بداية أدبية جادة ولافتة لأنوار سرحان

جميل السلحوت

[email protected]

في باكورة اصدارها الأدبي"الأفعى والثعبان" تطل أنوار أيوب سرحان على القارئ طلة بهية، تنبئ بأننا أمام أديبة شابة واعدة.

فمنذ بداية المجموعة تصدمنا الكاتبة بالعنوان"الأفعى والتفاح" وتكتب تحته"سيناريوهات لجرائم محتملة"، وكأني بها تعيدنا إلى غابر الأزمان في صراع المرأة مع الحياة، وما تعانيه مع الفكر الذكوري التسلطي، فحسب الأسطورة الدينية التوراتية، فان الأفعى هي التي أغوت حواء بأكل تفاحة الجنة، وقامت حواء بدورها بإغواء آدم، فطردهما الرب من الجنة، ولعن الأفعى التي عاقبها بأن تسير على الأرض زحفا بدون أرجل....فهل أرادت الكاتبة من هذا العنوان أن تعيد إلى الأذهان بأن النظرة الى المرأة لم تتغير، وأن اتهامها بالغواية هو من أجل تجريمها وتبرئة الذكور من وزر أعمالهم؟ وأعتقد أنها تقصد ذلك من خلال ما كتبته تحت العنوان"سيناريوهات لجرائم محتملة".

ولا أعلم لماذا اختارت الكاتبة عدم تصنيف نصوصها هذه تحت صنف أدبي معروف، مع أنها في غالبيتها قصص؟ فهل أرادت أن تترك ذلك للقارئ أم ماذا؟

قضية المرأة:

يتضح من خلال النصوص أن كاتبتنا تحمل هموم وقضايا بنات جنسها، لذا فقد سخرت قلمها للدفاع عن المرأة، وفضح بعض العادات والتقاليد التي تحط من قدرها ومكانتها الإنسانية، بل إنها تعدت ذلك إلى خصوصية معاناة الشعب الفلسطيني خصوصا من بقوا في ديارهم، وما يعانونه من اضطهاد وعنصرية في مختلف مجالات الحياة، والعربي مشبوه دائما، انظر قصة"فوبيا...وغربة وغزل"ص11 فالساردة كانت مع حبيبها في جلسة نورمانسية في مطعم، لكن عيون ونظرات الزبائن اليهود بقيت تلاحقهما، ثم يأتي شرطي ويحشر الجميع في زاوية قرب المطعم بحجة وجود جسم مشبوه، وهناك تسمع شتيمة العرب"يبدو أن أحد العرب القذرين قد وضع عبوة ناسفة في المطعم"ص12 ، وهناك منعوها بالقوة من الرد على هاتفها النقال، إلى أن جاءت النادلة تقول:"نأسف لإزعاجكم،بإمكانكم العودة الى أماكنكم، كانت تلك عبوة حفاظات للأطفال يبدو أن إحدى الزبائن قد نسيتها...ليس هناك ما يقلق" ومع طرافة النهاية التي سبقتها تصرفات مرعبة، إلا أن هذا واقع مع الأسف، وكأني بالكاتبة هنا تريد أن توصلنا إلى أن الإنسان الفلسطيني يعاني قهرا قوميا وطبقيا، لكن معاناة المرأة تتضاعف من خلال العادات والتقاليد التي تحط من شأن الأنثى، وتجعل الذكور يمارسون عليها اضطهادا آخر أيضا.

