كتاب "منزلق خطر" للمحامي جواد بولس
كتاب "منزلق خطر" للمحامي جواد بولس
سجل تاريخي، سياسي، ثقافي وقانوني متنوع
للواقع الفلسطيني عبر كل الحواجز
نبيل عودة
كاتب , ناقد وصحفي فلسطيني – الناصرة
فاجأني المحامي جواد بولس في كتابه "منزلق خطر"، بمستوى نصوصه، وقدرته على التعبير عن أكثر القضايا تعقيداً، بسهولة لغوية، ووضوح فكري، والأهم تمكنه من تركيبة لغوية قريبة جداً من المناخ الثقافي الاجتماعي للقارئ العربي،او ما يعرف ضمنا بلغة الصحافة ، اللغة الأكثر التصاقا بالمناخ الثقافي للأكثرية المطلقة من قراء العربية.وبعيدا عن تعقيدات اللغة القانونية التي توقعت ان تسود نصوص المقالات..
جواد بولس لفت انتباهي أكثر ، ليس فقط بمضامين المواضيع الهامة التي يطرحها، انما بفنية المقال وسيطرته الكاملة على شكل عرض الفكرة بمهنية موضوعية وبدون الانزلاق االشعاراتي وترديد كليشيهات تملأ حتى اليوم معظم ما ينشر من نصوص سياسية. وهو عملياً يؤكد على قضية سبق وأن طرحتها، حول أزمة المقال الصحفي، من ملاحظتي أن الأكثرية المطلقة مما ينشر في وسائل إعلامنا من "مقالات" هو مجرد ترديد لشعارات وصياغات لم تتغير منذ أكثر من نصف قرن، ولا نقدم فكرة جديدة...
أعرف أني ترددت كثيراً قبل البدء بقراءة "المنزلق الخطر" لجواد بولس ،لأكتشف انه خير منزلق يقع به جواد .
اعترف اني كنت مصابا بحالة ياس من المقال العربي وتركزت قراءاتي حول اسماء محددة محلية وعربية، ولكن ما قرأته من مقالات قليلة، أرسلها جواد للنشر في صحيفة "المساء"، صعقتني بجماليتها الصياغية، وعمق طرحها، والأفكار الجديدة التي يطرحها بعمق ويحللها بدون تشنج فكري، أو انغلاق إيديولوجي، للوصول إلى حقيقة الحدث وعمق التحول المتوقع. فامسكت الكتاب مصمما على قراءته لأجد نفسي بعد المقال الأول منزلقا بمتعة ( وبدون خطر) بين نصوصه.
لا شك أن شخصية المحامي تطل عبر كل نصوص المقالات تقريباً، تضفي على مقالاته، ليس بعداً قانونياً، إنما فهماً لجوهر الموضوع الذي يتناوله ويتعامل معه بأدوات لغوية ثرية تشير إلى عالمه الثقافي الواسع.
جواد بولس لا يذهب نحو الصراع المباشر، ضد وجهات النظر المعاكسة، من فهمة الهام، إن اختلاف الرأي يجب أن يثري ثقافتنا وصحافتنا، لذلك نجد نصوصه تتناول الاتجاه المعاكس لآرائه بأسلوب المرافعة القانونية، مبيناً- الحقائق التي يرتكز عليها، وما يتوخاه من نتائج، أحياناً لا يطرحها، إنما يكتفي بتقديم مقالته، لتقول بشكل غير مباشر. ما هو الاتجاه الذي يراه منطقياً.أي يدفع القارئ الى ما وراء التلقي ، الى التفكير .
جواد يثبت في كتابه أهمية معرفة فن الكتابة الصحفية. وأكاد أقول أن "منزلق خطر" هو مدرسة تفيد كتابنا الصحفيين، إذا أطلعوا عليها من منطلق الفهم الأسلوبي، ودور اللغة (خاصة اللغة العربية المليئة بالمضامين التصويرية شديدة التلوين) في جعل المقال الصحفي يقرأ كما تقرأ قصيدة جميلة، أو قصة جذابة.حتى حول المواضيع الأشد مأساوية في واقعنا.
لن أدخل إلى الحديث عن شخصية المحامي التي تطل عبر العديد من المقالات، ولكني أقول أن "منزلق خطر" هو كتاب تسجيلي لأحداث تاريخية وفكرية وقانونية هامة، عبر مسيرة المحامي والكاتب التي اندمجت وانصهرت بشخصية جواد بولس ، ليقدم لنا مرافعاته الفكرية والثقافية في أكثر القضايا التي شغلت الجمهور الفلسطيني، في داخل إسرائيل عامة وفي المناطق المحتلة بشكل خاص.
منزلق خطر، سجل تاريخي هام لفهم حقائق كثيرة عن الاحتلال والنضال الفلسطيني من أجل الحرية، وعن الواقع العربي في إسرائيل وهموم الإنسان الفلسطيني اليومية والوطنية.
كما قلت ترددت كثيراً في البدء بقراءة نصوص الكتاب، ولكن مع المقال الأول، انزلقت بلا خطر داخل نصوص ممتعة في صياغاتها ، وثرية في معلوماتها ،ولم اترك الكتاب إلا بعد أن قرأت الكلمة الأخيرة ولساني يقول: هكذا تكون المنزلقات أو جعلها لا تكون.
الكتاب: منزلق خطر / المحامي جواد بولس
اصدار "الحقيقة" – كفرياسيف (2010).