قراءة في حلقة من كتاب
روزا ياسين حسن ، كاتبة ابداعية رائدة
ربحان رمضان
كاتب وناشط سياسي
الآنسة ، الكاتبة والمهندسة المعمارية روزا الياسين تنقل لنا وفي الحلقة الأولى من كتابها – من ذاكرة المعتقلات السياسية في سوريا بأسلوب أدبي رائع مما دفعني إلى مراســلتها لأطلب منها نشر المقال الذي وصبني عن طريق الايمايل في (مجلة الخطوة) ، فاعتذرَت ولكن بعد فوات الأوان حيث تأخرت في إرسـال الجواب مما جعلني أعتقد بأنها لم تمانع من النشر .
ففي الحلقة الأولى من كتابها (من ذاكرة المعتقلات السياسية ) تنقل لنا صورة عن حال المعتقلات السياسيات في سوريا بأسلوب أدبي ممتاز استقدمته بتعريف بسيط عن الفرق بين الكتابة الروائية والكتابة التوثيقية ، وفي نهاية المقدمة أعطتنا القرار الذي قررت اتخاطه ألا وهو التضحية بروعة التخيل الروائي مقابل حفظ الحقيقة والتجربة .
ثم تتابع تحت عنوان (بمثابة مقدمة) فتورد ماقاله البحتري عن حالة المسجون :
وأسير غدا ً له السجن لحدا فهو حي في حالة الملحود
ومقولة أوردها الكاتب سـعد الله ونوس في مســرحية منمنمات تاريخية يقول فيها (آزدار ) آمر فلعة دمشق عندما اجتاح تيمورلنك دمشق قولا ً يشبه قول البطل السوري الكردي الأصل (يوسف العظمة) فيما بعد عندما أرسل غورو إنذاره بحل الجيش السوري :
" إني أتحصن في هذه القلعة كي لايقال في قادم الأيام اجتاح تيمورلنك هذه البلاد ولم يوجد من يقاوم ." .
تقول الكاتبة الياسين أن تجربة المعارضة السياسية في بلاد الديكتاتوريات وبمختلف أطيافها جزء لا يتجزأ من هذا النسق الذي قال عنه بريشت : فغدا ً لن يقولوا كان زمنا ً صعبا ً ، بل سيقولون : لماذا صمت الشعراء ؟ ..
وترى الياسين أن التجربة النسائية بين صفوف المعارضة تؤكد على ذلك ، لكنها كانت تصطدم على الدوام بالرعب المعشعش في قلوب المعتقلات ، مما جعل الكاتبة لا تحيط بالصورة كاملة .
وتجاوب الكاتبة على السؤال التالي : لم الكتابة عن السجن ؟ وهل سيحقق النص الجمال المطلوب ؟
هل سأغدو بعد القراءة كما كنت قبلها ؟
فتقول : يجب معاملة الكتاب ، وكل ما يكتب عن السجون ، كومضات ضوء تتوالى في العتمة .. لن يتضح المشهد إلا بتوالي الومضات وتكثيفها في تجارب متعددة بتعدد مسارات الطغاة ، متنوعة بتنوع أساليب تعذيبهم وقمعهم ، وعميقة عمق أقبية السجون .
تذكر الكاتبة : لينا " إحدى ضحايا المعتقل " التي كانت ترن في أذنها كلمات أوردال أوز – الكاتب التركي – الذي كان يترجى جسده بلسان بطل روايته كي يساعده على الاحتمال أثناء التحقيق وهي تتلقى ضربات الكرباج اللاسعة على باطن قدميها .
كان وعلى رأي الياسين فارق كبير بين الطي قرأته لينا وبين الواقع الذي عاشته في المعتقل ولفترة طويلة .
وفي كتابتها تستشهد الآنسة الياسين بالملاحم الإغريقية في أمثالها حيث تشبه نظرة المعتقل أو المعتقلة إلى سنواته المنقضية في السجن بقصة " أورفيوس" الذي خسر حبيبته عندما التفت إلى الوراء عبر ممرات الظلام الواصلة إلى أقاليم الموتى السفلية .
ثم وتحت عنوان : الحب غير الحب ، والفرح غير الفرح تورد الكاتبة ماقالته الكاتبة المصرية فريدة النقاش : " لم يعمل أحد بالسياسة من أبناء جيلي ويفلت من تحربة السجن ، أصبح السجن إذا ً جزء من الوجدان الوطني العام " .
تنقل لنا الياسين صورة التحقيق مع ناهد وقد غطى السجان عينيها بطماشة وتركها في غرفة التحقيق تواجه المحقق بعد " حفلة " تعطيب بالدولاب استمرت لساعات ، وكيف كان يكيل إليها الشتائم خلال التحقيق ممعنا ً بالإهانة .. إهانة في شتائمه .. في ضربه لها ، وبوضع الحذاء في فمها أثناء التحقيق .
كما سلطت الضوء على هند التي بحثت عن نبض الحياة بين جدران الزنزانة المظلمة حيث تعرفت على نزيل الزنزانة المحاورة وتبادى حبا ً من وراء الجدران .. تبادلا رسائل ، ومحارم ، وعلب كبريت ، ودخان قبر فراغ الطاقة الموجودة في سقف الزنزانة .
كان واثقا ً من خروجها ولذا ترجاها أن تزورأهله ، تتعرف عليهم ، وتطمئنهم عليه ..
ولما خرجت كان خروجها إلى سجن آخر هو سحن النساء .
لم يسمح لها الوقت بإخباره أنها ستنتقل .. نسيت في زنزانتها رسائله ، ومسابح نوى الزيتون ..
وعلمت فيما بعد أنه بقي معتقلا ُ ست سنوات أخرى .
استطاعت الآنسة روزا أن تستهوي القارئ وتشـــده لقراءة كتابتها باسلوبها الأدبي الرائع ، وتصويرها للحوادث التي ألمت بالمعتقلتين " ناهد و لينا " تصويرا ُ دقيقا ً ومشوقا ً ، كما أنها اسـتندت إلى مراجع أدبية تدل على سعة إطلاع على الآداب العالمية .
روزا جعلتني أنظر على الوراء .. إلى ذلك النفق المظلم ..
وأعادت إلى مخيلتي أيام التحقيق الأولى في أحد فروع الأمن إثر انتفاضة نوروز 1986 في دمشق .