محن الإنسان وهمومه في "قراءات أولى"
محن الإنسان وهمومه في "قراءات أولى"
للكاتب جاسم العايف
توفيق الشيخ حسين
العمل الفني يأخذ أصوله من قلب المجتمع .. انه حصيلة الدفع الفكري والعاطفي .. الفرد يستقي جميع إمكانياته ومؤهلاته العقلية والنفسية من مجتمعه عبر تأريخه الطويل بالتفاعل الحي مع الحاضر ومع خط هذا التأريخ في المستقبل .. فالصدق وحده هو الذي يهب الفن قيمة الحياة والقوة في التصوير والتعبير ...
ضمن منشورات اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين في البصرة وعلى نفقة " شركة أسيا سيل للاتصالات " وعن دار الينابيع للطباعة والنشر والتوزيع في دمشق صدر للكاتب " جاسم العايف " كتابه المعنون " قراءات أولى " ضم مجموعة من الدراسات والقراءات في بعض الكتب الأدبية والثقافية .. وتضم خمسة عشر موضوعا ...
جاسم العايف كاتب تبدو عليه المعاناة بحدة .. همه أن ينقل الأفكار بما يلامس من قضايا جدية في الحياة .. انه يتعذب ويتوتر في سبيل الكلمة الحرة ...
يبدأ الكاتب " جاسم العايف " كتابه بقراءات أولى عن زميله القاص الواعد والذي أستمكن منه الشعر المرحوم " مصطفى عبدالله " الذي بدأ نشاطه في البصرة كاتبا للقصة القصيرة .. بين سنتي 1972 – 1973 كتب أوبريت " الجرداغ " مبنية على العمل الموسمي لعمال الجراديغ - مكابس التمور الأهلية – المنتشرة سابقا في البصرة والذي يحضرون مع عوائلهم للعمل في مواسم جني التمور كأجراء من خلال قساوة الحياة وصراعها اليومي المتواصل .. يغادر مصطفى العراق بعد رحلة مضـّنية وتشرّد استقر في المغرب مدرسا ً للعلوم الطبيعية .. واصل نشاطه الثقافي – الأبداعي – المتنوع ونشر العديد من البحوث والدراسات والقصائد في الصحف والمجلات المغربية والعربية حتى توفى في حادث مفجع في الأول من نوفمبر عام 1989 ودفن في المغرب ...
" على جناح ليلكه " المجموعة الشعرية الثانية للشهيدة الإعلامية " أطوار بهجت " بعد مجموعتها الشعرية الأولى " غويات البنفسج " تحتوي على إحدى وعشرين قصيدة عثر عليها مخزونة في حاسوبها الشخصي وعمد إلى نشرها الشاعر " جواد الحطاب " ...
الشاعرة الشهيدة تتعامل بعفوية مع كلماتها وصورها التي تعبر عن عواطفها الذاتية المغلفة بإحزانها الأنثوية .. يؤكد الكاتب " جاسم العايف " بان الشاعرة تعتمد في قصائدها على تقديم صورها الشعرية بنوع من الكشف العلني والمفارقة " العاطفية " دون مواربة مع إحساس متعاظم بخذلان وجدانها من " الآخر " الذي لا ترغب في إخفاء ملامحه وتقدم عنه ما يجعله أكثر وضوحا ً .., وضوح مشاعرها الوجدانية الإنسانية .. لتؤشر بحزن على ان فتاة عراقية في الثلاثين من عمرها فقط , قد اختطفها طائر الموت وهي تحلق في سماء العراق كالفراشة قد مرت من هنا ...
المراقب والمتأمل للمشهد الشعري العراقي يجده اليوم ضاجا ً بأصوات كاتبي قصيدة النثر الذين أضحوا يشغلون مساحة واسعة من فضاءات الصفحات الأدبية بنتاجاتهم .. وبهذا تكون قصيدة النثر في البصرة تحديدا ً سيدة المشهد ..
يؤكد الكاتب " جاسم العايف " ان الشاعر هاشم تايه في ديوانه " عربة النهار " يعتمد على البنية السردية وتمتلئ بالكثير من مفصلات الحياة اليومية مثل ( أرامل الحروب – وأطفال الشوارع – وعربات النقل – والذئاب البشرية ) ويلجأ إلى ما يمكن ان نطلق عليه بـ " سرد اللحظة الآنية " في التعبير عن قلق الحاضر ورعب ودراما المصير الإنساني , الصادم عبر فوبيا الواقع والقادم المجهول ...
