تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ 55

تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ = 55

مَنْهَجٌ فِي التَّأْليفِ بَيْنَ كُتُبِ الْعِلْمِ وَبَيْنَ طُلّابِها ، بِوَصْلِ حَياتِهِمْ بِحَياتِها

[تَعْليقَةٌ عَلى مَتْنِ " الْمُعَلَّقَةُ الْعَرَبيَّةُ الْأولى  " لِلدُّكْتورِ نَجيبْ مُحَمَّدُ الْبَهْبيتي]

د. محمد جمال صقر

[email protected]

قالَ

قُلْتُ

قَدْ لاحَظَ ذلِكَ ( تقسيم الأوروبيين للأمة العربية قديما وحديثا إلى أجزاء متدابرة ) قَبْلَ الْيَوْمِ أَحْمَدْ كَمالْ عالِمُ الْعاديّاتِ الْمِصْريَّةِ وَاللُّغَةِ الْمِصْريَّةِ الْقَديمَةِ ، فَراحَ يَسْعى إِلى رَدِّ مَنْطوقاتِها إِلَى الصِّحَّةِ الَّتي تُسْعِدُها مَنْطوقاتُهَا الْباقِيَةُ لَها حَتَّى الْيَوْمِ في مِصْرَ وَفِي اللُّغَةِ الْعَرَبيَّة ، فَتَصَدّى لَهُ الْمُسْتَشْرِقونَ يَمْنَعونَ نَشْرَ مُعْجَمِه فِي اللُّغَةِ الْمِصْريَّةِ الْقَديمَةِ ، بِيَدِ عَميلِهِمُ الْأَكْبَرِ في مِصْرَ ، وَلا يَزالُ تَعْطيلُ نَشْرِ الْمُعْجَمِ قائِمًا إِلَى الْيَوْمِ !

كأنه يريد الدكتور طه حسين !

لَيْسَتْ هذِه خَطْوَتِي الْأولى فِي السَّيْرِ عَلى طَريقِ الْواقِعِ الْمُنْسَجِمِ مَعَ التّاريخِ الْحَقيقيِّ ؛ فَلَقَدْ قُلْتُ ذلِكَ وَتابَعْتُه في كِتابي " تاريخُ الشِّعْرِ الْعَرَبيِّ حَتّى آخِرِ الْقَرْنِ الثّالِثِ الْهِجْريِّ " ، الَّذي كُنْتُ قَدْ فَرَغْتُ مِنْ كِتابَتِه بِسَنَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ أَطْبَعَه سَنَةَ 1950 ، بَعْدَ أَنْ وَقَفَ خُصومي في طَريقِ الْكِتابِ كِتابَةً وَتَمامًا ، أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً !

هم طه حسين وأتباعه ، حتى ضاق بالمؤلف العلامةِ المقامُ ، فهجر جامعة القاهرة والقاهرة ومصر كلها ، إلى المغرب ، فاستوطنها ، حتى مات بها ، وبنوه هناك قد تَمَغْرَبوا . ذلك وغيره عرفته من تلميذه المغربي الدكتور سعيد علوش ، في إبان تزاملنا بقسم اللغة العربية من كلية الآداب بجامعة السلطان قابوس ، من مسقط عمان .

حَمَلْتُ الْحِمْلَيْنِ كِلَيْهِما ( تحقيق التاريخ وتحقيق الأدب ) عَلى ظَهْري ، وَمَضى خَلْفي حَشْدٌ مِنْ أَدْعِياءِ التّاريخِ ، يَتَلَقَّطونَ الْفُتاتَ مِمّا عَمِلْتُه ، وَتَساقَطوا عَلَيْهِ تَساقُطَ الذُّبابِ حينَ وَجَدوا أَنَّه قَدْ أَصْبَحَ الطَّريقَ لِإِرْضاءِ الطّاغوتِ الَّذي راحَ يَصْطَنِعُ الْحَميَّةَ لِلْوَحْدَةِ الْعَرَبيَّةِ ارْتِزاقًا وَخِداعًا !

هذا جمال عبد الناصر جبار مصر العنيد !

