الالتزام الأدبي في أعمال يحيى حاج يحيى للأطفال

الالتزام الأدبي في أعمال يحيى حاج يحيى للأطفال

يحيى بشير حاج يحيى

عضو رابطة أدباء الشام

د. أحمد الخراط

لم تعد قضية الاهتمام بأدب الطفل وتنشئته مسألة جدلية يختلف فيها المربون والأدباء ، وذلك لأن عالم الطفل قائم برأسه ، يحتاج من أصحاب المواهب والخبرات أن يسعوا في بنائه ، وأن يحشدوا من طاقاتهم وإبداعاتهم ليمنحوه صفوها .

ومن هنا كان على أدبائنا أن ينهضوا بما يناسب زخم المسؤولية وأعباءها ، ومن هؤلاء الأديب القاص والشاعر يحيى حاج يحيى ، عضو رابطة الأدب الإسلامي ، الذي تخصص بأدب الطفل في مرحلة المدرسة الإبتدائية . 

ونظرة فاحصة الى انتاجه تؤكد لنا هذا السبق المتيز الذي كان يحوزه حيث كانت تشغله معادلة دقيقة وهي تقديم مادة ادبية تتصف بالمتعة والبناء الفكري المتوازن وكان من انتاجه

سلسلة "قصص من السيرة "1ومن مفرداتها( مؤمن يتحدى المشركين) ويعني به عبد الله بن مسعود و(رجل انقذه الله من النار) ويعني به خالد بن سعيد بن العاص و(احسن الناس وجوها )وهو الطفيل بن عمرو الدوسي و(خير وافد) وهو ضمام بن ثعلبة و(عاقبة الغدر) وفيها جانب من حياة عامر بن الطفيل

يود القاص من هذه السلسلة ان يرسم للطفل دروسا تربوية  من خلال السيرة بعد عرض الومضات المختارة عرضا شائقا بلغة سهلة مناسبة ومعان بعيدة عن التعقيد انه حريص على ان يستمتع الطفل بعالم السيرة النبوية الرحيب بيد ان الاديب الملتزم حريص على ان يحقق معنى اخر يبثه في ثنايا المتعة  

يقول في اقصوصة (مؤمن يتحدى المشركين):

ازداد اعجاب اصحابه به ووثقوا من ان الدين الذي فيه رجال من امثال عبد لله لابد ان ينتصر وان ضآلة الجسم وقلة العشيرة لا تمنع المؤمن من الجهر بالحق وتبليغه الى الناس )

ويخرج الطفل من قراءة السلسلة بزاد فكري مبني على هذه الومضات اللامعة من حياة نماذج لها شانها كما انه يخرج بزاد تربوي وتعليمي مكتوب بأسلوب شائق ولغة مختارة وليس فيها تعبير ركيك أو ضعيف ،وقد صاحب هذا كله اخراج جميل من حيث الشكل وجمال الحرف والضبط ،ويعمد القاص بعد ذلك الى اسلوب النشاط التطبيقي فيكلف الطفل بمجموعة من المهارات العملية كأن يقول له  بعد الحديث عن عبد الله بن مسعود :في كتاب الأربعين النووية حديث رواه هذا الصحابي ابحث عنه واكتبه في الفراغ التالي ، أو يقول له : ( ارسم صورة للكعبة أو ألصق صورة لها )وبذلك تكون هذه السلسلة وسيلة حية تضمنت بناء فكر الطفل وعقله بالأدب والثقافة والتوجيه ، أذلك خير له أم نتركه نهبا لأمثال سلسلة (لايد بيرد ) وغيرها من الأدب الدخيل ؟

