قراءات وانطباعات عن بعض مؤلفات الدكتور غيثان بن جريس التي صدرت مؤخرا

د. مطلق بن محمد شايع عسيري

gsggfg1120.jpg

أولا - انطباعاتي عن كتاب : ذكريات طالب مبتعث في أمريكا وبريطانيا

( ١٤٠٠ - ١٤٠٩ هـ / ١٩٨٠ - ١٩٨٩م )

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: فهذه مجموعة من الانطباعات التي سجلتها بعد قراءة متأنية للكتاب المشار إلى عنوانه ومؤلفه الكريم أعلاه :
1ــ لقد كنت أقرأ في هذا الكتاب قراءة مستمتع بما تضمنه من معاناة كبيرة، مر بها مؤلفه أثناء
رحلته الدراسية، وقد تبين لي عن قناعة أنَّ ما وصل إليه أ. د. غيثان من رقي علمي
معرفي، ومن أبحاث وإصدارات علمية رصينة وكثيرة ـــ كان بتوفيق الله ــ تعالى ـــ أولاً، ثم بعد
هذه المعاناة الكبيرة، وهذا الجهد العظيم الذي بذله خلال سني دراسته .


2ـــ أعجبني ذلك الرصد الدقيق والشامل لتفاصيل كثيرة مر بها الباحث وعايشها، منذ طفولته
ومروراً بمراحل دراسته المختلفة، وقد التقط الباحث أطراف الحديث عنها، وسجلها في كتابه
بكل موضوعية .


3ـــ أعجبتني تلك الروح الإسلامية التي لا تستغرب من باحث مثل" أ. د. غيثان" وذلك في
إشارته إلى خطورة التغريب على أبنائنا المبتعثين، ممن يذهبون للدراسة في الغرب، وهم غير
محصنين بأساس ديني وفكري رصين، يحميهم من مخاطر الانزلاق خلف الأفكار التغريبية
الخطيرة، والتأثير ببعض الأساتذة الذين يحملون فكراً هدّاماً، وعداءً صريحاً للإسلام.


4ــ كما أعجبني ذلك الحس الإسلامي لدى الباحث، وذلك في نقده لبعض المظاهر الاجتماعية
المصادمة للإسلام، مثل: الربا، والخمور، والتفسخ والانحلال، وفساد المرأة الغربية، وغير
ذلك من مظاهر الانحراف، التي كان ينتقدها الباحث برؤية المسلم البصير
5ـــ شدتني تلك المقارنات والموازنات التي أجراها الباحث بين الدراسة في أمريكا، وفي بريطانيا،
وبين الجامعات في الدولتين، وهي مقارنات لم تأت من فراغ، وإنما جاءت بعد تأمل ودراسة
وتجربة وبعد نظر.


6ــ سرتني تلك التوصيات الإيجابية التي أسداها الباحث لكل طالب يرغب في الابتعاث
للدراسة في الغرب، ومثل أ. د. غيثان ممن يستفاد من خبرته وتجربته.


7ـــ كان" الباحث" وفياً ومنصفاً لوطنه الكريم الذي ابتعثه وقدم له كل ما يحتاج أثناء دراسته،ولغيره من الطلاب المبتعثين .


8ـــ لاحظت أن الباحث كان يشير ـــ أحياناً ـــــ إلى اطلاعه على بعض الكتب والبحوث التي لها صلة ببعض الموضوعات الوارده في بحثه ، دون أن يشير في المتن أوالهامش إلى نماذج من تلك الكتب والدراسات ، ــــ وهو الباحث الدقيق الذي يعلم أهمية الإشارة إليها، وفي ذلك مصداقية وقوة لبحثه.وختاماً : فإن مثل هذه التجربة تستحق أن تنشر وتبرز للقراء والباحثين، ليستفيدوا منها، ولا ينبغي أن تظل حبيسة الأدراج، ففيها تجارب مثرية، وفوائد نافعة ، ووقفات يستفيد منها الباحثون. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ثانيا - قراءتي وانطباعاتي على أربعة مؤلفات أخرى

