شدو الناشئ في أسمى المرافئ

د. عبد الحكيم الأحمد

قراءة في مجموعة أناشيد للناشئين

للشاعر: شريف قاسم

شريف قاسم

[email protected]

د. عبد الحكيم الأحمد

مجموعة شعرية جديدة للناشئين يقدمها الشاعر الإسلامي شريف قاسم ، لتضاف إلى رصيده الشعري الغزير ،  المطبوع والمنشور والمخطوط على مدى أكثر من خمسين عاما ، وقد قام بطباعة هذه المجموعة النادي الأدبي في نجران ، وربما كانت هذه المجموعة الثالثة للأطفال والناشئين ، بعد مجموعته ( إلى فتيان الأترجة ) التي قدَّم لها الدكتور عدنان النحوي ، وله مجموعات أخرى ذكرها الشاعر في  قائمة مؤلفاته التي أثبتها في صفحات المجموعة الأخيرة ، والتي زادت على ثلاثين مؤلفا بين الشعر والقصة والمسرحية ، وبين كتب نثرية أخرى .

وتأتي أهمية تنشئة الأطفال التنشئة الصالحة التي تتيح لهم العيش بالسير المحمودة في مستقبل أيامهم ، فهم غدُ الأمة ، ومعقد رجائها ، ورعايتهم وتوجيه سلوكهم نحو الاستقامة بات واجب كلِّ  أب وأم ومعلم ، في زمن لانرى اهتمام أكثر الدول الإسلامية بهذه التنشئة ، بل نجد أن من استقام على دين الله من الشباب يلاحق ويُضيَّق عليه في بعض تلك الدول ، وهذا من علامات إنجاح حالة التغريب في المجتمعات الإسلامية . إنَّ أطفال الأمة وناشئيها إن لم تُهيّئْ لهم أسباب الخلاص من مفاسد العصر فسيكونون فريسة للانحلال والضياع ، ولا غرابة بعد ذلك إن كانوا حربا على دينهم وقيمهم الأصيلة الزاخرة بالمآثر والفضائل والعزة والكرامة .

وشعر الأطفال من بين فنون العربية الأخرى له أهميته ومكانته في توجيه الناشئ ، وإغناء قلبه بالرحمة والمودة ، وعقله بصفاء الأفكار النيِّرة ، وسلوكه بالأعمال الصالحة والتصرفات الكريمة . إضافة إلى أن شعر الأطفال يبعث في نفوسهم الإحساس بالسؤولية ، وينأى به عن ذميم التصرفات ، ويساعد في توجيه الميول والغرائز إلى الأسمى والأفضل . ولا بدَّ أن يكون ممتعا سهلا قريبا من نفس الطفل ، يبعث فيها حب الله الخالق ، وحبَّ نبيِّه صلى الله عليه وسلم ، وحب دينه القويم ، ليترجم هذه المحية إلى أعمال كريمة وتصرفات مقبولة ، ويعيش الناشئ على مائدة التآخي والتعاون والاجتهاد ، وهذا ما أراده الشعر في ( 53 ) ثلاث وخمسين أنشودة احتضنتها (80) ثمانون صفحة من القطع المتوسط  ، بدأها بإهداء لطيف إلى أطفال الأمة وناشئيها ، وبمقدمة أكثر لطافة يدعو من خلالها إلى المحافظة على الناشئين الذين هم عماد الأمة وربيعها الزاهر ، استجابة لأوامر الله عزَّ وجلَّ ، وتلبية لنداء الفطرة الصافية ، فهم الأمانة في أعناق الآباء والأمهات والمعلمين وكل مَن له يدٌ في رقيِّ الأمة وتقدمها من علماء الأمة ومفكريها وأدبائها ، وسيسأل كلُّ مفرِّطٍ في هذا الواجب أمام الله .

وتحت هذه العناوين يؤكد شاعرنا أن العقيدة الإسلامية هي موئل الأمة في عزتها وكرامتها وفي نهضتها المرتقبة ، فيعود بالناشئ إلى أحضان العقيدة ومواطنها ، ويحبب إلى نفسه مكة المكرمة والمدينة المنورة ، ليخاطب الناشئ مكة فيقول :

رباكِ بهيَّةُ المنظرْ       يفوحُ ترابُها عنبرْ

ولي ياقبلتي شوقٌ       إليك بأضلعي يكبرْ

وقاكِ اللهُ من شرٍّ        بعامِ الفيلِ لايُنكَرْ

فمكة المكرمة تستجلب للناشئ سيرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، منذ ولادته وحتى نزول الوحي عليه ، وما لاقى وما عانى ، ثمَّ هجرته إلى المدينة المنورة ، ليقول الناشئ مخاطبا طيبة الطيبة :

