قراءة في كتاب : عسير في الوثائق العثمانية للدكتور غيثان بن جريس وآخرين
اطلعت على كتاب الدكتــور غيثان جــــريس وآخرين. الذي صــدر حديثاً بعنوان"عسيــــــــر في الوثائــــــق العثمانيــــــة (1300ــ1327هـ / 1882ــ 1909م)"، الذي كان في مجلدين، في أكثر من (1160) صفحة من القطع المتوسط. وهذا العمل ترجمة ( 424 ) وثيقة عثمانية إلى اللغة العربية. فالجزء الأول يحتوي على المقدمة الرئيسية للجزئين، ثم ترجمة (231) وثيقة. والجزء الثاني يشتمل عــلى الخاتمة العامة للمجلدين وترجمة (193) وثيقة أخرى.
عندما ندرس التاريخ الحديث لمنطقة عسير، نجد أنَّ العثمانيين وصـــــلوا إلى هذه البلاد في بدايات القرن( 13هـ / 18ــ 19م )، واستمــــروا في صراعات مستمرة مع أهل البــــــلاد. وفي ثمانينيات القــــــــرن الثالث عشر الهجـــري سيطروا على معظـــــــــم بلاد تهامــة والســـــــراة إداريًّا وعسكريًّا حوالي خمسين عامًا، واتخذوا من مدينة أبها مقرًا رئيسيًّا لإدارة البلاد، واطلقوا عليها اسم (متصرفية عسير). وهذه الوثائـــق المترجمة في هذين الجزئين تشرح تفصيلات كثيرة عن تاريخ تلك المتصرفية (منطقة عسير) خلال السبع وعشرين سنــــــة الأولى من القرن الرابع عشر الهجري (1300ـــ1327هـ/1882ـ 1990م).
اطلعت على مادة هذا الكتاب فوجدتها مادة علمية جيدة من مصادر تاريخية أساسية باللغة العثمانية وجرى ترجمتها إلى اللغة العربية. ومعظم المعلومات الموثقة مازالت تستحق الكثير من الدراسات والتوثيقات والتحليلات العلمية. والباحثون الذين أنجزوا هذا البحث اكتفوا بترجمـــــــة النصوص العثمانية إلى العربية، وكنت أتمنى أنَّهم أجروا دراسة علمية
وتحقيقات رصينة لهذه الوثائق العثمانية الأصلية التي تعكس صفحات تاريخية وسياسية وعسكرية وحضارية مهمة حدثت في بلاد عسير خلال الفترة المشار إليها في عنوان الكتاب. وأرجو من أصحاب الدراسة أو باحثين آخرين أن يدرسوا هذه الوثائق علميًّا ولغويًّا وتوضيحيًّا وتحليليًّا حتى تكون فائدتها أشمل وأفضل وأعمق. وجدت صعوبة في قراءة المادة المترجمة، والمنشورة لكثرة التفصيلات المطبوعة، وكذلك لأنني غير متخصص، لكن من خلال الاطــــلاع على مقدمة الكتاب وخاتمته خرجت ببعض النقاط الرئيسية، وأذكر شيئاً منها في العناصر الآتية:
/ 1إنَّ متصرفية عسير، أو عموم بلاد تهامة والسراة مازالت بحاجة كبيرة إلى دراسة تاريخها وتراثها وحضارتها خلال القرون الإسلاميـــــــة المختلفة. واتضح لي أنَّ هناك الكثير من المصادر والمراجع العربية وغير العربية التي يوجد فيها مادة علمية جيدة عن تاريخ هذه البلاد خلال العصر الحديث وبخاصة في القرنين (13ـــ 14هـ/ 19ـــ 20م) . ونأمل من الباحثين والمتخصصين أن يبذلوا جهودًا جادة وكبيرة في خدمـــــة هذه البلاد من خلال المواد العلمية الرئيسية كالمخطوطات والوثائق والآثار وغيرها.
2 / يبدو أنَّ تاريخ جنوب المملكة العربية السعودية قبل القرن (13هـ/19م) غير معروف، ولا يوجد عنه بحوث ودراسات علمية رصينة في هذا المجال. ولا يعني ذلك أنَّ هذه البلاد ليس لها تاريخ وحضارة قبل الإسلام وبعده حتى نهايــــــة القرن (12هـ/18م). فالذاهب في أرجاء هــــــذه الأوطان يرى الكثير من المعالم الجغرافية والآثار المادية القديمة التي تؤكد على وجود تراث وتاريخ وحضارة قديمة. وأعتقد أنَّ المؤرخيـــــــن والمؤلفين وكُتَّاب التراث الأوائل لم يهتموا بهذه البلاد في مدوناتهم ومؤلفاتهم.
3 / بعد قيام الدولة السعودية الأولى، وظهور إمارات محلية في أرض تهامة والسراة، ثم وصول بعض القوى الإسلامية والأجنبيـــــــة إلى هذه البلاد خلال القرن (14هـ/19ـــ 20م)، أصبحت المصادر التاريخية المكتوبة متوفرة للمؤرخين والباحثين وغيرهم.
4 / إن موثقي هذه الدراسة قدموا لنا صفحات عن تاريخ منطقة عسير وما حولها خلال العقود الثلاثـــة الأولى من القرن الهجــــــــري الماضي، ويشكرون على ذلك وأعتقد أنَّه مازال هناك الكثير من الوثائق العثمانية، والعربية، والأجنبية التي لم تخرج للناس حتى الآن. ونرجـــــــــو من الجامعات المحلية في جنوب المملكة العربية السعودية، ومن أقسام التاريخ والحضارة تحديدًا ، ومن مراكز البحوث المتخصصة أن يلتفتوا لهذا النوع من المصادر الأصلية فيحصلون عليها، ويترجموا ما يحتاج ترجمته، ودراسة وتحقيق وتحليل المصادر العربية الوثائقية المحفوظـــــــة في الأراشيف الداخلية والخارجية.
5 / نجد أنَّ المترجمين والدارسين لهذا العمل العلمي قد ذكروا معلومات لا بأس بها عن مناهجهم في الترجمة والدراسة بهذه الوثائق، وكيفيـــة فهرستها، وشيئاً عن موضوعاتها، ومصادرها، ولمحات من إيجابياتها وسلبياتها.
6 /إنَّ القائمين على هذا العمل العلمي حددوا مادة كتابهم في العقدين والنصف الأولى من القرن (14هـ/19ـــ20م)، ولا أدري هل ســـــــوف يستكملون هذا النوع من الوثائق إلى نهاية عصر الدولة العثمانية في عسير. ونأمل أن نراهم أو غيرهم يهتموا بجمع وترجمة ودراسة وتحقيق الوثائق العثمانية في جنوب شبه الجزيرة العربية، وبخاصة السروات وتهامة، خلال القرن (13هـ/19م) وهذا الذي نرجوه ونتطلع إليه.
ما تم ذكره أعلاه ليس تقليلاً من الجهد المبارك الذي أصدره الدكتور غيثان بن جريس وزملاؤه . ونقول لهم شكرًا وجــــــزاكم الله كــــــل خير، وعملكم هذا قد يفتح مبادرات أو أبوابًا جديدة في مجالات البحوث التاريخية والحضارية عبرعصور التاريخ، والحمد لله أولاً وأخيرًا أن نــــــرى بلادنا ( المملكة العربية السعودية ) مخدومة من مؤرخين وباحثين جادين، وليس هذا الكتاب موضوع مقالتي إلَّا نموذجًا جيدًا من نماذج علمية عديدة في طول البلاد وعرضها.
وسوم: العدد 1119