نظرية الإمامة لدی الشيعة.. عرض ونقد 20

نظرية الإمامة لدی الشيعة.. عرض ونقد

خالد سندي

الحلقة (20)

بل خلافة

 ثبت خلال هذه الدراسة أن الإمامة الإلهية التي يذكرها الشيعة الإثني عشرية ويعتقدوها، لا أصل لها في الإسلام، وأنها ليست في دين الله في شيء، وأنها من مبتدعاتهم. إذ لا يوجد نص، لا في كتاب الله ولا سنة رسوله، علی تعيين علي بن أبي طالب وصيا لرسول الله (صلی الله عليه وسلم) وخليفة له، وكل النصوص التي يسوقونها إما لا علاقة لها بالموضوع أو من وضع الغلاة والزنادقة، وحتی الحديث الذي يسمونه حديث غدير خُم " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وآل من والاه، وعاد من عاداه " هذا الحديث الذي رواه الكليني في الكافي والصفار في بصائر الدرجات (1)، والذي يعدونه أوضح دليل وأقواه في الإمامة، سندهما إليه ضعيف. وعلاوة علی ذلك كان بعض علماء الشيعة الأقدمين كالشريف المرتضی، يرونه نصا خفيا غير واضح بالخلافة (2).

ولم يٶثر عن علي (رضي الله عنه) ولا إبنيه، الحسن والحسين (رضي الله عنهما)، أنهم إستدلوا بهذا الحديث أو بغيره علی تعيينهم من قبل الله تعالی وعلی إمامتهم، لأن الإمامة الإلهية لو كانت منصوصا عليها من الله تعالی كان لابد أن يرد ذكرها في القرآن، وكان لابد أن تكون الآيات فيها واضحة وصريحة كباقي المسائل الإعتقادية التي وردت في كتاب الله، وكان لابد أن يصرح بها الرسول (صلی الله عليه وسلم) ليس في مناسبة ولا مناسبتين بل في مناسبات كثيرة حتی تترسخ في أذهان الصحابة كما هو الحال مع أصول العقيدة الأخری، وكذلك ما كان جائزا لعلي ولا لغيره السكوت عنها، ولا كان جائزا له، عندما أراد الناس مبايعته، أن يقول لهم: " دَعُونِي وَ الْتَمِسُوا غَيْرِي.. وَإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ وَلَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وَأَطْوَعُكُمْ لِمَنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ وَأَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً "(3). وكذلك ما ?ان له أن يبدي عدم رغبته فيها، فيقول: " وَاللَّهِ مَا كَانَتْ لِي فِي الْخِلَافَةِ رَغْبَةٌ وَلَا فِي الْوِلَايَةِ إِرْبَةٌ، وَلَكِنَّكُمْ دَعَوْتُمُونِي إِلَيْهَا وَحَمَلْتُمُونِي عَلَيْهَا " (4). وما كان جائزا أيضا لإبنه الحسن بعد مبايعة الناس له التنازل عنها لمعاوية بن أبي سفيان، ولا أن يجعل أحدی بنود صلحه معه أن يكون الأمر شوری بعد معاوية ، ومن ثم يقوم هو وأخوه الحسين بمبايعته، والسفر إليه كل مرة في الشام وقبول عطاياه.  

وليس هذا فحسب، بل المأثور عنهم أنهم كانوا ملتزمين بالشوری، كما مر بنا في الحلقة الخامسة من هذه الدراسة، موقف علي بن أبي طالب من مسألة الإمامة، ونقلنا نصوصا كثيرة من كتب الشيعة أنفسهم تٶكد إقراره بمبدأ الشوری وإلتزامه الثابت به، وإستدلاله به علی شرعية خلافته، وأنه كان يری أن إختيار الإمام (الخليفة) إلی الأمة ومن حقها، وحتی أنه كان يستعمل كلمة الإمام، يتجلی ذلك في أقواله وأفعاله، إذ يقول: " إِنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار،ِ فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذَلِكَ لِلَّهِ رِضًا، فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْنٍ أَوْ بِدْعَةٍ رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ، فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَوَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى " (5). ويخاطب المسلمين بالقول: ".. وَلَكِنَّكُمْ دَعَوْتُمُونِي إِلَيْهَا وَحَمَلْتُمُونِي عَلَيْهَا " (6). وكان ذلك موقفه حتی يوم كان علی فراش الموت، بعدما ضربه إبن الملجم.