مدينتي المنوَّرهْ            وجنَّتي المعطَّرهْ

كريمة  مطهرهْ            لكِ الفخارُ والقيمْ

نبيُّنا     محمَّدُ            وشرعُه  الممجَّدُ

وفي رباك تشهدُ           لفضلِ دينِه الأممْ

شبابُنا    وشيبُنا          وللرسولِ حبُّنا

وربُّنا     يثيبنا           له البقاءُ والقِدمْ

وبمثل هاتين الأُنشودتين وغيرهما من الأناشيد المبثوثة في المجموعة : ( أنا الإسلام رباني ، في رحاب المساجد ،  دين الإسلام يحفزنا ، هيَّا للمصحف والتقوى ، حفظتُ آية الكرسي ... ) يجد الناشئ الظلال الوارفة من السكينة ، ويشعر بالعزة لانتمائه إلى هذا الدين ، حيث الفضائل وكسر موجات الفساد التي تستهدف الناشئين في عقيدتهم وأخلاقهم . ثم هو يدغدغ مشاعر الأطفال في مرحلة أعمارهم الأولى حيثُ  ( الصباح الجميل ، أمي ، قلمي والدفتر ، في يوم العيد ، بستان سروري ... ) وأناشيد أخرى تحرك عواطف الطفل نحو أسرته ومدرسته وحيِّه ، وعلى لسانه يقول الطفل في كل صباح وليد :

الـشَّـمسُ أشرقَ iiنورُها
أمِّـي تـحـضِّـرُ iiأكلَنا
أمَّـا  أنـا يـا iiإخـوتي
ونـهضتُ أجري مسرعًا



والأرضُ  تـبسمُ iiبالحللْ
وأبـي يـهبُّ إلى iiالعملْ
فطردتُ عن نفسي الكسلْ
أسـعـى  إلى أغلى أملْ

فالطفل في السنة الدراسية الأولى يألف بعد أفراد أسرته ... الدفتر والقلم والمعلم والمدرسة والكتاب ، وشاعرنا عاش هذه التجربة لأربعين سنة خلت ، فهو أدرى بمشاعر الطفل ، يقول :

قلمي والدفترُ بين يَدَيْ

والعلمُ تدفَّقَ في كَفَّيْ

قلمي قد خطَّ بأوراقي

مافاضَ بقلبي الخفَّاقِ

وكم هو جميل أن يفتخر الطفل الجميل بكتابه الجميل ... في طفولة بريئة جميلة واعدة :

كتابي جميل     كوجه الربيعْ

وفيه حروفٌ     بلونٍ   بديعْ

وفيه    كلامٌ     وفيه صورْ

ويضع شاعرنا بين أيادي الناشئين أمجاد أمتهم ، وما أصابها من وَهَن  وتقهقر في هذا العصر ، فيشحذ هممهم التَّواقة إلى تلك الصور المشرقة بالبطولات والمكرمات ، وإلى تلك الأيام الغاليات الغنية بالحياة الفاعلة الكريمة ، وبالعطاءات اليانعات لكل أمم الدنيا ، فيردد الناشئ هذه الأناشيد : ( وأمتنا هي الأمل المرجَّى ، القدس ، فلسطين ، ذكرى حطين ، يا أمتنا سيري ... ) وغيرها من الأناشيد ، يقول :

أخي يحدوك في ظلِّ السَّناءِ
ويـذكـرُ فيه أمَّتَك iiارتقاء
فـأمتُنا هي الأملُ iiالمرجَّى
فـيـاربَّـاهُ أيِّـدْها iiبنصرٍ



نشيدُ  المجدِ مخضلَّ iiالوفاءِ
فدونك يا أخي دربُ iiارتقاءِ
لـها أُنشودتي ، ولها iiثنائي
وحـقِّقْ في مآثرِها iiرجائي

إنه يُحيي الأمل في نفوس الناشئين الذين يرون أثَّار شكوى  آبائهم وأمهاتهم من مرارة الواقع في فلسطين وغير فلسطين من أوطان المسلمين ، ليبرز لهم مقام أصيل ومقال صريح إذا مارأوا أنفسهم غدا يقفون على ثغور الإسلام ، وعلى ميادين حماية البلاد والعباد والمقدسات ، يقول في أُنشودة يا أمتنا سيري :

يـاُمَّـتَنا  سيري سيري
وارقَـيْ للمجدِ فقد iiكلَّتْ
أقدامُ حضارةِ مَن iiسقطوا
فـضياؤُكِ  وحيٌ iiقدسيٌّ