سَتَرى في سِياقِ الدِّراسَةِ الَّتي أَنْتَ مُقْبِلٌ عَلَيْها (...) ، أَنَّ الْأَفّاكَ الدَّوْليَّ كولومْبُسَ ، قَدْ عَرَفَ بِوُجودِ هاتَيْنِ الْقارَّتَيْنِ ( الأمريكتين ) عَنْ طَريقِ اتِّصالِهِ الْوَثيقِ بِالْعَرَبِ فِي الْمَشْرِقِ وَفِي الْأَنْدَلُسِ ، وَذلِكَ بَعْدَ أَنِ انْحَلَّ عَنْهُما نِطاقُ السِّرّيَّةِ الَّتي كانَ الْقُدَماءُ مِنْ آبائِنا يَفْرِضونَه حَوْلَهُما حِمايَةً لَهُما مِمّا وَقَعَ لَهُما بِالْفِعْلِ بَعْدَ أَنْ شاعَ الْعِلْمُ بِوُجودِهِما فِي الْمَشْرِقِ الْعَرَبيِّ وَفِي الْأَنْدَلُسِ ، مِنْ تَدْميرِ أوروبّا لِأَهْلِهِما وَلِحَضارَتِهِما ، وَالِانْتِفاعِ بِنَهْبِهِما في تَحْصيلِ أَسْبابِ الْقوَّةِ الَّتي غَلَبَتْ بِها عَلَى الْعالَمِ ؛ فَهِيَ سائِرَةٌ بِه نَحْوَ الدَّمارِ ما لَمْ يَتَبَدَّلْ مَجْرَى التّاريخِ !

رحمك الله !

أي مُحَدَّث ملهَم مخلِص رائد كُنْتَ !

لَقَدْ كانَ في جَهْلِ الْماضي عُذْرٌ لِمَنْ عَزَّ عَلَيْهِ مِنَ الْقُدَماءِ أَنْ يَرَى الْكَعْبَةَ مَسْرَحًا لِلِاحْتِفاظِ بِشِعْرٍ كانَ يَراهُ ماجِنًا ، فَأَبى إِلّا أَنْ يَرى وَجْهَه في مِرْآةِ الْماضي ، وَإِلّا أَنْ يَعْكِسَ عَلَى التّاريخِ شَخْصَه ، وَأَنْ يَصُبَّه عَلَى الصّورَةِ الَّتي تَحْلو لَه . أَمّا هؤُلاءِ الْمُحْدَثونَ مِنْ أَصْحابِنا فَكانَ اللّهُ في عَوْنِهِمْ ؛ فَتاريخُ الْماضي أَمامَهُمْ ، لكِنَّ الرَّجُلَ الَّذي عاشَ حَياتَه كُلَّها يَلْعَبُ عَلى عُقولِ طَلَبَتِهِ الْمَساكينِ بِثَلاثَةِ أَلْفاظٍ يَفْرِشُها وَيَبْسُطُها في أَلْفِ كِتابٍ ، ثُمَّ يَلُمُّ شَعَثَها ، وَيَعودُ إِلَى اللَّعِبِ بِها كَما يَفْعَلُ صاحِبُ " الثَّلاثِ وَرقاتٍ " ، بِوَرَقاتِه ، تَحْتَ أَعْيُنِ طُلّابِ الْمَكْسَبِ الْحَرامِ يَنْظُرونَ إِلَيْهِ مَشْدوهينَ راجينَ أَنْ يَلْقُطوا عَنْهُ سِرَّ اللُّعْبَةِ لِيَعيشوا خُلَفاءَه - مِثْلُ هذَا الرَّجُلِ لا يَمْلِكُ إِلّا أَنْ يَلْتَمِسَ ريحًا مِنْ جَديدٍ في نَفْيِ ما قالَ الْآخَرونَ ، لا في كَشْفٍ جَديدٍ تَقْصُرُ عَنْهُ طاقاتُه ! لَقَدْ دَخَلَ عَلى هذِهِ الْقَضيَّةِ كُلُّ باغِمٍ !

بلا ريب يعني الدكتور طه حسين !