وأورد أحمد الكاتب في ?تابه تطور الف?ر السياسي الشيعي روايات كثيرة إستقاها من ?تب الشيعة المختلفة حول إلتزام علي بن أبي طالب وأبنائه بالشوری وعدم لجوئهم إلی إي نص للتعيين، فيقول: " وإذا ألقينا بنظرة علی هذه الروايات التي يذكرها أقطاب الشيعة الإمامية، كالكليني والمفيد والمرتضی، فإننا نری أنها تكشف عن عدم وصية رسول الله للإمام علي بالخلافة والإمامة، وترك الأمر شوری، وهو ما يفسر إحجام الإمام علي عن المبادرة إلی أخذ البيعة لنفسه بعد وفاة الرسول، بالرغم من إلحاح العباس بن عبدالمطلب عليه بذلك، حيث قال له: أمدد يدك أبايك، وآتيك بهذا الشيخ من قريش (يعني أبا سفيان)، فيقال إن عم رسول الله بايع إبن عمه، فلا يختلف عليك من قريش أحد، والناس تبع لقريش، فرفض الإمام علي ذلك " (7).

ويضيف الكاتب: " ويتجلی إيمان الإمام علي بالشوری دستورا للمسلمين بصورة واضحة، في عملية خلافة الإمام الحسن، حيث دخل عليه المسلمون، بعدما ضربه عبدالرحمن بن ملجم، وطلبوا منه أن يستخلف إبنه الحسن، فقال: لا، إنا دخلنا علی رسول الله، فقلنا: إستخلف، فقال: لا، أخاف أن تفرقوا عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون، ولكن إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يختر لكم. وسألوا عليا أن يشير عليهم بأحدهم، فما فعل، فقالوا له: إن فقدناك فلا نفقد أن نبايع الحسن، فقال: لا آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر " (8).

وكذلك يوم بويع الحسن (رضي الله عنه) بالخلافة، بعد وفاة أبيه، خرج عبدالله بن العباس إلی الناس، فقال: إن أمير المٶمنين توفي، وقد ترك خلفا، فإن أحببتم خرج إلي?م، وإن كرهتم فلا أحد علی أحد، فبكی الناس، وقالوا: بل يخرج إلينا " (9)

ولو عدنا إلی سيرة الرسول (صلی الله عليه  وسلم) وإلی أحاديثه لوجدنا تأكيده في أكثر من مناسبة علی موضوع الخلافة من بعده ولم يشر إلی كيفية إختيارها ولا علی شكل إختيارها، وذلك إنطلاقا من مبدأ الشوری الذي نص عليه القرآن ((وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ)) سورة الشوری/38، لذلك أورد هنا بعض الأحاديث الثابتة عن رسول الله (صلی الله عليه وسلم) عن الخلافة؛ 

روی الإمام أحمد عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تكون النبوة فيكم ما شاء الله ان تكون، ثم يرفعها إذا شاء ان يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله ان تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله ان يكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله ان تكون، ثم يرفعها إذا شاء ان يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت " (10).

وعن جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا، فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا فَقَالَ أَبِي: إِنَّهُ قَالَ: كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ " (11).

وفي رواية مسلم، عن جابر بن سمرة، قال: دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم. فسمعته يقول: " إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ". قال: ثم تكلم بكلام خفي علي، قال فقلت لأبي: ما قال؟ قال: " كلهم من قريش " (12).

وفي رواية أخری له: " لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا " (13).

وفي رواية بلفظ: " لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة " (14).

وفي رواية أخری: " لا يزال هذا الأمر عزيزا إلى اثني عشر خليفة " (15).

وجاء بلفظ: " لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة " (16).

وفي رواية أخری: " لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم إثنا عشر خليفة، كلهم من قريش ". وسمعته يقول: " عُصَيبة من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض، بيت كسرى، أو آل كسرى" (17).

الملاحظ من هذه الأحاديث النبوية أن الخلفاء يكونون من قريش، ولم ينص علی بطن دون بطن، ولا عين شخصا بذاته، فالكل سواء، أما كيفية إختيارهم فقد ترك شأنها للمسلمين، وهم الذين يحددون تلك ال?يفية. 