2-سلسلة (حكايات شعرية ) وهي مجموعة قصص شعرية موزونةتدور حول عالم الحيوان الذي يستهوي الطفل بما فيه من متعة وطرافة ، كما يجد فيه الشاعر سانحة ليصوغ من خلالها بالأسلوب الشائق المعنى ذا العبرة اللطيفة ، ويساعده على ذلك موسيقى الشعر التي يصطحبها الطفل في إنشاده لها ، فيترنم بإيقاعها وهو يلهو ويلعب ، وهذه الحكايات هي : حيلة الثعلب ، الثعلب والأرنب والضب الذكي ، الأسد والثيران الثلاثة التي ينشد فيها:

قال له الليث أنا الغضنفرُ

                                وهذه الغابة لي يا أحمرُ

لأجعلن لحمك أشهى وجبة ِ

                                 قد طال شوقي يا قليل الخبرة

الليث لم يرحم صراخ الأحمرٍ

                                 والبائس المخدوع في تحسّر

يصرخ صرخاتِ الأسى المنقبضِ

                               إني أٌكلت يوم أكل الأبيض ِ

ثم تأتي حكاية مجير أم عامر التي يقول فيها :

فأبعدت وأسرعتْ                  لكنها ما انتفعتْ

فأنشب السهم بها                 وكان ذا عقابَها

ونال منها ثأره                    وقال فيها شعره

ومن يصنع المعروف في غير أهله

                                     يلاق الذي لاقى مجير أم عامر

وأما الحكايتان الخامسة والسادسة : العيد والأصدقاء ، ضيوف حاتم الطائي، فلا تدوران حو ل عالم الحيوان ، بيد أنهما يدوران في الفلك الذي يهواه الطفل . والحكايات جميعها من الرجز الذي يختلف في حرف الروي ، ويتحقق في كل منها العبرة التربوية المنشودة ، على الطريقة غيرالمباشرة ، التي تعتمد على المتعة في الإنشاد ، والمعنى التربوي ، واللغة السهلة البعيدة عن الركاكة والضعف ، والرسومات التي تستهوي الطفل في المرحلة المبكرة .

 والسلسلة الشعرية هذه مفعمة بما يثير عند الطفل حب الاستطلاع ، ومعرفة  النتيجة ، بعد تلاحم عناصر العقدة البسيطة التي آلف بينها الشاعر ، وفي هذا معرفة بأغوار نفسية الطفل ، في هذه المرحلة الزمنية من عمره ، وقد ابتعد الشاعر عن تقديم النصيحة المباشرة التي تدخل في دائرة الوعظ الصرف ، وإنما قدم المعنى التربوي الذي يتطلع إلى غرسه عن طريق قنوات الإنشاد الشعري ،  والإيقاع الجميل ، والخيال الرحيب ، واللفظة الموحية . 

3- سلسلة ( أسمعني حكاية ) (3)وهي مجموعة أقاصيص نثرية تعتمد كذلك عالًمي الحيوان والطبيعة :  الجدول الضائع ، السمكة الذكية ، الديك الذي لايصيح ،والوردة الحمراء ، الحمامة الأمينة ، ويقف وراء كل أقصوصة منه معنى نظيف ، والتزام هادف مبثوث في ثناياها ، من مثل قول الوردة الحمراء للنحلة " شكرا لك أيتها الصديقة إنك لم تقابلي عملي السيء بمثله ، ولولا مساعدتك لي لما عدت إلى الحديقة " ومن الطبيعي أن يعتمد الأديب على بساطة العقدة ، لأنه يكتب للبراعم ، فقصة الوردة الحمراء مثلا تدور بين وردة تقابل سلام النحلة لها بجفاف ، ثم يصيبها الذبول ، مما يجعل صاحبها يقتلعها ويرمي بها بعيدا ، ولكن النحلة تعطف عليها وتساعدها على عودة الألق والشذا إلى أوراقها .