وأعـيدي  عزَّ iiالوجنتاءِ
عن سُلَّمِه الصَّعبِ النائي
فـي  وهدةِ قفرِ الضَّرَّاءِ
أجـراهُ جـليلُ iiالأسماءِ

ولا ينسى الأطفال والناشئون من أبناء أمتنا مشاهد قتل الأطفال والشباب وترويعهم وسجنهم في فلسطين وما يعاني الناس هناك ، ولكنَّ شاعرنا يأتي إلى الأطفال من باب آخر :

القدس !! وما للقدسِ شكتْ
وأهـالـي القدسِ بلا iiأمنٍ
يـاقـدسُ : أبي قد iiأنبأني
وبفجرِ  السَّابعِ من iiعمري
أنَّ  الـتـحريرَ غدًا iiيأتي




شكوى المكروبِ iiالمنكوبِ
يـاوحـشةَ  دنياهم iiغيبي
عـن سِفرِ الحقِّ iiالمكتوبِ
أيـقـنتُ بقلبي iiالموهوبِ
بـصـلاحِ الدين iiالأيوبي

إنها معادلة أثيرة نفيسة ، تكشف زورَ المزورين ، وكذب الموتورين ، ويفضح الجوانب السلبية لواقع الأمة الأليم البئيس ... يقول في أنشودة أخرى :

فلسطين مازلتِ في قلبِنا          مكانَ  الشَّجا ، ومدارَ الكلومْ

إليك سنأتي ،   وراياتُنا          ترفُّ على اسمِ القويِّ الحكيم

فبينَ يدَينا انطلاقُ قريبْ

رؤاهُ الحبيبةُ ليستْ تغيبْ

وتبقى ذكرى حطين رمزا لشعلة الجهاد ، وعنوانا للتحرير الذي لن يكون إلا بالإسلام ، يقول مايردده الأطفالُ على منابر الإلقاء والتعبير في مدارسهم :

ذكرى بالفخرِ تحيِّيكم           ولساحِ العزِّ تناجيكم

يا مَنْ آمنتم  بالمولى            فتحًا يجري بأياديكم

لفضائلكم   وسجاياكم           ميدانُ النَّصرِ يناديكم

فلأُمَّتِكم ،  ولها  ذممٌ            لظلالِ النَّجدةِ تدعوكم

اهتمَّ الشاعر  كما ذكرنا  بتربية الجيل على القيم الإسلامية النبيلة ، والمفاهيم الصحيحة الواضحة ، تهذيبا للوجدان ، وصقلا للفكر ، وبناء للعقيدة ، فإذا ما استقامت النشأة على هذا المنحى الرباني ، وقوي عود الناشئة ، فإن تلك التنشئة تُؤتي أُكلها طيبا مباركا ، وهكذا تُبنَى شخصية الطفل على منهج قويم ، فيحفظ نفسَه من المزالق ، وفكره من التغريب ، ولسانه عن البذاءة والغناء الرخيص الماجن ، ويتحلَّى بما تحلَّى به الأنبياء والصالحون من خشوع لله وتقوى ، ومن إخلاص ووفاء وعفَّة وصفاء نفس وروحانية ، ومن جرأة وشجاعة وتفاؤل وإنصاف وإخاء ... هذه السجايا جاءت في حنايا أناشيد الناشئين ، فالناشئ حين يوقن بأن العلم سجد في محراب الإيمان ، مرورا بمعجزات القدرة الربانية في الخلق ... لاأظنه يفارق ذلك المحراب ، ففي أُنشودة  : ( إنَّها العين ) :

سـبِّـحِ اللهَ الـذي iiصـوَّرَنا
وحـبـاهُ  بـلـسـانٍ iiناطقٍ
وبــأذن وبــأنـفٍ iiويـدٍ
وبـعـيـنٍ جلَّ ربي لم iiتزلْ
إذ  تـرى الـكونَ بأبهى حلَّةٍ
كـيـف يأتيها الكرى iiيأخذُها





فأتى الإنسانُ في أبهى الصُّورْ
وبـعـقـلٍ فـيه فكرٌ iiمدَّخَرْ
وبـقلبٍ  لو وعى نالَ iiالوطرْ
آيـةً مـعـجـزةً بين iiالبشرْ
وتـرى  الـنَّجمَ بعيدًا iiوالقمرْ
لزوايا  النَّومِ من كفِّ السهرْ !

