نقوش ذاكرة شريف سمحان
في ندوة اليوم السابع
جميل السلحوت
ناقشت ندوة اليوم السابع الأسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس مجموعة نصوص للكاتب شريف سمحان، تحنل عنوان "نقوش من الذاكرة" الصادرة في ايلول 2010عن دار "الحسن للنشر والتوزيع" في رام الله، والمجموعة التي صمم غلافها علاء البابا تقع في 106 صفحات من الحجم المتوسط.
بدأ النقاش جميل السلحوت فقال:
في هذه النصوص يدخل الزميل شريف سمحان مرحلة جديدة من التجريب، فهو يعود لذاكرته يستحلب منها قضية معينة، يتفاعل معها فتؤرقه ولا يلبث أن يصوغها على الورق غيرآبهٍ تحت أيّ صنف أدبي تندرج، فكانت نصوصه خليطا عجيبا من الأقصوصة والقصة القصيرة والخاطرة والمقالة، وحتى خَلْطِ الحكي بالقص كما في نص"المختار" ففي هذا النص عاد الى الذاكرة الشعبية ، وما تبدعه هذه الذاكرة عن دور المخاتير وألاعيبهم في وقت مضى كان فيه للمختار هيبة وسطوة، وكانوا يستغلون علاقاتهم بالمسؤولين لتحقيق مصالحهم ونزواتهم، وهم يتدثرون بعباءة الحرص على مصالح أتباعهم.
غير أن شريف سمحان ليس أنانيا ولا فرديا في العودة الى ذاكرته، بل انه يتلمس ذاكرة وهموم شعبه، كونها الذاكرة الخصبة والصادقة، والتي لا تخطئ بوصلتها رصد الحقائق وفضحها ولو بأضعف الإيمان، من هنا جاءت أقاصيصه صرخة شعبية مدوية في نقد المسؤولين من خلال أعمالهم ومسلكياتهم وطريقة تعاملهم مع شعوبهم، وهو بهذا لا يخصص مسؤولا بعينه، ولا نظاما معينا، انه ينتقد النظام العربي برمته، لأنه يرى الأنظمة في واد وهموم شعوبها وأوطانها في واد آخر....وهو بهذا لا يبتعد عن الهمّ الوطني خصوصا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وما يعانيه شعبها من عدم استقرار يصل درجة الضياع، فجاءت أقصوصة"غربة واغتراب" لتبين أن أقسى أنواع الغربة هو الاغتراب في الوطن، وجاءت أقصوصة"بحر غزة" لتفضح عار الانقسام والاقتتال على الساحة الفلسطينية، والتي تمثلت في انقلاب حماس في قطاع غزة في حزيران 2006...وما أعقبه من اعتقالات في القطاع والضفة صاحبها خروقات فاضحة لحقوق الإنسان.
وشريف سمحان الذي يؤرقه همّ الوطن ومعاناة الشعب، لم تقتصر نصوصه على السياسة فقط، بل تعدتها أيضا إلى قضايا اجتماعية يسكت عليها كثيرون لاعتبارهم إياها غير ذات أولوية، مع أنه يسقط جراءها ضحايا، فجاءت قصته خنوع لتتحدث عن الخيانة الزوجية، وعن أحد أهم أسبابها وهو عِنَّةُ بعض الأزواج.
لكن شريف سمحان لا يتخلى أيضا عن علاقة الرجل بالمرأة في نصوصه، فجاء بوحه عذبا عن العشق والوجد والغرام، وهذه قضايا إنسانية فطرية في بني البشر.
سنترك النصوص تتحدث عن نفسها للقارئ، فهو الحكم الأول والأخير عليها...ولنترك للقارئ أيضا أن يحكم على محاولات شريف سمحان التجريبية في حبك النصوص الأدبية.
وقالت نزهة ابو غوش
نقوش من الذاكرة
نقوش من الذاكرة، نصوص أَدبية للكاتب الفلسطيني شريف سمحان طبع في مدينة رام الله- بيتونيا الحسن للطباعة والنشر في106 صفحات من الحجم المتوسط. صدر حديثًا، 2010م. لوحة الغلاف للفنان علاء البابا.
قدم الكاتب جميل السلحوت مقدمة للكتاب حيث أنها مرحلة تجريبية جديدة قد استحلبها الكاتب شريف سمحان من ذاكرته.
