امرأة في ظل الإسلام
بين السرد القصصي و الدعوة
د. نجوى الصافي
نص "امرأة في ظل الإسلام " للكاتبة ابتسام الكيلاني
باقة دعوية جميلة ضمت مجموعة قضايا دينية تتعلق بالمرأة المعاصرة حاولت صاحبته تنسيقها وتقديمها بشكل جذاب و أنيق . وقد راوحت به الكاتبة بين السرد الدعوي و السرد القصصي و لكنها سخرت الأخير لخدمة الأول بشكل واضح وجلي . و قد وجدت أنني لو تناولت رائعة ابتسام الكيلاني هذه كرواية ....كما سماها البعض لظلمتها لأنها تفتقر الى أهم عنصر فن القصة وهي الحبكة .الرئيسية التي تجمع عناصر النص و أركانه ، و لذلك قررت ان أتماهى معها كأدب دعوي هادف يلبس لبوسا سرديا انيقاَ، ويتشح بوشاح خفيف من التشويق المطرز بحبات ناعمة من العاطفة الإنسانية الدافئة . ومن الواضح أن ابتسام الكيلاني على ثقافة أدبية عالية و دراية بفنون الأدب و أقسامه فقد ذكرت منذ البداية أن سرديتها هذه ليست قصة حين صرحت في مقدمتها :" الحقيقة أنني لم أقصد كتابة قصة ... و إنما قصدت عرضا واقعيا لحياة امرأة عاشت في ظل الإسلام " [1] كما و ذكرت في الخاتمة :" إنها ورقات ضمت اعترافات صادقة "[2] و الاعترافات هو نوع أدبي يقترب من السير الغيرية التي يقوم على الشخصية الواحدة التي تلقي باعترافاتها إلى الراوي الذي يتقمص شخصيته الكاتب . و قد قسمت الكاتبة نصها إلى ثمانية مقاطع، أسمتها لقاءات، سبقتهم بداية و ختمتهم نهاية . و قد اعتمدت الكاتبة على شخصية صاحبة الاعترافات التي أسمتها زينب في تقديم الشخصيات الأخرى التي تأتي بهم تباعا ، حسب القضية الدينية و الدعوية التي تريد عرضها، و مناقشتها، ومن ثم تركنهم جانبا و هي تفعل هذا مع الأحداث و الحبكات الجانبية فهي جميعا تستجلب عند الطلب ... أما الحوار فهو غالبا بيد صاحبة الاعترافات، وقد يستمر كلامها أحيانا ما يقرب صفحة كاملة، مما قد يبعث الملل في نفس القارئ و قد يكون هذا مرده للتكثيف الفكري ، و كثرة القضايا المطروحة ، فقد عالجت ابتسام في هذا النص اكثر من عشرين إشكالية تواجه المراة المسلمة، كل واحدة منها تصلح أن تكون موضوع رواية من القطع الكبير ... أما اللغة فهي رشيقة سلسة و على مستوى ممتاز من السلامة اللغوية و لكنها ظلت على مستوى أحادي في كل الظروف و عند كل الشخصيات و بأسلوب خطابي عالي النبرة . فقد تساوت لغة البنت اليافعة في و هي في المرحلة الاعدادية مع المراة الناضجة التي تجاوزت الخمسين فنجدها تقارع اساتذتها و تناظرهم في شتى المواضيع و العلوم و نجدها تدافع عن حجابها و هي ترد على معلمتها التي قالت مخاطبة البنات المحجبات :" ألا تخجلن من تلك الأغطية ؟ ألا تشعرن بالاهانة ؟ لماذا تسترن ما خلق الله ؟ .....
قلت : أما لماذا نستر ما خلق الله ؟ فاللباس سمة من سمات الإنسان و قد ميزه الله به عن الحيوانن نشعر بالاهانة فلماذا؟ إننا ننفذ أمر الله و نحن مدركات لحكمته سبحانه، إنني أشعر بالإهانة عندما يكرهني أحد على مخالفة أمر من أوامر الله و أستجيب مضطرة ، و أما ان أستحي من حجابي فلماذا؟ و أنا أدرك أن فيه احتراما و تقديرا للمهمة التي يجب على المرأة أن تقوم بها بعيدا عن إثارة الشهوات و لفت الانظار"[3] و تبدو الكاتبة واعية تماما الى مسألة توحيد اللهجة و الخطاب فنجدها تبرر ذلك في حوار تبدو فيه ابنة الثانية عشرة داعية و مرشدة اجتماعية محنكة قالت أم فاطمة : لكن الذي يمارس السيادة هو الرجل . قلت : و أنت ألا تشاركينه ؟ ألا تناقشينه ؟ ألا تبدين رأيك لقد كان رسول الله صلوات الله عليه يناقشهن و يستشيرهن .. إن سيادة الرجل ليست دكتاتورية و تسلطا و إنما مسؤولية و تكليف ..... قالت ام فاطمة : أنت مع الرجل كما يبدو لي . قلت : لست مع الرجل و لست ضده أنا مع واقع الحياة ، مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها .