الكتابة الأدبية والنقدية عند أبي الحسن الندوي
الكتابة الأدبية والنقدية عند أبي الحسن الندوي
أحمد الطيب رحماني
يعد أبو الحسن الندوي شخصية فريدة قل نظيرها في العصر الحديث، فقد جمع من الفضائل والمكارم ما جعله محل تقدير من لدن كل متتبع لمراحل، حياته فهو عالم، ومفكر، وأديب، ومؤرخ، وداعية ...تشهد بذلك مؤلفاته المتنوعة التي غطت مجالات معرفية كثيرة وبلغات متعددة.
وقد حظي الشيخ بملكة أدبية مكنته من أن يشق طريقه إلى مكتبة الأدب، ويتصدر قائمة التصنيف بها موظفا في ذلك لغة أدبية راقية، ومستعينا بثقافته الواسعة. ولم يقف أثر الحس الأدبي الذي يحمله أبو الحسن الندوي عند حدود المؤلفات الأدبية الخالصة، بل تعداها إلى غيرها من المصنفات، فهي تنطوي على حكم أدبية بليغة وأسلوب جذاب، وهذا راجع إلى طبيعة التكوين الذي تلقاه الرجل مند صباه ([1]) حيث حفظ القرآن الكريم وبدأ دراسة العربية على الشيخ خليل بن محمد الأنصاري اليماني وهو لما يجاوز العاشرة من عمره بالإضافة إلى أن نشأته كانت بوسط علمي يهتم باللغة الغربية، ويقدر الأدب و الأدباء قدرهم ، وينزلهم المكانة اللائقة بهم.
وتتميز الكتابات الأدبية التي خلفها أبو الحسن الندوي بالتنوع بين الرحلة التراجم، والسير، والقصة ،والنقد بشقيه النظري والتطبيقي ...وفي ما يلي أهم أعماله الأدبية والنقدية:
- "مختارات من أدب العرب"([2]): هو كتاب جسد فكرة ظلت تراود أبا الحسن منذ أمد بعيد لما كان يسجله على الأدباء والنقاد المعاصرين من تهافت على جانب معين من الموروث الأدبي العربي . وقد رجع المؤلف إلى مصادر متعددة منها القرآن الكريم، وكتب الحديث، والتاريخ ،والسير، والتراجم...يقينا منه أن هذه المصادر تختزن كنوزا أدبية نفيسة قد لا يوجد لها نظير في كتب التخصص ، وهكذا ضمت المختارات آيات قرآنية وأحاديث ومقتطفات من السيرة النبوية وسير الصحابة والتابعين، وخطب لشخصيات إسلامية، فضلا عن قطع أدبية من المقامات وكتب التاريخ والأدب... وتبقى ميزة الاختيار أهم ما يحظى به هذا المؤلَّف، إذ ليس من السهل استقراء الموروث العربي -على سعته- وترجيح نصوص بعينها، فهذا في حد ذاته عمل يحمل في طياته حكما نقديا يتطلب شروطا ومقدمات عدة حتى يكون أقرب إلى الدقة والصواب.
- "روائع إقبال" ([3]) :ترجم فيه لمحمد إقبال فوقف عند أهم المؤثرات التي أثرت في شخصيته وأبرز معالم ثقافته وشاعريته، ومواقفه الفكرية والسياسية، كما عرض قطعا متعددة من شعره مترجمة عن الأردية والفارسية، والحق أن المؤلف كان معجبا بمحمد إقبال إلى درجة كبيرة، وأهم ما أعجب به شعره، يقول في ذلك: "إن أعظم ما حملني على الإعجاب بشعره هو: الطموح والحب والإيمان..."([4]).
- ودفعه إعجابه بمحمد إقبال إلى إضافة مؤلَّف آخر، يتناول جوانب من حياته، هو:" شاعر الإسلام الدكتور محمد إقبال" وهو كتيب صغير صدر ملحقا بمجلة الأزهر المصرية (صفر 1429هـ).
