ملامح الأدب الإسلامي في شعر الدكتور يوسف القرضاوي

بهاء الدين رمضان السيد

ملامح الأدب الإسلامي

في شعر الدكتور يوسف القرضاوي

الشيخ العلامة يوسف القرضاوي

بهاء الدين رمضان السيد

جاء الإسلام عقيدة ومنهج حياة، وباشر إصلاح المجتمع، ومن هذا المنطلق بدأ يحدد للشعراء طريقهم(1)، وليس في هذا كبت لشعورهم، ولا حجر على عواطفهم، فديننا الحنيف أحدث تغييراً شاملاً في كثير من القيم والعادات الإنسانية.

ومن الوجهة النفسية فلابد وأن يتأثر الشاعر كمبدع بذلك التغيير، ومع هذا فليس ذلك أن تكون الموضوعات الشعرية قاصرة على الدعوة إلى الالتزام بأوامر الله والإعراض عن نواهيه فحسب، ولكن يمكن أن تكون تلك الموضوعات عبارة عن نماذج ملتزمة في جوهرها بهذه الأوامر وتلك النواحي..

يتناول فيها الشاعر موضوعاته العادية المعهودة بالنسبة لأسلوبه(2)، وعلى هذا الأساس فالفرق بين الشاعر المسلم المبدع الملتزم وبين غيره ألا يتخذ من فكره وقلمه معول هدم للأسس الإسلامية القويمة بأي شكل من الأشكال، فالالتزام دعوة وليس تنظيراً(3) هذا بالنسبة للشعراء، أما حين يكتب الفقيه والعالم الإسلامي الشعر فهذا شيء آخر يدعو إلى التأمل الدقيق، والأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي واحد من علماء الإسلام الأفاضل لم يشتهر بقول الشعر ولكن حين تقرأ مجموعة من قصائده تجد أن بها كثيراً من العناصر والأفكار الشعرية، كما أن عباراته الشعرية ليس بها النبرة الخطابية العالية أو الجمود العاطفي الذي يمكن أن نراه في قصائد الفقهاء أو العلماء.. كل ذلك يدعو إلى الدهشة، ودراسته دراسة شعرية جادة تكون منهاجاً لكل أديب مسلم ملتزم.

آراء نقدية:

إن قصائد الدكتور القرضاوي تفجر كثيراً من الآراء النقدية في الشعر يلمحها القارئ من خلال قصائده الشعرية المختلفة، فالشعر بالنسبة له يمثل عذب الألحان ورقة الإحساس:

وسموه شعراً وإني لا أراه سوى     آهات قلب وإحساسات وجدان

فيرى الدكتور القرضاوي أن الشعر خلاف النظم، وهذا أول ما يضعه الناقد أمام عينه، فليس الشعر وزناً وقافية فقط أو ألفاظاً جامدة ليس بها أي يلون من الإحساس، أو جافاً خالياً من الصور الجميلة.

حين يعبر عن ذلك نجده يصوغ ذلك التعبير بإحساسه وصوره الموحية المعبرة، وكأنه يضرب المثل الحي على كلامه، وخاصة حين يصور الوزن الجاف دون الإحساس بأنه أثقل من الهجر على مهجة المحب، فالشعر روح وليس تمثالاً جامداً وهيئة فقط:

وثلة سوء ظنت الشعر معدناً=يصاغ بجهد كالنحاس وكالصلب

فجاءوا به وزناً أجف من الصفا=وأثقل من هجر على مهجة الصب

لئن نحتوه كالتمثال هيئة=فمن لهمو بالروح والروح من ربي

ويثير الدكتور القرضاوي قضية الالتزام – والتي أوضحناها في المقدمة السابقة من خلال بعض أبياته في قصيدة "أنا والشعر"- يوضح أن الالتزام في الشعر بمبادئ الإسلام يعطي الأديب انتماءه، ويجعل من الشعر سلاحاً في وجه أي فكر هدام، فالشاعر المسلم لابد وأن يلتزم بالابتعاد عن معاول الهدم – كما قلنا - وعلى هذا فالدكتور القرضاوي لا يعتبر الشعر الذي يثير الذات والهوى ووصف الحسان والخلاعة شعراً ملتزماً، وإنما هو درب من المجون وطاعة الهوى:

وطائفة أخرى أطاعوا هواهمو=فجازوا إلى اللذات درباً إلى درب

يقولون ليس المرء إلا فؤاده=وكيف يعيش المرء جسماً بلا قلب

فغاصوا به في الغيد والحب والهوى=كأن لم يكن في القلب معنى سوى الحب

ثم يقرر أن الشعر تعبير عن الوجدان في لحظة الحزن وفي الفرح، فهو يرى أن الشعر تعبير عما في النفس كما قال النقاد: الشعر تعبير عن لحظة التقاء الشعور باللاشعور، فالشعر فيض الخواطر التي تدور في نفس الشاعر يقول في قصيدة "ملحمة الابتلاء":

ثار القريض بخاطري فدعوني=أفضى لكم بفجائعي وشجوني

فالشعر دمعي حين يعصرني الأسى=والشعر عودي يوم عزف لحوني

كم قال صاحبي أين غر قصائد=تشجى القلوب بلحنها المحزون

ما حيلتي والشعر قيض خواطر=ما دمت أبغيه ولا يبغيني؟

كما أنه يرى أن على الشاعر أن يكون قارئاً لمن سبقه من الشعراء ودارساً لهم ومهتدياً بشعرهم حتى يستطيع أن يصوغ قصائده بعد ذلك بأسلوبه الخاص، نلمح ذلك من خلال قصيدته "في ذكرى المولد" والتي يقول في مطلعها:

