفي أحضانها هشم الوليد

شكت الأرامل والثّكالى والطفولة والمهود

يا قاتلا بأخ أخاه . كلا قتيليك الشّهيد

أولا تخاف على بنيك وقد تعثّرت الجدود

أن يستجاب دعاء ثاكلة وأدمعها تجود

فترى بنيك مصرّعين ولا تضمّهم اللحود

كد للنّبي ودينه ألله فوقك إذ تكيد

باد الطّغاة جميعهم أمّا الشعوب فلا تبيد

خلّ الكرامة وشأنهم خلق الكرام لكي يسودوا

وكتب الشاعر الكبير بدوي الجبل قصيدة تحت عنوان (كافور) في هجاء الرئيس جمال عبد الناصر، وعدد الأبيات 97 بيتا، يقول في مطلعها:

كافور قد جنّ الزّمان. و إليك آل الصولجان

خجل السّرير من الدّعيّ. وكاد يبكي الأرجوان

أين الأهلّة والكواكب. والشوامح والرّعان؟

الهاشميّون انطووا وأميّة كانوا فبانوا

كافور جمّع حول عرشك كلّ من حقدوا وهانوا

مجد البغيّ تعاف بهرجه. لمخدّرة الرزان

حرّك دماك فإن أردت. قسوا وإن آثرت لانوا

الخاضعون لما تشاء. وما دروه وما استبانوا

النّاعمون على اليهود. على رعيّتك الخشان

للعفّ تخوين بدولتهم. وللصّ ائتمان

***

أشبعت بالخطب الجياع. فكل هادرة خوان

حفل السماط ومن. فرائدك الموائد والجفان

خطب الرئيس هي الكرامة والعلى، وهي الضمان

هي للجياع الطيبات. وللعراة الطيلسان

هي للعفاة النازحين. لبانة وهوى وحان

خطب مصبّغة وتعرف من. مباذلها القيان

من كلّ عاهرة وتحلف. أنّها الخود الحصان

إلحن وكرّر ما تشاء. فإنّها الخطب الحسان

وإذا رطنت فإنّها. عرباء خالصة هجان

كافور قد عنت الوجوه. فكيف لا يعنو البيان؟

***

الفكر من صرعى هواك. ومن ضحاياك الحنان

يغني الشام عن الكرامة. والنعيم المهرجان

حشدت لطلعتك الجموع. فهوّن الخبر العيان

هتفوا فبين شفاههم. وقلوبهم حرب عوان

غرثى ويتخم من لحوم. الأبرياء الخيزران

عضّت ظهورهم السياط. فكلّ سوط أفعوان

الرّاكعون، السّاجدون عنوا. لك والمناهل والجنان

القاطفون كرومهم. ولك السلافة والدنان

الحاضنون شقاءهم. ولك المتارف واللّيان

الظامئون ويومهم. شرس الهواجر إضحيان

المالكون قبورهم لمّا. عصفت بهم فحانوا

لك عذرة العرس الحزين. فما تعز ولا تصان

ولك الظلال فبعض. جودك أن يفيّئهم مكان

ودماؤهم لك والبنون. فما الأباطح والرّعان

ولك العبادة لا لغيرك. والتشهّد والأذان

كافور أنت خلقتهم كونوا. هتفت بهم فكانوا

كافور من بعض الإماء. زبيدة والخيزران

مروان عبد من عبيد. لا يزان ولا .. يشان

للسّوط جبهته إذا. استعلى وللقيد البنان

يا مكرم الغرباء والعرب. محتقر ... مهان

تاريخ قومي في يديك. يدان حسبك ما يدان

زوّرته وسطا على. الأقداس أرعن ألعبان

ما عفّ في الموتى هواه. ولا الضمير ولا اللّسان

يا عبقري الظّلم فيه. لك ابتداع وافتنان

***

نحن العبيد فلا تحرّكنا. الضغينة واللعان

لا الفقر يلهب في جوانحنا. الإباء ولا الهوان

فاسجن وعذّب واستبح. حرماتنا ولك الأمان

همدت حميّتنا على. الجلىّ ومات العنفوان

من رقّ فتحك حازنا. سيف وأحرزنا سنان

والذلّ أطياب العبيد. فما البخور وما اللّبان

والظلم من طبع الجبان. وكلّ طاغية جبان

***

يا أيّها الصنم المدلّ فما. مناه وما المدان

