قراءة في قصص ريما اراهيم فائق

يوسف هداي الشمري

[email protected]

قصص (أطياف_ أحمر_ أصالة_ خدر) نموذجا

في كتابه الموسوم(هذه الشجرة) يعمد عباس العقاد إلى تقسيم المرأة لخمسة نماذج : المرأة الأم، المرأة الزوج، المرأة العاشقة، المرأة اللعوب، المرأة الهلوك. ومما يقوله عن المرأة الأم(تصدر في حبها من بواعث الحنان والتضحية، وقد تعطف على الرجل لمتاعبه وآلامه، فتحبه وتهواه إذ تهيئ لها منفذا لعاطفة الأمومة الغالبة عليها، فترعاه في معيشتها معه رعاية الأم لولدها، وتصبر على الضنك والحرمان، لأنها مطبوعة على التضحية بالنفس في هذا السبيل)

وعلى هذا الأساس لنا أن ندرج الكاتبة الفلسطينية ريما إبراهيم فائق في هذه الخانة من النساء، لما نلمسه من حضور للام في قصصها بشكل ملفت، ناهيك عن دفق عاطفي يتأجج في دواخل شخصياتها، وجموح بحب الأبناء قد يصل إلى حد نسف الذات، كما حصل في قصة (أطياف) .

تأتي الأم في قصص ريما على أشكال متنوعة وشخصيات متباينة، تارة نراها مربية فاضلة ومعلمة ناجحة، تخشى على ابنتها مغبة الانحراف، ترشدها على الاستقامة وتعاقبها على الاعوجاج .

 أحمر :
صار خدي حين وضعت الورقة في يد أمّي ، شهقت أمي ، لطمتني بكف يدها اليمنى ، و حذرتني من أن التقطت أيّ شيء من أي أحد)

فيما جاءت في قصة أصالة مضحية لأجل أولادها، متحملة جنون الزوج وقسوته، كما نستمع لهذا الحوار الذي جرى لها مع صديقاتها:

(- لا بدّ أن تضعي له حدّاً .
-
 كيف ؟ !! ماذا أفعل بجنونه ؟؟؟
ألقت إحداهن اقتراحا مفاجئا : 
-
 طلقيه .
لكزتها أخرى في خاصرتها :
-
 يا سلام ... و الأولاد ؟!!
-
 يكفيهم ما يرونه كل يوم من أذى (. 
أما في قصة خدر، فإننا أمام أم من نوع آخر ، هي الأم القاسية الأنانية التي تنظر بعيون جامدة وقلب لا ينكسر لحالة ابنتها وهي طريحة السرير في المستشفى، فتخاطبها ببرود أثناء زيارتها لها قائلة :

(- تخيلي ... اضطررت أن أذهب إلى صالون التجميل صباحا كي أكون جاهزة قبل موعد الزيارة . )

وكما رأينا فإن الكاتبة تتناول الأم من زوايا مختلفة ، مسلطة الضوء على أكثر من حالة عاطفية .

يواكب هذه الروح الشفافة والحنان الأمومي عنف مدمر يصل حدود القتل. نحن ولا ريب لا نستغرب وجود كل هذه القسوة، سيما وكاتبتنا من فلسطين، قد أبصرت النور على ما تتناقله القنوات التلفزيونية من مظاهر قتل وتعذيب لأبناء وطنها على أيدي الصهاينة، ناهيك عما لاقته من نير وتهجير في دول الشتات  .

كأن هذا العنف قد اختمر في رأس الكاتبة وترسب في قعر مخيلتها كمادة خام، لتقوم بعد ذلك بتصفيته وتحويله إلى ثيمة جديدة لا علاقة لها بالسياسة، فلا نرى في قصصها الأربع هذه الجندي الصهيوني ولا المجنزرات الإسرائيلية ، ولا حتى أبطال المقاومة الفلسطينيين. بل نجدها كاتبة اجتماعية بامتياز، تجعلنا ننظر لأحداث قصصها من خلال ثقوب الأبواب المواربة للبيوت لنستشف معها أسرار تلكم العوائل، ونطلع على مشاكلها، كالعنف الأسري والقتل غسلا للعار . فتحولت المشنقة إلى حبل في سطح الدار تنتحر به الأم، والبندقية برصاصها الحي إلى سكين يقتل الأخت البريئة بقضية شرف ،و السياسي الداهية إلى صديق خائن، والكرباج إلى كف يصفع خد الزوجة .

العنف هنا تصاعدي، يبدأ بضربة كف وينتهي بكسر يد في قصة (أصالة) ، أو ينتهي بغرزة سكين كما حدث في قصة (أحمر) .

أما في قصة أطياف فقد جاء بشكل فجائي وغير متوقع، حيث انتحرت الأم إثر وفاة ابنتها .

وهكذا نحن في رحلتنا مع هذه القصص، نجد أنفسنا أمام لوحتين متباينتين، أولاهما بيضاء نقية في صفائها تحمل الحب بأسمى معانيه، وأخرى حمراء قانية تضج بالقسوة الدامية . كما نرى في قصة (أحمر)إذ يتدفق اللون الأحمر من مداد الكاتبة لينساح على صفحات القصة، حتى نشعر وكأننا أمام لوحة وحشية من لوحات ماتيس .

ونلاحظ وجود هذا اللون الصارخ  وهو يعبر عن القسوة في باقي قصصها ايضا . يأتي على شكل ومضات قصيرة كأحمر للشفاه في قصة (خدر) أو وجنتان كستهما الحمرة من فرط الحمى في قصة (أطياف) .   
هذا التناقض متأت من شخصية أنثوية مترعة بالحب، تمور في حناياها عاطفة ورأفة ، وتختزن في ذاكرتها عالما داميا خال من الرحمة، تسفك فيه الدماء وتنتهب فيه الأرواح . فكتبت قصصا فريدة تتجلى بها الإنسانية بأسمى معانيها ، لا يحدها زمان، فهي تقرا في كل حين . ولم تحدد ببلد ما، فمكانها وطننا العربي الكبير وبطلتها المرأة الشرقية أم وبنت وزوجة .