المشروع النقدي لمحمد مفتاح
فؤاد عفاني
باحث من المغرب
تعد تجربة محمد مفتاح تجربة رائدة في إطار النقد الأدبي المعاصر، وذلك من حيث إسهامها في بلورة مشروع ثقافي يروم مساءلة التراث العربي المحمل بهموم الذات والهوية العربيتين من جهة، ومن حيث سعيها لتمثل النظريات العلمية الحديثة من جهة أخرى.
إن انفتاح النقد الأدبي على العلوم الأخرى، شكل من محمد مفتاح ناقدا متعدد التخصصات ، غير آبه بالخصوصية الثقافية الضيقة. وسنكتفي في هذا المدخل باستعراض المنجزات التي خلفها مسار محمد مفتاح الدؤوب. فما هي الحصيلة العلمية التي أفرزتها مدة من البحث جاوزت العقدين؟ وما هي المبادئ المنظمة لهذه الحصيلة؟.
Ãلائحة ببعض الأبحاث التي كتبها الباحث منذ نهاية السبعينات:
- " الكتابة الصوفية، ماهيتها ومقاصدها"1.
- "ابن رشد ومدرسته في الغرب الإسلامي"2 .
- "الجهاد والاتحاد في الأدب الأندلسي"3 .
- "التيار الصوفي والمجتمع في المغرب والأندلس خلال القرن الثامن هجري"4 .
- "الخطاب الصوفي مقاربة وظيفية"5 ، مكتبة الرشاد، الدار البيضاء 1977.
- "آليات تناسل الخطاب الشعري"6.
- "ديوان ابن الخطيب" تحقيق ودراسة، دار الثقافة 1989.
- "النصنصة أو النص المركب"7.
à المؤلفات التي أصدرها محمد مفتاح:
- "في سيمياء الشعر القديم: دراسة نظرية وتطبيقية"، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط 1، 1982.
- "تحليل الخطاب الشعري: استراتيجية التناص" المركز الثقافي العربي البيضاء/بيروت، ط 1، 1985.
- "دينامية النص: تنظير وإنجاز": المركز الثقافي العربي، البيضاء/بيروت ط1 1987 1 .
- "مجهول البيان" دار توبقال، البيضاء، ط 1، 1990.
- "التلقي والتأويل: مقاربة نسقية" المركز الثقافي العربي، ط 1، 1994.
- "التشابه والاختلاف، نحو منهاجية شمولية"، المركز الثقافي العربي، ط1، 1996.
- "المفاهيم معالم نحو تأويل واقعي"، المركز الثقافي العربي، ط1، 1999.
يتميز المشروع النقدي لمحمد مفتاح بمساره المنتظم، والجمع بين الممارسة التطبيقية والنهج التنظيري، فمما لاشك فيه أن المتتبع لأعمال مفتاح يكشف عن هذا الثابت المنهجي الذي يقوم عليه مشروعه، وهو المزاوجة بين الإطار النظري الذي يعكس اهتمام المؤلف الملحوظ بمواكبة مستجدات الحقول المعرفية الجديدة، وبين الجانب التطبيقي الذي يعكف المؤلف من خلاله على تطبيق فرضياته النظرية، باستثناء «مجهول البيان» الذي يعد "وقفة تأملية وتدقيقية لأعماله السابقة"2 .
إن الاختلافات الجزئية التي تعتري المشروع النقدي لمحمد مفتاح لا تمنع من وجود بناء نسقي ينتظم المشروع بأكمله، إنه الرغبة الملحة في استنطاق النصوص وروزها، من ذلك ما يفعله في كتابه «دينامية النص» حيث يجعل الدينامية بؤرة له مع استقدامه لمفاهيم متعددة ك "(النمو) و(الحوار) و(التناسل)"3، والدينامية عند مفتاح "درجات إذ
تتطور من البسيط، إلى الانقطاع، فالكارثة، فالموت الحراري أو خلق أوضاع معقدة جديدة"1،فمفهموم الدينامية مفهوم كوني إذ يوظف في العلوم الإنسانية والاجتماعية والذكاء الاصطناعي وعلم النفس المعرفي.
ولعل الشيء المثير في هذا الكتاب هو التنويع في طبيعة الجنس الأدبي المعتمد في الدراسة إذ يقول: "اختبرنا المنهاجية السابقة على نصوص شعرية قديمة وحديثة وسنحاول تمحيصها -أيضا- على نص قصصي"2. فمن الشعر القديم، إلى الشعر الحديث، إلى الخطاب الصوفي، إلى الخطاب السردي الحديث والنص القرآني.
