يُناور الخرابَ، الشّاعرُ (مئةٌ من أحواله النارية)
الشاعر المغربي جواد المومني في:
يواصل الشاعر المغربي جواد المومني القبض على جمر الخلق بيديه، ويسجو عليه بكامل جسده كما تسجو الأم الرؤوم على وليدها، حتى لا تمسسه ريح الوقت، وهي من الرقد أقرب ومن العكس أدنى، فيخبو الأوار ويمسي أثراً بعد عين. يسف الرجل بالأصابع، أصابعه، الكلمات كما يسف الخوص والحصير وكما يحاك الخيط قبل أن يستوي زرابي مبثوثة للمجانين الغانمين... ديوانه الجديد الذي منحه عنوان: «يُناوِرُ الخرابَ، الشاعرُ. (مئةٌ منْ أحواله النّاريّة)» والصادر عن دار القلم بالرباط برسم سنة 2025، جاء من أحواله ومراتبه تلك.
***
إضاءة
لم يكن أبداً مُخطئاً "نيتشه" حين صاح: (كل الأفكار العظيمة تُولَد أثناء المَشي)، فلحظاتُ الهدوء، إنصاتٌ للدواخل وتَحرر من الضغوطات وتَخفيف قوي لكل ما ثقل على الذات أو تَراكمَ عليها؛ لِيَغدو المشيُ عُبوراً مُلهِماً و ذَهاباً حثيثاً نحو الصوت والصمت الجُوانيّين.
ما حصل في ديواني الشعري الجديد «يُناور الخرابَ الشاعرُ - مئةٌ من أحواله النارية»، هو ذاك بالفعل ومُماثلٌ؛ إذ أتَت نُصوصُه/شذراته المئة (والحقيقة أنهما عُنوانان شعريان فقط في الديوان) مرتبطة بالمشي، وبالاختلاء إلى الذات، وبالتماهي مع ما يَتَوالد ويَتَولّد مع كائناتٍ لا مَرئية، أتّحِد بها.
وحضورُ "الشاعر" هنا، تِيمَةً وحيدةً، لاعتباره الكائن الفذ، الرّائِي، القادر على فكّ طِلِّسْمات النوازل، والذي ترتاده الأحوال النارية، الغريبة، لِيَصُوغها (أو بعضها) إلى حقائقَ مُبَشّرةٍ بالْعِتق الروحي وبتَفاصيلِ الجِنان الغائبة.
وقد جَدّد هذا العمل روابطَ مَتينةً بشخصين ٱثنَين غاليين:
- الصديق الأستاذ الشاعر، نور الدين ضرار، الذي أضاء بنور حِبره بعضاً من العتمة، حين رصد مَكامنَ قد أكون غفلتُها، وحدّد لتفاصيل الكتابة أقداراً مُغايرة، في تقديمه للديوان.
- الصديق المُبدع، الروائي و التشكيليّ المتعدد: محمد الهجابي، حين مَهّرَ عملي الشعري بلوحةِ غلاف أنيقةٍ، أناقةَ رُوحِه الطيبة؛ تَمديداً منه لسُمو التعالق الإنساني، و تأكيداً منه على أن التشكيل تعبيرٌ مُمتد زمكانيّاً، وشَطحٌ بَصَريّ نَاهِلٌ من الوضع (الكتابة) ومِن الخَلق، بشكل عامّ.
امتناني العميق لكل من ساهم في الإخراج النهائي للديوان الشعري الحالي.
وأنا أجْتَرحُ هذه السطور، كُلُّ تفكيري مَاضٍ صوب أرضٍ و شَعب أبِيّين، يُسطِّران في زمننا الْأغبَر، مَلحمةً خُرافية لِلشرف، ذَبّاً و ذَوْداً عن الحِياضِ والنبض (الكائن الفلسطيني الحُر) في استبسالٍ قَلّ مَثيلُه، وهما يواجهان غَطرسةً جَبّارةً مُرَكّبَة، ومُتَكالبة، صهيونية إمبريالية رجعية..
المجد والخلود للشهداء، وكل النصر للقضية العادلة.. (أَقَلُّ الْأَقَلِّ، وَجَبَ التنويه).
***
اختار لنا الشاعر جواد المومني من ديوانه هذه الباقات:
لَنْ نَفْهَمَ الشَّاعِرَ أَبَداً.
فِي الْغَيْمِ يَهِيمْ،
مُدَثِّراً نَوَايَاهُ بِرَأْسِ نَخْلَةٍ؛
يَظَلُّ كَالنَّسْرِ مُحَلِّقاً،
وَإِنْ حَطَّ،
بَيْنَ الْأَحْرَاجِ يُقِيمْ.
4-
اَلشَّاعِرُ
فِي حَفْرِهِ صَوْبَ الضَّوْءِ؛
يُصَاحِبُ
نَوَايَا الْبُرُوقِ،
يَحْتَمِي بِتَعْرِيشَةِ الْوَمِيضِ
وَ
يَنَامُ
فِي
حِضْنِ الْوَهَجِ
الصَّدُوقِ.
14-
عَلَى بَيَاضِ
قَلْبِهِ
يُسَوِّدُ
الشَّاعِرُ
أَسْفَارَهُ،
إِذِ الْمَحَطَّاتُ
مَحَابِرُ
نَبْضِهِ.
20-
إِنْ قُدِّرَ لِلْفَرَحِ
أَنْ
يَطْرَقَ الْأَبْوَابَ،
فَانْتِظَارُ
الشَّاعِرِ
سَيَطُولُ!
21-
صَادِقٌ
مَتَى يُحَاذِي الشَّاعِرُ
نَجْمَةً.
كَاذِبٌ
حِينَ يُهْدِيهَا
حَبِيبَتَهُ!!
30-
اَلْمَجْدُ، كُلُّ الْمَجْدِ
لِنَهْرٍ
رَافَقَهُ الشَّاعِرُ
فِي مَجْرَاهْ.
خَيَالُ
الشَّاعِرِ
لَا يَنْضُبُ.
وللإشارة، ففي منجز الشاعر جواد المومني مجموعة دواوين شعر، نذكر منها:
.
- تاريخ دخان وصداقة ريح، مطابع الرباط- نت (2014)
- ذواتٌ يمتطيها الظّل (نسيج المُرار)، محكيات ذاتية، مطبعة سجلماسة الزيتون، مكناس (2017)
- أول البوح…آخر الصمت، مطبعة صبري، الدار البيضاء (2018)
- حَرّرتُها من عِطر البحر، مطبعة صبري، بالدارالبيضاء (2019)
- رَيثَما يَعتريني الحَجَر، المكتبة العربية للنشر والتوزيع، القاهرة، (2020)
- أما بعد، منشورات إديسيون بلوس، الدار البيضاء (2024)
وسوم: العدد 1114