أوراق مهرّبة لمرمر القاسم

أوراق مهرّبة لمرمر القاسم

ممن هرّبتها الكاتبة؟ ولمن؟

إبراهيم جوهر / القدس

في أوراقها الجريئة تقيم الكاتبة (مرمر القاسم) ثورة احتجاج باللغة ، وفي اللغة .

تحتج على الركون القائم بحكم التقليد ، والنصائح ، وتعاليم التربية التقليدية التي تثور عليها الكاتبة ، وتظهر ندمها لأنها استمعت لها ، فأورثتها صفة القبول السلبي . في أوراقها هذه تغوص الكاتبة في ذكرياتها ، وتستحضر تجربتها ممثّلة لمن يشاركها التجربة والمعاناة . وكأني بها توازي كتاب (أحلام مستغانمي ) ؛ (نسيان .كم ) الداعي إلى الحياة بعيدا عن التذلل للذكر . هنا تظهر (أنا) الكاتبة عفيّة تدافع عن قدراتها وإنسانيتها وحقوقها الكاملة غير المنقوصة .

هل يمكن أن تكون هنا تتمثّل الوطن كما تريده ؟!

إن وطنا لا يحترم نصفه المتمم لا يمكن أن يكون حرا كامل السيادة .

 تظهر جرأة التحدي والاحتجاج بلا مواربة ، ولا ترميز في نصوص الكاتبة المتنوعة   بل بصراحة في الانتقاد غير خافية  تقدمت الكلمات وهي تفاجئ قارئها بجرأة التعبير حينا ، وفصاحته حينا ، وبيانه  .

الكاتبة استفادت من إمكانيات اللغة في الجناس اللغوي والطباق والمقابلة . وعملت على ذاكرة الكلمات وذاكرة الصور . تلك الصور التي اختزنتها ذاكرة وعيها في طفولتها لتحتج عليها اليوم في هذه الأوراق المهرّبة  ، حاملة رسالتها بوضوح غير خاف . فلماذا كانت هذه الأوراق مهرّبة ؟

التهريب هنا ليس كما قد يتبادر لذهن  للقارئ من الوهلة الأولى . إنه تهريب من جدر الصمت والخنوع والقبول بالحال القائم ، وإن لم يغب الهم الوطني والسياسي العام الذي هو خاص أيضا يؤثر في الأقلام والأرواح .

 الكاتبة تصرخ وتحتج وتشكو هنا ، وتنوّع أساليب احتجاجها .

إنها تجرّب صوتها ، وقلمها . وتبني فكرا خاصا يستند إلى رؤيا واضحة في ثنايا فكرها الخاص .

الكاتبة تريد بناء عالمها الخاص كما تراه . وقادها هذا التصور الى الاحتجاج والرفض والبكاء والغضب ، والثورة . كتبت بسخرية ، وبثقة بالذات ، ونقلت معاناتها الموجعة .

 ثورتها في نصوصها التي جاءت وفق حالاتها النفسية ومعاناتها الخاصة هنا تقدّم للدارس المهتم ميدانا للغوص والتحليل والوقوف على جوانب خافية في المعاناة ,

هنا التعبير يقود إلى البوح ، والصدق . كما يقود إلى الغضب حين تعاد الذكريات وتستحضر المعاناة مرة أخرى .

هنا كاتبة تتمرد .

هنا كاتبة تؤسس .

هنا كاتبة تهرب وتهرّب ؛ تهرب من واقع تنتقده . وتهرّب روحها لكي تعيش في مكان لم تسمّه بل ألمحت إليه ...لعله ذاك العالم المأمول في محصّلته النهائية المستمدة من نقيض الموصوف المعبّر عنه هنا .

 وجدت تعبيرا خاصا عن ذات الكاتبة ؛ حددت مكامن معاناتها ، وطموحها . كانت سيرتها حاضرة بقوة ، وتقف وراء الكلمات . فالكاتب عادة ما يكتب نفسه ويخرج روحه إلى العلن والورق .

أشارت إلى حالات الضياع التي تأسر قلبها وروحها . لم تكن جافة ولا جلفة ، بل رقيقة حافظت على الأنثى في داخلها ؛ الأنثى التي لا تعني المسكنة والضعف والاستكانة والقبول بكل ما هو موجود ومتعارف عليه اجتماعيا .

تثور على العادات البالية ، وتنتصر للحياة .

وقفت على الأرصفة ورأت العمر يمضي بأرصفته وهي على رصيف الحياة .

(مرمر القاسم) في أوراقها المهربة سخرت ، وهذت ،وتمردت . قالت ما تريد بلغة متينة ذات استعارات وتشبيهات ومجازات .

وأرسلت غضبها سريعا على شكل برقيات موجزة ، اقتربت فيها من أسلوب القصة القصيرة جدا .

لم يشغلها هاجس النوع الأدبي كشكل فني بل صبت اهتمامها على المضمون / رسالة التوعية وإشهار الموقف .

إنها تقف بوضوح أمام مرآة ذاتها فتصارحها . تعبّر لها ، ولنا ، ناقلة الكثير مما كوّن ثقافتها الخاصة بموقفها الخاص من الناس والحياة .

إنها تحمل مشروعها الثقافي الخاص بوضوح في ذهنها ، لذا نراها تؤصّل له وتنظّر أحيانا . وتنقل المشكلات التي تقض مضجعها كما رأتها وخبرتها .

هذه الأوراق تستحق الدراسة المعمقة لأنها تحمل موقفا من الحياة والناس .

ولأنها تفتح أبوابا على الفن التعبيري باللغة والفكر والمعاناة .

ولأنها تشعر بكاتبة تدرك مسؤوليتها تجاه مجتمعها .

____________________ (( أوراق مهربة من الأرض المحتلة . منشورات دار فضاءات ، الأردن . الطبعة الأولى 2012 م. ))

ورقة مقدمة إلى ندوة اليوم السابع : الخميس 15 /3 / 2012 م.