ويتبين في أقصوصة ( السمكة الذكية )  ضرر الاعتداء على الآخرين ، تقول السمكة الصغيرة :( كنا نظن أن السمكة الكبيرة قوية لكثرة ظلمها لنا ، ولكن جاء من هو أقوى منها !عندما نكبر يجب علينا ألا نعتدي على من هو أضعف منا ، حتى لا نقع في قبضة من هو أقوى منا ) أما أقصوصة ( الديك الذي لا يصيح ) فتدور حول ديك كسول يتصف بالأنانية ، حيث لم يفعل شيئا ، بل كان يأكل الحب وينام ويصر على حبس صوته ( كيف أصيح وأم علي تطعم الدجاجات أكثر مني ، والدجاجات قاعدات على البيض ، وأنا وحدي أدور وأتعب )

وهذا الموقف من الديك يجعل صاحبته تستغني عنه ثم يندم الديك على مافعل ،ولكن لم ينفعه الندم .

ونقرأ في اقصوصة الجدول الضائع "خير لي ان اكون في الثمرة ينتفع الناس بي من ان ابقى ضائعا بين الرمال "

4-سلسلة " أناشيد الطفولة " وهي مجموعة شعرية في اربعة اجزاء تبدأ الأولى بالعقيدة حيث يختار الشاعر مشاهد واقعية مما يلفت نظر الطفل كالارض والنجوم والبحار وعالمي الحيوانات والانسان وقد عني بعرض فكرة بسيطة عن طريق سؤال يردده الطفل نفسه ثم يكون الجواب المنطقي برد الأمر كله إلى الله، فهوالخالق الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى ،يقول في قصيدة (من علّم النمل )

هذا نمل ما اصغره  

يمشي هونا ما اصبره

 من علمه هذا الصبرا

من اسكنه هذا الوكرا

من علمه نقل الحب

من بيدرنا وعلى الدرب

الله تعالى علمه

الله تعالى ألهمه

ويستطيع الشاعر بريشته الشاعرية المبدعة ان يسهل بعض المعاني العقلية المجردة التي تحتاج الى تصور سابق لإدراكها ويعرضها امام الطفل واضحة فاعلة، يقول في قصيدته "في ميزان الآخرة "

هذا رجل عند الحشرِ ِ

ماأبخسه في الميزان

ليس له عند الرحمن

حسنات من عمل الخيرِ ِ

في الدنيا بطلا ظنوه ُ

وهنا وافى كي يزِنوهُ

خفّ كثيرا عند الوزن

وضخامته ليست تعني

ما ابخسه في الميزان

اثقل منه جناح بعوضة

اما المجموعة الثانية فكانت عن الأسرة والمجتمع، وهدف الشاعر منها ان يربط الطفل المسلم باسرته والاقربين فيعطي هذا الطفل كل ذي حق حقه من إسداء الفضل لأهله ومايتبع ذلك من احترام وتقدير .فعلى الطفل واجبات جمة تجاه اهله واقاربه ومجتمعه يقول في قصيدة "ابي يعلمني ":

ابي الغالي يعلمني

يربيني ويرشدني

وان قصرتُ في فرض  

يخاصمني يؤدبني

لقد اصبحتُ ذا سبع

فكيف اضيّع الفرضا

وتأتي بعد ذلك المجموعة الثالثة وهي خاصة باناشيد العبادة والسلوك يقول عنها في مقدمته :"لم يكن القصد منها تعليم الفرائض وكيفية ادائها بقدر ماهو تحبيب بها وتعميق معانيها ولم يقصد منها حشر المعلومات في ذهن الطفل عن السلو ك والدعاء وكيفيتهما بقدر ماهو نقل لمعانيها بلغة الشعر المحببة "

ويقول في قصيدة (عند الاستيقاظ)

حمدا للباري احياني                    واعاد الروح وعافاني

                   فإلى الله الحق نعود

بعد النوم ابدا يومي                         كم احمده قد الهمني

                    ان اذكره خير الذكر

وتمضي المجموعةالرابعة في أناشيد السيرة والجهاد حيث يود الشاعر من خلالها ان يربط الطفل المسلم بتاريخه الاسلامي فيتعرف على وقائعه من خلال ابرز احداثه ويتابع عظمة الاجداد وانجازهم يقول "في غزوة احد ":