إن الّهوك فربّما فضح. الألوهة ثعلبان

***

بأبي السّهول جمالها كرم. ونعمتها اختزان

المذهبات كما تموّج. في الضّياء الزعفران

عهدي بها أخت الرّبيع. وللمهور بها إران

تلك المروج شذا. وافياء وساجعة وبان

وسنابل للطّير ينقذها. فينفرط الجمان

وثغاء ماشية ويصهل. في مراعيها ... حصان

لا خصبها غبّ ولا سقيا. غمامتها ... دهان

زهراء تجذب كلّ أرض. وهي مخصبة عوان

وشي الغمام فما الطنافس. والحرير وأصفهان

سلمت جباتك، قطننا عاف. وحنطتنا والهيلمان

سلمت جباتك لا الخماص. من الشياه ولا السمان

أغلى من الفرس الجواد. ولا شمات به العنان

لا الزرع يضحك في المروج. ولا يضوع الأقحوان

خرس البلابل والجداول. دلّه الشكوى حزان

***

الضارعات إلى السماء. ولا تجاب ولا تعان

كالأمهات الثّاكلات. فعزّ شم ... واحتضان

وأد الهجير بناتهنّ. فكل روض صحصحان

بين السماء وبينها. ثدي الأمومة واللبان

نسيت أمومتها السماء. فما يلمّ بها حنان

***

أممزّقّ الأرحام لا يبني. على الحقد الكيان

غرّب وشرّق في هواك. وخن فمثلهم يخان

واغز الكواكب بالغرور. فأنت منصور معان

بالخطبة العصماء تقتحم. المعاقل والقنان

والشتم من آلات نصرك. لا الضراب ولا الطّعان

ولك الفتوح المعلمات. ومن بشائرها عمان

كافور طاغية وفي. بعض المشاهد بهلوان

من أنت في الحلبات. تقحمها إذا احتدم الرّهان

فضح الهجين بشوطه. لؤم المنابت والحران

من أنت؟ لا المجد الأصيل. و لا شمائله اللّدان

لا العبقرية فيك مشرقة. ولا الخلق الحسان

لا الفكر مؤتنف العطور. ولا البيان ولا الجنان

لا السرّ عندك أريحي. المكرمات ولا العلان

من أنت؟ إن ذكر العظام. ورنّح الدّنيا افتنان

من أنت؟ .. لولا صوبة. الطّغيان، أنت إذن فلان

***

كافور عرشك للفناء. وربّما آن الأوان

الخالدان ولا أعد. الشمس شعري والزّمان

وهاتان قصيدتان مؤثرتان في وصف جبروت الرئيس جمال عبد الناصر، فقد كتب د. محمد الجوادي رحمه الله يقول:

القصيدة الأولي.. قصيدة فرعون التي كتبها البطل يوسف صديق ( يساري)..

لا يتحدث الكثيرون عن دلالات قصيدة فرعون التي نظمها البطل يوسف صديق في الرئيس عبد الناصر وموجها الخطاب إليه مباشرة بوصفه فرعون مصر، وهي قصيدة قد توصف بالضعف الفني، لكن محتواها الصادق والمفارق لا يدع لهذا الوصف سبيلا، فقد لقيّ البطل يوسف منصور صديق من الرئيس جمال عبد الناصر مثل ما لقي الرئيس محمد نجيب والآخرون، ومن الطريف أن الناصريين ابتدعوا في تاريخهم فكرة أن الرئيس محمد نجيب لم يكن يستحق المجد لأنه كان واجهة للثورة فحسب، فما بالنا بالرجل الذي أنقذ الثورة، وأنفذها ونفذها بكل بطولة وجسارة وحب وهو البطل يوسف منصور صديق. فلماذا أهانوه، وسجنوه، وعذبوه، وسجنوا زوجته، وأهالوا التراب عليه وعلى التاريخ المشرف لمن كانوا معه من اليسار؟ 

هذه أبيات من تلك القصيدة التي كتبها ذلك البطل اليساري يوسف منصور صديق بنفسه عن مأساته هو وزوجته (السيدة علية توفيق) في سجون الرئيس عبد الناصر، الذي كان أول حاكم مصري يسجن الضباط في السجن الحربي. 