أخي الكريم الأستاذ الدكتور/ غيثان بن علي بن جريس وفقه الله . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فجريا على عادتك الكريمة النبيلة عند ظهور إصدارتك المباركة ــ تلقيت ببالغ الامتنان والشكر والتقدير بتاريخ (3/8/1446هـ ) أربعة من إصداراتك القيمة التي ألقيت على محتوياتها نظرة تصفحية، من خلال قراءة سريعة لعناوين أبوابها وفصولها، ولبعض صفحاتها، وقد استوقفني تلك الغزارة العلمية التي اشتملت عليها، ولفتت نظري دقة التوثيق العلمي فيها، والحرص على ربط المعلومة التاريخية بمصادرها الموثوقة، وتزويد تلك المؤلفات بكم كبير من الملاحق والصور والخطابات التي كان يتواصل بها الباحث مع عدد من الباحثين والمثقفين والمسؤولين والمهتمين بموضوعات أبحاثه، كما لفتت نظري تلك المقدمات الشاملة التي تعدّ كل مقدمة منها كشافاً يكشف عما اشتملت عليه أبواب الكتاب وفصوله، إلى جانب تصدير كل كتاب بفهرس شامل يتضمن محتوياته بشكل مفصل ودقيق، وكل ذلك يدل على المنهجية العلمية التي يتبعها،(أ. د. غيثان بن علي بن جريس) في مؤلفاته، وليس ذلك بمستغرب من باحث أفنى أغلب سنوات عمره في خدمة البحث العلمي ـــ وفقه الله إلى كل خير، ونفع بعلمه وعمله ــ إنه سميع مجيب .

أما الإصدارات التي شرفت بتلقيها من أستاذنا الكريم فهي:


(1) كتاب تاريخ الناس في تهامةوالسراة (1300ـــ1445هـ)، وهو كتاب راصد للحياة السياسية
والعسكرية والإدارية والمالية، وللتاريخ الاجتماعي بكافة مظاهره، وللحياة الدينية والصحية
والسياحية ـــــ في منطقة البحث وخلال فترته الزمنية، كما يكشف الكتاب عن تاريخ التعليم
والتعلم، وعن مظاهر الحياة الفكرية والعلمية والثقافية. ويقع الكتاب في(726صفحة).

(2) كتاب محافظة أحد رفيدة ( جرش قديماً ) ــ دراسات وإضافات وتعليقات ق1ــ
ق15هـ]، وهو كتاب يقع في (646) صفحة ، وقد تضمن الكتاب بعد مقدمته الضافية على
دراسة للمؤلف عن (محافظة أحد رفيدة ـــ جرش قديماً ــ) في بعض المصادر والوثائق، وتبعتها مجموع
من الدراسات للباحثين الكريمين" أ. محمد بن أحمد بن مُعَبِّر" ، و"أ/ عبدالكريم بن علي القحطاني"،
تحدثا فيها عن الاختلاف في اسم "جرش"، وقدما فيها لمحات عن تاريخها القديم والحديث، وعن
مكانها وسكانها، وعن بعض المواقع الأثرية فيها، كما تضمن الكتاب في الدراسة التاسعة والعاشرة
منه بعض المدونات والأقوال لعدد من أعيان رفيدة قحطان، وبعض المهتمين بــ "جرش"؛ كما
تضمن الكتاب في النصف الأخير منه أربع دراسات بحثية، من الدراسة الحادية عشرة إلى الرابعة
عشرة للأستاذ الدكتور/ غيثان فصل القول فيها عن "محافظة أحد رفيدة"، كما شاهدها وسمع
عنها، وأورد فيها بعض المشاهدات والمدونات عن هذه المحافظة، كما أشار إلى بعض البحوث
الجامعية غير المنشورة التي كتبت عن ديار "رفيدة قحطان"، ثم ختم الكتاب ببعض الملاحق
والوثائق والخرائط والصور الفوتوغرافية. ويعد هذا الكتاب وثيقة تاريخية مهمة، تؤرخ لجزء قديم
وتاريخي وأثري في جنوب الجزيرة العربية، وهو إضافة للمكتبة التاريخية التي دونت عن هذا الجزء
الغالي في بلادنا، ويعدّ (أ. د. غيثان بن علي بن جريس) رائداً في هذا الميدان، ومن أقدم الباحثين
وأبرز المعنيين بهذا الجانب.