عادالكفار إلى الثأر          للقتلى في وقعة بدر

بجموع نزلت في احد           بقلوب اقسى من الحجر

فمضى الاصحاب مع الهادي           لترفرف اعلام النصر

ولايعترض الطفل وهو يترنم بالايقاع الشعري الذي تختزنه المجموعة اية عثرة من لفظة تصعب عليه ،او معنى يغيب عنه ،وانما تراه ينسجم مع العرض ويطرب له ،ويصير على لسانه اغنية تشدّ عليه انتباهه، وتشغل وقته،! أذلك خير أم أدبهم الآخر بما يمتلكه من مبالغات وخرافات لا تقدم له سوى إثارة عرضية تغيب بعد مطالعتها .

وللأستاذ يحيى الحاج يحيى عملان قصصيان آخران ، طبعت الأول إدارة الثقافة والنشر بجامعة الإمام محمد بن سعود بعنوان ( قاضي الجيران وحكايات أخرى ) وطبعت الآخر هيئة الأعمال الخيرية بعنوان (حبتان ) كما أن له دراسة جادة عن "أثر القصة في الطفل المسلم "4، تحدّث في الفصل الأول عن أثر القصص في الأطفال وواقعها ، شرح فيها خطر القصص المترجمة ،والتصور الإسلامي القصص الجن ،والاتجاهات المعادية ، وكيف استغلت  ميدان القصة .

أما الفصل الثاني فقد تحدث فيه عن المادة التي يقرؤها الأطفال و عرض نماذج للأدب الآخر وبيّن الثغرات الكبيرة التي تحويها ، وأشار إلى عمل أستاذ تونسي قدم القصص القرآني في رسوم متحركة ، حيث أقدم على تجسيد قصص القرآن وتحويل نصوصه إلى رسوم متحركة ، بدعوى تثقيف النشء وتربية الأجيال وتوجيه الشباب ،؟! وبيّن الأستاذ يحيى المآخذ التي أخذت على هذا العمل ، فهو يخلط بين ما جاء في القرآن الكريم وما يكتبه هو ، وهذا الأمر له آثار سلبية على الناشئة ، إذ يجعلهم يعتقدون أن كل ما يقرؤونه هو نص القصة القرآنية مع أنه ليس كذلك .

ثم شرح بعد ذلك البدائل التي تكاد تخلو من الشوائب ، وشجّع الناشئة على قراءتها ، وعرض أخيرا ملحقا فيه صور وخطوط من الأدب الآخر ، ليتبين للقارئ خطرها على الناشئة .

والحقيقة أن أعمال الأستاذ يحيى حاج يحيى الشعرية والقصصية من النماذج الملتزمة برسالة الأدب الإسلامي ، فهو حريص على إسلامية الثوابت والوسائل ، من ثوابته : المعنى النظيف ، والعبرة الهادفة ، والتوجيه التربوي ،ومن وسائله :اللغة السليمة والأداة غير المباشرة ،والخيال المثير المحدود بإطار الواقع، وينتظم هذا كله فكرة بسيطة توائم الطفل في مرحلة الدراسة الابتدائية التي تخصص بها ، وأبدع في مضمار العطاء لها .

1)  طبع في جدة ، دار المجتمع ، 1415هـ 1994م

2)  طبع في عمان ، دار عمار ، 1407هـ، 1978م ضمن سلسلة بشر

3)  طبع في جدة ، دار المطبوعات الحديثة ، 1406هـ،1986م

4)  القصة وأثرها في الطفل المسلم ص7

5)  للأستاذ يحيى ديوان شعر للأطفال ( تغريد البلابل ) يستحق أن يفرد بدراسة خاصة .