رواية "طريق الغرام"

رواية "طريق الغرام"

أو طريق الصدام مقاربة نقدية أولى

عبده حقي

بعد مسار قصصي زاخر بالعديد من المجاميع القصصية الأنطولوجية ناهزت سبع مجموعات هي (ظلال وخلجان ) و (مشارف التيه ) و(شرخ الكلام)و(بعض من جنون) و(أجنحة للحكي) و(كلام ناقص) تعود هذه السنة الأديبة ربيعة ريحان لترج بقوة ناعمة المشهد الروائي المغربي والعربي برواية موسومة ب "طريق الغرام" صادرة عن دارالنشر طوبقال في حلة فنية بديعة وأنيقة ورامزة من إنجازالفنان التشكيلي المغربي عبدالله الحريري ...

وكما تعود القراء لنصوص القاصة ربيعة ريحان الممهورة بالشاعرية والدهشة أيضا واجتراحها للمختلف في السرد النسواني العربي فإن رواية "طريق الغرام" لم تشد عن هذا الميثاق السردي القديم والصادم الذي آلفنا منه منذ عقدين من التجربة السردية الحكائية الإصرارعلى النبش في مكامن المناطق المعتمة ليس في تيمات الرواية المغربية فحسب وإنما في الرواية النسائية العربية التي تسيجت في تكرارهمومها الذاتية والإجتماعية والوجودية التي لاتختلف بين المجتمعات العربية ومحظوراتها ..

يتشعب الحكي في "طريق الغرام" ليلامس العديد من زوايا النظرللكاتبة ربيعة ريحان التي نحتت من شخصية " فوز" في الرواية إمرأة عربية قاصة تكابد بين الكائن والممكن ، بين ماتحلم به كأفق كتابة وبين معيش يومي صدامي تتآلب عليها فيه العديد من العوامل الكابحة والعديد من الإحباطات النفسية والإجتماعية ، فالزوج سميرالذي تشك البطلة " فوز" في كونه لواطيا يعاني من شذوذ جنسي يجعل من مؤسسة الزواج جحيما ولظى يوميا لايحتمل ، يغرق في الكثيرمن التفاصيل المؤلمة . تقول فوز : (كم كنت ساذجة وبلا خبرة تذكر في الحياة حين أقبلت على سمير محتشدة بالأحلام والأوهام ، إلى أن ارتطمت بجدار حقيقته البائسة .سمير كان سببا بائسا في أشياء كثيرة غيرتها في مسارحياتي ، كل ذلك من أجله فهو اللئيم الذي اشتم رائحة ضعفي وحاجتي إليه وإلى ذكورته) وتقول " فوز" في مقطع آخر(: أحيانا كانت تراودني بعض الأفكار المجنونة كي أتصالح مع ذاتي وأتصالح مع سمير ، كنت أقول في نفسي ربما كان مريضا أو تعرض وهو صبي للتحرش والاغتصاب من زبانية لا يرحمون ، ولو أنه فتح صدره لي وحكى ربما كنا وصلنا إلى حل معقول ؟؟.. حل ؟؟.. بعد أن ظلت تلتمع في ذهني لزمن تلك الصور من جزء سمير الأسفل الذي كان يحلو للواطيين مثله أن يعبثوا فيه ؟؟.. ألهذه الدرجة أنا مستلبة وحمقاء ؟؟..)