(3) كتاب [ عسير في الوثائق العثمانية من 1300هـ ـــ 1327هـ]، وهو كتاب يقع في مجلدين
ضخمين، يشمل الجزء الأول منهما على الوثائق العثمانية عن عسير، الموجودة بين عام (1300هـ
ـــ1320هـ) ، ويقع في (606) ستمائة وست صفحات، كما يشتمل الجزء الثاني على الوثائق
العثماني عن عسير والموجودة بين عام (1321هـ ـــ 1327هـ). والغاية من هذا الكتاب الضخم
ترجمة كم كبير من الوثائق العثمانية من الحرف العثماني إلى الحرف العربي، وشارك في ترجمة وثائق
الكتاب وإعداده "أ. د. غيثان بن علي بن جريس"، مع باحثين آخرين: هما "د/ رشاد بن عبدالله
الشهري"، و" د/أنعم بن محمد الكباشي "، ولم تكن غاية الباحثين من الكتاب تحقيق أو دراسة تلك
الوثائق، وإنما التركيز على ترجمة(424) أربع وعشرين وأربعمائة " وثيقة عثمانية مهمة، وتقديم
خدمة عظيمة للباحثين الجادين الراغبين في دراسة تلك الوثائق، والإفادة منها. وقد اشتمل الكتاب
في أوله على مقدمة تعريفية ضافية، تضمنت التعريف بالإمبراطورية العثمانية، وبيان الفترة الزمنية
التي سيطرت فيها تلك الإمبراطورية على بلاد "السروات وتهامة: كما تضمنت المقدمة الحديث عن
المخطوطات والوثائق والمذكرات والسجلات العثمانية، وبيان أهميتها، بوصفها من المصادر
الأولية التي تؤرخ لشبه الجزيرة العربية من القرن(12ه ـــ14هـ)، وهي جديرة بالبحث والدراسة،
وتضمنت المقدمة ــ أيضاً ــ بياناً بتلك الوثائق المترجمة، من حيث موضوعاتها، ومصادرها، وفوائدها،
وإيجابياتها وسلبياتها. ولاشك أن الباحثين بهذا الكتاب الضخم في مجلدين ـــ، والمشتمل على كَمّ
كبير من الوثائق العثمانية المترجمة ــ يقدمون للدراسين والباحثين والمهتمين كنوزاً معرفية وموضوعات متفرقة، تستحق البحث والدراسة، ويكفي ذلك دليلاً على أهمية هذا الإصدار وقيمته المعرفيةوالموضوعية.

(4) كتاب ( القول المكتوب في تاريخ الجنوب) ــ موسوعة تاريخية حضارية من قبل التاريخ ــ ق15هـ" الجزء الثلاثون". يأتي هذا الجزء تتويجاً لذلك العمل الموسوعي الضخم الذي تميز به " أ. د. غيثان بن علي بن جريس" وفاق به أقرانه من الباحثين،وهو العمل الكبير الذي أفنى فيه الباحث " أ. د. غيثان" زهرة شبابه، ونضارة عمره، ولا أبالغ إذا قلت: إن أجزاء هذا الكتاب المتعددة قد طوفت في تاريخ الجنوب من أقصى شمال هذا الجزء الغالي إلى أقصى جنوبه، ومن أقص شرقه إلى أقصى غربه، من خلال رصد توثيقي شمولي للحياة السياسية، والاجتماعية، والحضارية، والفكرية، والثقافية، مدعم بالكتب، والوثائق، والمخطوطات،والمراسلات. ويعدّ الكتاب في أجزائه الثلاثين ــ مرجعاً مهماً للدارسين والباحثين، خلال فترة زمنية تمتد من قبل التاريخ الهجري، إلى القرن الخامس عشر الهجري، وتأتي أهمية الكتاب من خلال تنقيب الباحث في مصادر معلوماتية متفرقة، كثير منها لا يتوفر لأيّ باحث إلا بعد جهد وعناء ومشقة، وهذا ما استطاع الباحث" أ. د. غيثان "بعد توفيق الله وعونه ـــــ، أن يسبر أغوار بحثه، وأن يذلل صعابه، وأن يكشف مغاليقه، فكان لهذا الكتاب من الحضور والإيجابية والشمولية وتحقيق المعرفة بالجوانب التاريخية ـــ مالا يخفى على كلّ باحث منصف.