لكن مع ذلك لم يحدث أن قدم النبي (صلی الله عليه وسلم) أحدا، لا عليا ولا غيره، علی أبي ب?ر (رضي الله عنه)، بل كان (صلی الله عليه وسلم) يقدم أبا بكر دائما علی غيره، كما حصل في الهجرة، وتأميره علی الحجاج بعد غزوة‌ تبوك، وحتی في مرضه الذي توفي فيه أمر أن يصلی هو بالصحابة. وصلی أبو بكر (رضي الله عنه) في أيام مرضه (صلی الله عليه وسلم) سبعة عشر صلاة بالصحابة، ولم يسمح النبي (صلی الله عليه وسلم) لغيره أن يٶم المسلمين. ولو كان علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) وصيه وإماما من عند الله كان لابد أن يأمر عليا بالصلاة بهم، وما ?ان يجوز أن يسمح لأحد التقدم عليه، لأن الصلاة عماد الدين. ?ما ما كان لأحد أن يتقدم علی رسول الله (صلی الله عليه وسلم) في الصلاة بحضوره. وكذلك عندما مرض النبي (صلی الله عليه وسلم)، المرض الذي توفي فيه، طلب أن يُنقل إلی بيت أم المٶمنين، عائشة (رضي الله عنها) لتقوم هي بخدمته، ولم ينتقل إلی بيت إبنته، فاطمة ولا غيرها، وذلك ليفسح المجال لأبي ب?ر – والله أعلم- للدخول عليه وعيادته متی ما شاء دون إذن من أحد، لأن أم المٶمنين كانت إبنته، فما كان ثمة حاجة للإستئذان، بينما كان علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) و غيره يحتاجون إلی الإستئذان لعيادته، وهو دليل علی تقديم النبي (صلی الله عليه وسلم) إبي بكر علی سائر الصحابة.   

هذا علاوة علی الحديث الذي رواه مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ، فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ ؟ كَأَنَّهَا تُرِيدُ الْمَوْتَ، وقَالَ: " إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ "(18).

ورغم وضوح مورد هذه الأحاديث وغيرها في تقديم الخليفة الراشد أبي بكر (رضي الله عنه) علی غيره، أن أحدا من الصحابة، لم يفهم منها خلافته، بل كانوا يرون أنها تبين فضله وتقديمه علی الآخرين في المنزلة، لأن الصحابة (رضي الله عنهم) هم أعلم الناس بمراد رسول الله (صلی الله عليه وسلم).

وفي معرض إستدلالهم علی وجوب تعيين إمام بعد النبي (صلی الله عليه وسلم)، علي بن أبي طالب، يثير علماء الشيعة الإثني عشرية، منهم الخميني في ?تابه (كشف أسرار)، سٶالا؛ إن رئيس مصنع تحت يده خمسون عاملا، أو رب عائلة مٶلفة من عشرة أفراد، إذا أراد السفر لشهرين، لا يترك ذلك المصنع دون أن يحدد المطلوب منهم، ولا تلك العائلة بدون مَن يقوم بإدارتها، فكيف برسول الإسلام الذي أتی بآلاف القوانين السماوية العظيمة والأح?ام الإلهية المحكمة وأقام نظاما عقلانيا عظيما وحكومة إلهية عادلة، ويريد أن يرحل إلی الأبد، وقد عرف الخونة والمنافقين الذين عاشرهم مدة ثلاثين أو أربعين سنة، وكان إلهه مطلعا وعالما بأن حكومات جائرة سوف تتشكل وتجعل الدين غطاءا لأغراضها المسمومة، والآن يقول العقل: هل يجب أن يعمل هذا الأخير الذي هو أعظم الأمور من أجل بقاء أساس التوحيد والعدالة، أم يضع دينه بيد مجموعة معلومة الحال، عندما يموت يتنازعون فيما بينهم من أجل الرئاسة والح?ومة، ويثيرون الفتن منذ ذلك الحين ؟ " (19).

حقيقة هذا السٶال وما ماثله ينم عن ضحالة تفكيرهم وقلة بضاعتهم وبؤسهم العلمي وجهلهم بالقرآن وبالإسلام وبطبيعة هذا الدين، وحتی بضروريات دينهم، لأن هذا السٶال يهدم دينهم من الأساس. والآن أوجه نفس السٶال إليهم لنری هل يستطيع الشيعة الإثني عشرية الإجابة عليه ؟ ومن ثم كيف يهدم هذا السٶال دينهم ويبطل عقيدتهم المبنية علی الخرافات ؟ إذا كان رئيس مصنع أو رب بيت يسافر لشهرين، يعين من يقوم مقامه لإدارة الأعمال في غيابه ؟ فلماذا لم يعين مهدي منتظركم، علی فرض وجوده، (20) الذي لم يغب لشهرين، بل غائب عنكم منذ إثني عشر قرنا، ولم تستفيدوا منه شيئا، لماذا لم يعين نائبا له ؟ لماذا إرت?ب هذا الخطأ الفاحش في ترككم في حيرة وتخبط ؟ خاصة وأنتم تزعمون أن "مهديكم" يعلم الغيب، يعلم ما كان وما ي?ون، فكان ينبغي أن يعلم ما سيفعله الزنادقة والغلاة من الشيعة بإسمه وإسم أجداده، و?ان ينبغي أن يعلم أيضا أن "العيب" الذي يأخذ علماء الشيعة علی الآخرين، هم أنفسهم سيقعون فيه وسيٶخذ عليهم، ويهدم دينهم، لماذا لم يعين أحدا من بعده إذن، حتی لا يلحق بهم عار هذا العيب ؟ هكذا هذا الدليل العقلي الذي ساقه الخميني لإثبات الإمامة الإلهية ونفي الخلافة إرتد عليهم، ونقض الإمامة. 