كما كان، بلا فخر، أول من سجن السيدات المصريات.

ومن الطريف الذي يتناقله الشباب أن هذا لبطل كان في وسعه أن يستولى على الثورة التي نفذها ليلة 23 يوليو\تموز لأنه ببساطة شديدة هو الذي قاد القوات واستولى بها على مقر القيادة، بينما كان عبد الناصر وعبد الحكيم عامر متنكرين في زيهما المدني بالقرب من موقع تحركات الثورة، وهو ما دفع بأحد جنود يوسف صديق إلى الارتياب فيهما والقبض عليهما واصطحابهما إلى من كان واضحا أنه قائد الثورة وهو يوسف صديق نفسه، الذي أطلق سراحهما وكان بوسعه أن يتركهما يعدمان على يد الثوار بسبب حركتهما المريبة، وهو المعنى الذي أشار إليه بوضوح شديد في القصيدة، التي تُعد ببساطة شديدة قبسا من النور الكفيل بتبديد الظلم الناصري لبطل أسطوري:

يوسف منصور صديق 

ألا أي هذا الدعي اللعين

ألا أي هذا الشقي الحرون

لبست المسوح وضللتنا

ولما حكمت كشفت الفنون

أ فرعون مصر وجبارها

صحوت لها من وراء القرون

وناديت في الناس أني إله

وأنتم عبيد ولي تسجدون

سجنت النساء ولم تحترم

وقار الشيوخ وطول الذقون

أعرضي يباح، ويلقي به

على ناظريك بقاع السجون

وكل رجالي غدرت بهم

أكل رجالي من المجرمين؟

ولما وقعت وعبد الحكيم

بأسر رجالي وما يعلمون

وقد كنت مختفيا في ثياب

تباعد عنك مثار الظنون

فأنقذت روحيكما من هلاك

ورحت بروحي ألاقي المنون

أحقق في الله ما أبتغي

وما كنت أحبكم تبتغون

والقصيدة الثانية هي قصيدة الزعيم اليمني العظيم الشاعر محمد محمود الزبيري في عبد الناصر 

هذه القصيدة حافلة بوصف ضجر اليمنيين من عبد الناصر وحاشيته وعاصفته، وهو ضجر امتد حتى شمل السلال والضباط الذين ذهب جمال لنصرتهم، فإذا به هو والملك فيصل عليهما الرحمة يحيلان اليمن إلى أرض محروقة؛ فلما حاول الزبيري، وهو مثقف اليمن الأول وشاعرها، ووزير معارفها ونائب رئيس وزراء الثورة فيها النأي باليمن عن العسكر والملكيين استشهد نهارا جهارا عيانا بيانا، في ١٩٦٥ لكنه ترك من الوطنية والشعر مالم يصل إليه عربي آخر في العصر الحديث، لولا أن مصر شوفونية ولولا أن العالم الحر أعشى !!! ولله الأمر من قبل ومن بعد!!

يقول الزبيري بدون ذكر للأسماء:

العسكري بليد للأذى فطن. كأن إبليس للطغيان رباه

عن الحقيقة أعمى ليس يبصرها وللنصيحة يبقى فاغراً فاه

كل الحقائق عنه صارت مغيبة.الا حقيقة أن "الحاكم" الله

تراه يطرب في سماع سيده وينفجر غضباً إن قلت أواه

ودائماً يسعى في كد وفي تعب وفي النتيجة لا مال ولاجاه

يحمي اللصوص به بعض عورتهم فإن تخلى عن بابهم تاهوا

يرمي الرصاص على الأطفال مبتهجاً ويرتمي ليقبل رجل مولاه

للاقتراع يساق خاضعاً فرحاً كما يساق خروف نحو مرعاه 

جلاد مصر:

وكتب الشاعر الشهيد هاشم الرفاعي عشر قصائد طبعت تحت اسم الديوان الممنوع كله في فضح جرائم عبد الناصر...