ويشتمل الجزء الثلاثون من هذا الكتاب ــ الذي يقع في [677 ] صفحة على أربعة أقسام، وقد ضمن الباحث هذه الأقسام آراء عدد من طلابه الباحثين المهتمين بتاريخ الجنوب"، ويبدو أن "أ. د. غيثان " كان حريصاً على استكتابهم في موضوعات متعددة، ذات علاقة بموضوعه، حيث تضمن القسم الأول بحث أ. د. مسفر الخثعمي عن "بلاد تهامة والسراة في عصور ما قبل التاريخ، والعصور التاريخية القديمة" . كما اشتمل القسم الثاني على موضوعين علميين: أولهما عن "الرواية المبكرة عن دخول المسيحية جنوب الجزيرة العربية قبل الإسلام"، بقلم. أ. د/ عبدالعزيز محمد رمضان، و ثانيهما عن "رد أوهام المؤرخين والنقاد حول جنوب الجزيرة العربية والشعر الجاهلي" لـ د/ محمد أحمد فتحي. أما القسم الثالث: فقد تضمن عدداً من البحوث التاريخية واللغوية والتعليمية في جنوب شبه الجزيرة العربية، خلال العصور الإسلامية الوسيطة والحديثة، أولها: بحث "وقفات مع طريق الحج التهامي من جازان إلى مكة المكرمة عند بعض الجغرافيين المسلمين الأوائل (ق3 ــ ق8هـ) بقلم. د/ محمد بن علي عسيري. وثانيها بحث "تسع رحلات مجهولة في الجزيرة العربية" بقلم أ.د/ عباس السوسوة. وثالثها: بحث عن "بعض الأوبئة في قضاء بني شهر (1305هـ ــــ1321هـ) ــ دراسة تاريخية تحليلية " بقلم . أ. د. زهير بن عبدالله الشهري، ورابعها: بحث عن الإدارة العسكرية البريطانية في الحديدة (من ديسمبر 1918ـــــ يناير1921م)، بقلم (جون بولدري)، ترجمة "أ. د/ عبدالودود قاسم . و خامسها: بحث عن " تاريخ التعليم العام والعالي في محافظة القنفذة " ــ خلال قرن (1344ــــ1445هـ) ، بقلم: أ./ غازي بن أحمد الفقيه. أما القسم الرابع من الكتاب فقد اشتمل على (15) خمسة عشر من المقالات التاريخية المتنوعة عن (السراة وتهامة) خلال العصرين القديم والإسلامي، وذلك لعدد من زملائه الباحثين.علماً أن الكتاب لا يخلو من تعليقات أ. د. غيثان بن علي بن جريس على تلك البحوث، التي يبدي فيها آراءه القيمة، وملحوظاته الإيجابية على البحوث الواردة في كتابه .وقد خُتم الكتاب بمجموعة من النتائج والتوصيات التي استنبطها المؤلف من مجموع تلك البحوث، كما ضمن المؤلف كتابه عدداً من الملاحق والوثائق التاريخية.

هذه قراءة انطباعية عن هذه الإصدارات القيمة، التي تفضل عليَّ زميلي العزيز أ. د. غيثان بإهدائها، ــــ كعادته الكريمة مع كل إصدار ـــ حيث تتزين مكتبتي الخاصة بجناح خاص، يحتوي على إصداراته المتنوعة التي يتحفنا بها بين حين وآخر .فله مني فائق الاحترام والتقدير، وصادق الدعاء بأن يتم الله عليه الصحة والعافية، وأن ينفع بجهوده التي قدمها في خدمة العلم ، ويجعلها في موازين حسناته. إنه سميع مجيب . وكتبه : د / مطلق بن محمد شايع عسيري ، الأستاذ المساعد للنقد الأدبي ومنهج الأدب الإسلامي في جامعة الملك خالد سابقا . الأحد (١٦ / ٩ / ١٤٤٦هـ الموافق ١٦ / ٣ / ٢٠٢٥م )

وسوم: العدد 1120