الوداع الجماعي للهوى

هشام الصباحي /مصر

[email protected]

ودّع هواك.... أمر مباشر وصريح اصدره أشرف عبد الشافى ..الينا جميعا وربما الى نفسه وذاته الانسانية من قبلنا ..حيث كان هذا الأمر  على هيئة رواية لها نفس الاسم  صدرت فى القاهرة عن دار ميريت  .

فقد وجد عبد الشافى ان الوقت قد حان ان ينفصل الروائى والمبدع عن الانسانى والذاتى ومن هنا قام باطلاق الامر بشكله العسكرى الصارم والمختصر والغير قابل للتأويل..او بشكله الدينى الغير قابل للمخالفة  وبدأ فى كتابة ماهو ذاتى وماهو انسانى وهو يعلم جيدا كمبدع حقيقى انه الان يبدأ فى الوداع لهذه المنطقة وهذه الذكريات التى وضعها عبر

رواية كاملة تحتوى كل ماهو جميل من ذكريات ومشاعر..وقد أجتهد فى هذه المحاولة الروائية ان يقدم لنا اجمل مافى هذه  المنطقة ..قبل ان تغادر الذكريات القلب والرأس وتصبح على الورق مشاع للجميع ,وهكذا

كانت الرواية تبشر بالوداع وكان العنوان بالنسبة لى ودع هواك مناسب لحالتى وحالة العالم وحالة بطل الرواية الذى هو ظل اشرف عبد الشافى نفسه..يقدم اشرف سعيد على خطين متوازيين الخط الاول عندما يعمل صحفيا..والخط الثانى عندما كان يعمل فى تجارة الملابس على الارصفة..وهذه هى احد المتع التى لابد ان تراها فى الرواية والتى يمكنها ان تجعلك ترى ان بائع اقمشة يمكنه ان يكون صحفيا ومؤثر فى مصر..او هذه هى احد الاشياء العجيبة فى مثل بلادنا والتى  

 منها  تجربتى الشخصية التى جعلتنى اقضى اكثر من 19 عام اعمل فى النجارة. ثم فى الصحافة والان اعمل فى الاتصالات..واكتب النقد..انها مصر بلد العجائب وبلد البشر الذين يحملون فى اجسادهم كل امراض الموت ولكن يبقوا على قيد الحياة.

لابد من الاعتراف أنى لم اقرأ من فترة بعيدة هذه الروايات التى تشعر منها برائحة تراب شوارع وازقة القرية المصرية الذى احبه جدا وخاصة ان بلدتى سندوب لم تكن سوى نصف قرية ونصف مدينة اما فى هذه الرواية سوف تشم هذه الرائحة وخاصة فى حكاياته عن حامد الصحفى والمناضل الذى لم يعين حتى فى الجريدة.. والذى كان هو حالة التاريخ الحى الذى يقرأه  ويعيشه البطل سعيد ويتكرر معه ولذا كان لابد ان يقول سعيد ص 85"نفس المأزق الذى وقع فيه حامد مرارا وقعت أنا فيه وهنا فى الوكالة,فلم يكن بإمكانى أن اقول إننى أعمل صحفيا,فهذا إلى جانب استحالة تصديقه إلا بما يثبت ذلك(كارنيه النقابة أو النادى,جواز سفر,بطاقة,او غيرها)كان سيقلب على مواجع أهرب من ثقلها دائما"..لقد تحدث عن حامد اكثر ما تحدث عن نفسه وهى فكرة ان يكون حامد  هو الصورة الاساسية  الاصلية التى خرجت منها صور عديدة واصبحت نسخ مكرره ..وكلها غير اصلية ولكنها تدفعك الى البحث عن النسخة الاصلية , التى لابد ان تحبها جدا وتبدأ من جديد البحث عنها حتى وان كان داخل الرواية نفسها.

الرواية  مليئة بشخوص كثيرة نعرفها وشخوص كثيرة لانعرفها فتكفى الرواية لتعرفك بهم ومنهم..ابراهيم شكرى....مصطفى امين ..ظريف ..سعاد..اميرة..خليل..عماد..نعيمة

لقد كانت الرواية بها تشكيلة عجيبه من البشر فى عالمين متوازيين عالم الصحافة والكتابة وعالم الوكالة والتجارة ..كان الرابط بينهما سعيد ..وربما ايضا تجد نفسك فى الرواية وخاصة اذا كنت مثلى..من الفقراء الذين يمتلكون مواهب واحلام تجعلنا جميعا نقول ونتمنى مثل حامد..الذى يوصفه الروائى "مسكين: أحد عشر عاما يعمل صحفيا ويتمنى فى الوقت نفسه أن يملأ فمه ويقول بفخر لمن يسأله عن عمله"أنا الصحفى حامد السيد" لكنه لم يفعلها,ظل يؤجلها حتى تتحقق بالتعيين,يؤجلها مثلما يؤجل الانتقام من عساكر الدورية التافهين الذين يستوقفونه كثيرا وبطريقة لاتليق على كوبرى الجامغة او فى ميدان رمسيس,كان ينتظر اللحظة التى ينظر اليهم باستعلاء قبل أن يضرب يده فى جيب بنطلونه الخلفى ويفتح المحغظة ويضع كارنية نقابة الصحفيين فى وجوههم فيرتبك كبيرهم"أهلا ياباشا,إحنا متأسفين ياباشا,تأمرنا بحاجة أحنا تحت أمر الصحافة ورجال الصحافة"

هذه اللحظة لم تتحقق لحامد الذى عاد الى قريته ,ولم تتحقق لسعيد الذى يعمل فى الوكالة حتى اخر صفحة من الرواية,ولم تتحقق ايضا لى انا كاتب هذا المقال ايضا,يبدو اننا جميعا حامد السيد.