وفي قصة"الدّخلة والقربان"نقد وتذمر شديد من العادات والتقاليد السائدة في العلاقة بين العروسين، من الخطبة حتى الزفاف والدّخلة، ففي الكثير من المناطق لا يسمحون للعروسين بالانفراد وحدهما حتى ولو كان عقد زواجهما مكتوب، فالأمّ تحذر ابنتها:"إيّاك أن تسمحي له بلمسك...كوني أمامه محافظة...الرجل لا يحب إلا الفتاة الرصينة...إيّاك أن تضعفي أمامه فيتركك."ص15 ومع أن العروسين كل منهما يشتهي الآخر، إلا أن العادات والتقاليد تمنعهما من الإقتراب من بعضهما حتى ليلة الدّخلة، وعند ليلة الدّخلة فإن الحياء يمنع العروسين من الإنكشاف على بعضهما، خصوصا العروس التي تكون في خوف شديد من عدم حصول ما يثبت عذريتها تلك الليلة، فهي مطلوب منها أن تلقي كل المحاذير التي تربت عليها في لحظة واحدة،"تبوأت مقعدي عند طرف السرير المزدوج...دون أن أخلع فستاني...ذلك الفستان الذي تقضي الفتاة عمرها تحلم بارتدائه...وما أن ترتديه حتى يكون عليها أن تخلع معه كل أثواب الحياء"ص16 وعليها أن تسلم نفسها للمعاشرة الزوجية دون تردد، ويؤرقها خوفها من عدم وجود ما يثبت للعريس وللآخرين عذريتها، وتتذكر ما قالته لها احدى صديقاتها في المدرسة"هناك بنات لا تثبت عذريتهن حتى لو لم يمسسهن أحد"ص17 وهناك سيتنادى الأهل والإخوة والأقارب للدفاع عن الشرف، "ستغدو دعارات اخوتي وسقطاتهم كلها طهرا أمام جريمتي"17، فهل الشرف حكر على النساء فقط؟ وهنا نلاحظ كيف تلصق بها تهمة جريمة لم ترتكبها، لكنها قد تخسر حياتها. ومن العادات والتقاليد في ليلة الدخلة عدم ترك العروسين وشأنهما في تلك الليلة، وكأن المعاشرة الزوجية بين العروسين شأن يهم الجميع، وعدم حصول المعاشرة ستتبعه أقاويل كثيرة، وفي القصة هنا...لم تحصل المعاشرة الزوجية، لكن العريس استجاب للعادات والتقاليد، وأنقذ الموقف بطريقة أخرى"خلع حذاءه ومدّ سكينه الى قدمه، فجرحها عند طرف الكعب وراح يرش على الثوب بضع قطرات من دمه النازف"ص18، ومع جمال السرد في هذه القصة، إلا أنني لم أفهم نهايتها، أو بالأحرى لم أجد ضرورة لها.

وفي قصة"وينطفئ ذاك النور" نقد لاذع لتزويج الفتيات من شيوخ طاعنين في السنّ قد يكبرون آباءهن عمرا،وعندما يموت الزوج  تبدأ الإشاعات تطارد أرملته، وتشارك النساء أيضا في بث الإشاعات، وهنا تعامل الأرامل والمطلقات بعدم السماح لهن بالعمل وعدم السكن وحدهن مع أطفالهن بل يجب أن يكن تحت رعاية الأهل والإخوة، انظر قصة"سأسجد لهما"ص48 فالمرأة مجبرة على التعايش مع الزوج مهما كان سيئا وشريرا وظالما معها ولها، وإذا ما وافق الأهل على الطلاق فعلى المرأة أن تبقى رهينة البيت، بل إنهم يحرمونها من أبسط حقوقها وهو حقها في الأمومة ورعاية أطفالها، من خلال تجريدها من هذا الحق.

 اللغة والأسلوب: تملك الكاتبة لغة أدبية جميلة، تتحلى بالبلاغة التي تبرز مفاتن اللغة من خلال التشبيهات والاستعارات والكنايات وغيرها من الفنون البلاغية.

ولفت الانتباه أن الكاتبة اتخذت أسلوب السرد القصصي بلغة الأنا ليكون أقرب حميمية في التعبير عن الذات، وعند المتلقي أيضا، مع أن"الأنا" هنا ليست خاصة بالكاتبة بل هي كل فتاة عربية....لكن الكاتبة وقعت في أكثر من موضع في تفسير بعض الجمل، أو تفسير ما تقصده وهذا ليس في صالح النص.