في مُعَلَّقَةِ جيلْجاميشَ خَبَرُ الطّوفانِ ، وَهُوَ مِنَ الْقَصَصِ التّاريخيِّ الْمُتَّصِلِ التَّقْديسِ فِي الْمَشْرِقِ . وَقَدْ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ الْكَريمِ خَبَرًا واقِعيًَّا مُجَرَّدًا مِنَ الْأُسْطوريَّةِ الَّتي لازَمَتْهُ فِي الْمُعَلَّقَةِ وَفِي التَّوْراةِ . وَمُعَلَّقَةُ جيلْجاميشَ بِتَمامِها هِيَ قِصَّةُ ذِي الْقَرْنَيْنِ الَّتي وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ ؛ فَلا غَرابَةَ فِي الْقَوْلِ بِأَنَّها كانَتْ مِنَ الشِّعْرِ الْمُقَدَّسِ ، وَلكِنَّ الْفارِقَ الْواسِعَ بَيْنَ واقِعيَّةِ الْقُرْآنِ الْكَريمِ في تَقْديمِهِ الْخَبَرِ وَبَيْنَ أُسْطوريَّةِ الشِّعْرِ في تَقْديمِه نَفْسَ الْخَبَرِ ، هُوَ الْعامِلُ الْمُنْبِئُ عَنْ قَدْرِ حِكْمَةِ اللّهِ فِي اخْتِيارِه رُسُلَه مُتَمَشِّيَةً رِسالاتُهُمْ مَعَ قَدْرِ مَا ارْتَقَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ الْبَشَريَّةُ في سُلَّمِ الِاسْتِعْدادِ الِاعْتِقاديِّ عَنْ طَريقِ التَّجْرِبَةِ النَّفْسيَّةِ الْمُنْضِجَةِ الْمُهَيِّئَةِ لِلِقاءِ النّورِ الْجَديدِ . كانَ الشِّعْرُ الْمُقَدَّسُ الْإِنْسانيُّ يُلائِمُ الْمَرْحَلَةَ التَّكْوينيَّةَ ، وَالْقُرْآنُ يُلائِمُ مَرْحَلَةَ التَّمامِ . فَالرِّسالاتُ السَّماويَّةُ لا تُفاجِئُنا بِما هُوَ خارِجٌ عَنْ مَدى تَجارِبِنا الِاعْتِقاديَّةِ ، وَلا تَثِبُ بِنا إِلى ما نَعْجِزُ عَنْ الِارْتِقاءِ إِلَيْهِ بِنفوسِنا مِنْ واقِعِ تِلْكَ التَّجارِبِ الطَّويلَةِ ، لكِنَّها تُخَلِّصُ لَنا ما هُوَ راسِبٌ في أَعْماقِنا مِنْ تِلْكَ التَّجارِبِ الِاعْتِقاديَّةِ الْآخِذَةِ فِي التَّنامي مَعَ الِاحْتِكاكِ الطَّويلِ بِالْحَياةِ ، وَفي ظِلِّ الْحَضارَةِ الْمُتَّصِلَةِ - تُخَلِّصُه لَنَا الرِّسالاتُ السَّماويَّةُ مِنَ الشَّوائِبِ الظَّنّيَّةِ الَّتي تُكَدِّرُه ، وَمِنْ عَوارِضِ الْقَلَقِ الَّتي هِيَ سِمَةٌ مِنْ سِماتِ النَّفْسِ في تَلَمُّسِهَا الْحَقائِقِ تَحْتَ وِصايَةِ الْعَقْلِ . وَمِنْ هذا تَسْبِقُ الْإِرْهاصاتُ وَالِاسْتِشْرافُ إِلَى الْحَقِّ ، الرِّسالاتِ النَّبَويَّةَ ، ثُمَّ يُسَلَّطُ النّورُ عَلَى الْحَقِّ وَحْدَه ، يُفْرِزُه مِنْ سِواهُ بِوَحْيٍ مِنَ اللّهِ إِلى نَبيٍّ مِنْ أَنْبِيائِه ، وَكَذلِكَ يَبْدُو الْفَرْقُ الْواسِعُ بَيْنَ الْخَبَرِ كَما يَرِدُ في شِعْرِ الشّاعِرِ وَبَيْنَ الْخَبَرِ نَفْسِه كَما يَرِدُ فِي الْقُرْآنِ .

لهذا يخطئ من يبخس الشعر العربي الجاهلي قيمته ، رفعا لقيمة القرآن الكريم ؛ فلقد كان أجدر به أن ينبه من العرب الجاهليين ، على تربية ربهم لهم على عينه ، حتى يتحملوا كتابه .

ثم لهذا يدعي بعض الناس أن لم ينف القرآن عن نفسه الشعرية ، إلا لقُرْبِ ما بينهما والتباسه !