وشخصية سميرهاته ليست سوى بورتيه لطالب جامعي تعرف على " فوز" في الجامعة بمراكش وسنواتها المثخنة بالعنفوان والعشق والآمال والأوهام الخادعة التي غالبا ما تتحطم على صخرة الواقع بعد التخرج ونيل الشهادة مثلما يستفيق الحالم في لحظة يقظة فجائية ... الشخصية المحورية الثانية في الرواية قد تكون شخصية تعويض سيكولوجي نسجها العالم الإفتراضي بما يتيحه من جسورللتواصل وجعل منها تعويضا للخسارات والدمارالنفسي التي تسببت فيه معاول سميروسلوكاته الشاذة .. يوسف شخصية هلامية .. إفتراضية يقطن في لندن ويتبادل رسائل إلكترونية مع " فوز" هي عبارة عن خطابات عشق جامح ل" فوز" يقول يوسف في إحدى رسائله (أهلا فوز يقال إن الشتاء هذا العام في انجلترا أقل برودة  .. وربما يمكنني الحكم على هذا بنفسي ..فالسماء صافية أحيانا . والشمس تواضب على الدوام السبت والأحد أيضا . كأن الله يقيم هنا ولا يحب البرد الشديد ..تمرأيام هنا دون كلمة بالعربية .

أشتاق أحيانا إلى الكلام بلغتي . اللغة هوية أيضا ..قلبي يحن إلى أمي ثم ينساها ..حتى في العلاقة بالعربية مع النساء  كلمة عربية قد تشعل الروح بالضوء للحظات ..رغم أنها قد تكون كلمة تافهة وروتينية .. وهي في أغلب الأحيان كذلك .. هذا بعض مما يخطر في بالي الآن ..لأنني محاط في الحياة اليومية بلغات كثيرة  .. أمنياتي بسعادة تهبط عليك فجأة  .. من مكان ما وتغمر قلبك بالفرح . يوسف )

يصيرإذن يوسف في زمن السرد شخصية إفتراضية قد تقترب على المستوى السيكولوجي الباتولوجي التعويضي من شخصية سميرالخائن التي كان من المفترض أن تكون الدعامة الأساسية لاقتسام كل مايمورفي دواخل " فوز" من أحاسيس تترجمها إلى دفق قصصي يعوزه قارئ أقرب إلى أعماق الذات البطلة من قارئ مفترض قد تكون صنعته الكاتبة وشحنت شخصيته المحتملة بالكثيرمن السلوكات السوية التي كانت تتوخاها في شخصية سمير.. يقول يوسف في رسالة أخرى ل" فوز" (سأقرأ قصتك التي أرسلت لي سأقضم بهدوء ثمارك وحدي وسط بستانك الأخضر المشمس .صورتك تبتسم لي وتهمس بحب دفين .يوسف .)

يوسف ودوره السردي الوظيفي السيكولوجي كعامل موجب يصطحب البطلة إلى الضفة الأخرى من الذات لتبحث عن تلاؤمها العشقي وبالتالي تصيرتلك الرسائل الإلكترونية (الإمايلات) المشبعة بدفق الروح الشعري والعواطف الجياشة بلسما لجراح " فوز" تلك الذات المشروخة .. الذات المقابلة للذات الواقعية ومعاناتها .. ولامراء في أن الكاتبة ربيعة ريحان قد رامت أن تنساق مع منطق المرحلة الراهنة الموسومة بانقلاب في قيم التواصل بين المكونات الإجتماعية بما أحدثته تكنولوجيا المعلومات والإتصال من جسوررقمية بأن جعلت من العالم الإفتراضي عالما يتوق إلى التناظرمع الواقعية وتجعل من الرسائل الإلكترونية الغرامية خطابات إفتراضية تمتح مشروعيتها الإنسانية والعشقية من مشروعية العالم الإفتراضي .. ومن دون شك أن رواية (طريق الغرام) قد إستطاعت أن تجعل من شخصية يوسف (أفاتارا) رقميا ذي بروفايل عاشق مغترب هو أيضا يكابد تبعات الغربة في العاصمة لندن التي تحاصره فيها عيون الخفر وعيون الناس باعتباره عربيا شرقيا مشبوها ومتلبسا بتهمة الإرهاب خصوصا أن مقامه هناك يتزامن مع صعود تيارالتطرف والتفجيرات التي هزت العاصمة وجعلت من كل المهاجرين العرب أجساما وقنابل قابلة للإنفجار في أية لحظة .. تقول الساردة (تفجيرات الميترو التي قرأت أخبارها على النت ، دفعت بي إلى أن أسرع إلى الحاسوب لأكتب ليوسف رسائل متعجلة ، يدفعني إليها خوفي الشديد عليه وهاجس احتمال أن يكون قد أصابه مكروه .)

