كلمة عن (موسوعة القول المكتوب في تاريخ الجنوب) (ثلاثون مجلدًا)
إنَّ كتاب القول المكتوب في تاريخ الجنوب، لمؤلفه الأستاذ الدكتور غيثان بن علي بن جريس الجبيري الشهري من الخزائن المعرفية المهمة التي وثقت آلاف الصفحات من تاريخ وحضارة جنوب شبه الجزيرة العربية، وخصوصًا البلاد التهامية والسروية الواقعة بين اليمن والحجاز. وأقول أيضًا: إنَّ مكتبةً تخلو من هذا الكتاب التاريخي الحضاري، الذي لا يوجد له نظير في الديار الجنوبية السعودية طولًا وعرضًا، لتعتبر مكتبة فقيرة لا تزال قابعةً في أماكن الركود ومجال التخلف.إنَّ هذا الكتاب الموسوعي إنْ جاز لي أنْ أسميه بالحزمة أو القوزة. فما هي الحزمة؟، وماهي القوزة في مفهوم أهل الجنوب (من مكة المكرمة والطائف إلى جازان ونجران وما جاورها)؟. فالحزمة: ربطة كبيرة من الحطب تجمعها المرأة من كل أشجار الجبال والأودية، فتكون حزمة كبيرة تحتوي على معظم أعواد وأنواع النباتات الصالحة لاستخدامها في إشعال النار والاستفادة منه. وذكرت الحزمة وغالبًا تحملها النساء على الظهر. أما القوزة فهي تشبه الحزمة في الشكل والمحتوى، ويحملها الرجل على أحد كتفيه.وهكذا شبهت هذا الكتاب العظيم بهما؛ لاحتوائه على مجموعة كثيرة وعظيمة جدًا من العلوم التي تبين لنا أحوال منطقة غالية على قلوبنا وقلوب كثير من أبنائها وغيرهم، ألَّا وهي جنوب بلادنا الغالية (المملكة العربية السعودية) .
إنَّ هذا الكتاب الكبير الذي يقع في ثلاثين مجلدًا حتى الآن (١٤٤٦هـ / ٢٠٢٥م) وثق ودرس وتحدث عن حياة معظم قبائل المنطقة الجنوبية، وعاداتهم، وأنسابهم، وحرفهم، وصناعاتهم، وثقافاتهم، ومعارفهم، وعلومهم، ومسميات الكثير من الأطعمة والأشربة، والألبسة والزينة، والعادات والتقاليد والأعراف، والفنون الشعبية، والألعاب الرياضية، ونجد في هذا الكتاب الكبير موضوعاتٍ أخرى كثيرة سياسية وعسكرية، واقتصادية، وتاريخية، وحضارية، واجتماعية، وعلمية، وثقافية، وأدبية، ومعرفية، وسياحية، وإعلامية، وغيرها من فنون العلم والمعرفة. ولا أبالغ إنْ قلت إنَّ هذا الكتاب موسوعة أتت على معظم ما يتعلق بالجنوب في العصور الإسلامية المبكرة والوسيطة والحديثة والمعاصرة، وأحيانًا في عصور ما قبل الإسلام. وصاحب هذا الكتاب (ابن جريس) -أطال الله في عمره- لم يكتف بطبعه مرة واحدة بل قام بطبعه مرات عديدة، وإنْ دل هذا على شيء، فإنَّما يدل على حرصه على خدمة بلاده وأهلها، بل وخدمة طلاب العلم من الباحثات والباحثين. وأعلم أنَّه مازال مواصلًا في هذا المشروع العلمي العظيم حتى كتابة هذه السطور، وقد أولاه جل وقته واهتمامه، وبذل كل ما في وسعه نفسيًّا وعقليًّا وجسديًّا وماليًّا في انجاز و انجاح هذا الكتاب التوثيقي الجيد، بل إنَّه اجتهد في رصد وتوثيق أشياء كثيرة من أحوال المنطقة، وجمع ماضيها بحاضرها، وأظهر ما كان يخفى على الكثير من النا س، وبخاصة الذين يهتمون بالتاريخ والتراث والحضارة ويتذوقون القراءة والغوص في معارف علوم الناس ونواحي الأرض.إنَّ هذا الكتاب لحري أنْ يكون من أعز المقتنيات التي يفخر بها الإنسان، خاصة كل سعودي جنوبي (تهامي، وسروي) يعتز بتاريخ أرضه وموطنه ودياره التي ينتمي إليها، ولاسيما إذا كان القائم على هذا الكتاب الموسوعي من أبناء جنوب المملكة العربية السعودية، فقد عاش وترعرع على سهولها وجبالها وأوديتها، وأكل من خيراتها وشرب من آبارها وأوديتها وعيونها، ويعرفها ومتأكد من كل ما يقوله عنها، وما يرصده ويوثقه ويدونه هذا الابن البار (غيثان بن علي بن جريس)، الذي لا يقول إلَّا صدق الأخبار، وحقيقة المقام والمقال، فهو جادٌ ومجتهدٌ في خدمة بلاده وسكانها بالعلوم الطيبة النافعة، وأسأل الله ألَّا يحرمه أجر عمله وما قدم لبلاده. ولا نقول إلَّا بارك الله لك يا أخي غيثان في مسعاك، فقولك المكتوب يؤتي أكله، وأدعو الله رب العرش العظيم أنْ يوفقك ويرعاك، فهذا عملك العلمي الذي استغرق عقودًا عديدة يزهو بأجمل حلله، وساطع التوفيق قد أتاك في مفرد اته وجمله.فهنيئا لك يا (مؤرخ تهامة والسراة) على هذه الجهود العلمية المباركة، وبلَّغك الله مُناك، وكل مخلص مثلك في عمله، وخدمة دينه وبلاده.
وسوم: العدد 1115