قَدْ رَأَيْنا فِي الْخَبَرِ الَّذي قَدَّمَه لَنَا ابْنُ هِشامٍ جانِبًا مِنْ ثَقافَةِ هذَا الرَّجُلِ ( النضر بن الحارث ) ؛ فَقَدْ دَرَسَ تاريخَ مُلوكِ الْفُرْسِ ، وَدَرَسَ قَصَصَهُمْ مِمّا عَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ هِشامٍ بِاسْمِ رُسْتُمَ وَإِسْفِنْديارَ . وَالْمُلاحَظُ أَنَّ ابْنَ هِشامٍ لَمْ يَدَعْ هذا وَذاكَ إِلّا بِاسْمِ الْأَحاديثِ ، وَإِنْ كانَ أَخْباريُّو الْفُرْسِ يُقَدِّمونَه - وَكُلُّه قَدْ صيغَ صِياغَةَ الْحِكاياتِ السّوقيَّةِ الَّتي يَتَسَلّى بِهَا الْعامَّةُ في مِثْلِ قِصَّةِ " أَبو زيدِ الْهِلالي وَالزَّناتي خَليفَه " ، وَأُثْقِلَ بِالْأَساطيرِ وَالْخُرافاتِ - عَلى أَنَّه تاريخُهُمْ ؛ فَابْنُ هِشامٍ يَصِفُه مِنَ الزّاوِيَةِ الَّتي يَراهُ مِنْها ، فَهُوَ عِنْدَه بِالْقِياسِ إِلى ما يَعْرِفُه عَنِ التّاريخِ ، أَحاديثُ !

إذا حكمت ما فهمته عن مسلسل السيرة الهلالية المصري ، ليسري الجندي ، الذي أتابعه هذه الأيام - فإن حق اسمه أن يكتب " أبو ذيد " - وإن بقيت فيه عامّيّة قلب الواو ياء-  لأنه من الذود عن الأعراض والحياض !

لَقَدْ أَضْني هذَا النَّضْرُ بْنُ الْحارِثِ النَّبيَّ بِما لَمْ يُضْنِه بِه أَحَدٌ !

مثل هذا الخطأ المستمر ( " أَضْني " بنقطتين تحت الألف اليائية ) ، يكفي فيه التنبيه العام ( " أَضْنى " من غير النقطتين ) ؛ فلولا السياق لكان ( أُضْنِيَ ) مبنيا للمجهول !

عَلى كُلِّ حالٍ بَقِيَ الْكِتابُ ( علاقة العربية بالآشورية ) إِلَى الْيَوْمِ ، عَلى حالِه مُنْذُ أَنْهَيْتُه سَنَةَ 1952 ، وَلَوْ أَنَّ هذَا الْكِتابَ طُبِعَ لَأَغْلَقَ الْبابَ في وُجوهِ الْمُتَمَحِّكينَ الَّذينَ اعْتادُوا اسْتِجْداءَ الْعَيْشِ مِنْ أَيْدِي الضّارِبينَ فِي التّيهِ الْغامِضِ بِلا عِلْمٍ وَلا دَليلٍ وَلَوِ ابْتَلَعَتْهُمْ رِمالُهُ الَّتي تَتَلَظّى بِنارِ السَّعيرِ ، سُخْطًا عَلى أَنْفُسِهِمْ لِأَنَّ اللّهَ خَلَقَ الْعَرَبَ ، وَخَلَقَ لُغَةَ الْعَرَبِ ، وَأَلْقى إِلَى الْعَرَبِ في أَوَّلِ الدَّهْرِ بِنورٍ مِنْ عِنْدِه ، فَتَوَلَّوْا عَلى هُداهُ قِيادَةَ النّاسِ إِلَيْهِ في مَوْكِبٍ جَليلٍ مِنَ الْحَضارات ِتَتَعاقَبُ حَلَقاتُه مُذْ ذَرَّ أَوَّلُ شُعاعٍ لِلْفِكْرِ في دُنْيا النّاسِ .

ترى كيف ينظر إليَّ الآن المحقِّرون من شأن العرب قبل الإسلام !

أُضيفُ إِلى هذِهِ الطّامَّةِ الْكُبْرَى الَّتي تَتَمَثَّلُ في إيثارِ الْأوروبِّيّينَ الْمَنْطوقَ الَّذي يَنْحَرِفُ بِالنَّصِّ عَنْ روحِهِ الْعَرَبيِّ ، إيغالًا في تَوْسيعِ الشُّقَّةِ بَيْنَ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ ، وَمُضيًّا مَعَ التَّدافُعِ الَّذي يَقومُ بَيْنَ الشُّعوبِ في حَلْبَةِ الزِّحامِ عَلَى الْمَجْدِ ، وَعَلَى الْماضي ، وَخاصَّةً إِذا كانَ هذَا الْماضي يُحْيي بِحياتِه نُفوسَ قَوْمٍ يُؤْكَلونَ الْيَوْمَ ، وَيَرْجو آكِلُهُمُ اسْتِبْقاءَهُمْ مَأْكلوينَ أَبَدًا .