قد يكون يوسف و" فوز" وهوترخيم لإسم (فوزية) قد يكونا إلتقيا في شراك الغربة في مفهومها الإنساني المطلق التي تعني منفى الذات في محيطها وفقدانها لروابط التواشج الإجتماعية الممهورة بالدفئ الإنساني ..

" فوز" الذات المغلوبة تعاني الغربة والتمزق تحت سقف ينهض على أركان الطابوهات والمحظورات حيث كل أنثى ترتهن قيمتها الإجتماعية المطلقة بدم البكارة ممايجعل من قلق رعايتها وحراستها من أخطار الإفتضاض الخاطئ من خلال اللعب الجنسي الذي قد يؤدي إلى إنتحار رمزي .. بل إلى مواجهة أسئلة المجتمع الحارقة ودورها في الحفاظ على قيمة المؤسسة الإجتماعية وفي المقابل يكون سميرزوج فوزية قد قلب مسارالمؤسسة الزوجية بشبهة الشذوذ الجنسي وممارسته للواطية ما سيتكشف للبطلة من خلال بعض سلوكاته اليومية المشبوهة ...  تقول " فوز" (هل يكون سمير لواطيا يضاجعه الرجال ؟؟ !!.. ) وتقول في مقطع آخر(فأنا لا أذكر أنني تحدثت لأحد عن تفاصيل ما جرى بيني وبين سمير وعن اكتشافي الصادم لمثليته ) وإدمانه على تناول المخدرات خلسة بعد أن ضبطت " فوز" رقائق مخدر الشيرا في يده ..

إن رواية (طريق الغرام) بما يحتمله عنوانها كعتبة من إمتداد دلالي يروم إلى الإيحاء عن طريق الحذف بأن هذا الطريق من دون شك هوطريق قد يؤدي إلى الخسارات والإنهيارالمجتمعي وليس إلى نشوة الإكتمال .. فمصائرالأشخاص تتعدد وتتشعب ورغباتها تتصادم بين ماتجيزه المنظومة الأخلاقية وبين الرغبة في تكسيرالجدارالعازل بين ماهو كائن وبين ماتبغي الكاتبة ربيعة ريحان أن يكون ...

يقينا أن (طريق الغرام ) تجربة روائية تندرج ضمن مايسمى بالكتابة على الكتابة على إعتبارأن البطلة المحورية " فوز" كاتبة قصص قصيرة وأخيرا على إعتبارأن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه في هذه التجربة المغامرة الروائية الأولى للأديبة ربيعة ريحان هوهذا التحول في مسارها الحكائي من الكتابة القصصية وماتطرحه حبكتها من أقانيم سردية تركيبية إلى السرد الروائي الفسيح والمرهق الذي يتطلب نفسا سرديا طويلا ورؤية عميقة ومبنى متراصا وحقلا دلاليا ورمزيا متفردا ، وأعتقد أن الكاتبة ربيعة ريحان بما راكمته من تجربة طويلة في مراودة وترويض القصة القصيرة ومراس حكائي متفرد قد مكنها من ربح رهان هذه المغامرة الروائية الأولى .. ومن المؤكد أن (طريق الغرام ) ستكون من دون شك رواية الصدام في هذه السنة والسنوات القادمة وذلك أولا وأخيرا لتفجيرها للأسئلة الحرجة في الزوايا الساخنة من جسد الرجل كما في جسد المرأة بجرأة غيرمسبوقة في أنطولوجيا السرد الروائي النسائي العربي ستتخطى كل آفاق الإنتظارعند المتلقي العربي .

طريق الغرام للروائية ربيعة ريحان دار طوبقال للنشر2013