الرسول كأنك تراه

الرسول كأنك تراه

لعبد العزيز الرفاعي

لقد كان الرفاعي في هذا الكتاب باحثاً جاداً، ومحققاً متأنياً، وحريصاً على إثبات حقائقه عبر تلك الروايات والأخبار التي تؤكد صحة حديث أم معبد المشهور، والذي يلخص قصة هجرة الرسول وأبي بكر ومن رافقهما، ومرورهم بأم معبد، وحاجتهم للطعام والشراب، ولم يجدوا عندها سوى "شاة خلفها الجهد عن الغنم"، ويجلبها الرسول، فتدر حليباً كثيراً.. ثم يرتحلوا. ويعجب أبو معبد حين عودته بما رأى. ويطلب من زوجته أن تصف له حال ذاك الرجل المبارك. ثم تصفه بقولها –وهو الذي حرك بالرفاعي الدوافع إلى الكتابة-:

"رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم ترز به صولة، وسيم قسيم، في عينيه وهج، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صهل، وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثافة. أزج أقرن، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء. أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحسنه وأجمله من قريب.. حلو المنطق، لا نزر ولا هزر، كأن منطقه خرزات يتحدوث. ربعة، لا تشنأه من طول، ولا تقتحمه العين من قصر، غصن بين غصنين؛ فهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إن قال سمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفند". ويعرفه أبو معبد، وتسمع مكة صوت الهاتف يقول شعراً لا يدرون من صاحبه، يروي قصة الرسول مع أم معبد، ويشبب حسان بشعر يجاوب الهاتف.

ولقد قام الرفاعي بشرح ذلك الحديث وتخريجه بكل دقة، معتمداً على كثير من كتب الحديث والمعاجم. كما وقف عند متن الحديث الذي رواه (حزام بن هشام الخزاعي) الثقة. ثم عند أم معبد وسيرتها؛ وسيرة ابنها معبد وزوجها.. ونسبهم الكعبي الخزاعي. ويختم كتابه بالحديث عن "قديد" مكان أو موطن أم معبد وخيمتها.

ومع أن الأستاذ الرفاعي وقف "وقفة فنية" عند نص الحديث، وأبدى إعجابه به من الوجهة البلاغية، وبصفحة واحدة، وهو من المتذوقين للأدب بكل فنونه واتجاهاته، ويمتلك ثقافة أدبية فنية معاصرة.. إلا أنه لم يقم على تحليل النص تحليلاً أدبياً وفنياً، واستخلاص الكثير من الخصائص الأدبية والفنية، التي نلمحها في المواقف القصصية.

إن سياق الحديث، وما تضمنه من حكاية وسرد وحوار وأحداث وشخصيات، ومواقف اختلط فيها الرمز بالمعجزة والأسطورة بالواقع.. ودقة اللغة التي أوحت بدلائل وجدانية وفنية، وبلورت صورة الرسول بلورة حية وكأننا نراه فعلاً، لتبرز الكثير من المعالم القصصية. ولكن الرفاعي لم يلتفت إلى الجانب القصصي للحديث، ولم يحاول أن يستنبط جوانب وأبعاداً فنية معاصرة.. يستطيع من خلالها أن يقرب التراث، ويضيئه؛ ومن ثم ليؤكد الثروة القصصية في تراثنا العربي والإسلامي.