عرفت منذ قرأت كتابك " تاريخ الشعر العربي " ، أنك وأستاذنا شاكرا- رحمكما الله ! - تصدران عن الفهم نفسه والثقة فيه والهمة له !

لَعَلَّ عَجِلًا إِلَى الْحُكْمِ أَوْ نَزِقًا إِلَى الْوُثوبِ إِلَى الْمِراءِ ، يَظُنُّ الْقُدْرَةَ لِنَفْسِه فِي افْتِراضِ أَنَّ هؤُلاءِ الْمُفَسِّرينَ كانوا مُؤَلِّفينَ مُتَطَوِّعينَ بِاخْتِلاقِ الْأَخْبارِ وَانْتِحالِ الْتَّخْييلاتِ لِتَفْسيرِ الْقُرْآنِ ، وَهِيَ لِلْأَسَفِ عِلَّةٌ أَلْقى بِهَا الْأوروبّيّونَ الْيَوْمَ وَالشُّعوبيّونَ فِي الْماضي ، عَلى رُؤوسِ أَصْحابِ الْفَجاجَةِ وَالْمُرْتَشينَ مِنَ الَّذينَ قَدْ حَسَبوا حِسْبَتَهُمْ عَلى أَساسِ تَقاضي ثَمَنِ ما يَأْخُذونَ مِنْ أُولئِكَ ، شُهْرَةً كاذِبَةً بِاسْمِ الْعِلْمِ ، أَوْ مَدًّا لِحَياتِهِم في وَظيفَةٍ لَمْ يُخْلَقوا لَها في مَعْهَدٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ أَوْ جامِعَةٍ ، بَعْدَ طولِ شُعورِهِمْ بِالْعُقْمِ الْفِكْريِّ الَّذي فَشا هُوَ بِدَوْرِه في حياتِنَا الْعِلْميَّةِ وَأُصِّلَ . وَالْأوروبّيونَ الْيَوْمَ يَصْنَعونَ هذا في تاريخِنا كَيْدًا وَضَلَّةً وَحَرْبًا ، وَيَنْسَلّونَ إِلَيْهِ مِنْ ماضٍ أَلْصَقوا أَنْفُسَهُمْ بِه لَصْقًا ، وَأَخَذوهُ قَرْضًا ، وَهُوَ بَعْدُ تَحَوُّلٌ أُسْطوريٌّ لِماضي غَيْرِهِمْ ، لا يَثْبُتُ لِأَتْفَهِ هذِهِ الْمَقاييسِ الَّتي يَجْتَهِدونَ في تَطْبيقِها عَلَيْنا !

رضي الله عنك !

أية نفس أبية حملت !

وكيف لمثلها أن تأتلف هي وأنفس الأذلة الخونة !

لم يكن يجوز إلا أن ترحل عنها بها إلى حيث تهدأ فتعمل فتخلد في الحكماء الصالحين المصلحين :

" وَما الَّذي لَمْ تَرْتَكِبْ ذَوْقَه في غَمَراتٍ غَدَراتٍ غَوانْ !

تَرْجِمْ أَرى وَجْهِيَ شَمْسًا بِلا عَزْمٍ أَرى قَلْبِيَ لَيْلَ الْهِدانْ

تَرْجِمْ أَفي الْوَجْهِ مِراحٌ وَفي الْقَلْبِ جِراحٌ وَيَعْيا اللِّسانْ

خَلَعْتُ عَنْ قَلْبي ذُنوبَ الْوَرى ثُمَّ تَقَنَّعْتُ قِناعَ الطِّعانْ

وَجِئْتُ فَاقْبَلْنِيَ في أُمَّةٍ لَمْ تَبْتَذِلْ في العيِّ مَعْنى الْبَيانْ

أَزْعَجَنا عَنْ أَهْلِنا أَنَّنا لَمْ نَأْتَلِفْ وَاحْتَوَشَتْنا الْمَعانْ " !