يتطرق الكاتب " جاسم العايف " إلى كتاب " أبو الخصيب .. وجوه في السوق القديم " للكاتب العراقي المقيم في السويد " محمود بدر " حينما غادر العراق مكرها ً .. مع ذاكرة تحاول مواجهة الغربة وليالي الوحشة والحنين .. وينحو لأصطياد جزء من ماضي العلاقات الأجتماعية ونكدها ومنها المصائب التي يسببها حريق " سوق أبو الخصيب القديم " وتحوله إلى " أثر بعد عين " ويفعـّل ذاكرته وظلها الشاحب في محاولة الاتصال بجوهر المكان واكتشاف مكنوناته أو الاستذكار الفني الذي يتعانق مع مدينته الجنوبية وحياة الناس فيها وبساطتهم وشموخهم على رغم محن الحروب وقساوة الأزمنة الممهورة بالبطش والعزل والفقر والإهمال ويقدّمها كما هي :
" متضادة / متلازمة – خشنة / ناعمة – أليفة / فظـّة – صلبة / هشة " ...
" جناحان من ذهب " المجموعة القصصية الجديدة للقاص " احمد إبراهيم السعد " وضمت خمس عشرة قصة قصيرة .. فيها تراكم لهموم اجتماعية مضنية من خلال القراءة اليومية لأوضاع شخصيات تنتمي إلى عالم القاع العراقي وهمومه مع الاهتمام والكشف بحنو واضح عن البيئة الجنوبية العراقية ومكوناتها المخـّربة عبر الإهمال والحروب المتعاقبة ...
تأتي دراسة الدكتورة " فاطمة عيسى جاسم " حول الروائي " غائب طعمة فرمان " لأهمية أعماله الروائية ومكانتها الريادية في الأدب العراقي .. حيث لعبت انتاجاته الثقافية والأدبية والفكرية دورا ً مهما ً في تعميق وبلورة الوعي الاجتماعي – الإنساني في الصراع ضد أشكال القهر والقسوة والتردي والتخلف .. وتعتبر روايته " النخلة والجيران " علامة في مسار الرواية العراقية بقدر ما كانت علامة في تطور الرواية العربية الباحثة عن الواقع ...
يعتبر الكاتب والمخرج المسرحي الراحل " جبار صبري العطية " رائد المسرح الجماهيري الملتزم .. وقد ترك أرثا مسرحيا تجاوز السبعين عملا ً بين التأليف والأعداد والإخراج وكتابة البحوث التوثيقية عن المسرح وفن الأوبريت في العراق والبصرة بالذات .. حيث يؤكد الكاتب " جاسم العايف " بان الراحل " جبار صبري " تناول محن الإنسان العراقي وهمومه الحياتية اليومية والروحية .. ملامسا ً العلاقات الأجتماعية من دون ان يُضـّيق بها توجهه المسرحي – الفني وتميزه بوفائه للمبدعين البصريين الأحياء منهم أو الذين ارتحلوا قبله .. لكن لم يحظ الكاتب والمخرج المسرحي الراحل " جبار صبري العطية " بالدراسات الكافية لإفادة الأجيال المسرحية من إبداعه .. لذا ظل حبيس جدران المطلق ...
يتجسد علم الجمال بشكل حسي موضوعي في إطلاق حرية الإبداع والمعرفة في مكونات الحياة الإنسانية / الاجتماعية – السياسية والروحية / ..
في قراءة الكاتب " جاسم العايف " لكتاب الدكتور كمال عيد " علم الجمال المسرحي " والتي يتطرق بها الى صعوبة معرفة البدايات التاريخية لعلم الجمال على المستوى النظري متجاوزا ذلك الى البحث في تحديد ماهية التفكير الجمالي , لكون تلك المبادئ تعتبر المصدر الأساس للكثير من المبادئ والقيم الإنسانية الأخرى , مثل الخير والتعبد للفن والشعر والموسيقى .. حيث يؤكد الدكتور كمال عيد أن علوم الجمال تعرضت ولا تزال تتعرض حتى اليوم للجدل والنقاش ..
تناول الكاتب " جاسم العايف " أيضا في قراءاته ( كاردينيا .. الملاذ والأسى ) و ( التوظيف السياسي للفكر الديني ) و ( حق التفكير وحد التكفير ) و ( الزاوية والمنظور / اتهام النقد .. دفاع القص ) و ( البار الأمريكي ) و ( المرأة والجنس .. بين الأساطير والأديان ) و ( المسرح العربي والتأصيل ) ...
عشنا مع الكاتب " جاسم العايف " وقراءاته الأولى لأهميته الأدبية والفكرية والمعبرة عن محن الإنسان وهمومه الحياتية واليومية والروحية .. ملامسا العلاقات الاجتماعية في العذاب العراقي والنهوض من رماد سنوات الجمر والقمع والحرمان والأمراض والحروب المتواصلة ...