أما كتابه «مجهول البيان» فيجسد مبدأ التناسلية في المشروع النقدي لمفتاح، إذ نجده يخرج من صلب كتاباته السابقة، إذ يقول حين كان يتحدث -في كتابه السابق- عن دينامية النص وانسجامه: "سنعمقها في دراسة قادمة خاصة بالاستعارة "3، وهو بذلك يقصد «مجهول البيان» الذي كان شحذا لأدوات تحليل الخطاب وكذا توسيعا لدائرة عمله النظري والتطبيقي، وإن كان هذا الجانب لا يتجاوز عشرين صفحة. ونظرا للمكانة المرموقة التي تتبوؤها المسألة البيانية في الثقافة العربية، فقد حاول محمد مفتاح "الإسهام في حل مسألة استعارة السياق"4 ، أو استعارة النص -بتعبير مفتاح- عوض استعارة الجملة التقليدية.
إن هذا الكتاب هو بمثابة اجتهاد للكشف عن مختلف الآراء التأويلية التي تمكن من تأليف مقاييس تمنح للنص بعدا دلاليا، مع تعرضها في الآن ذاته للتعريف الأرسطي والشجرة الفرفورية وما أحدثاه من تأثير في الباحثين. إنه يسعى نحو "ممارسة حفريات عميقة في ذاكرة الموروث النقدي البلاغي عند القدماء"5.
ولقد تعمق الاتجاه المعرفي الذي مهد له في «مجهول البيان» في كتاب آخر هو كتاب«التلقي والتأويل: مقاربة نسقية» "فهذا الكتاب تعميق للبحث عن بعض المسائل التي [طرحها] في كتاب مجهول البيان"1، على الرغم من الطفرة النوعية في طبيعة النص الذي يشتغل عليه، فمن النصوص المفردة المنتقاة من الشعر القديم أو الحديث إلى النص الصوفي، إلى النص السردي ، ثم إلى حلقة أوسع تشكل كتبا خاصة نذكرها على التوالي: كتاب «التنبيهات على ما في التبيان من التمويهات» لابن عميرة (ت 658ه) وابن البناء (ت 721ه) في كتابه «الروض المريع»، والسجلماسي (كان بقيد الحياة سنة 730ه) في كتابه «المنزع البديع»، وهي مؤلفات يرى فيها محمد مفتاح أنها "اعتمدت -أيضا- على مبادئ وقواعد لفهم كل أنواع المخاطبات... ويؤديان إلى الفهم السليم والتأويل الصحيح"2. كما قام محمد مفتاح في هذا الكتاب كذلك بدراسة كل من: «فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال»، و«الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة» لابن رشد (ت 595ه)، «والموافقات» و«الاعتصام» للشاطبي (ت790ه) إضافة إلى هذا قام مفتاح بقراءة تأويلية لكرامات أبي يعزى (ت595ه) وكتاب «روضة التعريف بالحب الشريف» لابن الخطيب (ت776ه).
لا ريب إذن، إذا قلنا بأن كتاب "التلقي والتأويل" كان نافذة جديدة على نصوص أسست فيما بينها منظومة معرفية تجمعها علائق بعينها وإن تعددت منطلقاتها النظرية (علم الكلام، علم البيان، أصول الفقه، الشعر، التصوف).
وعلى عادة محمد مفتاح فإنه كلما أوشك على الانتهاء من أحد مؤلفاته إلا وكثرت الأسئلة والاستفهامات "ليتدخل من أجل توضيح بعض المفاهيم"3.
وهذا ما يقره بالضبط في مقدمة كتابه "التشابه والاختلاف"، هذا الكتاب الذي تأسس على مبادئ منهاجية ميتافيزقية أهمها: "كل شيء يشبه كل شيء"4 و"كل شيء قابل للتدريج"5... وكلها مبادئ تسمح لنا بالقول بنشأة نظام لهذا الكون، النظام الذي يمثل وجها من المنهاجية التي تحكمت في مؤلفات محمد مفتاح الأخيرة، في الوقت الذي نجد فيه الوجه الثاني "يرى أن الفوضى والعماء أساس الكون"1 .
ولما كانت مفاتيح العلوم مصطلحاتها وشبكتها المفاهيمية، إذ أن "مفاصل الصناعة النظرية هي المفاهيم"2، قدم مفتاح كتابه الجديد «المفاهيم معالم».
يتضح من خلال هذا الكتاب أن المؤلف "قدم صنافة مفهومية تشييدية تنطلق من مفهوم مركزي (النص) لتبديد التشويشات والاضطرابات"3. إنه غوص في أغوار مشكل المفهوم رغبة في الخروج بنظرة شمولية ودقيقة "فمن ظن أن العالم قادر على أن يتحدث عن العلم بغير جهازه المصطلحي، فقد ظلمه ما لا طاقة له به إلا أن يتواطأ على امتصاص روح العلم وإذابة رحيقه وهذا لماما يصدق على كل معرفة تحتكم إلى أواصر العقل"4 .