وفي جوابنا لسٶالهم نوجه إليهم السٶال التالي، إين الدليل أن الله تعالی عين علي بن أبي طالب إماما بعد النبي ( صلی الله عليه وسلم)، لماذا لم يذ?ر الله تعالی إمامته في القرآن، في حين يزعم الشيعة أن الإمامة من أعظم أمور الدين، فكيف تُرك ولم تُذكر في دستور الإسلام إذا كانت كذلك ؟! والله تعالی يصف كتابه، فيقول: " الم ﴿١﴾ ذَٰلِكَ الْكتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴿٢﴾، سورة البقرة/١-٢، ويقول: " مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ " سورة الأنعام/38، " وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " سورة الأعراف/52، هل يُعقل أن يترك الله أمرا من "أعظم أمـور الدين" ولا يذكره في كتابه الذي جعله كتاب هداية، وما فرَّط فيه من شيء، وفصله علی علم ؟ ?يف يفرط – سبحانه وتعالی عما يصفون- في أعظم أمور الدين ولا يفصله في كتابه، وهو يقول: " وَكلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا " سورة الإسراء/12 ؟ إذن فهم يكذبون علی الله وعلی رسول الله وعلی كتاب الله وعلی عباد الله.   

هناك سٶال منطقي ومعقول، ربما يطرحه البعض أو يستفهم، لماذا لم يعين النبي (صلی الله عليه وسلم) شخصا معينا للخلافة من بعده ؟

الجواب هو أن أقوال وأفعال الرسول (صلی الله عليه وسلم) تعتبر تشريعا وقانونا متبعا، فلو عين شخصا للخلافة بعده، لوجب تعيين الخليفة دائما إقتداءا بسنته، لا أن يتم إختياره، ولخالف مبدأ الشوری الذي يعد أهم أساس يرتكز عليه النظام السياسي في الإسلام الذي يعطي الحق للأمة في إختيار الإمام (الخليفة) وعزله، وحتی أن الإسلام لم يحدد شكل أو كيفية إختيار الخليفة، بل ترك الأمر للأمة، فهي التي تحددها حسب ظروفها وأوضاعها.

أما ما قام به خليفة رسول الله (صلی الله عليه وسلم)، أبوبكر (رضي الله عنه)، بإختيار عمر الفاروق (رضي الله عنه) فقد كان إجتهادا منه، وحتی ذهب إليه الصحابة وناقشوه ولم يخرجوا من عنده إلا بعد الإقتناع بدليله، ومع ذلك لم يصبح خليفة إلا بالبيعة، وأما عمر (رضي الله عنه) فقد إتبع شكلا آخر، إذ رشح ستة من الصحابة، وبعد عثمان ذي النورين (رضي الله عنه) إتخذ الإختيار طريقة أخری، فالصحابة هم الذين ذهبوا إلی علي (رضي الله عنه) وبايعوه، بل وألحوا عليه للقبول بها، وربما يتم الإختيار بأشكال أخری، وفيه سعة.

وخلاصة القول أن النظام السياسي في الإسلام نظام شوروي، وأن الإمام (الخليفة) يتم إختياره من بين الأمة ومن قِبَلها، وهو حقها، إستنادا إلی مبدأ الشوری، وأنه ليس وراثيا ولا معينا من قبل الله تعالی، ولم يرد أي نص، لا في القرآن ولا في السنة النبوية، علی تعيين أحد بعينه، فكل مسلم إجتمعت عليه الأمة عن طريق الشوری كان ذلك لله رضا، لذلك لا إمامة في الإسلام، بل خلافة.

حلقة أخری تتبع..

               

(1) الكافي. ج1. باب الاشارة والنص على أمير المؤمنين (عليه السلام). رقم الرواية: 3. وبصائر الدرجات. باب النوادر من الأبواب في الولاية. رقم الرواية:5.

