التجديد في ميدان الأدب الإسلامي

د.عدنان علي رضا النحوي

التجديد في ميدان

الأدب الإسلامي

د.عدنان علي رضا النحوي

www.alnahwi.com

[email protected]

 من المنطلق العام للتجديد يمكن أن نرى كيف أن التجديد يمتد إلى مختلف ميادين الممارسة والتطبيق . وكأنه نور يمتد ليشع على كل ممارسات المؤمن ، ممارسته الإيمانية . ونأخذ من ذلك ميدان الأدب لنرى كيف أن التجديد يمتد إليه منطلقاً من نفس الأسس والضوابط والنهج الذي عرضناه في الصفحات السابقة .

 وأول تجديد يتطلبه الأدب في واقعنا اليوم أن يصبح أدباً ملتزماً بالإسلام يأخذ خصائصه الإيمانية والفنية كلها من الإسلام ، ومن وعي الواقع من خلال منهاج الله ، ومن النهج الإيماني للتفكير . إنها الأسس التي يجب أن ينطلق منها تجديد عملي يحمل معه النور والإشراق .

 ظهرت في واقعنا اليوم دعواتٌ كثيرةٌ في الأدب واتجاهات متعددة ، نابعة في معظمها من مبادئ باطلة وثنيةٍ أو مبادئ محاربة للإسلام والإيمان فكراً ونهجاً وكلمة ، كالحداثة بمذاهبها المتعددة : كالرمزية والانطباعية ، والمستقبلية ، وفي مجملها وأسسها تدعو إلى ترك القديم كله ثم السير في متاهة من ضلال يسمونه الجديد والتجديد ، في اضطراب وتناقض . وكذلك ما أتت به النظرية المادية كالمادية التاريخية والمادية الجدلية ، ثم العلمانية والديموقراطية والعولمة ، وكذلك ما أتت به الفلسفات المتناقضة في أوروبا ، مما زاد الأمر اضطراباً في واقعنا الإسلامي ، حيث أصبح لكل مذهب من هذه المذاهب دعاة من بيننا يدعون إليها بنشاط ، وأصبح لهم إعلام يدوي ، كل ذلك أثر في واقعنا اليوم نحن المسلمين .

 لقد درست جميع هذه المذاهب الفكرية والأدبية والفلسفية والاقتصادية والسياسية دراسة مفصلة تقوم على الكتاب والسنة ، لنثبت باطلها بالحجة والبينة من آيات كريمة وأحاديث شريفة. ولقد زاد اطمئناني إلى المنهج الذي ندعو إليه حين رأيت خلال دراساتي هذه إعجاز منهاج الله ـ قرآناً وسنة ولغة عربية ـ وهو يرد رداً ربانياً على هذه المذاهب ، رداً حاسماً مفحماً . فما احتجت في دراساتي للرد عليها غير آيات وأحاديث وشواهد من الواقع .

 وكان من أثر ذلك أن يتجه الأدب عند المسلمين اليوم إلى أدب ملتزم بالإسلام ، يطرح تصوراته ودراساته ونصوصه طرحاً جديداً ، دون أن ننكر وجود بعض الاختلافات في ما يطرح .

 ولكننا نقدم في ميدان الأدب الملتزم بالإسلام قضايا جديدة لترسم نهجاً جديداً . وكمثال على ذلك التصور الإسلامي للملحمة بدلاً من التصور الوثني ، كيف يتولد النص الأدبي ودور الفطرة وقانون الفطرة في ذلك . معنى الأسلوب في الأدب ليختلف عما تطرحه العلمانية من نظرية الأسلوب والأسلوبية ، كيف يتولد الجمال الفني من التفاعل بين الخصائص الإيمانية والخصائص الفنية في فطرة الإنسان ، الخصائص الإيمانية المطلوبة في الأدب الملتزم بالإسلام، والخصائص الفنية المطلوبة . الخصائص الفنية تجعل النص أدباً ، والخصائص الإيمانية تجعله أدباً ملتزماً بالإسلام .

 ومن أهم ما يتطلبه التجديد في ميدان الأدب هو أن لا نقف عند رفض أفكار الآخرين فحسب ، ولكن مع دراستها ونقدها ، ومن ثم بيان أسباب رفضها ، ثم تقديم الفكر الإسلامي البديل والأدب الإسلامي البديل ليكون على مستوى عالٍ من الإبداع والجمال والالتزام ، أعلى من مستوى تلك الآداب التائهة .

 لقد غزت نظريات الأدب الوثنية والعلمانية العالم الإسلامي ، وتبناها أعداد من المسلمين. نعم ! في بعض هذه الآداب قد نجد الجمال الفني المؤثر ، ولكن هذا الجمال يعرض من داخله أفكار شعوبها وفلسفاتها ودياناتها ولا يعرض صوراً إيمانية ربانية .