ولما كان من الصعب أن نحيط بالمشروع النقدي لمحمد مفتاح، نظرا لوفرة رصيد هذا الباحث من جهة، ولاعتماده على مجموعة من المناهج الحديثة الأخرى من جهة فإننا نكتفي بخلاصة مفادها أن محمد مفتاح منذ كتابه «في سيمياء الشعر القديم» يعمل على تشييد مشروع حقيقي يهدف إلى ضمان استمرار منتظم يقوم على مبدأ التناسل والنمو المستمر، وعلى آليتي التنظير والتطبيق، مع تأسس هذا المشروع على نواة صلبة تشكل بؤرته الأساسية وهي الفرضية الأساس التي نجد جذورها ضاربة في كتاباته الأولى، ألا وهي الدعوة إلى «الجهاد والاتحاد».
ولعل أبسط شيء يمكن أن يقال في حق محمد مفتاح هو الاعتراف بمجهوداته النقدية التي تسعى وراء النهوض بتحليل الخطاب، والعمل على تلاقي الخطاب العربي بالمناهج والنظريات الغربية. وأظن أن جابر عصفور كان صادقا حينما سمى هذا الباحث بمفتاح السكاكي، في حين قال كمال أبو ديب أن القارئ يحتاج إلى معجم مفاهيم من أجل فك ألغازه.
1- مجلة "كلية الآداب والعلوم الإنسانية"، الرباط، ع 2، س 1977، من الصفحة 5 إلى الصفحة 22.
2- " من أعمال ندوة ابن رشد ومدرسته في الغرب الإسلامي " منشورة في مجلة "كلية الآداب والعلوم الإنسانية"، الرباط، يونيو 1978، من الصفحة 71 إلى الصفحة 84.
3- مجلة "عالم الفكر"، (الكويت) م 12، ع 1، ابريل ، ماي ، يونيو 1981، من ص 171 إلى ص 200.
4- هذا الكتاب في الأصل هو رسالة قدمها محمد مفتاح.
5- أطروحته لنيل دكتوراه الدولة قدمها سنة 1981 تحت إشراف محمد أركون.
6- مجلة "دراسات أدبية ولسانية"، فاس ، ع 5 ، شتاء 1986، من ص 9 إلى ص 31.
7 - دراسة يقارب فيها كتاب "الحب" لمحمد بنيس ، مجلة " الآداب" بيروت ، ع 3-4، 1998، من ص 34 إلى ص 44.
1- هي نفس السنة التي حاز فيها محمد مفتاح على جائزة المغرب الكبرى في الآداب والفنون.
2- "المشروع النقدي لمحمد مفتاح" ، أحمد بو حسن، "مجلة فكر ونقد"، الرباط، ع 20، س 1999، ص124.
3- "دينامية النص" محمد مفتاح، المركز الثقافي العربي، البيضاء/ بيروت، ط 1، 1987، ص 7.
1 - مسارات مشروعي المقترح... والمفتوح": محمد مفتاح، مجلة "الآداب" ، بيروت، ع 3-4، س 1998، ص 157.
2 - "دينامية النص": محمد مفتاح، المركز الثقافي العربي، البيضاء / بيروت، ط 1، 1987، ص 157.
3 - نفسه، ص 48.
4 - "مجهول البيان": محمد مفتاح، دار توبقال، البيضاء، ط 1، 1990، ص 8.
5 - "قراءة محمد مفتاح": بشير القمري، مجلة "البحرين الثقافية "، البحرين ، ع 19، س 5/1999، ص 132.
1 - "التلقي والتأويل": محمد مفتاح، المركز الثقافي العربي، البيضاء/بيروت، ط 1، 1994، ص 7.
2 - "التلقي والتأويل": محمد مفتاح، ص 13.
3 - "التشابه والاختلاف": محمد مفتاح، المركز الثقافي العربي، البيضاء / بيروت، ط 1، 1996، ص 5.
4 - المرجع نفسه، ص 25.
5 - المرجع نفسه، ص 27.
1 - "المفاهيم معالم": محمد مفتاح، المركز الثقافي العربي، البيضاء / بيروت، ط 1، 1997، ص 7.
2 - نفسه، ص 7.
3 - "جاذبية النص من الحقيقة المجردة إلى الحقيقة الممكنة.. قراءة في كتاب المفاهيم معالم لمحمد مفتاح": محمد الداهي، الملحلق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي، ع 584، يوليوز 1999، ص 7.
4 - "صياغة المصطلح وأسسها النظرية في: تأسيس القضية الاصطلاحية" : عبد السلام المسدي، بيت الحكمة، قرطاج، 1989، ص 30.