ثم على أساسها نظمت شريعته الأمور. قالت : عجبا إنك صغيرة جدا على هذا ا الكلام قلت : لا أنا أستقيه من أسرتي من نموذج أعيشه فعلا. " [4]. و قد لا اعتبر هذه عيوبا في سردية ابتسام الكيلاني لاقتناعي أن الكاتبة لم يكن هدفها أن تكتب قصة و لو أنها أرادت لفعلت فهي تملك أدواتها من الدقة للاستنباط والاستنتاج و القدرة على بناء الأحداث و ابتكار الحلول المناسبة ،لكن ابتسام لقد لبست في هذه السردية لبوس الداعية قلبا و فكرا عن قصد و تقصد . و لكن عندما تلامس الفكرة مشاعرها كامرأة و تقترب من أحاسيسها الخاصة نجد الأنثى تتجلى بكل معانيها . ففي المواقف الإنسانية الصعبة مثلا تتنحى قوة الداعية و صلابتها جانبا لتكشف الستار عن ضعف قلب الام و رهافته في أقسى اللحظات التي يمكن أن تمر بأم :"و هرولت ناحية المستشفى، ووجدتها في غرفة الأشعة، و قد تحلق الإطباء حولها، و دخلت ووضعت يدي على جبهتها الباردة ، كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة ... قطرات من عرقها لامست يدي .... خصلات شعرها الأشقر بدت مبتلة ... زرقة لونت جانب رقبتها ، أغمضت عينيها ... و انتهى كل شيء ... ركعت إلى جانبها و أمسكت بيدها و تمنيت أن أبقى هكذا إلى مالا نهاية " [5]نجد العاطفة الصادقة هنا تعطي للحدث طاقة تمثيلية عالية جعلتنا نتشارك معها وجدانيا بشكل كبير
و نجد أن اللهجة الخطابية قد خفت و حل محلها سردا خفيفا رشيقا قصير الجمل يتناغم مع الحالة الشعورية للشخصية ثم تتخافت و تهدأ حتى تصل الى الحزن و التصبر :" لقد كان الأمر فوق احتمالي عندما حملوها إلى مقرها الأخير و رأيت الدموع في عيون إخوتها ، أحسست أن نارا اشتعلت في صدري .... شعورا ما عرفته من قبل ... فقد فقدت الأم و الاب و الأ خ ... و لكنها فلذة كبدي ... و صبرت نفسي ، و تذكرت أن اللقاء قريب آت لا ريب، و في معيته سبحانه تهون الصعاب " قد لاحظنا أيضا ذلك في القسم الأخير من الاعترافات و الذي خصصته لقضية تعدد الزوجات، هذه القضية الحساسة لدى المرأة فقد عالجت الموضوع بفنية عالية و إحساس مرهف بأدق مشاعر المرأة و تمثيلها بواقعية فريدة حيث الأنثى المجروحة تتجلى بكل عنفوانها و جبروتها حين واجهها زوجها بنيته للزواج بأخرى :" قلت و قد أحسست أن الدماء تغلي في عروقي : مما تعبت ؟ و ماذا قررت ؟ و قد شعرت أنني أغوص في هاوية لا نهاية لها ... " قال : تعبت مما أحمل من ميل نحو تلك الفتاة التي تساعدني، العاطفة في قلبي تعذبني، و لا حل إلا باتباع الطريق الذي أحله الله تعالى ... قلت و أنا أحترق : ماذا تقصد بالطريق الذي أحله الله تعالى؟ قال ببرود استفزني : الزواج منها و هل يوجد غير هذا الطريق ؟ و أحسست أن الدماء قد سحبت من جسدي . و أني أهوي إلى قاع سحيق لا نهاية له و خرجت من الغرفة حتى أتمالك نفسي ،....و انصرفت الى المطبخ ...أمسكت بسكين و لم أجد أمامي إلا بصلا أفرمه متظاهرة بتحضير شيء للعشاء، و انسابت أفكاري مع دموعي متظاهرة أنها من البصل ... و عجبت من تماسك أحسسته في كياني و أعماقي .. لن أنهزم ... سأدافع عن بيتي و كياني ... مستعينة بربي راضية بما يرضاه لي سبحانه ... "[6] ثم قررت بصرامة التخلي عنه إذا تزوج " قال : هل تعنين بذلك أنك ستتخلين عني إن أقدمت على الزواج بأخرى ؟ قلت : نعم ولك أن تختار . قال : ألا تظنين أن في تصرفك هذا تجاوزا لحدود الله تعالى ؟ قلت : لا أظن ذلك فهذه حدود طاقتي و الله سبحانه لا يكلفني فوق ما أطيق ..."[7]
لم يكن الشكل الفني هدف ابتسام الاول، و لكن كان مبلغ همها كان تعليم المرأة المسلمة حقوقها و حدودها في كتاب صغير على قدر لا بأس به من التشويق و الحركة يضمن استمرار القراءة و ترسيخ المعلومات التي تريد توصيلها .. و كان لها ما أرادت ... فقد استطاعت. ووفقت في استعراض أهم و أكثر المشكلات التي تتعرض لها المرأة المسلمة و قد ناقشتها بخطاب إسلامي واعٍ و استخلصت لها حلولا من الشرع و علمت المرأة المسلمة كيف ترد على الأباطيل و الاتهامات التي تتخذ من حقوق المرأة ذريعة للطعن الدين الإسلامي الحنيف و كل هذا بحجة قوية و أدلة صحيحة من القران و السنة الشريفة ... إذن .. قد كانت الدعوة إلى الله هي مراد ابتسام كيلاني، كدأب أهلها ال الكيلاني الأفاضل الذين أحبوا صنعة الدعوة حتى تعشقوها ... و على طريقهم آثرت ابتسام الكيلاني أن تظل امرأة في ظل الدعوة إلى الله....
[1] ابتسام الكيلاني –إمرأة في ظل الاسلام ص5-6
[2] ابتسام الكيلاني – إمرأة في ظل الاسلام ص99
[3] ابتسام الكيلاني – إمرأة في ظل الاسلام – ص42-43
[4]23 إبتسام كيلاني – إمرأو في ظل الاسلام - ص
[5] ابتسام الكيلاني – امرأة في ظل الاسلام – ص70-71
[6] ابتسام الكيلاني – إمرأة في ظل الاسلام – ص88
[7] ابتسام الكيلاني – إمرأة في ظل الاسلام – ص90-91