- سجل عدة وقائع خلال رحلاته المختلفة، وهي مبثوثة بين دفتي كتابه "في مسيرة الحياة" وفي طيات مختلف المجلات والجرائد...وقد جمع أهمها الباحث سيد عبد الماجد الغوري ضمن كتاب "رحلات العلامة أبي الحسن علي الحسن الندوي"([5]) فهي من إبداع الشيخ في مجال أدب الرحلات، يسجل فيها كل مشاهداته، ولقاءاته، وانطباعاته، بدقة ووضوح، وبأسلوب أدبي جذاب.
- "نظرات في الأدب": من المؤلفات المحورية ضمن موروث أبي الحسن الندوي خاصة، ومكتبة الأدب الإسلامي عامة، وهو كتاب صغير يضم ثلاثا وعشرين ومائة صفحة من الحجم المتوسط، موزعة على تقديم وتسعة فصول بعضها مقالات ومداخلات سبق نشرها.
- وألف الشيخ في السيرة الذاتية " في مسيرة الحياة" كما ألف في أدب الأطفال مجموعتين قصصيتين هما: "قصص من التاريخ الإسلامي" و"قصص النبيئين"([6])... هذا بالإضافة إلى مؤلفات أخرى ذات صلة بالمجال الأدبي وإن لم تحمل عناوين أدبية صريحة من مثل " الطريق إلى المدينة"و"رجال الفكر والدعوة في الإسلام"و" الطريق إلى السعادة والقيادة للدول والمجتمعات الإسلامية الحرة"...
- كما نشرت له عدة مقالات بالمجلات المتخصصة في الأدب الإسلامي وعلى رأسها مجلة الأدب الإسلامي التي حظيت بكلمتين من توقيعه، الأولى بعنوان:"طليعة خير وبركة"([7]) والثانية بعنوان: " تقديم وتقدير"([8])، ومجلة المشكاة التي نشرت له عده مقالات منها مقاله المشهور " نظرة جديدة إلى التراث الأدبي العربي "([9]) والحوار الذي أجراه معه الأديب التركي رسول طوسون على هامش المؤتمر العام لرابطة الأدب الإسلامي المنعقد باستانبول سنة 1410هـ- 1989م([10])، والكلمة المعنونة بـ"الأدب ورسالته" ألقاها بالملتقى الدولي الأول للأدب لإسلامي المنعقد بوجدة ([11]) ، والبحث المعقود في أدب الأطفال([12]).
- وكتب عدة مقدمات لمؤلفات أدبية مثل كتاب " الأدب الإسلامي وصلته بالحياة" لمحمد الرابع الحسني الندوى ..([13])
إن هذه الأعمال وغيرها مما لم يذكر في هذا السياق، تنم عن اهتمام كبير من قبل أبي الحسن بالأدب ودوره في خدمة قضايا الأمة، كما أن المطلع على كتاباته يلمس أنه كان محبا للأدب ميالا إليه بطبعه، مما جعله يخصص قسطا من حياته للدفاع عن الأدب الإسلامي بدءا من الدعوة إلى تأسيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية، ووصولا إلى سلسلة المؤتمرات والملتقيات التي عقدتها، فكان يحضر مشاركا وفاعلا وموجها، وما زالت بصما ته جلية على الأعمال التي ينجزها كثير من الأدباء الإسلاميين إلى اليوم.
لقد كان للثقافة الموسوعية، أو بالأصح المكانة العلمية التي حظي بها أبو الحسن باعتباره أحد علماء الأمة الذين تعتز بهم في هذا الزمان أثرها في أعماله الأدبية والنقدية، فكانت مطبوعة بطابع شرعي مكنها من أن تمثل نموذجا حيا ومثالا يحتذى في مسيرة الأدب الإسلامي، مع العلم أن النظرة السائدة اليوم هي نظرة التخصص في كل شيء، حتى أصبح الأديب لا يعرف عن غير مجال تخصصه مثقال ذرة، مما جعل كثيرا من دعاة الأدب الإسلامي ينجذبون إلى مهاوي التبعية من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون مع أن " الأدب الإسلامي مطالب بأن يخط لنفسه خطا ملتزما متميزا، وأن لا يخضع إلى ما تعارفت عليه المذاهب والمدارس الأخرى، لأنه سيترك حينها منافذ خطرة تفجر عناصره من الداخل ..."([14]).