هو الرسول فكن في الشعر حساناً    وصغ من القلب في ذكراه ألحانا

سمات شعرية:

في قصائد الدكتور يوسف القرضاوي سمات وملامح شعرية كلها تدور في إطار إسلامي ملتزم دون أن يخل بالسمات الفنية والبلاغية للقصيدة، كما أن العكس قائم، فهناك الصور الفنية والبلاغية الجيدة والتي لم تخل بالالتزام الإسلامي ومن أهم هذه السمات:

1- تأثره بالقرآن الكريم:

ليس من الغريب أن نجد ألفاظاً وعبارات بل وحكايات قرآنية قد تأثر بها الدكتور القرضاوي، ذلك لأنه دارس للقرآن ومحب له، فقد وهب حياته من أجل القرآن والدين:

بين الجوانح في الأعماق سكناه=فكيف أنسى ومن في الناس ينساه؟

هذا الحبيب الذي للخير أهلني=ما كنت شيئاً بعلم الدين لولاه

هذا الحبيب هو القرآن عشت له=منذ الصبا وأنا ولهان أهواه

هذا الحب الذي يغمر قلبه للقرآن الكريم جعل كثيراً من الألفاظ والتعبيرات القرآنية تدخل في شعره مثل قوله "دع أذاهم" "قل موتوا بغيظكم":

ودع أذاهم وقل موتوا بغيظكم    فالغرب مولاكم والله مولانا

ونجده متأثراً بسورة "يوسف" فهو يرمز دائماً بقصة يوسف عليه السلام في أكثر من موضع إلى درجة أننا نجد ألفاظاً بعينها من السورة مثل قوله تعالى: (ولبث في السجن بضع سنين) وقوله (ليسجننه حتى حين) واختياره لقصة يوسف عليه السلام كرمز اختيار دقيق، فالقرضاوي سجن في مصر وتعذب فيها، وقد كتب مسرحية بعنوان "يوسف الصديق" يقول في قصيدة "ملحمة الابتلاء":

أمسك بقلبك أن يطير مفزعاً=وتول عن دنياك (حتى حين)

ولنا بيوسف أسوة في صبره=وقد ارتمى (في السجن بضع سنين)

كما نجده متأثراً أيضاً بألفاظ من سورة المزمل (ورتل القرآن ترتيلا) وسورة الكهف أيضاً يقول:

قد كان آخر ما نطقت بذكره=الله أكبر (ورتلت ترتيلا)

ويقول: وحاولوا خرقها بالعنف أزماناً

2- تأثره بالتراث:

لقد تأثر الدكتور القرضاوي بالتراث سواء الإسلامي أو العربي عامة، ومن التراث الإسلامي نجده تأثر بشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت، ويذكر ذلك صراحة في إحدى قصائده "هو الرسول فكن في الشعر حسان".

وقوله:

ما زال فينا ألوف من أبي لهب=يؤذون أهل الهدى بغياً ونكرانا

3- اهتمامه بإيقاع القصيدة وقافيتها:

نونية والنون تحلو في فمي    أبدا فكدت يقال لي "ذو النون"

4- تطويع الأعجمي:

وهو يدخل بعض الألفاظ الأعجمية في شعره سواء أتى بها كما هي دون تعديل مثل "نيرون" أو بتعديل عربي حين يصف البصلة بأنها بيت إبرة السفينة.

5- اهتمامه بقضايا المجتمع الإسلامي:

فما من قصيدة للدكتور القرضاوي إلا ونجد فيها اهتماماً بالغاً بقضايا المجتمع مهما كان موضوع هذه القصيدة، وحقاً من لا يهمه أمر المسلمين فليس منهم فهو دائماً يصف أحوال المسلمين ويدعو لهم بخالص الدعاء:

يا رب رحماك، أنجز ما وعدت به=وانصر فنصرك من أهل الهدى دان

ويصف السعادة الحقيقية للناس حتى يهتدوا في أربعة وسبعين ومائة بيت:

قل للذي يبغي السعادة هل علمت من السعيد

إن السعادة أن تعيش لفكرة الحق التليد

لعقيدة كبرى تحل قضية الكون العنيد

هذا العمري شأن ذي الإيمان أو شأن السعيد

إن مفهوم الشعر الإسلامي ينطلق من مفهوم الإيمان المطلق بالخالق جلا وعلا وتوحيده، ثم الإيمان بالرسل والأنبياء والقيم النبيلة التي أرسلتها العقيدة لبناء الإنسان المسلم، وقد يظن البعض أن الشعر الإسلامي مجرد مواعظ مباشرة أو هتاف زاعق، وهذا ظن خاطئ لأن الأديب المسلم والشاعر المسلم يقدم لنا فناً راقياً بكل ما تعنيه كلمة فن(4) وخاصة في سماته وأسلوبه ومعانيه، ويؤكد لنا ذلك هذه القصائد التي عرضنا لها للعلامة الإسلامي "يوسف القرضاوي" فلابد إذن من دراسة الشعر الإسلامي والأدب الإسلامي عامة دراسة نقدية جادة والاهتمام به.. والله من وراء القصد..

* هوامش:

1- د. صادق محمد، الشعر في موكب الدعوة ص 3 نقلاً عن د. حسن الهويمل، مجلة "الأدب الإسلامي" العدد الأول ص 14.

2- علاء الدين رمضان "بين بحور الحديقة الغناء".. المجلة العربية، ص 109، جمادى الآخرة 1412هـ (السعودية).

3- عبد العزيز أحمد الرفاعي، الأديب المسلم بين الالتزام والإبداع محاضرة ألقاها في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض في 14/6/1411هـ.

4- د. حلمي محمد القاعود، الأدب الإسلامي، المجلة العربية، ص94، ربيع الآخر 1411هـ.