كانت المقدمة ستكون جيدة لو لم يحدثنا الشيخ جميل السلحوت عما جرى في حكاية "المختار"، وعما حدث في أُقصوصة "غربة واغتراب"، وكذلك عما حدث في أُقصوصة" بحرغزة"، ولو ترك النصوص تتحدث عن نفسها- كما أَشار بنفسه في نهاية المقدمة - لكان هذا أَفضل للقارئ.
لقد نقش الكاتب سمحان كلماته، سواء كان ذلك في القصة أو، الأُقصوصة، أَو الخاطرة أَو الحكاية؛ فكانت نقوشًا جميلة معبرة تحمل سطورها الكثير من آلام شعبه الفلسطيني، وآلام وهموم الشعب العربي بشكل عام.
انتقد الكاتب أَساليب وتصرفات المسئولين بلغة واضحة وجريئة. نقد (الرشاوة)، والحكم الوراثي، والاستبداد بالأفراد البسطاء، وسرقة أَموالهم؛ بل وبيع الأوطان" سأَبيع الوطن في سوق النخاسة" ص14 لقد شبه الكاتب سمحان، المثقفين والمعارضين بالكلاب التي تنبح حتى تسكتها فتات الأَطعمة المتبقية عند المسئولين.
أَظهر الكاتب في نصوصه روح الحرية، وعدم الانجرار وراء المسؤولين في سبيل أية مصلحة حتى لو كلفه ذلك حياته، وصمم على قول الحق، وعدم الرضوخ مهما كلفه الأَمر. لقد أَظهر أَيضًا نوعًا من التحدي للمسئولين" لكنني لم أَفعل شيئًا يضر بالوطن.. كل ما قلته في تلك الجلسة أَنني عربي لا ولن أَنتمي لأَيٍ كان "ص32 .
بدا حزن وغضب الكاتب سمحان واضحًا لما جرى في غزة عام 2006 واعتبر كل ما حدث بين الفصائل عارًا وهزيمة كبرى ، حتى أَنها أَكبر من هزيمة 48، وهزيمة 67 فكانت خيبة لكل الآمال.
لم يبخل الكاتب على إِعطاء المرأَة صفة الجمال الروحي وليس جمال الجسد " صدقيني إِن الجسد ما دام معطيًا ثقافيًا فهو نصٌ معبرٌ نكون قادرين على قراءته وفك طلاسيمه "ص85.كما أَبدى الكاتب شيئًا من الفلسفة عن الجسد" فهيئة الجسد، وأَوضاعه، وحركاته، وسكناته، إِنما هي تعابير مختلفة لمعانٍ مختلفة فالجسد جملة من الرموز يحاول الإِنسان حلها والغوص فيها".
المرأَة في نظر الكاتب سمحان جميلة محبوبة معشوقة من قبل الرجل، وهي أَيضًا لؤلؤة في أَعماق البحر. بدت لغة الكاتب رومانسية شاعرية حين تحدث عنها بهذا المضمون" أَبحث في عينيك عن شيء ما.. عن شوق ..عن بقايا عشق تناثرته الأَيام" ص38.
الصورة الأُخرى القاتمة لوجه المرأَة الآخر أَبرزه الكاتب، فهي المرأَة المزاجية، الخائنة، الفاجرة، الداهية، الماكرة التي يتنكر لها الشيطان. لا أَعلم لما فعل الكاتب ذلك؟ لأَن المرأَة الفلسطينية ليست كذلك، فهي المكافحة، والمناضلة، والمخلصة لزوجها، وأَبنائها، ووطنها. حبذا لو لم يظهرها هكذا في كتابه -الفلسطيني-!
تحدث الكاتب عن قسوة الغربة ومرارتها؛ من أَجل الحصول على لقمة العيش التي يفتقدها في بلاده." برَّ بوعده كما قال.. لكنه عاد في كفن"
أَبدى الكاتب عشقه لمدينة القدس فهي الحبيبة التي عاد إليها بعد طول غياب، وذكر كل الأَسماء التي أٌطلقت عليها على مر العصور: مدينة الأَنهار، مدينة الوديان، راشاليم، يور شالم، يور سلمايا....
وأَخيرًا نشكر الكاتب على إبداعه الأَدبي، ونرجو له المزيد من الإِبداعات، فكتابه يستحق القراءة.
بعدها جرى نقاش شارك فيه خليل سموم وإبراهيم جوهرالذي أشاد بالقصص القصيرة جدا التي وردت في الكتاب.