سند رواية الكافي هو: محمد بن الحسين وغيره، عن سهل، عن محمد بن عيسى، ومحمد بن يحيى ومحمد بن الحسين جميعا، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر وعبدالكريم بن عمرو، عن عبدالحميد بن أبي الديلم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: .. قال (صلى الله عليه وآله):  (الحديث)

عَبْدُالكريم بنُ عَمْرو: جاء في كتاب الرجال لإبن الغضائري: كُوْفيٌّ، يُلَقَّبُ « كَرّاماً». الواقِفةُ تَدَّعِيْهِ، والغُلاةُ تَرْوِي عنهُ كثيراً.  وقال النجاشي: عبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعمي.. روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام، ثم وقف على أبي الحسن (عليه السلام). وجاء في قسم الضعفاء من رجال إبن داود أن عبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعمي لقبه كرام كوفي، ونقل عن رجال الشيخ أنه واقفي خبيث. أقول: إن الواقفية كفار في نظر الشيعة الإثني عشرية.

عبدالحميد بن أبي الديلم: جاء في رجال إبن الغضائري: وهُوَ ابنُ عَمِّ مُعَلّى‏ بن خُنَيْس، ضَعِيْفٌ. وأورده الحلي في قسم الضعفاء من  خلاصته وذكر تضعيف إبن الغضائري له. ونقل ضعفه إبن داود عن إبن الغضائري. وإعتبره العلامة البرقعي (كسر الصنم) مجهولا.

وأما باقي الرجال فزناديق يقولون بتحريف القرآن، وكانوا ينشرون الروايات التي وضعها المنافقون الكذابون حول تحريف كتاب الله.

وسند بصائر الدرجات: عبد الله بن عامر عن أبي عبد الله البرقي عن الحسين بن عثمان عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة أن أبا جعفر قال له أ ما بلغك قول رسول الله ص: (الحديث).

أبو حمزة: كان زنديقا يقول بتحريف القرآن الكريم ويتلاعب بآياته، ويضع روايات عن التحريف علی ألسنة أعلام أهل البيت، منها عن أحمد، عن عبدالعظيم، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: نزل جبرئيل بهذه الآية هكذا: " فأبى أكثر الناس بولاية علي إلا كفورا " قال: ونزل جبرئيل (عليه السلام) بهذه الآية هكذا: " وقل الحق من ربكم في ولاية علي فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين آل محمد نارا ". الكافي. ج1. باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية. رقم الرواية:64.

الآية الأولی في كتاب الله ه?ذا: ((وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا)) سورة الإسراء/89، أي أضاف عبارة (بولاية علي)) إلی الآية. والآية الثانية: ((وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا)) سورة ال?هف/29، أي أنه أضاف عبارتي (في ولاية علي) و (آل محمد) إلی الآية الشريفة، فعليه من الله ما يستحق من العذاب.

وأما باقي رجال السند فزناديق مثله وكانوا يعتقدون بتحريف القرآن وينشرون الروايات في ذلك.

(2) تطور الفكر السياسي الشيعي من الشوری إلی ولاية الفقيه. أحمد الكاتب. ص22.

(3) نهج البلاغة. الخطبة 92.

(4) نهج البلاغة. الخطبة 205.

(5) نهج البلاغة. ?تاب 6.

(6)  نهج البلاغة. الخطبة 205.

(7) تطور الف?ر السياسي الشيعي من الشوری إلی ولاية الفقيه. ص19.  

(8) تطور الف?ر السياسي الشيعي من الشوری إلی ولاية الفقيه. ص24.  

(9) تطور الفكر السياسي الشيعي بين الشوری إلی ولاية الفقيه، ص26. نقله عن شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد.

(10) مسند الإمام أحمد. ج4. ص273. حسن إسناده شعيب الأرنؤوط.

(11) رواه البخاري في صحيحه/7222. ?تاب الأح?ام. بَاب الِاسْتِخْلَافِ.

(12) رواه مسلم/5 -1821. ?تاب الإمارة. باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش.

(13) رواه مسلم/6 -1821. ?تاب الإمارة. باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش.

(14) رواه مسلم/7 -1821. ?تاب الإمارة. باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش.

(15) رواه مسلم/8 -1821. ?تاب الإمارة. باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش.

(16) رواه مسلم/ 9 - 1821. ?تاب الإمارة. باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش.

(17) رواه مسلم/10-1821. ?تاب الإمارة. باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش.

(18) رواه البخاري في صحيحه/7220. ?تاب الأح?ام. باب الاسْتِخْلاف.

(19) (19). (كشف أسرار (بالفارسية). ص107- 108.

(20) (20) أقول علی فرض وجوده، وإلا ليس له وجود خارجي، كما أثبتنا ذلك في الحلقتين (17- 18) من هذه الدراسة.