إلى آخر هذه الأنشودة الغنيَّة بالعديد من المفردات  التي بيَّن فيها الشاعر قدرة الله ، وشيئا من خصائص العين ، ولم ينس أنَّ الجنَّة جزاء مَن فقد بصره وصبر واحتسب ذلك لله رب العالمين كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

وعرَّج بهم إلى حيثُ فنَّد مزاعم المبطلين الذين يحاولون تزيين المفاسد ، ليقع الشباب الناشئ في مستنقعات التدخين والمخدرات التي تسوقهم بعد الإدمان إلى مالا تُحمد عقباه ، يقول في حوار لطيف قصير حول ضرر التدخين :

قال : في التدخين ذوقي
وإلـيـه الـنفسُ iiتهفو
قـلـتُ  : يـاهذا تنبَّهْ
إنَّـه الـوهـمُ iiتـبدَّتْ
لـيس في التدخين iiنفعٌ
إنَّـه شـرٌّ iiمـقـيـتٌ





يـتـسـامـى وشبابي
فـي  الملمّاتِ الصِّعابِ
وأفــقْ  واحـذرْ iiأذاه
بـيـن  عـينيكَ iiرؤاه
فـاسـتـعـذْ باللهِ iiمنه
أخـبـرَ  العارفُ iiعنهُ

ثم يعدد مضار التدخين من سقام وهدر للمال وريح خبيثة ... ليرتدع ناشئو الأمة ، ويبتعدوا عن المحرمات والموبقات التي فتكت بالأمة ، وأوهنت شكيمتها ، وأخَّرت مسيرتها الحضارية . وفي الوقت نفسه دعاهم إلى حظيرة العمل ، وملء أوقات الفراغ بالمفيد ، ودلَّهم على تلك الفضائل : 0 صديقي كتابي ، بنور العلم ، في أسبوع الكتاب ، هتاف فتى ، الطالب الموهوب ... ) وغيرها من الأناشيد في هذا الباب ، ولْنسمعْ مايقول إذا أطلَّ النهار :

أطـلَّ الـنهارُ بدفءِ iiالحياه
فهبَّتْ  تجوبُ رحيبَ iiالمدى
وفي بحثها رزقُها iiالمستطاب
فـجلَّ  الإلهُ اللطيفُ iiالخبير



وأيقظَ  للسَّعيِ سِربَ iiالطيورْ
تغرِّدُ ، تنقرُ ، تمشي ، تطيرْ
وفي شدوِها رفرفاتُ iiالحبورْ
أفاضَ لها الخيرَ حين iiالبكورْ

فقمْ مثلها يافتى في النهارْ

وشمّرْ لسعيِكَ في كلِّ حينْ

وجدِّدْ نشاطَك حيثُ العطاءْ

وحيثُ انتسابُك في العاملينْ

وحيثُ يبيِّن أن البركة في البكور ، وأنَّ نوم الضحى شأن الكسالى ، وفي هذا وذاك دعوة للعمل والإنتاج ومتابعة مافي العصر من مستجدات علمية ، حريٌّ بالناشئين أن يتعرفوا عليها ، ويدخلوا فصولها ، ليكونوا السَّباقين  غدًا  في الاختراعات والإنجازات بمشيئة الله تبارك وتعالى ، ويعدد الكثير من تلك الخصائص في أنشودته الرائعة : ( في سباق العلم والمعرفة ) ونقتطع منها مطلعها :

يـا أُمـنـياتُ على يديَّ iiتحققي
سـبقَ الذين تعلَّموا قومي ، iiوفي
وهـم الـذين بَنَوا بسابقِ عهدِهم
والله جــلَّ جـلالُـه آتـاهُـمُ
قد جئتُ أعملُ ، والشبابُ مطيتي
إنَّ  الـفـخارَ بسعيِ روَّادِ iiالعلى





فـلـقد  أتيتُ ، وهمَّتي لم iiتنفقِ
قـومـي  عقولٌ ويحها لم تورقِ
لـلـناسِ مجدًا ضاحيا لم iiيُخرقِ
نـورا مـبـينًا في البيانِ iiالشَّيِّقِ
لأنـالَ مـايـصـبو إليه iiتفوُّقي
فـي فـيلقِ العلمِ الأعزِّ iiالأصدقِ

نداءات جميلة شيِّقة ، وعبارات تفيض بسحرها ، تهزُّ المشاعر : ( صوتُ الأذان وفي يديه رسالةٌ ) ، ( المجدُ نادى ! مَن يلبي صوتَه ؟ ) ، ( مدَّت إليك العهدَ أمتُك التي ... ) ، ( عِرْق الأصالة وهْجُه بعروقنا ... ) إلى آخر هذه المنظومة التي تحاكي ضمائر الناشئين ، وتستثير فيهم مكامن نخوتهم وحبهم لدينهم وبلادهم ، إرساء للقوة في شخصياتهم ، وتأصيلا للمعاني النبيلة الهادية في قلوبهم ، وذاك من وقود التقوى والهدى الذي صنع فاتحي الصين ، ومحرري فلسطين .