وها هو الزمان قد استدار كهيئته، بل في أشنع ما يمكن من أفعال إجرامية ظالمة طاغية، تصلح معها هذه القصيدة المعبرة.

قصيدة جلاد مصر:

تقول كلمات قصيدة جلاد مصر لـ هاشم الرفاعي:

جـــلادَ مـصــرَ ويا كـبـيـر بـغـاتـهـا *** مــهــلا فــأيــامُ الــخــلاصِ دوانــــي

مــن أيِّ غـاب قــد أتـيـتَ بِـِشِـْرعـة *** مـا إنْ يُسـاس بهـا سـوى الحـيـوان

وبــأي قـانـون حـكـمـت فـلــم تــدع *** شـيـئـا لـطـاغـيـة مــــدى الأزمــــان

أبــرأيــكــم؟ والله يــشــهــد أنــــــه *** فــيــه الــهــوى والــغــيُّ يلـتـقـيـان

أم ذاك رأيُ الشـعـب وهـــو مـكـبـَّلٌ *** فـحـيـاتــه والـــمـــوت يـسـتــويــان

قـد بـات مثـل الـزوج مخدوعـا متـى *** يـعـلــم فـبــعــد تــحــدث الـجــيـران

لـو كــان عـهـدُك قـبـل عـهـد محـمـد *** لَلُعِـنْـتَ يــا فـرعــونُ فـــي الـقـرآن

فــي ظــل فـتـرة الانتـقـال بـنــا إلـــى *** دار الـبــقــاء ورحــمـــة الــديــان

هجـر القضـاء الحـر مجـلـس دولــةٍ *** قــد نــام مـــلء الـعـيـن والأجـفــان

وأُضـيـع دسـتـورُ الـبــلاد وحـقـهـا *** فــــي بـرلـمــان ثــابـــت الأركـــــان

نـيـرونُ لـــو قـيـسـت بـكــم أفـعـالُـه *** سـيـكـون ربَّ الـخـيـر والإحــســان

يــا رُبَّ مغـلـوب يـنــام عـلــى الأذى *** لــكـــنْ بـمـقـلـة ســاهــر يـقـظـان

لا يُغْـريَـنَّـكُـمُـوا بــضـــرب رقـابــنــا *** هــــــذا الــســكـــونُ فـــإنــــه لأوان

ومن العواصـف مـا يكـون هبـــوبُهـا *** بـعــد الــهــدوء وراحــــة الــربــان

إن احتـدامَ النـار فـي جـوف الـثـرى *** أمــــر يـثــيــرُ حـفـيـظــةَ الـبــركـان

وتَـتَـابُـعُ الـقـطــراتِ يـَـنــزل بــعــده *** ســيــلٌ يـلــيــه تــدفُّــقُ الـطـوفــان

كــم مـن قـــويٍّ ظـالــم قــد نـالـه *** مـن شعبـه مـا ليـس فـي الحسـبـان

فـتـَّشــتُ لــــم أر مـسـتـبـدا نـاجــيــا *** دمـــعُ الضـحـايـا فـاحـشُ الأثـمـان

عرف الشيشكلي قبلكـم فـي سُورِيَـا *** مـــاذا وراء الـصـمـت والإذعــــان

فـاروقُ لـم يـكـن الخـيـالُ يــراه فــي *** يــومِ الـخـروج يـجـرُّ فــي الأحــزان

مـــا كــــان فـيـنــا حــالــمٌ بـنـزولــه *** عــن عـرشـه فــي لحـظـة وثـــوان

لـكـنــه ظـلـمُ الـطـغـاةِ شـعـوبـَهــا *** جـعـلَ الحـيـاة تــدبُّ فــي الجـثـمـان

مصادر الدراسة:

١_ الموسوعة التاريخية الحرة.

٢_ موقع الجزيرة نت.

٣_ ديوان بدوي الجبل.

٤_ ديوان هاشم الرفاعي: محمد حسن بريغش.

٥_ ديوان نزار قباني.

٦_ ديوان عمر أبو ريشة: دار العودة في بيروت.

٧_ مواقع إلكترونية أخرى.

وسوم: العدد 1101