 الأدب الملتزم بالإسلام يجدد عطاءه ، وهو يطوف في الكون كله ، في الحياة الدنيا ، وفي الحياة الآخرة ، يستقي منها فنونه وجماله .

 نعم ! هذا كله يحتاج إلى موهبة صادقة يهبها الله لمن يشاء من عباده المؤمنين . ولكن الأمة والمجتمع مسؤولون عن رعاية المواهب الإيمانية وتغذيتها حتى تبدع وتجدد .

 ولبيان الفرق بين تجديد وتجديد نتصور أن رجلاً عمل باقة من زهور صناعية ثم بدلها بزهور صناعية أخرى ، وهكذا كلها كانت تفقد جوهر الجمال النابع من الحياة المتدفقة . هذا التصور للتجديد الذي يهواه الكثيرون .

 والصورة الأخرى تراها في الشجرة المغروسة في الأرض ، يتعهدها الإنسان بالري والعناية ، ففي كل سنة تجدد ثمارها أو زهورها ، حية غنية بالحياة .

 ذلك جمال ميت وتجديد ميت ، وهذا تجديد حي ممتد مع الحياة ، يجدد عطاءه في كل موسم .

 إن ذلك التجديد ، كما يسمونه تجديداً ، هو في الحقيقة تبعية لا روح فيها ولا أصالة ولا إشراق .

 والإنسان يجدد فيها هو له ، فيما آمن به ومارسه واتبعه ، فيكون بذلك حريصاً على أن يظل جديداً مشرقاً غنياً . أما إذا كان بضاعة ليست له ، فإنما هي تبعية ذليلة تقتل روح التجديد والإبداع .

 ولا يعني التجديد إلغاء ما يملكه الإنسان إلا إذا كان شراً وفساداً ، فالتجديد حينئذ هو تركه ونبذه ، والأخذ بالخبر والحق الذي يدعون إليه ، واستمع إلى آيات الله تعرض لنا هذه الصورة :

  ﭽﭙ ﭼ الأنبياء

 فهنا كان القوم على ضلال وجاهلية وفساد ، وجاءهم الحق محدثاً عليهم ، ونعم الأمر المحدث هذا . فهنا يجب ترك الباطل وإتباع الحق الجديد . فكان التجديد في حياتهم ترك الباطل وإتباع الحق الذي جاء من عند الله .

 وحين استقر الحق وأصبح هو السائد المتبع ، لم يعد التجديد يعني ترك الحق وإتباع ما يأتي من دعوات جديدة باطلة محدثة . وهذا ما أشار إليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه العرباض بن سارية قال :

 وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب . فقال رجل : إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال : " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ، وإن عبد حبشي ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً . وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة ، فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ" [أبو داود والترمذي وابن ماجه](1)

 وفي رواية أبي داود : " وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة "

 ففي هذا الحديث الشريف يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ما عليه الناس هو الإسلام ، هو الحق ، وأن كل محدث يأتي يخالف ذلك فهو ضلالة لا يؤخذ به ولا يعتبر تجديداً.وإنما أي تجديد يجب أن يأتي نابعاً من الحق قائماً عليه ، حتى يؤخذ به . وخلاف ذلك فهو بدعة وكل بدعة ضلالة .

 فلا بد أن نميز بين حالتين يذكر فيها القرآن الكريم والسنة كلمة " محدَث " . ففي حالة يكون المحدَث واجب الإتباع لأنه إنكار للباطل وتجديد في حياة الناس ينقلهم من الباطل إلى الحق الذي أتى من عند الله . وتأتي كلمة " محدث " كما هي في الحديث الشريف لتشير إلى باطل يخالف الحق ، فلا يجوز اتباعه ، ولا يكون تجديداً .

 ومن أهم ميزات الأدب في الإسلام أنه قوةٌ من قوى الإسلام والدعوة الإسلامية ، يخوض ميادينها ناشراً للحق ، هادماً للباطل ، يقدم الخير في حياة البشرية بدلاً من الشر الواسع الذي تقدمه النظريات المادية عملياً في واقع الحياة من حروب عدوانية وتدمير وإبادة ، ونشر للفساد في الأرض من فاحشة وخمر وتحلل من مكارم الأخلاق التي جاء الإسلام ليبنيها ويدعو إليها ويرسيها في حياة البشرية .

" من كتاب التجديد في الفكر الإسلامي ، للدكتور عدنان علي رضا النحوي

               

(1) أبو داود : 34/6/4607 ، الترمذي : 42/16/2676 ، ابن ماجه : المقدمة حديث 35 .