لقد كان أبو الحسن الندوي واعيا حق الوعي بالرسالة التي ينبغي أن ينهض بها الأديب المسلم في ظل التغيرات المتلاحقة التي يشهدها العالم من دون أن تستفزه الأحداث، أو تجره إلى الانفعال، يقول:" الأديب والشاعر الذي له رسالة خالدة، والذي يعالج المسائل الدائمة للحياة التي لا تتغير، ويعالج نفس الإنسان ومجتمعه الحقيقي بروح صافية وقلب سليم تخلد أثاره وتصبح عالمية..."([15]) قال هذا في الأديب والشاعر نجيب الكيلاني، والكلام نفسه يصح في حق أبي الحسن الندوي ، وأعماله شاهدة على ذلك.
-[1] ولد أبو الحسن علي الحسن الندوي بقرية "تكية" بالولاية الشمالية للهند في محرم 1333 ه-1914م، وبدأ تعلم القرآن الكريم في الييت على يد أمه ثم تعلم اللغة الأردية والفارسية، توفي أبوه عام 1341هـ وهو ما زال لم يجاوز العاشرة بعد من عمره فكفله أخوه الذي وجهه لأن يشق حياة علمية طويلة مكنته من تخليد ذكره في الشرق والغرب والمساهمة في عدد من المؤسسات والمنتديات العلمية المحلية والدولية، وكانت وفاته بقرية 1ولد أبو الحسن علي الحسن الندوي بقرية "تكية" بالولاية الشمالية للهند في محرم 1333 ه-1914م، وبدأ تعلم القرآن الكريم في الييت على يد أمه ثم تعلم اللغة الأردية والفارسية، توفي أبوه عام 1341هـ وهو ما زال لم يجاوز العاشرة بعد من عمره فكفله أخوه الذي وجهه لأن يشق حياة علمية طويلة مكنته من تخليد ذكره في الشرق والغرب والمساهمة في عدد من المؤسسات والمنتديات العلمية المحلية والدولية، وكانت وفاته بقرية"راي بريلي" من مدينة "لكنو" يوم الجمعة 23 رمضان 1420 هـ - 31 ديسمبر 1999م. انظر ترجمة الشيخ بتفصيل بالمراجع الآتية: "رحلات العلامة أبي الحسن على الحسن الندوي"، سيد عبد الماجد الغوري، "الشيخ أبو الحسن الندوي كما عرفته"، يوسف القرضاوي،. "الشيخ أبو لحسن الندوي:بحوث ودراسات" مجموعة مؤلفين (رابطة الأدب الإسلامي) "أبو الحسن على الحسن الندوي:الداعية الحكيم والمربي الجليل" محمد اجتباء الندوي، مجلة الأدب الإسلامي ع 26 -27، 1421هـ.
[2] طبعة دار الهلال، بيروت، ودار الشروق، جده ، 1429هـ 2008م ، يدون ترتيب (يضم 171ص)
[3] طبعة دار القلم . الكويت ، ط4، 1425هـ/2004م (يضم 158-ص)
[4] روائع إقبال ص 9.
[5] طبعة دار ابن كثير ، بيروت، ط 1، 1422هـ-2001ـ (يضم 800 ص)
[6] مجلة الأدب الإسلامي ع26 / 27 ، ص 41-42.
[7] مجلة الأدب الإسلامي، المجلد الأول ،ع الأول، السنة (1414هـ 1993م)، ص 3 .
[8] مجلة الأدب الإسلامي، السنة الثالثة ،ع 9 – 10، 1416هـ/ ص 3.
[9] المشكاة"،ع 11، 1410هـ 1990م.
[10] المشكاة ع 14 ، 1411هـ1991م .
[11] المشكاة،ع 20- 1415- 1995م.
[12] المشكاة ، ع13-1410-1990م .
[13] مؤسسة الرسالة، بيروت ، ط1-1405هــ-1985م.
[14] في الأدب الإسلامي : دراسة وتطبيق، محمد حسن بريغش ، ص 40 .
[15] - مجلة الأدب الإسلامي ، ع 9-10، 1416هـ 1996م.