ولادة الأنثى في صور من الشعر المعاصر

يحيى بشير حاج يحيى

عضو رابطة أدباء الشام

لماذا يكره بعض الآباء مجيء الأنثى، وهم يعلمون أن الله تعالى هو الذي يقدّر المقادير؟ وما موقف المرأة من هذا التصرف؟ وهي ليس لها في ذلك ولا حيلة.

إن امرأة أعرابية هجرها زوجها لما ولدت له أنثى وصفت هذا الموقف فأحسنت وأجادت، وأقنعت زوجها أن الأمر ليس لها:

ما لأبي حمزةَ لا يأتينا        يظل في البيت الذي يَلينا

غضبانَ  ألا نلدَ البنينا        تاللهِ  ما  ذلك  في  أيدينا

وإنما نأخذ ما أُعطينا

فرجع إليها، وقبّل رأسها، وحنا على المولودة ، ورضي بعطاء الله!

ومع استمرار هذا الموقف إلا أن الكثيرين نظروا إلى الأمر نظرة صحيحة، على الرغم من أن الذين حولهم لم تتغير نظرتهم كثيراً. يقول محمود كلزي في قصيدة له بعنوان (رؤى) جعله اسماً للمولودة:

وُلدتْ رؤى فانهلّ بشر ضيائها        وتهللتْ  بعيونها النعماءُ

فتطيّرت   كلُّ   النساء   كأنه        قد حلَّ بيتي مأتمٌ وعزاءُ

ويتعجب الشاعر من هذا الموقف، ويتذكر أن في بنات حواء عظيمات وعظيمات، وخالدات كريمات! ألم تعطر صفحات التاريخ فاطمة الزهراء، وعائشة وأسماء وخولة والخنساء؟!

يستذكر الشاعر ذلك كله، ويذكّر الآخرين فيقول:

أثـنـى تُـطلُّ فتشتكي iiحواءُ
تـاريـخنا يسمو بخولةَ iiزاهياً
وزحوفنا بالحق ضمّخت الثرى
فـي  موكب الشهداء أحياءٌ iiلنا
وتـشـرّفـتْ أم لـهم iiبشهادة




والـخالدات  زهتْ بهن iiسماءُ
وتُـنـضِّرُ  الدنيا لنا iiالزهراءُ
كـم  فـارس أهدت لنا iiأسماء
يـزهو بهم في عرسنا iiالأحياءُ
فـاستبشرت  بجنانها iiالخنساء

وهذا شاعر آخر يستبشر بقدوم الأنثى، ولا يجد في مولدها غضاضة، يصور لنا مشاعر الأب وهو يقف خلف الباب تتناهبه مختلف المشاعر والأحاسيس، ينتظر مَن يطل ليخبره عن قدوم المولود. يقول الشاعر رضوان الحزواني في قصيدته (بانة):

لحظات.. والخوف واليأس صنوان
وأرانـي  مـزيـج أمـن وخوف
إيـهِ يـا بابُ! ما وراءكَ يا iiبابُ؟
وأطـلـت  بـشـيرتي، ثم iiقالت
إنـهـا (بـانـة) بـواحة iiعمري
وغـداً  يـبـسم الزمان إذا iiقامت





بـقـلـبـي  يـوثـقـان iiيَـدَيّا
وشـتـاتٌ  مـن الـمـشاعر iiفيّا
أجـبـنـي!  ألا تـرد عـلـيّـا
إنـهـا..  إنـهـا! فـقلت iiرضيّا
وعـطـاء  الـمـنى جمالاً iiوريّا
تـزفُّ الأحـلام خُـضـراً iiإلـيّا

وقد تكون المولودة هي الأنثى الثانية، وقد يكون لمن حول الشاعر من أهل وأصدقاء عذر، ولو أي عذر، فقد كانوا يمنون النفس، ويأملون أن يكون أخاً لا أختاً.. ولكن الشاعر وهو الراضي بما قسم الله تعالى وقدّر يجد في الأنثيين شعاراً من النار!

حـرفان  في سِفر الجنان iiتوهجا
فهما الضياءُ يشع في حَلَك الدجى
وهـمـا بإحسان ستارٌ من iiلظى


ألـفٌ يـكـحـل مـقلتيَّ iiوباءُ
وهـمـا لأعوامي العجاف iiرواءُ
وهـمـا  لـمن رام النعيمَ iiبَراء

وكيف لا تكون نظرة الشاعر المؤمن إلى الأنثى كذلك وقد سمع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي تبشّر أبا البنات بالجنة إن هو أحسن إليهن وصبر عليهن! فعن عقبة بن عامر الجهني قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مَن كانت له ثلاث بنات فصبر عليهن، فأطعمهنَّ وسقاهنّ وكساهنّ مِنْ جِدته، كنَّ له حجاباً من النار" رواه الإمام أحمد في مسنده، وفي بعض الأحاديث: ابنتان أو أختان.

وفي حق النساء قال تعالى: (فإن كرهتموهنَّ فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) "النساء آية 19".

ونختتم بما أورده ابن القيم في كتابه (تحفة المودود بأحكام المولود) ص18.

قال يعقوب بن بختان: ولد لي سبع بنات، فكنت كلما ولد لي ابنة دخلت على أحمد بن حنبل، فيقول لي: يا أبا يوسف! الأنبياء آباء بنات، فكان يُذهب قوله همّي.